مطالب حقوقية للجزائر برفع القيود غير المبررة على الجمعيات

طالبت 8 منظمات حقوقية السلطات الجزائرية بوضع حد للقيود المفرطة على منظمات المجتمع المدني، وسنّ قانون جديد لتنظيم الجمعيات يفي بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، مشيرة إلى أن مسودة مشروع القانون المقترح لتنظيم الجمعيات، كبديل عن القانون المعمول به منذ العام 2012، تنتهك بشكل أكبر حرية تكوين الجمعيات.

وبحسب المنظمات فإن النص المقترح، حسبما اطلعت عليه المنظمات، لا يُعالج القصور في مواد القانون الحالي التي تنتهك الحق في حرية تكوين الجمعيات، بل يضيف إليها قيودا جديدة ويعزز هيمنة الحكومة على الجمعيات.

كما لا يسمح المقترح للجمعيات بالتأسيس دون إذن مسبق من السلطات، خلافا لما ينص عليه الدستور الجزائري. ينبغي للمنظمات سحب هذا المقترح وعدم تقديمه إلى البرلمان.

قال أليكسيس ثيري، المستشار القانوني لـ “منّا لحقوق الإنسان”: “ينبغي أن تتوقف السلطات الجزائرية عن وضع العقبات أمام عمل الجمعيات بحرية. بدلا من معالجة أوجه القصور في قانون الجمعيات الحالي، يزيد مشروع القانون المقترح الوضع سوءا”.

منذ انطلاق احتجاجات الحراك الشعبي في 2019، تواجه منظمات المجتمع المدني في الجزائر حملة قمع وقيودا متزايدة.

فقد حظرت السلطات التجمعات العامة والسياسية، واستهدفت المنظمات الحقوقية والمدافعين عن حقوق الإنسان، كما قررت حل منظمتين بارزتين هما “تجمع – عمل – شبيبة (راج)” و”الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان”.

وينطوي قانون تنظيم الجمعيات لعام 2012 على أحكام فضفاضة ويفرض إجراءات مرهقة لتسجيل الجمعيات ومزاولة أنشطتها.

مسودة مشروع القانون الجديد، والتي لم تعرض بعد رسميا على البرلمان، تمنح وزارة الداخلية صلاحيات واسعة بشأن تسجيل الجمعيات ومراقبة عملها وتمويلها، فضلا عن صلاحيات شبه مطلقة للتحكم في أنشطتها.

كما يضع المشروع قيودا تعسفية على أهداف الجمعيات وطبيعة نشاطها. إذ يطرح تعريفا ضيقا لهدف الجمعية بكونها “سندا للسلطات العمومية في تسيير الشأن العام… بغرض تجسيد السياسة العمومية” وهو ما يتعارض مع مبدأ وجود مجتمع مدني مستقل.

ويشترط أن تحترم الجمعيات القيم الوطنية مثل “الوحدة الوطنية والسلامة الترابية” و”المكونات الاساسية للهوية الوطنية”، وهي مصطلحات فضفاضة يمكن استخدامها لتقييد عمل الجمعيات بشكل تعسفي.

كما يحظر مشروع القانون على الجمعيات “أي علاقة” مع الأحزاب السياسية أو تلقي دعم مالي منها، أسوة بقانون 2012 الساري. ويُخضع التمويل الأجنبي لإذن مسبق من وزارة الداخلية أو الوالي (ممثل السلطة التنفيذية على مستوى الولاية)، ويتطلب “شهادة مطابقة” لأي تبرع أو وصية لجمعية وطنية تتجاوز 1,500,000 دينار جزائري (نحو 11,550 دولار أمريكي).

ومشروع القانون المقترح يُبقي أيضا على متطلبات صارمة لتأسيس الجمعيات، منها عقد جمعية تأسيسية بحضور محضر قضائي، وعشرة مؤسسين كحد أدنى للجمعيات البلدية أو 25 عضوا مؤسسا “مقيمين في ثلث ولايات الوطن على الاقل” للجمعيات الوطنية.

كما يشترط أن يكون جميع المؤسسين من المواطنين الجزائريين الذين لم يدانوا بجريمة، ما سيمنع العديد من النشطاء الحقوقيين من تأسيس الجمعيات في ظل الأحكام بحقهم في السنوات الأخيرة عقابا على ممارسة حقوقهم الأساسية.

وتتناقض هذه الشروط مع “الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب”، الذي صادقت عليه الجزائر في 1987، و”المبادئ التوجيهية بشأن حرية تكوين الجمعيات والتجمع في أفريقيا”، التي تنص على أنه “لا يلزم أكثر من شخصين لتأسيس جمعية ما”، وأنه “لا يجوز أن تمنع الإدانة الجنائية السابقة وحدها الشخص من تأسيس جمعية”.

كما يفرض مشروع القانون نظام تسجيل مرهقا، مشابها لنظام التسجيل في القانون الحالي، إذ يُلزم الجمعيات بتقديم وثائق معينة لمراجعة السلطات، على أن تصدر السلطات بدورها وصل تسجيل التصريح خلال 30 إلى 60 يوما. إثر ذلك يجب نشر الوصل المذكور في صحيفة واحدة على الأقل في غضون 30 يوما.

وإذا لم تصدر السلطات الوصل في الأجل الموكل لها، تُعتبر الجمعية مسجلة قانونا، لكن لا يُسمح لها بمزاولة الأنشطة. واجهت عمليا العديد من المنظمات الحقوقية عائقا كبيرا لدى محاولة استصدار وصولات التسجيل.

وفي ذلك، تخالف أيضا هذه الإجراءات المبادئ التوجيهية للجنة الأفريقية، التي تنص على أن الجمعيات يجب أن تتلقى فورا وثائق رسمية تؤكد تسجيلها.

وبموجب مشروع القانون يحق للسلطات رفض تسجيل الجمعية بقرار “معلل”، لا يمكن الطعن فيه إلا أمام القضاء. ويتوجب على الجمعية إشعار الوالي عند فتح أي مقر، وله حق الاعتراض لـ “الحفاظ على النظام العام والأمن”.

ويُبقي المشروع أيضا على القيود المفروضة على الجمعيات الأجنبية، ما يعيق قدرتها على العمل بحرية، ويمنح وزارة الداخلية صلاحيات مفرطة، في مخالفة للمبادئ الأفريقية. كما يخضع التعاون بين الجمعيات الجزائرية والأجنبية أو المنظمات الدولية لشروط غامضة، مثل احترام “الثوابت الوطنية والمبادئ الأساسية”.

ويُشترط أن تراعي العلاقات مع المنظمات الدولية علاقات “الصداقة” بين الجزائر ودولة المنشأ. إذ تتطلب الجمعيات التي تضم أعضاء أجانب “اتفاقات صداقة أو تعاون” بين الجزائر ودول المؤسسين. ويخضع كل ذلك لموافقة وزارة الداخلية، القابلة للإلغاء في أي وقت، دون تحديد إجراءات للطعن في حال الرفض أو الإلغاء.

كما يُلزم مشروع القانون الجمعيات بتقديم محاضر وتقارير مالية وتفصيلية إلى السلطات خلال 30 يوما بعد كل اجتماع عام، ويُجيز لموظفي وزارة الداخلية دخول مقار الجمعيات في أي وقت والاطلاع على الوثائق الإدارية والمالية، وهي صلاحيات تفتح الباب أمام المراقبة المفرطة دون إشراف قضائي، وتُعرّض الجمعيات لمزيد من الانتهاكات.

قد يعجبك ايضا