مطالبات بوقف التهديدات لصحفيي قناة “دجلة” في العراق
جنيف– أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن بالغ قلقه إزاء التهديدات الخطيرة التي يتعرّض لها الصحفيون في العراق، مؤكدًا على مسؤولية الدولة في حماية أرواحهم، وضمان حرية العمل الصحفي في البلاد.
وأبرز المرصد الحقوقي الدولي ومقرّه جنيف في بيان صحفي، التهديدات الأخيرة التي تلقّاها عاملون في قناة “دجلة الإخبارية” عقب بث قناة “دجلة طرب” التابعة لمؤسسة “دجلة الإعلامية” مقاطع غنائية في يوم “عاشوراء” (10 محرم في التقويم الهجري ويوافق ميلاديًا تاريخ 28 أغسطس/آب 2020، وهو يوم مقدس لدى الطائفة الشيعية يُمنع في بث الأغاني، وتُمارس فيه طقوسًا دينية خاصةً في مناطق وسط وجنوب العراق.
ووفق متابعة الأورومتوسطي، بدأت جهات حزبية وأخرى تابعة لتنظيمات مسلّحة بالتحريض على العاملين في قناة “دجلة”، ونشرت أسماء المراسلين العاملين في القناة الإخبارية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتوجيه تهديدات خطيرة لهم، ومطالبتهم بإصدار بيان توضيحي حول الحادثة بصفتها “انتهاك جسيم لقدسية اليوم الديني”.
رصد الأورومتوسطي تعرّض صحفيين سابقين في قناة دجلة الإخبارية -استقالوا بسبب الحادثة- لتهديدات بالقتل، وهم؛ زيد الفتلاوي (مراسل صحفي في الديوانية)، ومحمد البولاني (مصور صحفي في الديوانية)، وعلي محمد (مراسل صحفي في واسط)، وكرار العساف (مراسل صحفي في النجف)، وسيف علي (مراسل صحفي في بغداد)، راسم كريم (مراسل صحفي في ذي قار).
كما انتشرت العديد من البيانات التي تحرض ضدهم وتطالب القوات الأمنية بعدم التعاون معهم أو اعتقالهم في حال ممارستهم العمل الصحفي،وأصدر كذلك بعض رؤساء الحكومات المحلية بيانات لمنع عمل هؤلاء الصحفيين داخل المحافظات.
تحدث الأورومتوسطي مع أحد الصحفيين الذين تعرضوا للتهديد وهو المراسل “زيد الفتلاوي” والذي قال حول الحادثة: “طالبتنا العديد من الجهات توضيح موقفنا بخصوص ما حدث، فقمت أنا ومن خلال صفحتي الشخصية ببيان موقفي، وأوضحت بأني وزملائي نعمل في قناة “دجلة الإخبارية” وليس في قناة “دجلة طرب”، ولا نملك صلاحية إيقاف البث الغنائي في ذلك اليوم، كما أننا نرفض أيضًا عدم احترام الطقوس الدينية لأي فئةٍ كانت.
وأضاف “على الرغم من إيضاح موقفي، إلا أنّني تعرّضت بعدها للهجوم المباشر والتحريض، بحجة أنّ تبريري يندرج ضمن إطارالدفاع عن الخطأ وانتهاك الطقوس الدينية.
شاهدت الكثير من المنشورات التي تطالب بالقصاص من مراسلي قناة “دجلة”، وتم إصدار العديد من البيانات لإيقاف عملنا ومنعنا من النشاط الإعلامي”.
وتابع “الفتلاوي”: “التحريض المباشر عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، والرسائل الخاصة التي كانت تصلني أنا وزملائي من بعض الجهات المسلحة دفعتنا لإعلان استقالتنا من قناة “دجلة” رغم أنها مصدر رزقنا الوحيد، كما أن الجميع يعلم أنّنا نمارس عملنا الصحفي باستقلالية وحياد”.
وأوضح أنّه استقبل مع زملائه رسائل شكر بعد إعلانهم الاستقالة، لكن لم يمرّ وقت قصير حتى بدأ صحفيّون وناشطون ينتمون لجهات سياسية ببث إشاعات عن أنّ استقالتهم وهمية وشكلية لا أكثر، فعادت الهجمة من جديد للمطالة بمعاقبتهم وقتلهم أو طردهم لـ”يكونوا عبرة لغيرهم من الصحفيين”.
في 31 أغسطس/آب 2020، اقتحمت مجموعات مجهولة ترتدي الزي المدني وعناصر مسلّحة تعمل في الأجهزة الأمنية، مقر قناة “دجلة” وحطّمت جميع محتوياته، ثم أضرمت النار في المبنى ومنعت فرق الدفاع المدني من الوصول إلى المكان.
وفقًا للمعلومات التي حصل عليها الأورومتوسطي، اقتحم مسلّحون بعض المكاتب التي كان يعمل بها الصحفيّون الذين تعرّضوا للتهديد، وسألوا عن أرقام هواتفهم وعناوين سكنهم، وهو ما قد يعد مقدّمة لاستهدافهم وإيذائهم على نحو خطير في ظل موجة التحريض الواسعة التي يتعرّضون لها.
يعتقد المرصد الأورومتوسطي أنّ حملة التحريض والاستهداف التي يتعرّض لها هؤلاء الصحفيون ليست في الحقيقة بسبب ما أثير حول البث الغنائي فقط، بل تتعلّق بشكل رئيسي بنشاط الصحفيين في تغطية الحراك الشعبي العراقي المستمر منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019، إذ استخدموا صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي لمتابعة الفعاليات الاحتجاجية ودعمها والترويج لها.
تتنافى الانتهاكات التي تتعرض لها المؤسسات الإعلامية في العراق والتهديدات التي يتلقّاها العاملون فيها مع القوانين والتشريعات الوطنية والدولية ذات العلاقة، ومع قواعد حرية الرأي والتعبير، وتندرج في إطار “ترهيب العمل الصحفي” الذي أصبح سمة بارزة في العراق.
قال المدير الإقليمي للأورومتوسطي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “أنس جرجاوي”: “إنّه لمن المؤسف أن يتعرّض الصحفيّون إلى تهديدات علنية بسبب عملهم الصحفي، أو يتم التحريض عليهم بسبب أحداث لم يكونوا بالأساس جزءًا منها.
من الواضح أنّ سطوة الميليشيات المسلّحة في العراق تزداد يومًا بعد يوم في ظل عدم وجود إرادة/ قدرة لدى الدولة للسيطرة على المظاهر المسلّحة غير الشرعية، وهذا يضع جميع النشطاء والصحفيين في دائرة الاستهداف المستمر”.
ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان السلطات العراقية إلى الاضطلاع بمسؤولياتها في توفير الحماية الكاملة لهؤلاء الصحفيين، ووقف أشكال التهديد والتحريض كافة التي يتعرضون لهاعبر عدد من القنوات الفضائية المحلية التابعة لجهات حزبية، ومواقع التواصل الاجتماعي.
كما حثّ الأورومتوسطي نقابة الصحفيين على الدفاع عن حقوق الصحفيين من خلال دعمهم في استرداد حقوقهم التي فقدوها بسبب التحريض، وفي مقدمة ذلك عودتهم لوظائفهم التي اضطروا إلى الاستقالة منها بسبب التهديدات الخطيرة التي تعرّضوا لها.
اقرأ أيضاً: منظمة العفو تدعو الجزائر إلى وقف “المضايقات القضائية” ضد الصحفيين