مطالبات بإلغاء القوانين الجائرة القامعة لحرية التعبير في تونس عقب حكم قاسٍ بحقّ مدوّن
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إنّ محكمة تونسية حكمت في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 على المدوّن وجدي المحواشي بالسجن سنتين لنشره مقطع فيديو على “فيسبوك” اعتبره مسؤول قضائي مسيئا.
نشر المحواشي (31 عاما)، الذي يعلّق بانتظام على القضايا العامة في تونس، مقطعَ فيديو في 1 نوفمبر/تشرين الثاني على صفحته على فيسبوك، ندّد فيه بعدم اعتقال النيابة العمومية إماما تونسيا بدا أنه يبرّر قتل مَن يهين النبي محمد، ولعدم فتح تحقيق في القضية.
بدلا من ذلك، اتهمت النيابة المحواشي بـ”اتهام مسؤولين بجرائم من دون تقديم أدلّة، والإساءة للغير عبر شبكات الاتصالات، والقذف، وإهانة موظف عمومي أثناء مباشرة وظيفته”. تستند الاتهامات إلى المجلة الجزائية ومجلة الاتصالات للعام 2001 في تونس.
قال إريك غولدستين، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: “تكثرفي القوانين التونسية المواد الفضفاضة التي تستخدمها السلطات لمعاقبة حرية التعبير وإسكات المنتقدين. تعتدّ تونس بتعزيزها لحرية التعبير منذ ثورة 2011، لكنها تتراجع في حماية هذا الحق”.
نُشر فيديو الإمام في أعقاب مقتل المدرّس سامويل باتي في مدرسة رسمية في فرنسا في 16 أكتوبر/تشرين الأول على يَد لاجئ شيشاني، بعد أن عرض باتي رسوما كاريكاتورية للرسول محمد في الصفّ كجزء من درس حول حرية التعبير. يبدو أن الفيديو الذي نشره الإمام حُذف من فيسبوك لاحقا.
انتقد المحواشي في منشور على فيسبوك في 1 نوفمبر/تشرين الثاني النيابة العمومية لعدم تحقيقها في شكوى كان قد رفعها في 2019 ضد عناصر شرطة ادّعى أنّهم اعتدوا عليه بالضرب. استخدم المحواشي لغة يمكن اعتبارها بذيئة، لكنه قال إنه كان يهاجم فقط هذا النائب العام فقط وليس الجهاز القضائي بأكمله.
اعتقل عناصر من “وحدة مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة” في حي الخضراء المحواشي يوم 2 نوفمبر/تشرين الثاني، واستجوبوه لمدة أربع ساعات على الأقل في حضور محاميه محمد علي بوشيبة، وهو من مؤسسي منظمة “مدوّنون بلا قيود” التي أنشأها محامون متطوعون للدفاع عن نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي وغيرهم ممَن تمت مقاضاتهم بسبب منشورات على فيسبوك.
قال بوشيبة لـ هيومن رايتس ووتش إنّ عناصر من الشرطة قصدوا منزل أسرة المحواشي في وقت متأخر من الليل بحثا عنه، وأضاف: “كنّا نعلم أنه سيُعتقل. اعتقلته الشرطة بعد يوم واحد فقط من نشره هذا الفيديو”.
بحسب بوشيبة، قال المحواشي للمحقّقين إنه لم يكن يستهدف أي شخص بمنشوره، وهدف بردّ فعله فقط إلى الوشاية بفيديو الإمام، لغرض وحيد هو شجب الأفكار المتطرفة والإرهاب.
أدانت المحكمة الابتدائية في العاصمة تونس المحواشي بتهمة “النسب لموظف عمومي أمورا غير قانونية متعلّقة بوظيفته من دون الإدلاء بما يثبت صحّة ذلك”، التي يعاقَب عليها بالسجن لمدة تصل إلى عامين بموجب الفصل 128 من المجلّة الجزائية.
و”تعمّد الإساءة للغير أو إزعاج راحته عبر الشبكات العمومية للاتصالات” بموجب الفصل 86 من مجلة الاتصالات، والذي ينص على عقوبة السجن لمدة تصل إلى سنتين وغرامة تصل إلى ألف دينار تونسي (حوالي 300 دولار أمريكي)، و”القذف” بموجب الفصل 245 من المجلة الجزائية، و”هضم جانب موظف عمومي حال مباشرته لوظيفته أو بمناسبة مباشرتها” ، والتي تصل عقوبتها إلى السجن سنة واحدة بموجب الفصل 125 من المجلّة الجزائية.
قال بوشيبة: “نشهد زيادة في الملاحقات القضائية التي تذكرنا بموجة اعتقالات ومحاكمات المدوّنين والمنتقدين على وسائل التواصل الاجتماعي في 2017. لم تتوقف تلك الملاحقات في الحقيقة، إنّما خفّت وتيرتها، وها هي تعود الآن”.
وثّق تقريران نشرتهما هيومن رايتس ووتش في يناير/كانون الثاني وأكتوبر/تشرين الأول 2019 ملاحقة مدونين ونشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي في تونس بسبب تعليقاتهم السلمية على الإنترنت.
تذرّعت السلطات في هذه الملاحقات القضائية بقوانين متعلّقة بالتشهير الجنائي، و”نشر معلومات كاذبة” و”الإساءة للآخرين عبر شبكات الاتصالات”، لمقاضاة من يناقشون قضايا سياسية على وسائل التواصل الاجتماعي، أو يفضحون الفساد، أو ينتقدون كبار المسؤولين.
حكمت المحاكم التونسية منذ 2017 على ستة نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بالسجن لآراء انتقادية نشروها. قال بوشيبة إن عقوبة السجن سنتين في حق المحواشي هي الأشد حتى الآن ضدّ مدون عبّر عن انتقاده على الإنترنت. يقضي المحواشي حاليا عقوبته في سجن المرناقية في العاصمة تونس، ويعتزم محاموه استئناف الحكم.
قال غولدستين: “لا عذر لتونس في محاكمة المعارضين السلميين وترهيب المدوّنين الذين ينتقدون سلطات الدولة. على البرلمان التحرك بسرعة لتعديل أو إلغاء القوانين التي خلّفها النظام الاستبدادي المخلوع”.
اقرأ أيضاً: مع ارتفاع عدد الملاحقات القضائية..حرية التعبير تتعرض للخطر في تونس