مصر : اعتقال وتشهير بحق شهود على اغتصاب جماعي
بيروت– قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إنّ أجهزة الأمن في مصر اعتقلت تعسفا في أواخر أغسطس/آب رجلا وثلاث نساء بعد أن شهدوا في قضية اغتصاب جماعي بارزة وقعت في 2014 وخرجت إلى العلن مؤخرا. اعتقلت السلطات أيضا اثنين من معارف الشهود.
أمرت النيابة العامة في مصر بالإفراج عن ثلاثة من أصل الأشخاص الستة يوم 31 أغسطس/آب، لكنّها وجّهت اتهامات إليهم بانتهاك قوانين تتعلق بـ “الفجور” و”الآداب”، وهي اتهامات غامضة، وتمييزية، وقابلة لسوء الاستعمال. شنّت وسائل الإعلام الموالية للحكومة حملة تشهير منسّقة ضدّهم، وتحدثت إحدى النساء عن التعرض لانتهاكات أثناء الاحتجاز.
قالت روثنا بيغم، باحثة أولى في حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش: “من المروّع أن تعتقل السلطات في مصر شهودا على اغتصاب جماعي، بعد أن شجعتهم على التحدث، بدل أن تحميهم وتلاحق المعتدين. الاتهامات الموجهة ضدّ الشهود وحملة التشهير ضدّهم وضدّ الضحية تبعث برسالة قاسية إلى ضحايا وشهود العنف الجنسي، مفادها أنهم قد يجدون أنفسهم في السجن إذا أبلغوا عن جرائم العنف”.
قالت هيومن رايتس ووتش إنّ على السلطات إسقاط التهم الموجهة إلى الأشخاص الستة، وحماية كلّ من أدلى بشهادة، ومحاكمة كل من يتبيّن تورطه في الاغتصاب الجماعي.
تتعلق القضية بامرأة قالت إنّ عدّة رجال خدّروها، وتناوبوا على اغتصابها، وكتبوا الأحرف الأولى من أسمائهم على ظهرها، وصوّروا فيديو لأفعالهم هذه في فندق “فيرمونت نايل سيتي” في أبريل/نيسان 2014. قالت ناشطات في مجال حقوق المرأة إنّ المعتدين شاركوا الفيديو مع أصدقاء لهم، وهؤلاء النشطاء هم أول من أثار القضية على وسائل التواصل الاجتماعي في يوليو/تموز 2020.
بعد حملة نظمها النشطاء لأسابيع، قالت النيابة العامة يوم 24 أغسطس/آب إنها أمرت بإلقاء القبض عدد من المشتبه فيهم، سبعة منهم قالت النيابة لاحقا إنهم فرّوا من البلاد. لاحقا، ألقي القبض على اثنين آخرين.
كانت السلطات قد شجعت الشهود على الاغتصاب على الإدلاء بشهاداتهم، ففعلوا ذلك في بداية أغسطس/آب. لكنهم اليوم متهمون بالسلوك الجنسي المثلي بالتراضي، و”الحض على الفجور”، وتعاطي المخدرات، و”إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي”، وهي تهمة كثيرا ما تُستخدم ضدّ منتقدي الحكومة السلميين.
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع أربعة نشطاء شاركوا في حملات على الإنترنت ضدّ العنف الجنسي، ثلاثة منهم كانوا على اتصال بضحية الاغتصاب، واثنان على اتصال بعائلات الشهود ومعارفهم.
كما قابلت هيومن رايتس ووتش شخصا مطلعا على القضية طلب عدم الكشف عن هويته، بالإضافة إلى صديق مقرّب من أحد الرجال المحتجزين؛ والصحفية بسمة مصطفى، التي غطت القضية لموقع “المنصّة” الاخباري المستقل؛ وناشطين اثنين في مجال حقوق المثليين/ات ومزدوجي/ات التوجه الجنسي وعابري/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم).
قال أحد النشطاء: “هؤلاء الرجال يعتقدون أنهم أقوياء إلى درجة أنهم صوّروا عدة عمليات اغتصاب بينما تظهر وجوههم بوضوح في الفيديو لأنهم كانوا يعلمون أنهم يستطيعون الإفلات من العقاب. انتشر الفيديو بين 70 أو 80 شخصا”.
قال ثلاثة نشطاء، بعد أن تحدثوا إلى الشهود الذين أطلق سراحهم، إنّ جهاز “الأمن الوطني” التابع لوزارة الداخلية اعتقل الشهود ثم ضغط عليهم حتى يغيروا أقوالهم أثناء احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي من 28 إلى 31 أغسطس/آب. سُرِّبت مقاطع فيديو وصور لأحداث من الحياة الخاصة للشهود على الإنترنت بعد أن صادرت قوات الأمن هواتفهم الخلوية وحواسيبهم المحمولة بوقت قصير.
قال صديق لأحد معارف الشهود: “اطلعوا على أغراضهم الشخصية، اللابتوبات والموبايلات، وأخرجوا منها أشياء خاصة، وفي اليوم التالي نُشرت صور وفيديوهات خاصة لهم على وسائل التواصل الاجتماعي”.
قال الصديق والصحفية، اللذان تحدثا إلى محامين وأقارب الرجلين والمرأة الذين مازالوا في الحبس الاحتياطي، إن السلطات أخضعت اثنين من الرجال المحتجزين إلى فحوص شرجية قسرية، والمرأة إلى “فحص عذرية” – وهي ممارسات أثبتت مُدانة دوليا وليس لها أي قيمة علمية لـ”إثبات” السلوك الجنسي المثلي أو “العذرية”.
قالت هيومن رايتس ووتش إنّ هذه الفحوص تنتهك أخلاقيات مهنة الطب، وتُشكل معاملة قاسية ومهينة ولاإنسانية، وقد ترقى إلى التعذيب والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
قالت إحدى الشاهدات، وهي مازالت في الحبس، إن عناصر الأمن أطلقوا عليها نعوتا، ولم يقدموا لها ما يكفي من الطعام والماء، و”أذلوها باستمرار”، بحسب ناشط تحدث مع عائلتها. يعتقد الناشطون أنها على الأرجح في سجن نساء القناطر في القاهرة.
الاتهامات المتعلقة بالسلوك الجنسي في أماكن خاص بالتراضي تنتهك الحق في الخصوصية وعدم التمييز على أساس الجنس، والتوجه الجنسي، والنوع الاجتماعي. تفرض معايير حقوق الإنسان الدولية توفير الحماية والأمن للمبلّغين عن العنف القائم على النوع الاجتماعي والشهود عليه، قبل الاجراءات القانونية، وأثناءها، وبعدها.
قال نشطاء مرتبطون بالمجتمع النسوي ومجتمع الميم في مصر إنهم يخشون حصول حملة أمنية أوسع لأن قوات الأمن تستخدم المحتوى الذي تجده في الأجهزة المصادرة لتحديد هوية الآخرين. قالوا إنهم يعتقدون أنّ قوات الأمن استدعت شهودا آخرين وأصدقاء للضحايا لاستجوابهم.
أوّل من أبلغ عن الاغتصاب الجماعي في فندق فيرمونت في يوليو/تموز 2020 هو حساب Assault Police على “إنستغرام”، الذي يلعب دورا بارزا في الحملات ضدّ العنف الجنسي. لم يُسمِّ الحساب المشتبه فيهم، لكنه زعم أنهم من عائلات ثرية ونافذة.
قال ناشطان مقرّبان من الحملة إنّ الذين يديرون الحساب أوقفوه لمدة أسبوعين، بين أواخر يوليو/تموز ومنتصف أغسطس/آب، ثم توقف الحساب لاحقا عن نشر أخبار عن القضية بعد أن وصلته “تهديدات جدية”.
قال نشطاء لـ هيومن رايتس ووتش إنّ العديد من الضحايا الأخريات أرسلن إليهم شهادات عن اعتداءات جنسية شارك فيها نفس الرجال الضالعين في الاغتصاب الذي حصل في فندق فيرمونت، لكنهن كُنّ خائفات ولم يرفعن قضايا. قال منشور على حساب Assault Police يوم 26 يوليو/تموز: “لقد أرسلوا مقاطع الفيديو هذه إلى أصدقائهم كأنها أوسمة للنصر”.
قالت بيغم: “عززت السلطات المصرية ثقافة لوم الضحية، وحددت موقفها من ‘حركة #أنا_أيضا’ المصرية، من خلال إسكات كل من كانت لها شجاعة التعبير. على مصر محاسبة المتورطين في العنف الجنسي، وليس اضطهاد النساء والرجال الذي يبلغون عن مثل هذه الانتهاكات ويحاربونها”.
https://twitter.com/hrw_ar/status/1304422401778823168