مصر: قتل مفترض خارج القضاء
(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن رجلين في شمال غرب مصر قُتلا على ما يبدو على يد عناصر من وزارة الداخلية المصرية في 10 أبريل/نيسان 2025 بعد ساعات من اعتقالهما، وهو ما من شأنه أن يشكّل إعداما خارج القضاء.
زعمت الوزارة أن الرجلين، يوسف السرحاني وفرج الفزاري، قُتلا في تبادل لإطلاق النار في محافظة مطروح، لكن ثمة أدلة موثوقة تشير إلى أنهما سلّما نفسيهما للشرطة قبيل ساعات من مقتلهما، وكانا محتجزين لدى الشرطة وقت وفاتهما.
قال عمرو مجدي، باحث أول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “القتل في مطروح هو الحلقة الأحدث في سلسلة طويلة من انتهاكات قوات الأمن المصرية خلال سنوات في ظل إفلات شبه كامل من العقاب. ينبغي للسلطات المصرية الإسراع في إنشاء لجنة قضائية مستقلة للتحقيق في حوادث القتل في مطروح وعدم ممارسة أي ضغط على العائلات للتنازل عن حقها في العدالة”.
في 9 أبريل/نيسان، قُتل ثلاثة عناصر شرطة في محافظة مطروح في مداهمة أمنية لاعتقال هارب متهم في قضايا تهريب مخدرات، بحسب ما نقلت صحف موالية للحكومة عن مصادر رسمية.
بحسب صحفي تحدث إلى هيومن رايتس ووتش، وشهادات شهود نُشرت على “فيسبوك”، ومواقع إخبارية ومنظمات حقوقية مصرية عديدة، داهمت قوات الشرطة بعد ذلك المنازل واحتجزت 20-24 امرأة وفتاة تقريبا لإجبار أقاربهن الذين ربما يكونون متورطين على تسليم أنفسهم. نفت وزارة الداخلية هذه الاعتقالات.
ذُكر أن وجهاء محليين تدخلوا وتوصلوا إلى اتفاق مع الشرطة للإفراج عن النساء، بشرط أن يساعد الوجهاء على القبض على المطلوبين في قتل عناصر الشرطة. أقنع الوجهاء يوسف السرحاني وفرج الفزاري، وكلاهما عمره بين 19 و20 عاما وأُفيد أنهما قريبان للمطلوبين في قتل عناصر الشرطة، بتسليم نفسيهما كشاهدين، وهو ما فعلاه مساء يوم 10 أبريل/نيسان بحضور الوجهاء الذين توسطوا في العملية عند نقطة الكيلومتر 30 على طريق السلوم السريع.
أُفيد أن عناصر “قطاع الأمن الوطني” اقتادوا السرحاني والفزاري إلى طريق قريب وأطلقوا النار عليهما وقتلوهما. أدلى شهود عديدون، منهم سكان ووجهاء في مطروح، بتصريحات علنية وقدموا أدلة موثوقة للسلطات تشير إلى مقتل الرجلين على يد عناصر وزارة الداخلية.
قال أحد السكان المحليين المشاركين في التوسط في عملية التسليم في بيان مصور إنه اتصل بضابط جهاز الأمن الوطني المعني عندما علم بقتل الشابين. وأخبره الضابط أنه سلم الرجلين إلى عناصر وزارة الداخلية، “وأن الموضوع خرج من يدي”.
زعمت وزارة الداخلية في بيان مقتضب صدر في 11 أبريل/نيسان أن قواتها في مرسى مطروح حددت “مكان اختباء عنصرين إجراميين شديدي الخطورة” واستهدفتهما، ما أسفر عن مصرعهما في “تبادل إطلاق النيران” مع مصادرة بندقيتين آليتين. لم يحدد البيان هوية الرجلين القتيلين أو موقع تبادل إطلاق النار المزعوم. ولم يقدم أدلة على وجود تهديدات تبرر استخدام القوة القاتلة.
أثارت عمليات القتل ضجة في مطروح وعلى مستوى البلاد على وسائل التواصل. ردا على ذلك، أعلن “مجلس العمد والمشايخ بمحافظة مطروح”، وهو مجلس محلي معين من قبل الحكومة، في مواجهة نادرة مع الحكومة “وقف التعامل وتعليق كافة أشكال التعاون مع أجهزة الشرطة” حتى انتهاء التحقيقات. عقدت “نقابة المحامين” في مطروح جمعية عمومية طارئة وصوتت على تعيين محامين لتمثيل أسر المتوفين.
فتحت النيابة العامة في مطروح تحقيقا في عملية القتل بعد ضغوط من الأسر والوجهاء المحليين، لكن لم يُستدعَ الأفراد الرئيسيون الضالعون للاستجواب، بحسب تقارير إعلامية وصحفي أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة معه. قال محامٍ بارز يمثل العائلات إنهم ما زالوا يضغطون على النيابة العامة لاستجواب ضابط الأمن الوطني الضالع في القتل.
كما قال محامو العائلات إنهم لم يتمكنوا من الحصول على تقرير الطب الشرعي بشأن القتل. قال الصحفي إن عائلات القتيلين تواجه ضغوطا من “وسطاء” لقبول “المصالحة” والتعويض المالي للتنازل عن شكاواهم.
سبق أن وثّقت هيومن رايتس ووتش إقدام عناصر شرطة وزارة الداخلية والأمن الوطني في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي على قتل عشرات المشتبه بهم المزعومين في مختلف أنحاء البلاد في إعدامات مفترضة خارج القضاء، زعموا أنها “تبادل لإطلاق النار”. على سبيل المثال، وجدت هيومن رايتس ووتش أن وزارة الداخلية أعلنت عن مقتل قرابة 755 شخصا في 143 واقعة تبادل إطلاق نار مزعومة بين يناير/كانون الثاني 2015 وديسمبر/كانون الأول 2020، مع اعتقال مشتبه به واحد فقط في هذه الحوادث.
الحق في الحياة حقٌّ أصيل وجوهري من حقوق الإنسان، لا يجوز الانتقاص منه مهما كانت الظروف. ينصّ “دليل الأمم المتّحدة لمنع ممارسات تنفيذ عمليات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسفي والإعدام دون محاكمة، والتحقيق في تلك الممارسات” على أن واجب التحقيق يخضع لـ “التفعيل” ليس فقط في حالة الوفاة غير القانونية الواضحة، بل أيضا عند وجود “ادعاءات معقولة بحدوث وفاة يحتمل أن تكون غير قانونية”، حتى بدون شكوى رسمية.
في جميع الحالات التي تنطوي على استخدام عناصر الأمن الأسلحة النارية، يجب أن يكون للمتضررين (في حالة الوفاة، عائلات المتوفى) “الحق في عملية مستقلة، تشمل عملية قضائية”. ينبغي أن يكون للعائلات الحق في المشاركة في إجراءات التحقيق. وللوفاء بالمعايير الدولية، يجب أن تكون التحقيقات سريعة، وشفافة، وفعالة، ومستقلة، ونزيهة.
ينبغي للسلطات إيقاف جميع المسؤولين الذين يُزعم تورطهم ومن يمكنهم التدخل في التحقيق، وحماية العائلات والشهود من الترهيب، وتشكيل لجنة قضائية مستقلة للتحقيق مع المسؤولين ومقاضاتهم.
قال مجدي: “قتل الشابين في مطروح، الذي يبدو أن نُفذ بأسلوب المافيا، يجب أن يكون ناقوس خطر جديد لشركاء مصر الدوليين الذين يدعمون أجهزة الشرطة بالأسلحة والتدريب وغيرها من المساعدات، رغم تنامي سجل الانتهاكات وانعدام المساءلة. ينبغي لشركاء مصر الدوليين القول بوضوح إن السلطات ملزمة بالتحقيق في الانتهاكات المزعومة وضمان المساءلة عنها”.