مصر: حملة قمع واسعة تستهدف صانعي المحتوى على الإنترنت

تشهد مصر منذ يوليو/تموز 2025 حملة قمعية واسعة النطاق استهدفت صانعي المحتوى على الإنترنت، إذ أعلنت وزارة الداخلية أنها اعتقلت أو لاحقت قضائيا ما لا يقل عن 29 شخصا خلال شهر واحد، بينهم 19 امرأة وطفلة تبلغ من العمر 16 عاما. كما وثّقت منظمات حقوقية مستقلة ثماني حالات إضافية، ليصل العدد الإجمالي إلى ما لا يقل عن 37 شخصا. وتتركز الاتهامات الموجهة للمستهدفين على انتهاك “القيم الأسرية” و”الآداب العامة” و”غسل الأموال”، بالاستناد إلى فيديوهات نُشرت على منصات مثل “تيك توك”، تتنوع بين الرقص والغناء والمحتوى الاجتماعي والكوميدي.

تأتي هذه الحملة في وقت تعتبر فيه شبكات التواصل الاجتماعي الملاذ الوحيد المتبقي للتعبير في مصر بعد سنوات من التضييق على وسائل الإعلام التقليدية. وترى “هيومن رايتس ووتش” أن السلطات المصرية تحاول إغلاق هذه المساحة عبر استخدام قوانين فضفاضة تمنح النيابة العامة والقضاء سلطات شبه مطلقة في تحديد ما يعتبر “خادشا للحياء” أو “مخلا بالقيم الأسرية”. هذه الاتهامات قد تؤدي إلى أحكام بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات وغرامات باهظة، وهو ما يترك الضحايا أمام مستقبل غامض، إضافة إلى تعرضهم لتشهير اجتماعي واسع النطاق.

أبرز القضايا التي أثارت جدلا واسعاً كانت محاكمة الفتاة نور تفاحة (16 عاماً) التي حكمت عليها محكمة أحداث بالسجن سنتين بتهمة “التحريض على الفسق” لنشرها مقاطع رقص على الإنترنت. كذلك أوقفت السلطات الشابة “سوزي الأردنية” صاحبة نحو 9.3 مليون متابع على “تيك توك”، حيث تواجه تهم “نشر فيديوهات خادشة” و”غسل الأموال”. أما محمد عبد العاطي، الذي يتابعه أكثر من نصف مليون شخص، فاعتقلته الشرطة بتهمة استخدام ألفاظ “خادشة”، وتم تجديد حبسه رغم أن محتواه يغلب عليه الطابع الكوميدي والرياضي.

الحملة طالت أيضاً راقصات شرقيات معروفات مثل بديعة ونورا دانيال وبوسي الأسد ودوسة، إضافة إلى رسامي وشم مثل “فادي تاتو” الذي أُفرج عنه لاحقاً بكفالة. كما اعتُقل صانع المحتوى محمد شاكر، المعروف باسم “شاكر محظور دلوقتي”، بعد بلاغ من محامٍ مؤيد للحكومة اتهمه بنشر فيديوهات “تتعارض مع قيم المجتمع”. ومن بين المستهدفين أيضاً فتاة تُعرف باسم “ياسمين” تم توقيفها بتهمة “التظاهر بغير جنسها الحقيقي”، ما يكشف عن الطابع التمييزي للحملة ضد الأفراد غير المطابقين للمعايير الجندرية.

إلى جانب الاعتقالات، لجأت السلطات إلى إجراءات مالية عقابية، إذ صادرت أموال بعض المتهمين ومنعتهم من السفر. كما شنت وسائل الإعلام الرسمية والخاصة الموالية للحكومة حملة تشهير متزامنة، تصور صانعي المحتوى كتهديد “للنظام الاجتماعي”، فيما أطلق نواب في البرلمان تصريحات ضد “تيك توك”، وصل بعضها إلى حد التهديد بحظر التطبيق في مصر إذا لم يحذف “المحتوى غير الأخلاقي”.

خبراء حقوق الإنسان يرون أن هذه الممارسات تنتهك الدستور المصري والالتزامات الدولية للبلاد بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، اللذين يكفلان الحق في حرية التعبير وعدم التمييز. كما أن القيود المفروضة على حرية التعبير يجب أن تكون دقيقة ومتناسبة وضرورية لحماية النظام العام أو الأمن القومي، وألا تستند إلى رؤية ضيقة للأخلاق أو التقاليد. إلا أن القوانين المصرية الحالية، بحسب مراقبين، تستخدم لتعزيز سلطة الدولة على الحياة الخاصة للأفراد، خصوصاً النساء والفئات المهمشة.

الانتقادات الموجهة للسلطات لا تقتصر على طبيعة التهم، بل تشمل أيضاً غياب الشفافية في إجراءات التقاضي، والخوف الذي يزرعه الاعتقال في مجتمع الشباب والمراهقين الذين يستخدمون الإنترنت كوسيلة للتعبير والتواصل. ويشير ناشطون إلى أن حملة الاعتقالات الجماعية تعكس نمطاً متكرراً في إدارة النظام السياسي للأزمات الداخلية، إذ يسعى إلى تحويل الاهتمام الشعبي من الأوضاع الاقتصادية الصعبة إلى قضايا “أخلاقية”، تُستخدم فيها المحاكم كأداة للترهيب وضبط المجتمع.

من جهتها، دعت “هيومن رايتس ووتش” السلطات المصرية إلى الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين بسبب ممارستهم حقهم في التعبير على الإنترنت، وإسقاط جميع التهم الموجهة إليهم، وإلغاء القوانين الغامضة التي تُستخدم لتقييد حرية التعبير وفرض وصاية أخلاقية على المجتمع. واعتبرت المنظمة أن استمرار هذه السياسات لا يضر فقط بصورة مصر الدولية، بل يفاقم عزلة الشباب الذين يشعرون بأن مجرد التعبير عن الذات قد يقودهم إلى السجن.

في ظل هذه التطورات، يتصاعد القلق من أن تصبح الرقابة الرقمية والتجريم الأخلاقي سياسة ممنهجة توازي الرقابة التقليدية على الإعلام والمجتمع المدني. وبينما تحاول الحكومة المصرية تبرير أفعالها بحماية “القيم المجتمعية”، يرى النقاد أن هذه القيم تُعرّف بشكل ضيق يعكس مصالح النظام أكثر مما يعكس التنوع الحقيقي للمجتمع المصري.

قد يعجبك ايضا