مصر: تراجع التمويل يقوّض التعليم

(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن السلطات المصرية قوّضت بشدة الحق في التعليم في السنوات الأخيرة من خلال عدم تخصيص موارد مالية كافية.

خفضت الحكومة الميزانية الوطنية للتعليم من حيث القيمة الحقيقية وكذلك من حيث النسبة المئوية من الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق، ما فاقم بشكل أكبر أزمة التعليم متمثلة في ضعف الجودة، ونقص المعلمين المتمتعين بالتدريب والأجر المناسبين، والبنية التحتية غير المناسبة وغير الكافية للمدارس الحكومية. تقاعست الحكومة أيضا عن ضمان التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي المجاني بالكامل لجميع الأطفال، بما في ذلك الأطفال اللاجئين وطالبي اللجوء.

قال بسام خواجا، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “الإنفاق غير الكافي على التعليم العام يعني أن الحكومة المصرية تقاعست عن التزاماتها، حيث يتلقى العديد من الطلاب تعليما ضعيف الجودة في مدارس مكتظة تفتقر إلى التمويل الكافي. مع ذلك، فإن القمع الشديد الذي يكبّل حرية التعبير ويعيق الانتخابات الحرة والنزيهة يحول دون تمكين المصريين من إبداء الاعتراض على أولويات الإنفاق الحكومي”.

في السنة المالية 2024/2025، خصصت الحكومة ميزانية للتعليم تبلغ 295 مليار جنيه مصري (حوالي ٦ مليارات دولار أمريكي) أي ما يعادل 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر البالغ 17 تريليون جنيه (حوالي 380 مليار دولار أمريكي) ووافق البرلمان عليها. يمثل هذا 5.3% من إجمالي الإنفاق الحكومي البالغ 5.5 تريليون جنيه (حوالي 110 مليار دولار).

إنفاق مصر على التعليم أقل بكثير من المتطلبات الدستورية والمعايير الدولية. ألزم دستور مصر لعام 2014 الدولة بإنفاق ما لا يقل عن 6% من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم، بما في ذلك 4% على التعليم قبل الجامعي. حددت السنة المالية 2016/2017 هدفا للوصول إلى هذا الرقم، مع إلزام الزيادة التدريجية للإنفاق حتى يصل إلى “المعدلات العالمية”. توصي المعايير الدولية السائدة بتخصيص من 4 إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي، وما لا يقل عن 15 إلى 20% من الإنفاق العام للتعليم. مخصصات التعليم في مصر هي أيضا أقل من نصف مخصصات البلدان الأخرى ذات الدخل المتوسط المنخفض، والتي تخصص حوالي 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي (2022) أو 13.1% من الإنفاق العام (2023)، وفقا لبيانات “البنك الدولي”.

ارتفع إنفاق مصر على التعليم اسميا فقط، إلا أنه ينخفض بمرور الوقت من حيث القيمة الحقيقية وكنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي والإنفاق. وجد تحليل هيومن رايتس ووتش لميزانية الدولة على مدى السنوات الخمس الماضية أن الإنفاق على التعليم انخفض من 2.3% من الناتج المحلي الإجمالي في 2020/2021 (6.7% من الإنفاق الحكومي) إلى 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي (5.3% من الإنفاق الحكومي) في ميزانية 2024/25، وهو أدنى مستوى في خمس سنوات. كما انخفض الإنفاق على التعليم بشكل كبير مقارنة بالعام الأول من حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث كان 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي في 2014/2015.

وجد تحليل هيومن رايتس ووتش أيضا أن إنفاق مصر على التعxليم انخفض 24% منذ 2014 بالقيمة الحقيقية، وفقا لمعدلات التضخم. وجدت “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، مجموعة مستقلة رائدة راقبت ميزانية التعليم في مصر لسنوات عديدة، أن الإنفاق في 2023/2024 يعكس بعضا من أدنى مخصصات التعليم في مصر تاريخيا.

تثير نتائج التعليم في مصر مخاوف كبيرة، ما يعكس الحاجة إلى تمويل قوي للوصول إلى تعليم متاح وشامل وجيد. لدى مصر معدل أمية مرتفع، حيث هناك أكثر من واحد من كل أربعة بالغين (2021) وكذلك حوالي 16% من أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 10 سنوات (2023) غير قادرين على القراءة أو الكتابة. في بعض الفئات العُمرية، النساء والفتيات غير قادرات على القراءة والكتابة بمعدل ضعف معدل الفتيان والرجال تقريبا.

تشير تقديرات البنك الدولي إلى أنه في 2019، كان نحو 70% من الطلاب في مصر في “فقر التعلم”، ما يعني أنهم غير قادرين على قراءة وفهم نص مناسب لعمرهم بحلول سن العاشرة. كان هذا أسوأ بنسبة 14.5 نقطة مئوية من المتوسط في البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض في ذلك العام. قالت “اليونيسف” في 2024 إن “جودة التعليم الابتدائي تشكل تحديا بالغ الأهمية”، مستشهدة بدراسة دولية أجريت عام 2021 لتقييم مهارات القراءة لدى طلاب الصف الرابع حيث احتلت مصر المرتبة 42 من بين 43 دولة، وإن “أغلبية” الطلاب “لم يصلوا للمستوى الأساسي من مهارات القراءة”.

تعاني مصر من نقص حاد في المدارس وأزمة مزمنة في الفصول الدراسية المكتظة. قالت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في 2024 إن هناك عجزا في حوالي 250 ألف فصل دراسي. تضم الفصول الدراسية في المدارس الحكومية في المتوسط من 43 إلى 55 طالبا، لكن بعض المدارس بها 200 طالب في فصل دراسي واحد. نقلت وسائل إعلام محلية أن الطلاب ليس لديهم مقاعد أو مكاتب كافية في بعض المدارس. أعلنت الوزارة أنها تنوي الحد من حجم الفصول الدراسية إلى 50 طالبا في 90% من المدارس في العام الدراسي 2024/25 من خلال نقل بعض الطلاب إلى مدارس مختلفة وخلق فترات مدرسية مسائية.

هناك أيضا نقص شديد في المعلمين، والذي ارتفع إلى 469 ألفا في 2024، وفقا لبيانات رسمية. فتحت الوزارة مسابقة في 2022 لتوظيف 30 ألف مدرس مساعد بعقود مؤقتة. وفقا للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن المعلمين بعقود مؤقتة أكثر عرضة لانتهاكات العمل ويتلقون رواتب شهرية تبلغ حوالي 1,920 جنيها (حوالي 39 دولار)، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور البالغ 6 آلاف جنيه (120 دولار).

خضع المتقدمون في المسابقة لامتحانات لياقة بدنية يديرها الجيش، وتم إجراء مقابلات شخصية معهم من قبل ضباط عسكريين في مقرات وزارة الدفاع. استبعد الجيش آلاف المتقدمين بذرائع تعسفية غير قانونية وتمييزية، بما في ذلك “الوزن الزائد” أو الحمل أو الفشل في اختبارات اللياقة البدنية. اعتقلت السلطات بعض هؤلاء المعلمين المحتملين الذين احتجوا سلميا على استبعادهم، وأحالتهم للنيابة.

رد المسؤولون المصريون عادة على الانتقادات بإلقاء اللوم على الاكتظاظ السكاني، وإنكار انتهاك الميزانية للدستور، وتضخيم الميزانيات لتشمل الأموال المخصصة لخدمة الدين العام. مع ذلك، اعترف الرئيس السيسي في يونيو/حزيران 2023، في تصريحات علنية بأن حكومته أخفقت في تحقيق الأهداف الدستورية للتعليم، وعزا ذلك إلى نقص الموارد، ورَفَض الانتقادات.

قلّل الرئيس السيسي من أهمية الحاجة إلى تعزيز ميزانية التعليم في ضوء ما عبر عنه من أولويات مثل الاحتياجات الأمنية والعسكرية. مع ذلك، تتمتع مصر بنسبة ضرائب منخفضة إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 14.1٪ (2022)، أقل من الحد الأدنى البالغ 15٪ الذي يعتبره البنك الدولي ضروريا لدولة تتوفر لها مقومات الاستمرار وللاستقرار الاقتصادي. قدرت “شبكة العدالة الضريبية” أن مصر تخسر ما لا يقل عن 438 مليون دولار سنويا بسبب إساءة استخدام الضرائب، ووثقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن السياسة الضريبية للحكومة تتقاعس عن توليد إيرادات كافية، وخاصة فيما يتعلق بالأفراد والشركات ذات الدخل المرتفع.

كتبت هيومن رايتس ووتش إلى وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني المصرية في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لكنها لم تتلق أي رد.

تقاعست الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها بموجب الدستور و”قانون التعليم” لعام 1981 و”القانون الدولي لحقوق الإنسان” بتوفير التعليم المجاني. تفرض المدارس الحكومية رسوما تتراوح بين 210 و520 جنيها مصريا (حوالي 5-10 دولار) سنويا، يُعفى منها بعض الفئات من الطلاب ذوي الدخل المنخفض. في 2019، حتى قبل موجات التضخم وأزمات تكلفة المعيشة الأخيرة، أنفقت الأسر التي لديها أطفال في المدارس ما معدله 10.4% من دخلها على تكاليف متعلقة بالمدارس. بسبب ضعف جودة التعليم، يدفع العديد من الأهالي أيضا مقابل الدروس الخصوصية والتقوية.

الحق في التعليم مكرس في القانون الدولي، بما في ذلك “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” و”اتفاقية حقوق الطفل”، وكلاهما صادقت عليه مصر. ينبغي أن تضمن مصر التعليم الابتدائي والإعدادي المجاني والإلزامي لجميع الأطفال، وهي ملزمة باتخاذ خطوات متعمدة وملموسة ومستهدفة لأقصى ما هو متاح من مواردها للوفاء بالحق في التعليم الثانوي المجاني والشامل.

تتطلب التدابير التراجعية المتعمدة، مثل خفض مصر للإنفاق على التعليم، “دراسة متأنية للغاية وسوف يلزم تبريرها بالكامل بالإشارة إلى كامل الحقوق المنصوص عليها في العهد وفي سياق الاستخدام الكامل لأقصى ما هو متاح من الموارد”.

قال خواجا: “استشهد الرئيس السيسي في كثير من الأحيان بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية باعتبارها محور تركيز حكومته لصرف الانتقادات الموجهة إلى القمع السياسي الواسع والمستمر. لكن سياسة الحكومة على مدى العقد الماضي أظهرت تقاعسا ذريعا عن تمويل التعليم الحكومي الجيد بشكل كاف، ما ألحق ضررا بالغا بملايين الأطفال والأسر في جميع أنحاء مصر”.

قد يعجبك ايضا