مصر: “البنك الدولي” يموّل الصحة لكن يهمل الأطباء المعتقلين
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن مشروع “البنك الدولي” لدعم الاستجابة لفيروس “كورونا” لا يعالج على النحو الملائم اعتقالات الحكومة المصرية وترهيبها بحق الموظفين الطبيين.
من المقرر أن يدفع البنك ما يصل إلى 50 مليون دولار لنظام الرعاية الصحية في مصر، لكنه لم يتحدث علنا عن ستة أطباء وصيادلة على الأقل ما زالوا في السجن، على ما يبدو لمجرد انتقادهم استجابة السلطات لفيروس كورونا، في انتهاك لسياسة البنك المناهضة للانتقام.
كما لم تتشاور الحكومة مع المجلس المنتخب لـ “نقابة أطباء مصر”، الجمعية الطبية الرئيسية في البلاد، والتي استهدفتها السلطات بشكل متزايد باعتبارها إحدى آخر مجموعات المهنيين الصحيين المستقلة في مصر.
قال عمرو مجدي، باحث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “اعتقالات مصر بحق الموظفين الطبيين الذين انتقدوا سياساتها بشأن فيروس كورونا تستدعي معارضة واضحة من البنك الدولي، تماشيا مع التزامه بعدم التسامح مع الأعمال الانتقامية.
على البنك إدراك أن حملة الحكومة ضد نقابة الأطباء، بصفتها آخر مكان للأطباء للتعبير عن مخاوفهم بشكل مستقل وفضح الأعمال الانتقامية، تضر بأهداف الصحة العامة المتوخاة من استثماراتها”.
في مايو/أيار 2020، وافق البنك الدولي على مشروع الاستجابة الطارئة لفيروس كورونا في مصر، وهو مشروع بقيمة 50 مليون دولار لدعم قدرة الحكومة على اكتشاف فيروس كورونا الجديد والوقاية منه وعلاجه، بما يشمل تمويل عمليات المراكز الطبية وشراء الإمدادات مثل معدات الحماية الشخصية.
يوسع هذا المشروع مشروعا مستمرا بقيمة 530 مليون دولار بدأه البنك الدولي عام 2018 لدعم خدمات الرعاية الصحية الأولية والثانوية في مصر.
يأتي الاستثمار الكبير للبنك الدولي في تحسين القطاع الصحي المتعثر في مصر وسط حملة اعتقالات ومضايقات حكومية تهدف إلى إسكات الأصوات المنتقدة، ولا سيما نقابة الأطباء، وهي نقابة مستقلة تمثل جميع الأطباء في مصر تقريبا.
كما يستهدف القمع الموظفين الطبيين الأفراد الذين يعبرون عن مخاوفهم علنا أو بشكل خاص بشأن التقصير الصحي في البلاد. اشتد القمع والترهيب منذ ظهور فيروس كورونا.
اعتقلت السلطات تسعة موظفين طبيين على الأقل بين أواخر مارس/آذار وأواخر يونيو/حزيران لانتقادهم استجابة الحكومة لفيروس كورونا، ولا سيما نقص معدات الحماية والفحوص لموظفي الصحة.
يواجهون تهما مثل “نشر أخبار كاذبة”، في انتهاك لالتزامات مصر بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يحمي حرية التعبير. كما يواجهون تهما أخرى بموجب قانون العقوبات وقوانين الإرهاب التعسفية، مثل “الانضمام لجماعة أُسست على خلاف القانون” و”إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”.
في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، أمر قضاة بالإفراج المشروط عن ثلاثة أطباء، لكنهم لم يسقطوا التهم الموجهة إليهم. لا يزال ستة موظفين طبيين في السجن.
كان اثنان من المعتقلين من أعضاء مجلس النقابة المنتخبين. بالإضافة إلى ذلك، سعت السلطات إلى تقييد النقابة بطرق أخرى.
قال عاملان في الرعاية الصحية على دراية مباشرة بالمسألة لـ هيومن رايتس ووتش إن أمين عام النقابة د. إيهاب الطاهر استقال في 19 أغسطس/آب بسبب تلقيه تهديدات بالاعتقال من الأجهزة الأمنية، بحسب المزاعم.
قامت السلطات بترهيب العاملين الصحيين الذين أبلغوا أو حاولوا الإبلاغ عن الإصابات بفيروس كورونا في المراحل الأولى من الوباء أو انتقدوا إدارة المستشفى.
قال العاملان الصحيان إن تهديدات جهاز “الأمن الوطني” أو مسؤولي المستشفيات ووزارة الصحة كانت “متكررة”. قال الاثنان وطبيبان، أحدهما في مستشفى بالقاهرة والآخر في الجيزة، إن ضباط الأمن الوطني كانوا جزءا من اللجان المشرفة على العمل المتعلق بفيروس كورونا في مستشفياتهم.
في مارس/آذار، تعهد البنك الدولي رسميا بأنه “لن يتسامح مع الأعمال الانتقامية” ضد الأشخاص الذين يعلقون على مشاريع البنك.
في رد مكتوب إلى هيومن رايتس ووتش، كرر ممثل البنك الدولي هذا الالتزام، وأشار إلى “إننا نواصل تذكير جميع مجموعات أصحاب المصلحة بعدم تسامح البنك الدولي مطلقا مع الأعمال الانتقامية ضد من يشاركون في مشاورات المشروع، أو يعبرون عن رأي، أو يثيرون شكوى.”
قال المتحدث إن البنك “لم يُخطَر بأي ادعاء عن ارتكاب أعمال انتقامية تتعلق بأي من مشاريعنا في قطاع الصحة في مصر”، في إشارة ضمنية إلى أن البنك لا يعتبر اعتقال الموظفين الطبيين التسعة بمثابة انتقام لأنهم لم يكونوا جزءا من المشاريع الطبية التي يمولها البنك.
مع ذلك، اعتُقل العاملون في مجال الرعاية الصحية لشكواهم من مشروع مواجهة فيروس كورونا الذي يدعمه البنك على الصعيد الوطني. علاوة على ذلك، لهذه الاعتقالات آثار مروعة أوسع بكثير على الموظفين الطبيين في جميع أنحاء البلاد، بمن فيهم أولئك الذين يعملون مباشرة في المشاريع الصحية الممولة من البنك.
على البنك الدولي أن يضمن أن سياسته الجديدة لمكافحة الانتقام لا تُنفَّذ بشكل ضيق بحيث تقوض هدفه. على مسؤولي البنك الإصرار علنا على أن تُفرج الحكومة فورا عن الموظفين الطبيين وغيرهم من المسجونين بسبب التحدث علانية عن سياسات الرعاية الصحية الحكومية، وإسقاط التهم التعسفية الموجهة ضدهم، والقول بوضوح إن مثل هذه الاعتقالات والترهيب لا تتوافق مع التزام البنك بمناهضة الانتقام.
على البنك الدولي أيضا الإصرار على أن تتشاور الحكومة رسميا مع أعضاء مجلس الإدارة المنتخبين لنقابة الأطباء في أي مشروع يشمل القطاع الصحي.
تضم جميع مشاريع البنك الدولي خططا لإشراك أصحاب المصلحة لضمان الاتصال المباشر بين موظفي البنك والمجموعات التي يحتمل أن تتأثر بالمشاريع أو تلك الأكثر قدرة على تقييم المخاطر والآثار.
في حين أن الحكومة المصرية لم تنشر بعد نسخة محدثة من خطة إشراك أصحاب المصلحة في الاستجابة الطارئة لفيروس كورونا، قال ممثلٌ للبنك في 27 نوفمبر/تشرين الثاني إن البنك في المرحلة النهائية من الموافقة على النشر. قال ممثل البنك إن نقابة الأطباء ستُحدَّد كأحد أصحاب المصلحة في المشروع.
مع ذلك، رغم أن عديد من الأطباء الذين تمت استشارتهم هم أعضاء في النقابة، لم يُجرِ أي من المسؤولين الحكوميين أو موظفي البنك مشاورات مع مجلسها المنتخب – وهو إغفال له أهمية عملية ورمزية نظرا لحملة الحكومة المكثفة ضد النقابة. في المقابل، تشاورت الحكومة رسميا مع نقابتَيْ الصيادلة والتمريض، وكلاهما أدلى بتصريحات عديدة مؤيدة للحكومة.
وفي مشروع آخر للبنك الدولي في مصر تمت الموافقة عليه مؤخرا بقيمة 400 مليون دولار، لدعم التأمين الصحي الشامل، تم الاعتراف على الورق بالنقابة باعتبارها مساهما مهما، بينما هُمّشت في الممارسة العملية.
وصفت “خطة إشراك أصحاب المصلحة”، التي نُشرت في فبراير/شباط 2020، نقابة أطباء مصر بأنها “من بين أقوى الجمعيات المهنية في قطاع الصحة” وأشارت إلى أنها “ستراقب عن كثب تنفيذ البرنامج والآثار المحتملة على أعضائها”، ومع ذلك قال شخص على دراية بالمسألة إن النقابة لم تُستَشَر قط.
علاوة على ذلك، ظل البنك الدولي صامتا رغم هجمات السلطات على النقابة التي أعاقت بشدة قدرتها على المراقبة الفعالة لهذا المشروع والدفاع عن أعضائها.
سجلت مصر 109 آلاف إصابة مؤكدة بفيروس كورونا و6,250 وفاة. لكن قال موظفون طبيون لـ هيومن رايتس ووتش إنهم يعتقدون أن الأعداد أعلى من ذلك بكثير.
نادرا ما تصدر الحكومة أرقاما عن قدرات الاختبار وعدد الاختبارات التي تُجرى. قال مسؤول بوزارة الصحة لصحيفة “الشروق” الموالية للحكومة في 7 نوفمبر/تشرين الثاني إن السلطات أجرت حوالي مليون فحص، وهو رقم منخفض نسبيا؛ 100 فحص فقط لكل 100 ألف شخص من السكان.
ما يزال الحصول على الفحوص محدودا، بما فيه للمهنيين الطبيين. وفقا لبيانات “منظمة العفو الدولية” التي جُمعت من نقابة الأطباء، لدى مصر إحدى أعلى نسب الوفيات بفيروس كورونا المبلغ عنها بين الموظفين الطبيين. لا تنشر الحكومة أي أرقام رسمية عن هذه الوفيات رغم توصيات “منظمة الصحة العالمية” بالاحتفاظ بهذه السجلات.
قالت نقابة الأطباء إن 218 طبيبا ماتوا حتى 4 ديسمبر/كانون الأول. نشر مسؤول في نقابة الصيادلة قائمة تضم 58 صيدليا ماتوا بسبب فيروس كورونا حتى 15 نوفمبر/تشرين الثاني، وقالت نقيبة التمريض كوثر محمود في بيان إعلامي في 13 سبتمبر/أيلول إن مصر فقدت 57 ممرضا بسبب فيروس كورونا.
هذا لا يشمل الموظفين الآخرين في مجال الصحة مثل الفنيين وعمال النظافة الذين من المحتمل أن يكونوا قد ماتوا بسبب الفيروس.
كما شنت السلطات المصرية حملة اعتقالات وترهيب ضد صحفيين ومنتقدين على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتقلت عشرات بذريعة “نشر أخبار كاذبة”.
ألقى عناصر الأمن القبض على هدير السيد، المحاسبة في شركة أدوية، من منزلها يوم 20 مارس/آذار بعد أن نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لممرضات يحتججن في مستشفى دمياط على إصابات بفيروس كورونا بين زميلاتهن. أمرت محكمة الإرهاب بالإفراج المشروط عنها في أغسطس/آب، لكن لم يُفرج عنها فعليا حتى 13 سبتمبر/أيلول.
اعتقلت السلطات الباحث في العلوم الاجتماعية عبده فايد من منزله في 26 مايو/أيار بعد أن وضع منشورا على “فيسبوك” ينتقد رد الحكومة على احتجاجات الأطباء.
لا يزال رهن الحبس الاحتياطي بتهم تعسفية تتعلق بالإرهاب في القضية 535 لعام 2020، التي تشمل العديد من الأطباء الخاضعين للتحقيق التعسفي.
قالت الهيئات الحكومية المشرفة على وسائل الإعلام إنها ستعاقب، بما فيه من خلال “الإجراءات القانونية”، وسائل الإعلام والصحفيين الذين يكتبون عن فيروس كورونا في مصر بطرق تخرج عن البيانات الرسمية.
سحبت الحكومة الترخيص من مراسلة صحيفة “الغارديان” روث مايكلسون، وطردتها من البلاد بسبب تغطيتها لفيروس كورونا، وأنذرت مراسل صحيفة “نيويورك تايمز” ديكلان والش للسبب نفسه.
قال مجدي: “عاملو الرعاية الصحية هم أفضل عيون وآذان لتقييم تنفيذ الاستثمار الضخم للبنك الدولي في النظام الصحي المصري، لكن السلطات المصرية ترهب أي موظف طبي يعبّر أو يتصرف بشكل مستقل.
أقل ما يمكن للبنك فعله هو الدعوة إلى إطلاق سراح جميع عاملي القطاع الصحي الذين ما زالوا مسجونين لانتقادهم الحكومة، وإشراك نقابة الأطباء في الاستشارات”.
اقرأ أيضاً: “صندوق النقد الدولي”: طالِبوا بشفافية الشركات العسكرية المصرية