مصر: استعراض “الأمم المتحدة” يُبرز مخاوف حقوقية رئيسية

(جنيف) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إنه ينبغي للحكومة المصرية قبول التوصيات المقدمة خلال استعراض الأمم المتحدة لسجلها الحقوقي في 28 يناير/كانون الثاني 2025 واتخاذ إجراءات عاجلة لتنفيذها.

خلال “الاستعراض الدوري الشامل” في “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” في جنيف، قدمت 137 دولة أكثر من 370 توصية. تناولت التوصيات قضايا رئيسية متصلة بالتعذيب، والاحتجاز التعسفي بحق النشطاء الحقوقيين، وتوفّر التعليم والرعاية الصحية في ظل قمع مزمن وأزمة حقوقية مروعة.

قال عمرو مجدي، باحث أول في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “كما أشارت بلدان عدة في توصياتها، مهما كانت جهود العلاقات العامة التي تبذلها الحكومة المصرية فإنها لن تغير حقيقة أزمة حقوق الإنسان المروعة في البلاد. ينبغي للسلطات المصرية التركيز على العمل الهادف، وبعضه لا يتطلب حتى المال أو الموارد، بل فقط الإرادة السياسية”.

الاستعراض الدوري الشامل، الذي أُنشئ في العام 2006، هو مراجعة شاملة لسجلات حقوق الإنسان لكل دولة عضو في الأمم المتحدة من قبل أعضاء آخرين كل أربع سنوات ونصف. يمكن للمنظمات المحلية والدولية، وكذلك الدولة قيد المراجعة، تقديم معلومات يمكن الاسترشاد بها أثناء العملية.

ضمن المراجعة الحالية، قدمت هيومن رايتس ووتش مذكرة قالت فيها إنه منذ الاستعراض الدوري الشامل الأخير لمصر في عام 2019، لم تحقق حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي أي تقدم يُذكر في حقوق الإنسان. واصلت السلطات احتجاز المنتقدين السلميين ومعاقبتهم بشكل منهجي، وقد فاقت أعدادهم بكثير المئات المحتجزين ظلما الذين أُطلق سراحهم مؤخرا. استمرت أجهزة الأمن في إساءة معاملة المعارضين المعتقلين وتعذيبهم واحتجازهم بمعزل عن العالم لفترات طويلة.

ظلت مصر من أسوأ بلدان العالم فيما يخص أعداد أحكام الإعدام وتنفيذها، والتي غالبا ما تصدر في محاكمات جماعية جائرة. كما زاد الفقر وسط معدلات التضخم المرتفعة والأزمات الاقتصادية المتكررة التي قوّضت الحقوق الاقتصادية مثل الحصول على الغذاء والكهرباء. قوّضت الحكومة كذلك الحق في التعليم والرعاية الصحية، إذ لم تخصص الموارد المالية الكافية لضمان الاستفادة العادلة من الخدمات الجيدة.

خلال العرض الرسمي لمصر، أكد وزير الخارجية بدر عبد العاطي عدم وجود انتهاكات، وزعم تحقيق الحكومة “تطور ملحوظ على كافة الأصعدة”. لكن في الأسابيع التي سبقت المراجعة، كثفت السلطات حملة القمع ضد النشطاء الحقوقيين والصحفيين.

في 20 يناير/كانون الثاني، وجهت “نيابة أمن الدولة”، وهي فرع من النيابة العامة يمارس انتهاكات ومسؤول عن الاحتجاز التعسفي بحق آلاف المعتقلين لأسباب سياسية، اتهامات تتعلق بالإرهاب إلى حسام بهجت، الناشط الحقوقي البارز والمدير التنفيذي لـ”المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”. أفرجت نيابة أمن الدولة عنه مؤخرا بكفالة.

تواجه الناشطة الحقوقية البارزة والمحامية هدى عبد الوهاب اتهامات ومنع سفر منذ عام 2016. ترتكز الاتهامات على “القضية 173“، التي فرضت فيها السلطات منذ العام 2016 تدابير عقابية قاسية على عشرات المنظمات غير الحكومية لتلقيها تمويلا أجنبيا، حتى بعد أن قال قاضي التحقيق في مارس/آذار 2024 إن القضية قد أُغلقت.

في 16 يناير/كانون الثاني، اعتقلت السلطات ندى مغيث، زوجة رسام الكاريكاتير المعتقل أشرف عمر، وأحمد سراج، الشاعر والصحفي في موقع “ذات مصر”، الذي أجرى في ديسمبر/كانون الأول مقابلة مع مغيث حول محنة زوجها. أفرجت السلطات عن مغيث بكفالة لكنها أمرت باحتجاز سراج بتهمة “الانضمام إلى جماعة إرهابية” و”نشر أخبار كاذبة”. قال محاموهما إن التهم مبنية على المقابلة.

في ديسمبر/كانون الأول 2024، أحالت السلطات المحامية المعتقلة هدى عبد المنعم، العضوة السابقة في “المجلس القومي لحقوق الإنسان”، إلى المحاكمة في قضيتين بالتهم نفسها، والانضمام إلى منظمة “إرهابية”، رغم أنهما قضيا عقوبة ظالمة لمدة خمس سنوات بالتهم نفسها وكان ينبغي الإفراج عنها في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

يعيش عشرات النشطاء المصريين في المنفى خوفا من الاعتقال والاضطهاد في حال عودتهم إلى مصر. كما استمرت السلطات في مضايقة أقارب المعارضين في الخارج واحتجازهم ،واستخدمت تهم “الآداب” الغامضة لمقاضاة المثليين/ات، ومزدوجو/ات التوجه الجنسي، وعابري/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم-عين)، والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، وضحايا العنف الجنسي.

وفي جلسة الاستعراض الدوري الشامل، قالت دول منها بريطانيا ولوكسمبورغ إن على مصر إطلاق سراح النشطاء الحقوقيين المسجونين فقط لممارستهم حرية التعبير. قالت دول عدة، منها المغرب وبريطانيا وأيرلندا، إن على مصر ضمان تماشي مشروع قانون الإجراءات الجنائية، الذي عُرض على البرلمان على عجل رغم عيوبه الشديدة، مع التزامات مصر الدولية، وخاصة من خلال الحد من استخدام الحبس الاحتياطي وضمان المحاكمات العادلة.

رددت قرابة 30 دولة دعوات من المراجعات السابقة لم تفِ بها الحكومة المصرية بعد. دعت المكسيك، وغانا، وإسبانيا مصر إلى التصديق على “اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري”. كما دعت السويد، وسلوفينيا، وساحل العاج، بالإضافة إلى دول أخرى، إلى التصديق على “اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”. قالت دول، منها كولومبيا، وسيراليون، وألبانيا، وأستراليا، إن على مصر إصدار وقف لعقوبة الإعدام بهدف الحد من استخدامها وإلغائها.

في ردها على المخاوف المتزايدة بشأن تدهور الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، حثت جمهورية الدومينيكان مصر على زيادة مخصصات الميزانية للتعليم، وقالت دول، مثل لبنان وسنغافورة والبرازيل، إن على مصر ضمان توفر التعليم بشكل عادل ومجاني لجميع الأطفال، بمن فيهم اللاجئون وذوو الإعاقة.

أمام الحكومة المصرية وقت حتى الدورة الـ 59 لمجلس حقوق الإنسان، التي ستنعقد في يونيو/حزيران، لإظهار نيتها دعم التوصيات المقدمة أثناء المراجعة وتنفيذها.

قال مجدي: “لإظهار استعدادها لتحسين الوضع الحقوقي، ينبغي للسلطات المصرية إطلاق سراح آلاف المحتجزين ظلما، وتعديل القوانين المنتهِكة، وتخصيص ميزانيات كافية للتعليم والصحة لضمان توفر خدمات عالية الجودة. وينبغي للحكومات التي تقدم توصيات رئيسية دفع الحكومة المصرية إلى التحرك ومحاسبتها في مختلف المنتديات، بما يشمل العلاقات الثنائية”.

قد يعجبك ايضا