العفو الدولية تنتقد الملاحقات القضائية في مصر للنساء المؤثرات على “تيك توك”
قالت منظمة العفو الدولية اليوم إنه يجب على سلطات في مصر أن تضع حداً فوراً للقمع التي تتعرض له النساء المؤثرات على تطبيق تيك توك اللاتي يحاكمن بتهم مثيرة للسخرية تتعلق بـ “التحريض على الفسق والفجور”، و”الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري”.
والنساء اللاتي أبلغن عن اعتداءات جنسية وانتهاكات لحقهن في الخصوصية والتعرض للإساءة عبر الإنترنت هن من بين النساء المؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي اللاتي تستهدفهن السلطات باستخدام أساليب قمعية جديدة للسيطرة على الفضاء الإلكتروني من خلال مراقبة أجساد النساء وسلوكهن، وتقويض قدرتهن على كسب المعيشة بصورة مستقلة.
بدلاً من مراقبة النساء على الإنترنت، يجب على الحكومة إعطاء الأولوية للتحقيق في الحالات الواسعة الانتشار التي تنطوي على العنف الجنسي والعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات في مصر، واتخاذ خطوات ملموسة لمكافحة التمييز المجحف القائم على النوع الاجتماعي في القانون والواقع الفعلي.
منذ أبريل/نيسان 2020، اعتقلت السلطات المصرية عشر نساء من مؤثرات على تطبيق تيك توك، ووضعتهن على ذمة المحاكمة لمخالفة قانون الجرائم الإلكترونية الشديد القسوة، وغير ذلك من النصوص القانونية المبهمة للغاية، التي تتعلق بـ”الآداب العامة” “والتحريض على الفسق والفجور”.
وتحظى هؤلاء اللاتي يحاكمن بعدد كبير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي بأعداد متابعين تتراوح بين مئات الآلاف وعدة ملايين. وحُكم على أربع منهن بالسجن لمدد تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات ودفع غرامات كبيرة، بينما تنتظر 6 أخريات المحاكمة.
ومن خلال المقابلات التي أجرتها منظمة العفو الدولية مع المحامين وأقاربهن، والاطلاع على تحقيقات النيابة، ووثائق المحاكم، في خمس قضايا، كشفت منظمة العفو الدولية عن تفاصيل جديدة صادمة.
وقالت لين معلوف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالنيابة: “في إحدى الحالات المروعة، ظهرت امرأة من المؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي في بث مباشر على الإنترنت ويظهر على وجهها كدمات، وهي تتوسل الدولة أن تحاكم الرجال الذين اتهمتهم باغتصابها. وقد ألقي القبض عليها إلى جانب مهاجميها المزعومين، واستخدمت تصريحاتهم في توجيه تهم إليها بـ”التحريض على الدعارة”، و”الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية”.
وفي حالتين أخريين، على الأقل، استخدمت المحاكم صوراً خاصة تم تسريبها لابتزاز النساء باعتبارها “دليلاً” ضدهن، على الرغم من أنهن قد أبلغن الشرطة في وقت سابق عن تلك الاعتداءات.
في 29 أبريل/نيسان 2020، بعد فترة وجيزة من عمليات القبض الأولى على شهيرات تيك توك، أصدرت النيابة العامة بياناً تؤكد فيه “التزامها بالتصدي لمثل تلك الجرائم الخادشة للحياء، المتعدية على المبادئ العامة وقيم هذا المجتمع العريق”، محذرةً مرة أخرى في 2 مايو/أيار من أن مصر كانت تحرس “حدود سيبرانية جديدة” التي تسيء استخدامها “قوى الشر”.
منذ يونيو/حزيران، أصدرت المحاكم المصرية حكماً بالسجن لمدة عامين على فنانتي وسائل التواصل الاجتماعي منار سامي وسما المصري بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وحنين حسام ومودة الأدهم بالسجن لمدة عامين، بتهم مبهمة تشمل “الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية”، والتحريض على “الفسق” و”الفجور”. ومن المقرر تحديد مواعيد الاستئناف في الأسابيع المقبلة. ست نساء أخريات ينتظرن المحاكمة بتهم مماثلة.
ويجب على السلطات المصرية الإفراج فوراً وبدون شروط عن كافة شهيرات التيك توك، وإسقاط كافة التهم المشينة الموجهة ضدهن. كما ينبغي عليها أيضاً إلغاء أو تعديل كل القوانين التي تقيد استقلالية الجسد، والحق في الخصوصية، وحرية التعبير، والمعتقد، بدعوى “الآداب العامة أو “الأخلاق”.
ووفقاً لملفات القضايا، والأحكام وشهادات المحامين، فإن النساء يعاقبن على الطريقة التي يرتدين بها ألبستهن، وطريقة تصرّفهن وتأثيرهن على الجمهور الأوسع على وسائل التواصل الاجتماعي، ويكسبن المال عبر الإنترنت. ووجدت النساء أنفسهن في قفص الاتهام بعد شكاوى تقدم بها رجال يزعم أنهم غاضبون، على ما يبدو، بسبب سلوكهن، والتحقيقات التي أجرتها مباحث الآداب التابعة لوزارة الداخلية.
في إحدى القضايا، استخدمت المحاكم صورة للراقصة الشرقية سما المصري، وهي ترتدي ملابس السباحة، كدليل لإدانتها لنشرها مقاطع فيديو وصور “تظهر مفاتن جسدها” وقيامها “بعبارات وإيحاءات جنسية”.
وأضافت لين معلوف قائلة: “ويجب على السلطات المصرية الإفراج فوراً وبدون شروط عن كافة شهيرات التيك توك، وإسقاط كافة التهم المشينة الموجهة ضدهن. كما ينبغي عليها أيضاً إلغاء أو تعديل كل القوانين التي تقيد استقلالية الجسد، والحق في الخصوصية، وحرية التعبير، والمعتقد، بدعوى “الآداب العامة” أو “الأخلاق”.
في 22 مايو/أيار، ظهرت المؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي منة عبد العزيز، 18 عاماً، على إنستغرام، وهي تستغيث طلباً للمساعدة. وظهرت في مقطع فيديو وعلى وجها كدمات، وقالت إنها تعرضت للاغتصاب والضرب وصُوّرت في شريط فيديو دون موافقتها.
وعلمت منظمة العفو الدولية أنها حاولت في وقت سابق الإبلاغ عن الجريمة في مركز شرطة الطالبية في القاهرة، ولكن الضباط أحالوها إلى مركز شرطة آخر لأن الحادث وقع في اختصاص جغرافي مختلف
وفي 26 مايو/أيار، ألقت قوات الأمن القبض على منة عبد العزيز، وستة رجال متهمين بالاعتداء عليها. ووفقاً لمحاميها، فقد استجوبتها النيابة لما يقرب من ثماني ساعات، واستندت إلى أقوال المتهمين في اتهامها بـ “بالاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية” و”التحريض على الدعارة”.
ولامت النيابة ضحايا العنف الجنسي بـ “بمشاركة” رواياتهن عن “الاعتداءات الخادشة للحياء” علناً، بدلاً من ابلاغ قوات الأمن عنه بصورة خاصة.
وتوجد منة عبد العزيز في مركز مخصص لاستضافة وحماية ضحايا العنف التابع للحكومة، حيث لا تزال قيد التحقيق. وكانت منظمة العفو الدولية قد أعربت في وقت سابق عن قلقها إزاء عمل تلك المرافق، بما في ذلك فرض قيود على حرية التنقل.
واختتمت لين معلوف قائلة: “إن محاكمة ضحية اعتداء جنسي تطلب المساعدة علنًا هو بمثابة ظلم مروّع يهدد بإثناء النساء الأخريات عن التصريح علناً، والإبلاغ عن مثل تلك الحالات. وبدلاً من ذلك، يجب على السلطات أن تضمن تمكين النساء اللاتي تعرضن لاعتداء جنسي من الحصول على تعويضات كافية وفي الوقت المناسب، بما في ذلك الوصول إلى الرعاية الطبية والاستشارات النفسية، ويجب أن تجري تحقيقات شاملة ونزيهة في الجرائم التي ارتكبت ضدهن”.
استخدام صور خاصة مسربة “كدليل”
في 15 مايو/أيار، ألقت قوات الأمن القبض على المؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي مودة الأدهم، وأمرت النيابة باحتجازها في عدة تهم، بما في ذلك ” الاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية”.
ووفقاً لملف قضيتها الذي اطلعت عليه منظمة العفو الدولية، قدمت النيابة 17 صورة وصفتها بأنها “خادشة للحياء” كدليل ضدها. وزعمت مودة الأدهم أن هذه الصور تم تسريبها من هاتفها بعد سرقته في مايو/أيار 2019. في ذلك الوقت، كانت قد أبلغت عن السرقة وتسريب الصور، ولكن بدلاً من التحقيق في ذلك، سألتها الشرطة ببساطة عن سبب قيامها بتصوير نفسها.
وبالمثل، قدمت النيابة صوراً خاصة كدليل ضد الممثلة وعارضة الأزياء منار سامي في المحكمة. وقد علمت منظمة العفو الدولية أنها تقدمت بشكوى في 2018 ضد زوجها السابق، متهمة إياه بنشر صور حميمية كان قد التقطها أثناء زواجهما، من أجل ابتزازها والحصول على حضانة ابنتهما.
في 29 يوليو/تموز 2020، حُكم عليها بالسجن ثلاث سنوات، ودفع غرامة قدرها 300 ألف جنيه مصري (حوالي 19 ألف دولار أمريكي). وقد أطلق سراحها حالياً بكفالة.
التجرِؤ على كسب المعيشة عبر الإنترنت
ويشير بحث منظمة العفو الدولية إلى أن الملاحقات القانونية كانت ترتبط جزئياً بشعبية النساء على وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن قدرتهن على كسب لقمة عيشهن بشكل مستقل عبر تيك توك، وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي.
فعلى سبيل المثال، تشير مراجعة حكم حنين حسام إلى أنه ألقي اللوم عليها لاكتساب “شعبية على منصات التواصل الاجتماعي والتأثير على الفتيات الصغيرات”. وتواجه حنين حسام أيضاً تهماً منفصلة بالتورط في “الاتجار بالبشر” فيما يتعلق بفيديو على إنستغرام، حيث شجعت الفتيات فوق 18 عامًا على نشر مقاطع فيديو لأنفسهن على تطبيق لايكي Likee الذي يحقق دخلاً بناءً على عدد المشاهدين.
وقد اطلعت منظمة العفو الدولية على مقطع الفيديو، ولم تجد أي دليل موثوق يربطها بأي جريمة معترف بها دولياً.
وقال محامي منار سامي لمنظمة العفو الدولية إن أمر الاعتقال استند إلى شكوى قدمها محامٍ آخر وصف مقاطع فيديو لرقصها بأنها “خادشة للحياء” وتهدف إلى “جذب الانتباه وكسب المال”.
وزعمت النيابة العامة في بيان أن الظروف الاجتماعية الصعبة دفعت منة عبد العزيز “بقلة خبرتها وعدم رجاجتها وضعف شخصيتها إلى السعي للظهور وتحقيق الشهرة بأي وسيلة”.
دأبت مدافعات مصريات عن حقوق الإنسان على المطالبة بإصلاحات شاملة في القانون والواقع الفعلي لسنوات لمعالجة العنف الجنسي، والعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، بما في ذلك ضمان السرية وسلامة الضحايا والشهود لحثهن على الإبلاغ عن العنف الجنسي. وفي 8 يوليو/تموز، وافق مجلس الوزراء المصري على تعديل إجرائي يسمح للنيابة العامة بإخفاء هويات الضحايا والمعلومات الشخصية من ملفات قضاياهم في قضايا العنف الجنسي.