منظمات حقوقية تطالب بتعديل مشروع قانون الجرائم المعلوماتية في العراق
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – طرح البرلمان العراقي في جلسته بتاريخ 21 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي مشروع قانون جرائم المعلوماتية مرة أخرى، بعد فشل دورات المجلس السابقة في إقراره خلال العقد المنصرم.
وعلى الرغم من التعديلات المتكررة على مشروع القانون، ومع التأكيد على أهمية تنظيم عملية التواصل الالكتروني- خصوصاً وأنّ العراق تأخر كثيراً في سن التشريع- إلا أن المشروع الحالي -يحتوي على 31 مادة- ما يزال يشتمل على عدة مصطلحات فضفاضة.
قد تستخدم هذه المصطلحات لتقويض حرية الرأي والتعبير، إلى جانب بعض النصوص التي لا تنسجم مع الدستور العراقي والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة.
تمثل المصطلحات الفضفاضة معضلة حقيقية في مشروع قانون الجرائم المعلوماتية، إذ تعيق تحديد المعايير والسلوكيات التي تستلزم التجريم بموجب القانون.
فعلى سبيل المثال، فرضت المادة (21/3/ب) من المشروع عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنة.
وفرضت غرامة لا تقل عن مليوني دينار عراقي (حوالي 1370 دولار أمريكي) ولا تزيد عن 5 ملايين دينار عراقي (حوالي 3430 دولار أمريكي) على “كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الدينية أو الأخلاقيـة او الأسرية أو الاجتماعية أو حرمة الحياة الخاصة عن طريـق شــبكة المعلومات أو أجهزة الحاسوب بأي شكل من الأشكال”.
لدى تحليل نصّ المادة، نجد أنها جاءت دون أي تحديد لمعايير دقيقة تضبط مضمون تلك المصطلحات، ما يفتح الباب واسعًا أمام التعسف في استخدامه.
خصوصًا في ظل السياسة الشائعة في العراق باتهام الناشطين السياسيين بالإساءة للقيم المجتمعية، من أجل تشويه سمعتهم وتكريس صورة نمطية سلبية عنهم.
وحتى في حال عدم تعسف السلطات في استخدام النص المذكور، فإنّ تطبيقه بصيغته الحالية سيشكّل إرباكًا محتملًا في تفسير مضمونه بسبب غياب المرجعية الواضحة.
إذ يضم العراق طيفًا واسعًا من المذاهب والتيارات الدينية والاجتماعية التي تحمل رؤى مختلفة ومتنوعة للمعايير والقيم الأخلاقية.
فالأصل أن تكون الصياغة القانونية للنص واضحة ومُحكمة لا أن تكون عامة يسهل للمسؤولين عن إنفاذها تطبيقها وفق أمزجتهم الخاصة.
على نفس المنوال، تكرر عدم تحديد مضامين دقيقة للمخالفات في بند “الإساءة لسمعة البلاد” في المادة (6/1).
والتي فُرضت فيها عقوبة أشد بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن خمسة وعشرين مليون دينار عراقي (حوالي 17 ألف دولار أمريكي)، ولا تزيد عن خمسين مليون دينار عراقي (حوالي 34 ألف دولار أمريكي).
حيث نصت المادة على: “يعاقب بالسجن المؤبد او المؤقت وبغرامة لا تقل عن (25000000) خمسة وعشرين مليون دينار ولا تزيد على (50000000) خمسين مليون دينار كل من استخدم أجهزة الحاسوب وشبكة المعلومات بقصد ارتكاب إحدى الافعال الاتية: أولا إثارة العصيان المسلح أو التهديد بذلك أو الترويج له أو إثارة النعرات المذهبية أو الطائفية أو الفتن أو تكدير الأمن والنظام العام أو الإساءة إلى سمعة البلاد”.
عند التمعن في النصّ، نجد أنّه وعلاوة على عدم تحديده مفهوم “الإساءة لسمعة البلاد”، فإنّه ساوى بين هذا السلوك غير المحدد وبين جرائم في غاية الخطورة مثل العصيان المسلح وإثارة النعرات المذهبية والفتن الطائفية، وبناء ذلك فرض عقوبات قاسية قد تُستخدم في إطار تصفية الحسابات السياسية.
وتبعًا لذلك، قد تجرّد هذه الصياغة غير المتوازنة النص القانوني من غايته في تنظيم العلاقات في المجال الالكتروني، إذ من السهل أن يصبح أداة من أدوات القمع ومصادرة الحريّات.
من المعروف أنّ عددًا كبيرًا من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في مناطق النزاعات والاضطرابات، ومنها العراق، يلجأون إلى إخفاء هوياتهم في المجال الافتراضي لدى التعبير عن آرائهم لتجنّب الملاحقة الأمنية في ظل حالة القمع السائدة.
لكنّ مشروع القانون جرّم هذا الفعل، وفرضت عقوبات رادعة شملت الحبس لمدة لا تقل عن 3 سنوات وغرامة قد تصل إلى 3 ملايين دينار عراقي (حوالي 2055 دولارًا أمريكي).
إذ نصّت المادة (18/2) على:
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على (3) ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عـن (2000000) مليوني دينار ولا تزيد على (3000000) ثلاثة ملايين دينار كل من:
- أ- استخدم أجهزة الحاسوب وشبكة المعلومات وانتحل صفة أو اسماً ليس له بقصد التضليل أو الغش.
- ب- أنشأ أو استخدم موقع غير حقيقي أو وهمي أو أخفى حقيقة موقع على شبكة المعلومات أو ساعد على ذلك بقصد ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانو”.
ومما لا شكّ فيه، فإنّ هذا النص يفتح الباب على مصراعيه لقمع حرية الرأي والتعبير والنشر، ويتيح للسلطات ملاحقة ومحاكمة الناشطين الذي يخفون هوياتهم.
وخاصة أولئك الذين ينشطون في نشر وثائق متعلقة بالفساد، أو من يوجهون انتقادات صريحة لبعض الشخصيات السياسية أو الأمنية أو العسكرية.
في ذات السياق، يقوّض مشروع القانون حرية الصحافة على نحو كبير، إذ يحرم الصحافيين من حماية مصادرهم في التحقيقات والتقارير الاستقصائية ذات العلاقة بالتجاوزات الرسمية وغيرها.
فلا يسمح عادة المتعاونون في مثل هذه التحقيقات بكشف هوياتهم خشية الملاحقة الأمنية أو الانتقام.
وبالتالي يُغلق هذا النص الباب أمام جميع النشاطات الصحافية التي تعتمد على مصادر غير مُعلنة، والتي قد تسهم في كشف حقائق مختلفة للرأي العام.
يشكّل مشروع القانون بشكله الحالي، وبما ينطوي عليه من مصطلحات فضفاضة وقمع لحرية الرأي والتعبير، تناقضًا واضحًا مع الدستور العراقي.
حيث تنص المادة (38) منه على: ” تكفل الدولة، وبما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً: -حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل”.
تؤكد هذه المادة بشكل واضح على حماية الدستور لحرية التعبير بشكل عام، وبالتالي فإنّ مشروع القانون على صيغته الحالية يتعارض مع النص الدستوري.
والأصل أنّ الدستور يقع على رأس الهرم التشريعي ويسمو على ما دونه من قوانين، إذ تأتي القوانين لتنظيم الحقوق التي كفلها الدستور وليس إلغاءها أو التعدي عليها.
وعلاوة على ذلك، يناقض مشروع القانون مبادئ حرية التعبير المنصوص عليها في العهود والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة، مثل المادة (19/2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية –صدّق عليه العراق-
فقد نصت المادة (19/2) على أنّ: “لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها”.
حيث أن المشروع بصيغته الحالية المناقضة لمبادئ حرية التعبير، سينعكس سلباً مثلاً على مستوى الحريات الصحفية في العراق.
تشهد الحريات الصحافية تردياً مستمراً في العراق، حيث أنه ووفقاً لمنظمة صحفيون بلا حدود فقد تراجع ترتيب العراق من المرتبة (163) عام 2021 إلى (172) في عام 2022 من أصل 180 دولة.
إنّ مجلس النواب العراقي مدعو للتعامل مع المآخذ على مشروع قانون جرائم المعلوماتية بمنتهى الجدية، وتجويده بما يراعي حق المواطنين بالتعبير عن الرأي.
ومطلوب أيضاً إبقاء الفضاء الالكتروني بعيدًا عن التدخلات القمعية. من المهم وضع ضوابط محددة للسلوكيات المجرّمة منعًا لاستخدامها بصفة تسلطية مناقضة للدستور العراقي والتزامات العراق الدولية في هذا الإطار.