هيومن رايتس ووتش تعبر عن مخاوف بشأن تسليم مشتبه به ليبي في قضية لوكربي
ينبغي ضمان الإجراءات الواجبة والسماح له بزيارات عائلية والتواصل مع محام
أعلنت السلطات الأميركية في 12 ديسمبر/كانون الأول 2022 أنها تحتجز المسؤول السابق في حكومة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، مسعود خير المريمي.
وأكد السلطات أنها تعتزم مقاضاته بعد أن قبضت عليه مجموعة مسلحة في منزله في طرابلس.
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن ينبغي للولايات المتحدة الأمريكية والسلطات الليبية توضيح الأساس القانوني للاعتقال التعسفي لـ المريمي.
حيث وبحسب المصادر فإن الرجل مشتبه في ضلوعه في تفجير طائرة فوق لوكربي في إسكتلندا عام 1988.
قالت حنان صلاح، مديرة مشاركة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “يبدو أن ما من محكمة ليبية أمرت بنقل مسعود إلى الولايات المتحدة أو راجعت قرار النقل، ولم يحصل على فرصة للاستئناف”.
وأضافت صلاح أن هذا الفعل: “يثير مخاوفا جدية حول الإجراءات الواجبة. المأزق السياسي والفوضى في ليبيا لا يسمحان للولايات المتحدة بتجاهُل انتهاكات الحقوق الأساسية”.
قال عبد الحميد الدبيبة، رئيس الوزراء الليبي المقيم في طرابلس، إن “حكومة الوحدة الوطنية” تعاونت مع الولايات المتحدة في النقل.
وأضاف أن السلطات القضائية الليبية اعترضت على شرعية التسليم وفتحت تحقيقا. وأكد عدم وجود معاهدة تسليم مطلوبين بين ليبيا والولايات المتحدة.
- طالبت هيومن رايتس ووتش الولايات المتحدة بالالتزام بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، والسماح لـمسعود بالتواصل مع أفراد عائلته، بما يشمل الإسراع في إصدار تأشيرات دخول لهم.
- وطالبت المنظمة السلطات الأمريكية أيضا أن تمنحه حق الطعن في تسليمه.
- ودعت ووتش السلطات الليبية إلى تأمين زيارات قنصلية ومساعدة مسعود على الحصول على محام فعال، وتنسيق زياراته العائلية، حسبما وعد رئيس الوزراء الدبيبة.
- هذا وناشدت المنظمة الحقوقية السلطات الليبية أيضا بالتحقيق مع أفراد المجموعة المسلحة المسؤولين عن القبض بعنف على مسعود في منزله ومحاسبتهم.
مسعود هو الليبي الثالث الذي يُنقل إلى الولايات المتحدة خلال العقد الأخير في ظروف قانونية غامضة ليخضع للمحاكمة بتهمة متعلقة بالإرهاب.
لطالما سعت الولايات المتحدة إلى اعتقال مسعود بسبب دوره المزعوم في تفجير لوكربي. يبدو أن التهم تستند إلى اعترافات مزعومة أدلى بها أمام محقق ليبي في 2012.
قال أحد أقرباء مسعود لـ هيومن رايتس ووتش إن العائلة لم تُبلَّغ مسبقا بالتسليم، إنما علمت بالأمر من منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي حول مثوله أمام محكمة أميركية في 12 ديسمبر/كانون الأول.
قال إنهم لم يكونوا على علم بأي إجراءات قانونية قبل إخراجه من ليبيا، وإنهم، تحدثوا معه عبر الهاتف في 10 فبراير/شباط لأول مرة منذ نقله إلى الولايات المتحدة. يواجه مسعود عقوبة قصوى بالسَّجن مدى الحياة.
يذكر أنه في 21 ديسمبر/كانون الأول 1988، انفجرت “رحلة بانام 103” فوق لوكربي، ما أدى إلى مقتل 270 شخصا، من بينهم جميع المسافرين، 190 منهم مواطنون أميركيون، وبعض الأشخاص في البلدة.
في نوفمبر/تشرين الثاني 1991، اتهمت السلطات الإسكتلندية والأميركية عميلَيْن في الاستخبارات الليبية على خلفية التفجير.
أُدينَ عبد الباسط علي المقرحي في 2001 وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، لكن أُفرج عنه في 2009 لأسباب إنسانية بعد تشخيص إصابته بمرض عضال في مراحله الأخيرة، وتوفي في 2012. بُرِّئ المتهم الآخر الأمين خليفة فحيمة.
قال قريب مسعود إنه لم تكن ثمة مذكرة توقيف بحق مسعود في ليبيا لحظة القبض عليه في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، في منزله في حي أبو سليم في طرابلس.
وقد اعتقل مسعود في وقتها على يد جماعة مسلحة رفض أفرادها التعريف عن أنفسهم خلال عملية الاعتقال؛ وأتوا بسيارات بلا لوحات ولم تحمل ملابسهم أي إشارة؛ وأخذوه إلى مكان مجهول.
غير أن حي أبو سليم يخضع لسيطرة “جهاز دعم الاستقرار” الذي يسيطر أيضا على أجزاء من العاصمة الليبية، والمتحالف مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية.
قال القريب إن أعضاء الجماعة المسلحة وصلوا عند الساعة 1:30 صباحا. تمركز الرجال المسلحون التابعون للجماعة على مداخل منزل مسعود ومنازل مجاورة لأقارب له، ومنعوا الجميع من المغادرة.
قال أيضا إن أعضاء المجموعة دفعوا زوجة مسعود وضربوا ابنته، التي احتاجت إلى معالجة يديها بعد الحادث. ضربوا أيضا أحد أبنائه ببندقية.
جروا مسعود (71 عاما)، الذي لم يكن يقوى على الحركة بسبب مرضه، على الأرض، ورفضوا المساعدة من أفراد العائلة على حمله.
قال القريب إن شرطة أبو سليم رفضت تسجيل شكاوى الاختطاف التي قدمتها العائلة في اليوم الثاني، ما دفع العائلة إلى الاتصال بمجموعات مسلحة والنيابة العامة لمحاولة معرفة مكانه.
في 24 أو 25 نوفمبر/تشرين الثاني، أي بعد أسبوع، اتصل مسعود بعائلته ليعلمها بأنه محتجز في مصراتة، لدى جماعة مسلحة متحالفة مع رئيس الوزراء الدبيبة، تُعرَف بـ “القوة المشتركة”، تحت إمرة عمر بوغدادة.
سمحت الجماعة لـمسعود بالاتصال بعائلته، وسمحت للعائلة بزيارته مرتين في مصراتة قبل نقله إلى الولايات المتحدة.
في 11 ديسمبر/كانون الأول، أعلنت السلطات الاسكتلندية أن مسعود أصبح في عهدة الولايات المتحدة.
في 12 ديسمبر/كانون الأول، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن مسعود قد مثل أمام محكمة في واشنطن ليحاكَم على جريمتين، إحداهما تدمير طائرة أدى إلى وفيات، بناء على تهم تقدمت بها وزارة العدل في ديسمبر/كانون الأول 2020.
لم تقدم السلطات الأميركية أي تفاصيل حول اعتقال مسعود ونقله في غياب معاهدة تسليم.
قالت السفارة الأمريكية في تونس، التي تغطي ليبيا، في تغريدة على تويتر إن نقل مسعود “كان قانونيا وتم بالتعاون مع السلطات الليبية… وجاء بعد إصدار الإنتربول ’نشرة حمراء‘ بحق مسعود في يناير/كانون الثاني 2022″، يطلب فيها من الدول الأعضاء اعتقاله لنقله إلى الولايات المتحدة.
أكدت وزارة العدل الأميركية، في بيان حقائق في 2020، وجود أسباب كافية لاتهام مسعود بالتآمر مع آخرين على تدمير رحلة بانام 103 ومساعدتهم وحضّهم على ذلك.
تقول هذه الشهادة الخطية المشفوعة بيمين، المقدَّمة دعما للتهم، إن الولايات المتحدة يبدو أنها بنت القضية على اعتراف مزعوم أدلى به مسعود لعميل ليبي مجهول الهوية في 12 سبتمبر/أيلول 2012، حين كان محتجزا في ليبيا.
حصلت السلطات الأمريكية على ترجمة إنجليزية لمحضر التحقيق في 2017. احتجز مقاتلون معادون لـ القذافي، مسعود في 2011، بعد الثورة الليبية.
في 2015، وبعد محاكمة جماعية شابتها انتهاكات خطيرة للإجراءات الواجبة، حكمت محكمة جنائية في طرابلس على مسعود بالسَّجن 10 سنوات لدوره في تفخيخ سيارات خلال ثورة 2011.
وحكمت المحكمة على 31 مسؤولاً سابقاً آخرين في عهد القذافي بأحكام مختلفة بالسَّجن. أُفرِج عن مسعود في 2021 لأسباب طبية.
خلال سنوات احتجازه في ليبيا، وثّقت هيومن رايتس ووتش استخدام التعذيب، والترهيب، وانتهاكات أخرى في مراكز الاحتجاز الليبية، غالبا لانتزاع الاعترافات.
لطالما كان النظام القضائي الليبي، ولا يزال، تشوبه انتهاكات جسيمة للإجراءات الواجبة.
طالبت هيومن رايتس ووتش السلطات الأميركية بضمان عدم استخدام أي اعتراف منتزع بالإكراه، بما في ذلك الاعترافات تحت التعذيب، كجزء من المقاضاة، ما يشكل انتهاكا للقانونين الأميركي والدولي.
لم ترد السلطات الليبية على مزاعم مشاركتها في التسليم المحتمل أن يكون غير قانوني حتى 16 ديسمبر/كانون الأول، عندما أعلن الدبيبة في بيان متلفز أنه تعاون مع السلطات الأميركية في عملية النقل.
نعت الدبيبة مسعود بـ “الإرهابي” دون أن يوضح الأساس القانوني لتسليمه. أكد النائب العام الليبي، في بيان له في 14 ديسمبر/كانون الأول، أن مكتبه لم يشارك في التسليم، وأنه قد فتح تحقيقا في شرعية تسليم مسعود.
تعهّد رئيس الوزراء الدبيبة في تصريحه المتلفز بأن مسعود سيحصل على زيارات قنصلية ومن عائلته.
ونعهد الدبيبة أيضاً بأن الحكومة الليبية ستدفع التكاليف القانونية لقضيته، لكن هذا لم يحصل بعد. وكّلت عائلة مسعود محامياً مؤقتاً التقى بـمسعود بعد استدعائه في الولايات المتحدة.
في أكتوبر/تشرين الأول 2013، نقلت السلطات الأميركية، بدعم من جماعات مسلحة ليبية، أبو أنس الليبي، المعروف بـ نزيه الرقعي، إلى الولايات المتحدة لمحاكمته على دوره في تفجير سفارتَيْ الولايات المتحدة في نيروبي وتنزانيا في 1998 الذي قتل 224 شخصا.
قال أقرباء الرقعي لـ هيومن رايتس ووتش إن عائلته المقيمة في ليبيا حاولت الحصول على تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة لزيارته بعد تسليمه. لكن السلطات الأمريكية لم توافَق عليها. توفي في 2015 بينما كان ما يزال يخضع للمحاكمة.
اعتُقل أحمد أبو ختالة، المعروف أيضا بـ أحمد مخاتلة، في بنغازي في يونيو/حزيران 2014 ثم نُقل إلى الولايات المتحدة. أعلنت السلطات القضائية في حينها أن نقله لم يكن قانونيا.
بعد محاكمته وإدانته في محكمة أميركية في 2017، حُكم عليه بالسجن 22 عاما لضلوعه في الهجوم على مبنى ملحق بالسفارة الأميركية في بنغازي في 11 سبتمبر/أيلول 2012.
حيث قُتِل في الهجوم بوقتها السفير ج. كريستوفر ستيفنز بالإضافة إلى ثلاثة موظفين في الحكومة الأمريكية.
قالت صلاح: “قد يُحرم ضحايا رحلة بانام 103، وهم كُثر، من العدالة الحقيقية ما لم توضح الحكومة الأمريكية وحكومة الوحدة الوطنية الليبية الأساس القانوني لتسليم مسعود إلى الولايات المتحدة”.