السعودية: عقاب جماعي لولدَي مسؤول سابق
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن على السلطات السعودية أن تفرج فورا عن ولدَي مسؤول سعودي سابق محجوزين إثر محاكمة جائرة جرت على ما يبدو في محاولة لإجباره على العودة إلى المملكة.
اعتُقل عمر الجبري (23 عاما) وسارة الجبري (21 عاما)، ولَدا سعد الجبري، وهو مسؤول كبير سابق في المخابرات السعودية، في مارس/آذار 2020، واحتجزا بمعزل عن العالم الخارجي حتى يناير/كانون الثاني 2021.
وجهت السلطات السعودية اتهامات إلى الشقيقين في سبتمبر/أيلول 2020، بعد شهر من مقاضاة والدهما لولي العهد محمد بن سلمان أمام محكمة اتحادية أمريكية بموجب “قانون حماية ضحايا التعذيب”، بزعم أن ولي العهد أرسل فرقة اغتيال لقتله في كندا عام 2018.
بعد اعتقالهما وأثناء محاكمتهما، احتجزت السلطات السعودية الشقيقين بمعزل عن العالم الخارجي، ومنعتهما من مقابلة محاميهما أو التحدث مع أفراد أسرتهما.
كما احتجزت السلطات ما يصل إلى 40 شخص آخرين من أفراد عائلة الجبري أو مقربين منهم، الذين ما زالوا محتجزين، وفقا لمصادر مطلعة.
قال مايكل بيج، نائب مدير الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “معاملة عمر وسارة الجبري تظهر إلى مدى ستضغط السعودية على الأشخاص الذين يرفضون الانصياع”.
وأضاف أن “احتجاز شابة وشاب، وإخضاعهما لمنع سفر تعسفي، ومحاكمة متسرعة فقط للضغط على والدهما هو عقاب جماعي يستدعي المساءلة والعدالة”.
حكمت محكمة سعودية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 على عمر وسارة الجبري في محاكمة جائرة بالسجن تسع وست سنوات ونصف على التوالي بتهمة “غسل الأموال” و”محاولة الهروب” من السعودية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، أيدت محكمة الاستئناف الأحكام الصادرة بحقهما في جلسة سرية لم يكونا حاضرين فيها.
ولم يقدم لهما رسميا ولا لمحاميهما أو غيرهما من أفراد الأسرة حكم المحكمة النهائي الذي يفصّل الأسباب الكامنة وراء الحكم الأولي أو قرار الاستئناف.
راجعت هيومن رايتس ووتش سلسلة من وثائق المحكمة، والرسائل النصية، وغيرها من البنود المتعلقة بمحاولة السلطات السعودية الانتقام من الجبري وأطفاله، وقابلت أحد أفراد أسرته عبر الهاتف في يونيو/حزيران.
قال أحد أفراد العائلة إن السلطات السعودية استهدفت الشقيقين منذ 2017، عندما كانت سارة في الـ 17 عاما وعمر في الـ 18 عاما، لإجبار والدهما على العودة إلى السعودية من المنفى.
كان سعد الجبري في السابق مسؤولا استخباراتيا في وزارة الداخلية السعودية ومستشارا كبيرا لمحمد بن نايف، الذي أطيح به من منصب نائب ولي العهد في يونيو/حزيران 2017 وسط استيلاء محمد بن سلمان، الذي أصبح ولي عهد الآن، على أجهزة الأمن السعودية.
في 21 يونيو/حزيران 2017، بعد وقت قصير من خلع بن نايف، منع عناصر أمن في مطار الرياض سارة الجبري من السفر إلى الولايات المتحدة، قائلين إن الشقيقين ممنوعان من السفر “لأسباب أمنية”.
كانا على وشك السفر إلى الولايات المتحدة للالتحاق بالدراسة. لم يُخطَرا قط رسميا بالأسباب الكامنة وراء منعهما من السفر.
في أواخر 2017، جمدت السلطات السعودية حساباتهما المصرفية وأصولهما المالية، واستجوبتهما بشكل منفصل حول مكان والدهما وأنشطته.
قال أحد أفراد الأسرة إن السلطات حاولت أثناء الاستجواب إقناع الشقيقين بأن على والدهما وأفراد أسرتهما الآخرين الذين يعيشون في الخارج أن يعودوا إلى السعودية.
بعد محاكمة معجّلة لأربع جلسات استماع على مدى أسابيع قليلة، أدانت المحكمة الشقيقين بناء على اعترافاتهما المزعومة فقط لكن الحكم لم يوقعه سوى قاضيين من بين ثلاثة قضاة في اللجنة.
ولم تكتشف الأسرة حكم الاستئناف السري إلا بالإشارة إليه في دعوى قضائية رفعها محام يمثل محمد بن سلمان أمام محكمة فيدرالية أمريكية يطلب فيها رفض دعوى الجبري.
نظرا لمخالفات المحاكمة وانتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة، على السلطات السعودية أن تبطل فورا عقوبة السجن، وأن تفرج عن الأخوين الجبري، وأن تسمح لهما بالسفر إلى الخارج للم شملهما بأسرتهما.
واكدت هيومن رايتس ووتش أن على السلطات السعودية أن تلغي فورا الاعتقالات التعسفية ومنع السفر المفروض على أفراد عائلة الجبري وشركائهم منذ 2017.
وثقت هيومن رايتس ووتش منذ فترة طويلة انتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة بموجب النظام الجنائي السعودي.
في أوائل عام 2020، أعلنت السلطات عن إصلاحات كبيرة من المفترض أن تحمي الأحداث الجانحين من أوضاع بالغة السوء، ووعدت بوضع قانون عقوبات مكتوب.
غير أن هذه التغييرات لم تكن كافية للامتثال الكامل لمعايير القانون الدولي، ولا يزال تنفيذ بعض الأحكام غير واضح بحسب المنظمة الدولية.
قال بيج: “معاملة الشقيقين الجبري هي عار على إعلانات إصلاح العدالة الجنائية السعودية. لا يزال الطريق طويلا قبل أن يستحق نظام العدالة السعودي اسمه بمصداقية”.
منع السفر التعسفي
واجهت سارة وعمر الجبري انتقاما من السلطات السعودية منذ منتصف عام 2017، عندما كانا في سن المراهقة. في 21 يونيو/حزيران 2017، بعد وقت قصير من خلع بن نايف، منع عناصر أمن مطار الرياض سارة الجبري من السفر إلى الولايات المتحدة “لأسباب أمنية”.
ويزعم أن عمر رفض السفر بدونها. كان الشقيقان في طريقهما إلى الولايات المتحدة للالتحاق بالدراسة في ماساتشوستس – سارة في برنامج “البكالوريا الدولية” في “المدرسة البريطانية الدولية” في بوسطن، وعمر في “جامعة سوفولك”، حيث كان قد تلقى دروسا أصلا.
أفادت تقارير أن المؤسستين استفسرتا من سلطات الهجرة الأمريكية عن مكان وجود حينما لم يصلا إلى الحرم الجامعي في الوقت المناسب لبدء فترة دراستهما.
استنادا إلى سجلات الرسائل النصية المتاحة للجمهور في ملفات المحاكم الأمريكية، التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، أرسل سعد الجبري رسالة نصية إلى ولي العهد محمد بن سلمان في 21 يونيو/حزيران لطلب رفع منع السفر عن ولديه. لم يقرّ محمد بن سلمان بتلقي رسائل الجبري.
في 7 سبتمبر/أيلول 2017، راسل الجبري محمد بن سلمان مجددا، قائلا إن منع السفر أعاق قدرة الشقيقين على بدء دراستهما. فأجاب ولي العهد: “أريد حل مشكلة ابنك وابنتك، لكن هناك ملف حساس جدا هنا يتعلق [بمحمد بن نايف]”.
طالب بن سلمان الجبري بالعودة إلى السعودية في اليوم التالي لمناقشة المسألة شخصيا، وهدده بتقديم الملف لـ “الإنتربول” إذا لم يقم بذلك.
لم يعد الجبري، وفي ديسمبر/كانون الأول 2017 قدمت السعودية شكوى إلى الإنتربول طالبة تسليمه بتهم فساد.
مُنعت زوجة الجبري وأقارب آخرون من السفر جوا من تركيا إلى كندا في الشهر نفسه، على ما يبدو بسبب شكوى الإنتربول.
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن السلطات السعودية قدمت الشكوى في البداية على أنها تعميم، وهي طريقة “أقل رسمية” لأعضاء الإنتربول لطلب المساعدة من أعضاء آخرين. وأصدرت الإنتربول إشعارا أحمر رسميا في يناير/كانون الثاني 2018.
وفقا لوثائق الإنتربول التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، رفضت الإنتربول القضية في يوليو/تموز 2018 على أساس أن ملاحقة الجبري كانت إساءة استخدام لمواردها وانتهاكا لقانونها الداخلي. لاحظت اللجنة التي راجعت القضية “التدابير التقييدية الجانبية” التي اتخذتها السلطات السعودية ضد العديد من أفراد عائلة الجبري، كما اعتبرت “علاقة سعد الجبري بـ [محمد بن نايف]، المنافس الرسمي على السلطة لـ [محمد بن سلمان]”، جزءا من الدوافع السياسية للقضية.
توقيف واعتقال بمعزل عن العالم الخارجي
في مارس/آذار 2020، قال أحد أفراد العائلة إن مسؤولا رفيع المستوى في “رئاسة أمن الدولة” استدعى عمر وسارة الجبري إلى مكتبه، حيث ضغط عليهما لإقناع عائلتهما بالعودة إلى السعودية.
بعد أسبوع، مجموعة من قوات الأمن السعودية، بقيادة المسؤول نفسه، أوقفت الأخوين في منزلهما في الرياض واحتجزتهما بمعزل عن العالم الخارجي لعشرة أشهر.
بموجب المبادئ التوجيهية لـ “الأمم المتحدة”، الاحتجاز المطول بمعزل عن العالم الخارجي هو نوع من العقوبة أو المعاملة القاسية وغير الإنسانية والمذلة. اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التي انضمت اليها السعودية في 1997، تحظر التعذيب وأنواع سوء المعاملة الأخرى.
بين مارس/آذار 2020 ويناير/كانون الثاني 2021، لم يكن لدى عائلة الجبري أي معلومات عن مكان الأخوين أو ظروف احتجازهما.
أخبر مصدر مطلع هيومن رايتس ووتش أن السلطات تجاهلت مرارا طلبات العائلة للحصول على معلومات، ومنعت الأخوين من الوصول إلى الاستشارة القانونية، أو الزيارات، أو المكالمات الهاتفية.
تُظهر الرسائل النصية المتبادلة بين المسؤول وأفراد عائلة الجبري أن العائلة سألت أيضا مباشرة عن أحوال الأخوين، رغم أن المسؤول لم يرد على هذه الأسئلة.
في مايو/أيار 2020، اقتحم عناصر أمن مسلحون منزل شقيق سعد الجبري واحتجزوه بدون أي تفسيرات. لا يزال محتجزا.
وفي يونيو/حزيران 2020، استُدعِي ابن أخ الجبري إلى مكتب المسؤول ثم زُعَم أنه اوقِف واْستُجْوِب حول التغطية الإعلامية لظروف اعتقال عمر وسارة الجبري. في أغسطس/آب 2020، أوقف أيضا صهر الجبري بعد استدعائه إلى لقاء. وفق تقديرات أحد أفراد العائلة، حوالي 40 فردا من العائلة أو المقربين منها هم حاليا معتقلون.
أما في أوائل يناير/كانون الثاني 2021، نقلت سلطات السجن السعودية الأخوين من مركز اعتقال معزول عن العالم إلى سجنين مختلفين في الرياض، وسمحت لهما لأول مرة بالاتصال بعائلتهما الموجودة في السعودية.
قال فرد من العائلة إن عمر موجود في سجن الحائر وسارة في سجن الملز. مُنع الأخوان من الزيارة أو الاتصال مباشرة بأهلهما خارج البلاد.
تعطيل الحياة العائلية من خلال جعل الزيارة مستحيلة أو صعبة جدا يشكل انتهاكا لحقوق المساجين. تنص المعايير الدولية على أنه “لا يمكن منع المعتقل أو السجين من الاتصال بالعالم الخارجي، لا سيما بأفراد عائلته أو المحام، لأكثر من أيام معدودة”.
إصدار الحكم وعملية الاستئناف غير العادلة
قال قريب الأخوين الذي ذكر سابقا إن التهم التي وجهتها المحكمة السعودية الجنائية في الرياض إلى عمر وسارة الجبري في سبتمبر/أيلول 2020 ترتكز “كليا” على اعترافات مزعومة أدلى بها الأخوان. اطلعت هيومن رايتس ووتش على نسخة من اعترافات الأخوين المزعومة التي قدمتها المحكمة كدليل في القضية.
وفق صحيفة الاتهامات، التي اطلعت عليها أيضا هيومن رايتس ووتش، اتُهم الأخوان بـ “غسل الأموال” في انتهاك لنظام مكافحة غسل الأموال، ومحاولة “الهروب” من المملكة بطريقة “غير نظامية”.
تشير تهمة “الهروب غير النظامي” على ما يبدو إلى محاولتهما السفر إلى الولايات المتحدة في 2017 للدراسة، ولا تشرح ملفات القضية كيف أو لماذا يعتبر هذا السفر “غير نظامي”.
لا تذكر صحيفة الاتهامات اسم المدعي الأساسي، وهو أمر غير معتاد في إجراءات المحكمة. كما حدد حكم المحكمة قاضيين فقط من أصل الثلاثة الذين وقعوه، وهو أيضا أمر غير اعتيادي.
قدم محامي الأخوين الجبري طلب الاستئناف في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2020، لكنه لم يتلق أي رد في هذا الشأن. لم يُعلن عن جلسة الاستئناف إلا حين قدم محام يمثل ولي العهد محمد سلمان رد دعوى في الولايات المتحدة رفعها سعد الجبري أمام محكمة فدرالية أمريكية.
وفق الطلب، عُقِدت جلسة الاستئناف في 24 ديسمبر/كانون الأول 2020 وأكدت التهم والأحكام الصادرة بحق الأخوين.
قال القريب إن عمر أو سارة أو أي شخص آخر من العائلة أو المحامي لم يُبَلَّغوا بجلسة الاستئناف. مع انعقاد الاستئناف في السر، حرمت المحكمة العائلة من القدرة على تمييز الحكم أمام المحكمة العليا خلال مهلة 30 يوما المحددة.
بحسب قريب الأخوين وصحيفة الاستئناف، معظم الجرائم التي يُزعم أن الأخوين ارتكباها، وقعت حينما كانا تحت سن 18 عاما، ما يعني أن السلطات السعودية تغاضت عن عدة أحكام من قانون الأحداث لعام 2018، بما يشمل الأحكام المخففة للأطفال الذين يزعم أنهم ارتكبوا جرائم.
يصف المرسوم رقم 39 لعام 2003 غسل الأموال على أنه “إخفاء المصدر غير المشروع لتلك الأموال [المكتسبة] أو تمويهه”. في لائحة الاتهام الصادرة في سبتمبر/أيلول 2020، ادعت المحكمة الجنائية أن الأخوين حصلا على 200 ألف ريال (ما يعادل حوال 53 ألف دولار أمريكي).
في مستند آخر، تقول المحكمة إن عمر استلم هذه الأموال عبر “أحد المتهمين [سعد الجبري]”، ما يدل على أن المحكمة تعلم من أرسل الأموال.
كما تزعم المحكمة أن عمرـ بعد مغادرة والده المملكة في 2017، سحب مليون ريال (تقريبا 267 ألف دولار أمريكي) من أحد حسابات والده، قبل فترة وجيزة من تجميد الحسابات المصرفية.
تنكر العائلة هذه المزاعم في وثائق الاستئناف، قائلة إن عمر لم يملك يوما أي سلطة للتصرف بحسابات والده، لذا لا يمكنه سحب الأموال منها. ويزعم أن سارة خرقت المرسوم عند استعمالها بطاقة مصرفية لشخص مقرب من العائلة أراد المساعدة في تغطية تكاليف حياة الأخوين.
تؤكد العائلة أن الأموال الموجودة في حسابات الأخوين المصرفية تأتي من حسابات أفراد من عائلة الجبري أو من أصدقاء مقربين.
وقد حوّلت هذه الأموال بهدف تأمين تكاليف الحياة والدراسة للأخوين بعد أن جمّدت السلطات السعودية الحسابات المصرفية الأخرى للعائلة في 2017.
كما مارست السلطات السعودية سلسلة من الأعمال الانتقامية ضد محامي الجبري وعائلته. وفق أحد أفراد العائلة، في يناير/كانون الثاني 2021، استدعى مكتب رئاسة أمن الدولة السعودي محامي الأخوين الجبري، وأخيه وأخته لاجتماع. خلال الاجتماع، نكر مسؤولو أمن الدولة أن تكون جلسة الاستئناف قد انعقدت.
يُزعم أن المحامي اعترف خلال الاجتماع أنه تواصل مع أفراد من عائلة الجبري الموجودين خارج المملكة. بعد هذه الواقعة بفترة وجيزة، اكتشف أقرباء المحامي أن السلطات منعتهم جميعا من السفر وجمّدت أصولهم المالية.