الأمم المتحدة: مدينة درنة الليبية تعكس بشكل محزن حالة عالمنا المعاصر
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – استهل الأمين العام للأمم المتحدة كلمته أمام الجمعية العامة، قبيل بدء مناقشتها العامة رفيعة المستوى، بالحديث عن مدينة درنة الليبية التي ضربتها السيول والفيضانات الأسبوع الماضي مما أدى إلى مصرع الآلاف.
وقال أنطونيو غوتيريش إن أهل درنة عاشوا وماتوا في بؤرة من اللامبالاة بهم، فيما هطلت أمطار غزيرة في 24 ساعة زادت كميتها بمئات المرات عن المعدلات الشهرية لسقوط الأمطار، وتصدعت السدود بعد سنوات من الحرب والإهمال، ومُحي كل شيء يعرفونه من الخريطة.
وأضاف الأمين العام: “الآلاف في درنة فقدوا حياتهم في الفيضانات الهائلة غير المسبوقة. كانوا ضحايا مرات عديدة: ضحايا الصراع، وضحايا الفوضى المناخية، ضحايا قادة-قريبين وبعيدين- خذلوهم في إيجاد سبيل للسلام”.
وفيما نتحدث الآن تنجرف الجثث على الشاطئ، كما قال غوتيريش، من نفس البحر المتوسط الذي يستجم تحت شمسه المليارديرات على يخوتهم الفارهة.
وقال أمين عام الأمم المتحدة إن درنة تصور بشكل محزن حالة عالمنا: فيضان من انعدام المساواة والظلم وعدم القدرة على مواجهة التحديات.
فيما تتصاعد التوترات الجيوسياسية والتحديات الدولية، نبدو غير قادرين على العمل معا للاستجابة للتحديات كما قال الأمين العام للأمم المتحدة.
وفي خطابه حول تقريره بشأن عمل الأمم المتحدة، حذر غوتيريش من التهديدات الوجودية التي يواجهها العالم من أزمة المناخ إلى التكنولوجيات المحدثة للاضطرابات. وقال “إننا نتجه بشكل سريع نحو عالم متعدد الأقطاب”.
وفيما يعد هذا أمرا إيجابيا بشكل كبير لأنه يجلب فرصا جديدة للعدالة والتوازن في العلاقات الدولية، قال الأمين العام إن تعددية الأقطاب وحدها ليست ضمانا للسلام.
واستطرد قائلا إن أوروبا في بداية القرن العشرين كان بها العديد من القوى، ولكنها افتقرت إلى مؤسسات قوية متعددة الأطراف وكانت النتيجة الحرب العالمية الأولى.
وشدد في هذا السياق على حاجة العالم متعدد الأقطاب إلى مؤسسات فعالة متعددة الأطراف، ولكنه قال إن الحوكمة الدولية ما زالت تعيش في زمن ولى ومضى.
وساق مثالا على ذلك بمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة ومؤسسات بريتون وودز المالية التي تشمل البنك الدولي.
وقال إن تلك المؤسسات تعكس الواقع السياسي والاقتصادي لعام 1945، عندما كانت العديد من الدول الحاضرة اليوم في الجمعية العامة، تحت سيطرة الاحتلال، “العالم تغير، ولكن مؤسساتنا لم تتغير”.
وأضاف: “لن نستطيع التصدي بشكل فعال للمشاكل، إذا لم تعكس المؤسسات العالم كما هو”.
وشدد على ضرورة إصلاح مجلس الأمن وإعادة تصميم الهيكل المالي الدولي، وقال “إن بديل الإصلاح ليس بقاء الحال كما هو عليه. البديل هو مزيد من التشرذم. إما الإصلاح أو التمزق”.
وتطرق غوتيريش إلى الانقسامات داخل الدول، وقال إن الديمقراطية تتعرض للتهديد فيما يتصاعد الاستبداد وعدم المساواة وخطاب الكراهية.
وفي وجه هذه التحديات، شدد على أهمية التسوية والحلول الوسط. وقال إن على القادة مسؤولية خاصة تحتم عليهم التوصل إلى حلول وسط لبناء المستقبل المشترك المتسم بالسلام والازدهار للصالح العام.
وفيما يمتلك العالم الأدوات والموارد لحل التحديات المشتركة، فإن ما يحتاجه هو العزم وفق الأمين العام: العزم على إنهاء الحروب وتعزيز حقوق الإنسان واحترام العدالة والقانون الدولي من بين أمور أخرى.
وتطرق إلى غزو روسيا لأوكرانيا، مشيرا إلى الخسائر في الأرواح وانتهاكات حقوق الإنسان، نتيجة الحرب التي تنتهك الميثاق والقانون الدولي.
وقال إن هناك عواقب وخيمة أخرى تؤثر على جميع الناس تتمثل في التهديدات النووية وتقويض الجهود الدبلوماسية وما يتبع ذلك من عرقلة تحقيق التقدم على كل الأصعدة.
ورغم استمرار القتال، شدد الأمين العام للأمم المتحدة على ضرورة السعي لتخفيف معاناة المدنيين في أوكرانيا وخارجها.
ومن هنا جاءت مبادرة البحر الأسود، كما قال غوتيريش لأن العالم يحتاج بشدة للغذاء الأوكراني والمواد الغذائية والأسمدة الروسية من أجل ضمان استقرار الأسواق والأمن الغذائي. وأكد أنه سيواصل بذل جهوده لإنجاح هذا المسعى.
تطرق الأمين العام إلى عدد من التحديات الأمنية التي تواجه العالم. وأشار إلى سلسلة الانقلابات في أنحاء منطقة الساحل الأفريقية. وقال إن السودان ينزلق نحو حرب أهلية شاملة، فيما يفر الملايين وتواجه البلاد خطر الانقسام.
وفي أفغانستان، يحتاج 70% من السكان إلى المساعدات الإنسانية، مع حرمان النساء والفتيات بشكل منهجي من حقوقهن.
وفي الشرق الأوسط، يؤثر تصاعد العنف وسفك الدماء في الأرض الفلسطينية المحتلة بشكل رهيب على المدنيين.
وقال غوتيريش إن الأعمال الأحادية تزداد وتقوض احتمالات حل الدولتين، وهو السبيل الوحيد للسلام الدائم والأمن للفلسطينيين والإسرائيليين.
وفيما يتعرض هيكل السلام والأمن لضغوط غير مسبوقة، قال الأمين العام: “في سياق التحضير لقمة المستقبل، نقدم أفكارا لتنظر فيها الدول الأعضاء بشأن أجندة جديدة للسلام تقوم على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي”.
وقال إن الأجندة تقدم رؤية موحدة للتعامل مع التهديدات القائمة والجديدة في عالم يمر بمرحلة انتقالية، وتدعو الدول إلى إعادة الالتزام بعالم خال من الأسلحة النووية وتعزيز منع نشوب الصراعات، ووضع قيادة ومشاركة المرأة في قلب صنع القرارات والتعهد بالقضاء على كل أشكال العنف ضد النساء.
في كلمته قبيل انطلاق أعمال المناقشة العامة رفيعة المستوى للجمعية العامة، شدد الأمين العام على ضرورة التصدي للتهديد الأكثر إلحاحا للمستقبل، ألا وهو زيادة حرارة كوكب الأرض.
وقال: “إن تغير المناخ ليس مجرد تغير في الطقس. إن تغير المناخ يغير الحياة على كوكبنا، ويؤثر على كل جوانب عملنا، إنه يقتل الناس ويدمر المجتمعات”.
وأضاف: “حول العالم لا نرى تسارعا فقط في درجات الحرارة ولكننا نرى تسارعا في ارتفاع مستوى البحر وتراجع الكتل الجليدية وتفشي الأمراض الفتاكة وانقراض الكائنات الحية وتعرض المدن للتهديدات”.
كل هذا لا يمثل إلا البداية وفق الأمين العام، الذي أشار إلى أن أشهر الصيف الماضية كانت الأشد حرارة على الإطلاق. وقال إن كل رقم قياسي يُحطم، تُحطم معه اقتصادات وأرواح وتصل دول بأسرها إلى حافة الانهيار.
ولكن أنطونيو غوتيريش قال إن الوقت ما زال متاحا لإبقاء ارتفاع درجات الحرارة في مستوى 1.5 درجة مئوية المحدد في اتـفاق باريس للمناخ.
ويتطلب ذلك اتخاذ خطوات قوية الآن لخفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري وضمان العدالة المناخية لمن لم يتسببوا في هذه الأزمة ورغم ذلك يدفعون الثمن الأكبر لها.
ولأن الدول الصناعية العشرين هي المسؤولة عن 80% من انبعاث غازات الاحتباس الحراري، فعليها أن تقود الطريق نحو الحل كما قال الأمين العام الذي شدد على ضرورة أن تنهي تلك الدول إدمانها للوقود الإحفوري.
وقد وضع الأمين العام ما يُعرف باتفاق التضامن المناخي الذي ينص على ضرورة الحد من الانبعاثات ودعم الدول الغنية للاقتصادات الناشئة بالتمويل والتكنولوجيا وغيرهما.
وفي وجه كل هذه التحديات يأتي دور الأمم المتحدة التي قال أمينها العام إنها خُلقت لأوقات مثل هذه، “نستطيع ويتعين علينا استخدام أدواتنا بطرق مرنة ومبتكرة”.
“الشهر الماضي، رأينا عوائد العزم (على حل التحديات) قبالة ساحل اليمن. ناقلة النفط المتهالكة صافر، التي كانت تحمل مليون برميل من النفط، كانت قنبلة موقوتة وكارثة بيئية وشيكة في البحر الأحمر”.
“ولكن لم يعرض أحد حل المشكلة، فنهضت الأمم المتحدة وجمعت العالم معا”.
وأضاف غوتيريش أن الأمم المتحدة حشدت الموارد وجمعت الخبراء وقامت بالمفاوضات الصعبة لبناء الثقة. وأشار إلى نقل النفط بنجاح من صافر إلى ناقلة أخرى. وقال: “إن العمل الذي تم بقيادة الأمم المتحدة أنقذ البحر الأحمر”.
ورغم القائمة الطويلة من التحديات الدولية، يمكن لنفس الروح من العزم أن ترشدنا إلى الأمام كما قال الأمين العام للأمم المتحدة في ختام كلمته.