مخاوف حقوقية عميقة تفرض على الشركاء الدوليين إعادة النظر في مشروع “ستارجيت الإمارات”

أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه العميق إزاء إعلان كوريا الجنوبية موافقتها على التعاون مع دولة الإمارات في مشروع “ستارجيت” لإنشاء مركز بيانات ضخم للذكاء الاصطناعي تقوده شركة G42″” المرتبطة بالسلطات الإماراتية وبمشاركة تحالف تقني دولي.

وحذر المرصد الحقوقي من المخاطر الجدية التي قد تطال خصوصية الأفراد وحرياتهم بالنظر إلى السوابق الموثّقة لكلٍّ من السلطات الإماراتية والشركة المنفذة في استخدام تقنيات المراقبة والاختراق على نحو غير مشروع، وما يرتبط بذلك من مخاوف حول غياب الضمانات والحوكمة المستقلة لهذا النوع من المشاريع عالية الحساسية.

وقال الأورومتوسطي إنّ خطورة المشروع -الذي أعلنت عنه كوريا الجنوبية يوم الثلاثاء 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري- لا تقتصر على احتمال إساءة استخدام البيانات المُجمَّعة، بل تمتد إلى إمكانية توظيف قدرات الذكاء الاصطناعي الضخمة التي سيتيحها المركز في تعزيز أدوات القمع الرقمي القائمة أصلًا، بما في ذلك المراقبة الجماعية، والتعرّف على الوجوه، وتتبع الناشطين والمعارضين، وتحليل الأنشطة الرقمية والسلوكية على نطاق واسع وبدرجة غير مسبوقة، على نحو يهدد جوهر الحق في الخصوصية وحرية التعبير وتكوين الجمعيات.

وأشار إلى أنّ مشروع “ستارجيت الإمارات” قد يتيح وصول بيانات حسّاسة إلى شركات مرتبطة بشكل وثيق بأجهزة الأمن الإماراتية وغيرها من الأنظمة القمعية، ما يهدد بتطوير أنظمة استهداف متقدمة قد تُستخدم لأغراض سياسية أو أمنية خارج إطار القانون، خصوصًا في ظل غياب أي ضمانات واضحة حول أماكن معالجة البيانات، وهوية الجهات التي تمارس السيطرة الفعلية على الخوادم والخوارزميات، وحدود إمكانية النفاذ إليها من جانب أجهزة الأمن.

وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّ المضي في هذا التعاون دون إطار صارم للشفافية والرقابة المستقلة قد يعرّض جميع الأطراف ذات العلاقة لمخاطر قانونية وأخلاقية حقيقية، بالنظر إلى احتمال تسبّب المشروع في انتهاكات عابرة للحدود لحقوق الأفراد، بما في ذلك المقيمين والعمال الأجانب والمعارضون والنشطاء الحقوقيون، خصوصًا مع ما قد يتطلبه المشروع من معالجة ونقل بيانات حسّاسة ضمن بيئات أو تقنيات غير خاضعة للرقابة الكافية.

ولفت المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ الشركات التكنولوجية الدولية المشاركة في المشروع، وخصوصًا “OpenAI” وOracle”” و”Nvidia” و”SoftBank” وسائر مزوّدي البنية التحتية والشركات المورِّدة للرقائق والخدمات السحابية، تتحمّل مسؤولية مباشرة بموجب مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان (UNGPs)

وأكد أن توفير هذه الشركات للخبرة والتكنولوجيا والقدرات الحسابية اللازمة لبناء بنية تحتية يمكن استخدامها للمراقبة الجماعية، من دون ضمانات صارمة، قد يشكّل خرقًا لهذه المبادئ ويعرضها لمسؤولية عن أضرار يمكن التنبؤ بها.

وبيّن المرصد الأورومتوسطي أن المخاوف ليست نظرية، بل تستند إلى سوابق موثقة تُظهر تورط شركة “G42” وكيانات مرتبطة بها في تطوير ونشر أدوات مراقبة متقدمة تستخدمها السلطات.

وأشار إلى أن هذا السجل يتضمن، على سبيل المثال، ارتباطها بملكية تطبيق “ToTok” للمراسلة، والذي كشفت تقارير دولية أنه استُخدم لتتبع بيانات المستخدمين والأنشطة الرقمية، بالإضافة إلى الإسهام في تكنولوجيا الاختراق السيبراني والاستهداف الرقمي الممنهج الذي استهدف الصحفيين والمعارضين السياسيين والنشطاء الحقوقيين في المنطقة.

ونبّه إلى أنّ هيكلية شركة “G42” وسجل ارتباطاتها يثيران مخاطر قانونية حقيقية، إذ تُظهر تقارير دولية مستقلة انخراط شخصيات قيادية حاليّة وسابقة في الشركة في كيانات سيبرانية كانت موضوع تحقيقات واسعة بسبب ممارسات تنتهك حقوق الخصوصية وحرية التعبير، وفي مقدّمتها مجموعة “DarkMatter” التي وُجّهت إليها اتهامات باستخدام أدوات اختراق ومراقبة لاستهداف صحفيين ومعارضين ونشطاء، ضمن ما يُعرف بممارسات “القمع العابر للحدود”.

وأوضح أنّ هذا الترابط المؤسسي يعكس بيئة عالية الخطورة بموجب مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان (UNGPs)، ولا سيما ما يتعلق بمسؤولية الشركات عن تجنب التسبّب أو المساهمة في انتهاكات، وإجراء عناية واجبة فعّالة في سياقات عالية الحساسية، وبالتالي فإنّ تنفيذ الشركة للمشروع قد يشكّل مخاطرة متوقعة قانونيًا، بالنظر إلى احتمالية إعادة إنتاج أنماط استغلال تقني سبق توثيقها في المنطقة.

وشدد المرصد الأورومتوسطي على أنّ منح شركة ذات سجل حافل في بناء البنية التحتية للمراقبة الرقمية سلطة تنفيذ مشروع بحجم “ستارجيت” قد يرسخ نهج الإفلات من المساءلة، ويحوّل المشروع من منصة للتنمية والتقدّم التقني إلى واجهة تقنية لتوسيع أدوات السيطرة الحكومية على الفضاء الرقمي، وتمكين أنماط التنميط القمعي والاستهداف القائم على الرأي أو الانتماء السياسي أو الخلفية.

ولفت إلى أنّه لا يمكن فصل خطورة التعاون بين كوريا الجنوبية والإمارات في مشروع “ستارجيت” عن السجل الموثّق للإمارات في استخدام التكنولوجيا الرقمية كأداة للسيطرة وتقييد الحريات العامة، إذ أكّدت تقارير مهنية وموثوقة استهداف السلطات الإماراتية معارضين ونشطاء عبر برمجيات تجسس متطورة مثل برنامج “بيغاسوس”، وما شابه لاستهداف معارضين وصحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، إلى جانب انتهاج أنماط متنوعة من المراقبة الرقمية والملاحقة على خلفية التعبير السلمي عن الرأي، بما في ذلك خلال أحداث بارزة مثل استضافة قمة المناخ “COP28”.

وأكّد أنّ السلطات الإماراتية كانت دائمًا ما توفر الدعم الكامل لهذه الممارسات غير الشرعية، من خلال إطار قانوني فضفاض–مثل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية– الذي يمنح السلطات صلاحيات واسعة تتيح تجريم الأنشطة السلمية وتسهيل المراقبة، ما يضفي طابعًا رسميًا على انتهاكات الخصوصية القائمة.

وأشار الأورومتوسطي إلى أن المخاطر لا تقتصر على الشركات، بل تمتد إلى الدول الشريكة في المشروع، إذ تتحمّل هذه الدول، ومن بينها كوريا الجنوبية وأية من الدول التي تنتمي إليها الشركات المشاركة، التزامات قانونية ملزِمة بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وغيره من صكوك حقوق الإنسان، تقضي بحماية الأفراد من انتهاكات الحق في الخصوصية وحرية التعبير التي قد تُرتكب في سياق أنشطة الشركات الخاضعة لولايتها، بما في ذلك عندما تعمل هذه الشركات خارج الحدود.

ويشمل ذلك تنظيم ومراقبة صادرات التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، وفرض متطلبات صارمة للعناية الواجبة بحقوق الإنسان، وضمان وجود نظم فعّالة لإنصاف الضحايا. وتؤكد مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان هذه الالتزامات، وتوضّح واجب الدول في ضمان ألا تؤدي العلاقات التجارية والتكنولوجية التي ترعاها أو تسمح بها إلى تسهيل انتهاكات يمكن التنبؤ بها لحقوق الأفراد.

ودعا المرصد الأورومتوسطي الشركاء الدوليين المشاركين في المشروع، وعلى رأسهم حكومة كوريا الجنوبية والشركات التكنولوجية العالمية، إلى إعادة تقييم تعاونهم فورًا وتعليق أي خطوات تنفيذية جديدة في مشروع “ستارجيت الإمارات” إلى حين إجراء تقييم مستقل وشامل لتأثير المشروع على حقوق الإنسان، والحصول على ضمانات واضحة ومكتوبة، تتضمن على الأقل التزامًا علنيًا بعدم استخدام البنية التحتية للمشروع في المراقبة الجماعية أو الاستهداف على أساس الرأي السياسي أو النشاط الحقوقي أو الانتماء أو الخلفية الجغرافية.

قد يعجبك ايضا