إمباكت: اتفاقيات تسليم المجرمين وحقوق الإنسان والملاحقة الجائرة
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – أوقفت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان اتفاقية تسليم المواطن الباكستاني “محمد آصف حفيظ” المعروف باسم “سلطان المخدرات” والمتهم بتصنيع وتهريب المخدرات.
ومنذ ذلك الحين انخرط “حفيظ” في معركة قانونية طويلة لإنهاء ملف تسليمه للولايات المتحدة الأمريكية بشكل دائم.
إذا قامت المملكة المتحدة بتسليم “حفيظ” إلى الولايات المتحدة الأمريكية بشكل غير عادل وباتهاماتٍ باطلة، فإنه سيواجه عقوبة بالسجن مدى الحياة دون الإفراج المشروط بالإضافة إلى تعرضه إلى المعاملة غير الإنسانية.
يعد تسليم المجرمين اتفاقًا ضمن العلاقات السياسية والتحالفات الدولية وبالتالي تستخدمه الدول كأداة أساسية في مكافحة الجريمة العابرة للحدود الوطنية وهو الاستراتيجية الرئيسة للولايات المتحدة الأمريكية في متابعة حربها ضد المخدرات والإرهاب.
مع ذلك وبموجب هذه الاتفاق تتجاهل دول مثل المملكة المتحدة والصين والولايات المتحدة حقوق الأفراد الإنسانية.
وغالبًا ما يؤدي تسليم الأفراد المتهمين بشكل غير مشروع مثل “حفيظ” إلى العنف العاطفي والجسدي والتعدي على الحقوق وبذلك قد يواجهون محاكمات جائرة وعقوبات مختلفة فضلًا عن تعرضهم للتعذيب من قبل أنظمة قانونية أجنبية.
لهذا السبب لا يعد استخدام اتفاقية تسليم المجرمين كوسيلة لنقل المشتبه بهم عبر الحدود انتهاكًا لحرية الفرد وحقوقه الإنسانية فحسب، بل ويوضح أيضًا التآكل التدريجي للحريات المدنية.
عمِل “حفيظ” (63 عامًا) كطيارٍ تجاري قبل أن ينضم إلى شركة عائلته للذهب والفضة القائمة منذ 40 عامًا مما يؤكد أنه لم يشارك أبدًا في تهريب وإنتاج المخدرات.
ألقت السلطات البريطانية القبض على تاجر الذهب “حفيظ” بناءً على طلب من إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية في أغسطس عام 2017 بينما كان في أحد ممتلكاته قرب حديقة “ريجينت” في لندن.
وفقًا لأوراق المحكمة، فإن “حفيظ” مطلوب في الولايات المتحدة الأمريكية بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بالاتجار بالمخدرات بما في ذلك مزاعم تورطه في قضية الإيفيدرين لشركة “إيفون لايفساينسز” المحدودة عام 2016.
تضمنت هذه القضية ضبط 20 طنًا من عقار الإيفيدرين في اثنين من مختبرات الأدوية التابعة للشركة في الهند.
ويُزعم أن هذه المادة نُقلت من المختبر إلى عصابات المخدرات التي استخدمتها في تصنيع مخدر الميثامفيتامين. نفى “حفيظ” جميع الادعاءات الموجهة إليه والتي وصفته إحداها رسميًا بـ “سلطان المخدرات”.
قال محامي “حفيظ” في مذكرة الاستئناف للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أنه إذا تم تسليم “حفيظ” إلى الولايات المتحدة الأمريكية فإنه سيواجه عقوبة بالسجن مدى الحياة دون الإفراج المشروط وسيعاني من ظروف احتجاز غير إنسانية مع زيادة المخاطر الصحية بسبب فايروس كوفيد 19. وطلب المحامي من المحكمة أخذ هذا بعين الاعتبار عند إصدار الحكم النهائي.
توضّح قضية “حفيظ” العيوب في اتفاقيات تسليم المجرمين إذ أن التعاون في مجال العدالة الجنائية يقلل القيم المجتمعية ويحرم الأفراد من حقوقهم القانونية، فقد أودِع “حفيظ” في سجن “بيلمارش” حيث يتقاسم مكان معيشته مع أعتى المدانين المتورطين في جرائم مميتة.
عند سؤالهم، برر مسؤولو السجن مكان “حفيظ” في السجن بأنه المكان المناسب بالنظر إلى حيثيات القضية.
تكمن الطبيعة الظالمة في اتفاقية تسليم المجرمين أنه لا يوجد قضية ملموسة ضد “حفيظ” في المملكة المتحدة، ومع ذلك تُنتزع منه سنوات حياته بناءً على طلب حكومة الولايات المتحدة الأمريكية.
خلقت المزاعم المرتبطة باسم “حفيظ” صورة له بأنه سيد إمبراطورية المخدرات التي تعمل في أوروبا وأمريكا الشمالية وأفريقيا مع مسارات مفصلة لتهريب المخدرات من الهند وأفغانستان وباكستان إلى كينيا.
كما أشارت الاتهامات إلى أنه كان يعمل مع الأخوين “أكاش” في أفريقيا واللذان عمِلا على إنتاج الهيروين في موزمبيق ومن ثم تهريبه إلى الولايات المتحدة الأمريكية وشبكة الجريمة المنظمة في مومباي بالهند.
بالرغم من الاحتمالية الكبيرة بأن “حفيظ” سيواجه عقوبة السجن مدى الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية، رفض قاضي المقاطعة خروجه بكفالة مالية تحت ذريعة أن لدى “حفيظ” دائرة عميقة من المعارف حول العالم والتي تملك ثروات طائلة من شأنها إخراجه من سجن “بيلمارش” بسهولة.
يجب إدانة إجراءات حكومة المملكة المتحدة ومعالجتها إذ يُزعم أن معاملة “حفيظ” ازدادت سوءًا بعد إحالة قضية تسليمه إلى لجنة المساواة وحقوق الإنسان. لا ينبغي إدانة أفراد مثل “حفيظ” بسبب قضايا مبنية على تهم باطلة.
بحسب أوراق المحكمة الرسمية، يعاني “حفيظ” من مرض طويل الأمد ومشاكل طبية متعددة، فمن حقه القانوني تلقي الرعاية الطبية اللازمة ولكنه على الرغم من ذلك حُرم منها ومن الحصول على الأدوية الأساسية بالإضافة إلى منع عائلته من زيارته لأكثر من 3 سنوات.
أدى سوء المعاملة إلى تدهور حالة “حفيظ” الصحية وتعرضه للعديد من حالات الإغماء وقد يعود هذا جزئيًا إلى أنه كان يُسجن في زنزانته لمدة تصل إلى 23 ساعة ويحصل على ساعة واحدة فقط من الهواء النقي بحد أقصى.
وكما هو متوقع، عند مواجهة السجن أنكر المتحدث باسم سجن “بيلمارش” هذه المزاعم وذكر أن “حفيظ” تلقى العلاج الطبي اللازم من خلال الفحوصات المنتظمة لضمان عدم تدهور صحته.
ومما زاد الطين بلة، فقد “حفيظ” ثلاثة من ممتلكاته على مدى أربعة سنوات عقب اعتقاله من قبل الوكالة الوطنية للجريمة بالمملكة المتحدة. أدى ذلك إلى خسارة إجمالية في الأصول بمقدار 6 ملايين جنية إسترليني.
كان تاجر الذهب اللاهوري “حفيظ” يمتلك شقة سكنية في منطقة “سانت جون وود” وهي واحدة من أكثر المناطق شهرة في وسط لندن، وتقدر قيمة الشقة بـ2.25 مليون جنيه إسترليني.
ويمتلك “حفيظ” مع عائلته مزرعتين تبلغ قيمتهما مجتمعتين 6 ملايين جنيه إسترليني في بلدة “ويندسور” حيث توجد أقدم قلعة محتلة في العالم.
ونظرًا لعدم قدرة الأسرة على سداد قيمة الرهن العقاري المستحق والدفعات المتأخرة، قامت السلطات ببيع العقارين بقيمة تقريبية تبلغ 4 ملايين جنيه إسترليني مما تسبب بخسارة “حفيظ” وعائلته ما قدره 2 مليون جنيه إسترليني.
قضية “حفيظ” الظالمة واحدة من أمثلة عديدة لمحاولة تسليم الأبرياء للولايات المتحدة الأمريكية، إذ أن خسارة مكتب التحقيقات الفدرالي قضية تسليم رجل الأعمال “جابر موتيوالا” من كراتشي بتهم المخدرات الباطلة يكشف الغطاء عن العملية المعقدة التي قام بها المكتب للإيقاع بالضحية.
استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية المجرم السابق من كراتشي والعميل السري لمكتب التحقيقات الفدرالي “كمران فريدي” لعدة مهام منها العمل متخفيًا ومحاولات التسلل واستهداف إرهابيين دوليين وعصابات باكستانية محلية بالإضافة إلى شبكة الجريمة المنظمة في مومباي جنوب آسيا.
إحدى العمليات التي عمِل بها “فريدي” كانت قضية “موتيوالا” والتي رفض فيها “فريدي” الاستمرار في الشهادة ضده قائلًا أنه لن يستمر في الكذب للإيقاع بالرجل الباكستاني لخدمة الولايات المتحدة الأمريكية.
اعتُقل رجل الأعمال الباكستاني “موتيوالا” في 2018 في فندق “هيلتون لندن متروبول” وأُودع في سجن “واندسوورث” لمدة 32 شهرًا على ذمة التحقيق وفي انتظار الحكم في قضية تسليمه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبناءً على طلب الأخير، وجهت له السلطات البريطانية تهم تهريب المخدرات والابتزاز وغسيل الأموال في الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن القضية سقطت لضعف الدعوى وقلة الأدلة. وفي النهاية، أدّى رفض “فريدي” مواصلة كونه شاهدًا ضد “موتيوالا” إلى انهيار القضية بالكامل.
بعد تنصت مكتب التحقيقات الفدرالي على هاتف “فريدي”، مُنع من السفر إلى المملكة المتحدة خوفًا من أن يشهد أمام المحكمة بأوامره من المكتب الفدرالي بالكذب والإدلاء بشهادة زور ضد “موتيوالا”
قال العميل السابق في مكتب التحقيقات الفدرالي “كرمان فريدي” أنه تلقى تعليمات بالتوقيع على شهادة زور ضد “موتيوالا” تتضمن أنه يعمل مع عصابات المخدرات المعروفة وشبكة الجريمة المنظمة في مومباي، بالإضافة إلى أنه اليد اليمنى لـ”داود إبراهيم” رئيس هذه الشبكة. إلاّ أن “موتيوالا” نفى جميع التهم الموجهة إليه ولم يكن هناك أي دليل ملموس لإثباتها.
وكما قضية تاجر الذهب اللاهوري “حفيظ”، إذا لم تفشل محاولة تسليم “موتيوالا” لانتُهكت حقوقه الإنسانية بموجب المادة 3 من قانون التسليم لـ2003 لا سيما بالنظر إلى تاريخه في الاكتئاب ومحاولاته السابقة في الانتحار.
تُظهر قضية “فريدي وموتيوالا” مدى استعداد الولايات المتحدة الأمريكية للتخلي عمّن خدموا بلدهم وبناء شبكة من الاتهامات لتقديم الصورة التي يريدونها للعالم.