مصطلح “مجتمع الميم” ومشاكله في لبنان
كتبت “رشا يونس” الباحثة في برنامج حقوق المثليين/ات، ومزدوجي/ات التوجه الجنسي، ومتغيري/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم) بخصوص مشكلة مصطلح (مجتمع الميم) قائلة: عندما قابلتُ عضوة مستقلة سابقة في البرلمان اللبناني، سألتني: “كيف يمكننا استقطاب أصوات مجتمع الميم في لبنان؟”.
وأضافت: “أرادت أن تفهم لِمَ لم يصوّت “مجتمع الميم” اللبناني ككتلة واحدة في الانتخابات البرلمانية لعام 2018 لمواجهة الأحزاب السياسية الطائفية التقليدية”.
وأكملت “يونس” تقول: “استند سؤالها إلى افتراض شائع، لكن مُضلّل، بأن أحد جوانب الهوية يطغى على جميع العوامل الأخرى، بما فيها الولاءات الطبقية والطائفية، والهيمنة الأبوية، وعدم المساواة الاجتماعية. التجربة الحيّة أكثر تعقيدا من المفاهيم المبسطة للتجربة المشتركة، على أساس الهوية”.
وقالت “يونس”: “مثلا، في لبنان، عندما يتعلق الأمر بالانتخابات، تُصوّت المرأة الكويرية الفقيرة غالبا وفقا لمصالحها الاقتصادية الأكثر إلحاحا. بسبب انعدام البدائل، قد يعني هذا اختيار زعيمها الطائفي لأن شبكات المحسوبية تستلزم استخدام الطائفة كوسيلة رئيسية للحصول على الخدمات الأساسية في لبنان. لا يُتوّقع منها الاختيار بين احتياجاتها المعيشية ومثليتها”.
وكتبت “يونس” أيضاً: “يثير سؤال عضوة البرلمان قضية أوسع: مشكلة مصطلح “مجتمع الميم” – الذي يُستخدم عادة لوصف الأشخاص المثليين/ات، ومزدوجي/ات التوجه الجنسي، ومتغيّري/ات النوع الاجتماعي في جميع أنحاء العالم”.
وأضافت: “يشير المصطلح إلى هوية مجموعة متجانسة، فقط بحسب توجّهات جنسية أو هويات جندرية مشتركة. يوحي المصطلح بتجانس وتجربة مشتركة، غالبا ليسا موجودين”.
واستطردت “يونس” قائلةً: “يتضح هذا خاصة في المناطق التي يوجد فيها تفاوتات اقتصادية وسلطوية حادة، بما في ذلك في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.
وقالت: “مثلا، اسأل/ي امرأة ترانس في مصر عانت طوال حياتها للحصول على وظيفة بسبب تعبيرها الجندري، إذا ما كانت تجربتها “مُشترَكة” مع رجل مصري مثلي وثري لديه الموارد ليعيش حياة مريحة. نادرا ما تتقاطع حياتهم”.
وكتبت “يونس” قائلة: “بينما تخدم المجتمعات المُتصوّرة غرضا ما، بما في ذلك كأداة سياسية، يُنزع الطابع السياسي عند التأكيد الواسع على أن الأشخاص الذين لديهم توجه جنسي مشترك أو هوية جندرية مشتركة يُشكّلون مجتمعا متجانسا نسبيا”.
وأضافت “يونس”: “قد يحجب هذا الاعتقاد العوامل المتقاطعة الأخرى المؤدية إلى الطبقية حتى داخل “مجتمع الميم”. من الواضح وجود قضايا تؤثر على الأشخاص بناء على الهوية، كالقوانين والسياسات التمييزية”.
وأضافت أيضاً: “لكن ينبغي أخذ عوامل أخرى في الاعتبار عند النظر إلى التأثير النسبي للتمييز – وفي معظم الحالات يكون المهمشون اجتماعيا واقتصاديا هم الأكثر تأثرا”.
وقالت “يونس”: “إلا أن الاختصار ضروري، ومصطلح “مجتمع الميم” يساعد في مناقشة الوصول إلى الإطار الدولي لحقوق الإنسان. مثلا، لنيل حق اللجوء، ينبغي على الأشخاص الكويريين والترانس إثبات أن أساس طلبهم/ن هو التعرض للعنف أو التمييز بسبب هويتهم/ن كمجتمع ميم”.
وأضافت: “مصطلح “مجتمع الميم” له أصول ناشطية تشير إلى التضامن السياسي. لكنه أصبح أيضا اختصارا ملائما في الاقتصاد النيوليبرالي حيث أصبح يُنظر إلى “مجتمع الميم” على أنه سوق متخصص لا غنى عنه – سواء لبيع أعلام قوس قزح أو للترويج لمرشح سياسي. كما أنه يخلق ازدواجية زائفة بين مجموعات “داخل” و “خارج” على أساس القواسم المشتركة المفترضة”.
واستطردت “يونس” قائلة: “قد يكون لذلك تأثير غير مقصود بإقصاء البعض الذين لا يولون الأولوية للهوية الجنسية أو الجندرية. قد يجعلهم ذلك يشعرون أنهم برفض التصنيف، يخونون “أقرانهم”، وبالتالي، هويتهم الأساسية المفترضة. التركيز غير المتناسب على الهوية كفئة ثابتة يُقلّل باستمرار من أهمية الحواجز البنوية والسياق السياسي”.
وضربت “يونس” مثال قائلة: “مثال حي على حدود النهج القائم على الهوية هو فلسطين، حيث يصرّ نشطاء كويريون على تجربتهم المشتركة كفلسطينيين، بشكل يفوق تضامنهم كمثليين”.
وقالت “يونس”: “يعيش الفلسطينيون/ات الكورييون/ات والترانس، بخبراتهم المتنوعة تحت الحكم الإسرائيلي التمييزي المصمَّم لمنح الأفضلية لليهود الإسرائيليين. التمييز البنيوي والاضطهاد الموازي هو واقع ملايين الفلسطينيين، سواء كانوا كويريون أم لا”.
وأضافت: “الحديث عن “تجربة مجتمع الميم” الفلسطيني يعني فصل جانب واحد من الواقع عن السياق الأوسع، ما يهدد بمحو العنف التاريخي والدوري الذي يهيمن على حياة الفلسطينيين اليومية”.
وقالت “يونس” في مقالها: “رغم أن الهويات مبنية، إلا أنها ذات أهمية ذاتية للأفراد، ولها نتائج ملموسة. يُعتبر التمييز والعنف على أساس التوجه الجنسي أو الهوية الجندرية المتصوّرَين أو الفعليَين انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان”.
وقالت أيضاً: “في مختلف مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يُعدّ تفشي الضبط السلوكي على جميع أشكال اللامعيارية نتاجا لاستراتيجيات سياسية منسّقة تستخدمها الحكومات للحفاظ على الوضع الراهن الذي يخدم المصالح الاقتصادية والسياسية للأقوى”.
وأضافت “يونس”: “تُنتج هذه الظروف بلا شك خبرات مشتركة، وتُحدد معالم تحالفات ومجتمعات. لكن بدلا من بقائها قطعية، ينبغي التعامل مع هذه المسارات على أنها سياقية، ووظيفية، وتكتيكية، واستراتيجية، وظرفية”.
واختتمت “يونس” مقالها قائلة: “لا تتمحور حركاتنا السياسية حول تسمية الهويات أو المطالبة بها رسميا بهدف الاعتراف بها أو إبرازها للنظرة المهيمنة – فهي في الأساس معركة من أجل استقلالية الجسد، والعدالة الإنجابية، والوصول إلى القوة الاجتماعية-الاقتصادية، والتنقل الحر. ضمن مقاومتنا المُتعمَّدة، نحن الشخصية الرئيسية والجمهور، بغض النظر عما إذا كنا نشكل مجتمعا أم لا”.
اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة تحث على “الوقوف في وجه الكراهية” التي يتعرض لها مجتمع الميم