“الجنائية الدولية” خطوة إيجابية باتجاه تحقيق العدالة في ليبيا
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – قالت “هيومن رايتس ووتش” إن زيارة مدعي عام “المحكمة الجنائية الدولية” إلى ليبيا أعادت الأمل بتحقيق العدالة التي طال انتظارها لضحايا ميليشيا محلية سيطرت على بلدةٍ خلال معركة السيطرة على العاصمة طرابلس خلال 2019-2020.
أثناء سيطرتهم على بلدة ترهونة، اعتقل أعضاء في “ميليشيا الكاني” وعناصر مرتبطون بها أشخاصا في أربعة مراكز احتجاز على الأقل، وعذبوهم، أو أخفوهم، أو أعدموهم.
انحازت الميليشيا إلى “القوات المسلحة العربية الليبية” بقيادة خليفة حفتر لمهاجمة “حكومة الوفاق الوطني” المعترف بها من “الأمم المتحدة“. لم يُقدَّم أي شخص إلى المحاكمة على الانتهاكات.
قالت المديرة المشارِكة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش حنان صلاح: “إن كانت السلطات الليبية عاجزة عن إجراء مساءلة محلية عن الفظائع ضد أهالي ترهونة”.
وأضافت صلاح: “ينبغي للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن يحقق في الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة. أقارب المئات الذين اعتُقلوا تعسفا وعُذبوا أو أُخفُوا ووجِدوا فيما بعد في مقابر جماعية ما زالوا ينتظرون العدالة”.
للمحكمة الجنائية الدولية ولاية قضائية على جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قاد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بعثة رسمية إلى ليبيا. في ترهونة، زار السجون التي كانت تديرها ميليشيا الكاني سابقا ومواقع المقابر الجماعية، والتقى بأهالي ضحايا الانتهاكات المنسوبة إلى الميليشيا.
قابلت هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار أربعة رجال في ترهونة قالوا إنهم وأقارب آخرين كانوا محتجزين في أربعة مراكز احتجاز في ترهونة خلال نزاع طرابلس 2019-2020.
قال الأربعة إنهم وُضعوا بمعزل عن العالم الخارجي طوال مدة احتجازهم، دون أي إجراءات قضائية أو مقابلة عائلاتهم أو محاميهم، ورووا حصول أعمال سوء معاملة، وتعذيب، وإعدام غير قانوني في السجون.
التقى الباحثون بقريب لعشرة أشخاص عُثر على جثثهم في مقابر جماعية بعد أن اعتقلتهم ميليشيا الكاني هم ورفاقهم. زار الباحثون جميع أماكن الاحتجاز الأربعة وجميع مواقع المقابر الجماعية المعروفة في ترهونة.
كما التقى الباحثون بالسلطات البلدية في ترهونة، و”الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين”، و”جهاز المباحث الجنائية”، التابع لوزارة الداخلية.
عُثر فيما بعد على جثث بعض الذين اعتقلتهم الميليشيا، المعروفة أيضا بـ “الكانيات”، في مقابر جماعية لا تحمل علامات حول ترهونة، على بعد 93 كيلومتر جنوب شرق طرابلس.
من بين 261 جثة استُخرِجت منذ يونيو/حزيران 2020 من هذه المقابر، تم التعرف على 160 جثة من قبل “الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين”، التابعة لمجلس الوزراء.
عرض كريم خان المساعدة الفنية من المحكمة الجنائية الدولية في مجال الطب الشرعي. أثناء وجوده في بنغازي، التقى خان بحفتر وأخبره أن المحكمة الجنائية الدولية تلقت معلومات وأدلة بشأن جرائم مزعومة ارتكبتها القوات المسلحة العربية الليبية، وإنه “سيتم التحقيق فيها ويجري الآن التحقيق فيها”.
في تقريره إلى “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”، لم يصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أي تصريحات بخصوص قضايا محددة كانت المحكمة تحقق فيها في ليبيا.
قد يكون كبار المسؤولين الحكوميين في حكومة الوفاق الوطني والإدارات السابقة التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، وقادة القوات المسلحة العربية الليبية، بما فيها القيادة العليا للقوات المسلحة العربية الليبية، مسؤولين جنائيا عن جرائم الحرب التي ارتكبها مرؤوسوهم في ترهونة.
إذا كانوا على علم بالجرائم أو كان ينبغي أن يكونوا على علم بها ولم يتخذوا إجراءات لمنعهم أو تسليم المسؤولين للملاحقة القضائية.
وجدت “البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا”، في تقرير صدر في يوليو/تموز 2022، أن “الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في الإبادة والسجن والتعذيب والاضطهاد والاختفاء القسري ارتكبها أفراد من ميليشيا الكانيات ضد مجموعة محددة من السكان في ترهونة”.
طالبت البعثة ليبيا بإنشاء محكمة خاصة للمحاكمة على الجرائم الدولية بدعم وخبرات فنية دولية.
ودعت المسؤولين القضائيين في الدول الأخرى التحقيق مع المتورطين في جرائم ترهونة، بسبلٍ تشمل ممارسة الولاية القضائية العالمية. لم تتخذ ليبيا أي خطوات لإنشاء محكمة خاصة.
فرضت الولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 عقوبات على محمد الكاني وميليشيا الكانيات بموجب “قانون ماغنتسكي العالمي للمساءلة بشأن حقوق الإنسان” بسبب “قتل المدنيين والتعذيب والإخفاء القسري وتهجير المدنيين”.
يخضع محمد وعبد الرحيم الكاني لعقوبات “الاتحاد الأوروبي” منذ مارس/آذار 2021، بسبب “عمليات القتل خارج نطاق القضاء والإخفاء القسري بين 2015 ويونيو/حزيران 2020 في ترهونة”.
كما فرضت المملكة المتحدة في مايو/أيار 2021 عقوبات على ميليشيا الكانيات، والقياديين محمد وعبد الرحيم الكاني بتهمة “الإخفاء القسري بحق المدنيين في ليبيا، وتعذيبهم، وقتلهم”.
قالت صلاح: “ما يزال تحقيق العدالة للضحايا في ترهونة بعيد المنال، إذ تكافح السلطات الليبية لإلقاء القبض على المسؤولين عن هذه الجرائم وإخضاعهم لإجراءاتها القضائية”.
وافق الأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش على نشر المعلومات. اثنان من السجون الأربعة التي استخدمتها الكانيات خلال نزاع طرابلس 2019-2020 كانا منشأتين حُوِّلا إلى مراكز اعتقال.
أحدهما كان منشأة لتعبئة المياه تُعرف باسم “مصنع المياه”، حيث كان المحتجزون في زنازين صغيرة تشبه الصناديق وصفوها بأن ارتفاعها 1.2 متر وعرضها 1.2 متر. كان الثاني منشأة تابعة لوزارة الزراعة أصبحت تُعرف باسم “سجن الصناديق”.
كما احتُجز المعتقلون هناك في زنازين مربعة الشكل أشبه بالصناديق وصفوها بأنها بارتفاع متر واحد وعرض 80 سنتيمتر.
كان المرفَقان الآخران من منشآت الدولة الخاضعة سابقا لحكومة الوفاق الوطني والتي استحوذت عليها الكانيات وتحكمت بها بالكامل خلال نزاع 2019-2020، وهما “سجن الدعم المركزي”، التابع لوزارة الداخلية، و”سجن الشرطة القضائية” التابع لوزارة العدل، المعروف بـ “سجن القضائية”.
قال المحتجزون السابقون إن الكانيات أعدمت خارج القانون أشخاصا في جميع مراكز الاحتجاز الأربعة هذه. وصفوا الظروف والمعاملة اللاإنسانية التي ترقى إلى مستوى التعذيب في جميع المواقع الأربعة، لا سيما استخدام خراطيم بلاستيكية لجلد المعتقلين على أخمص أقدامهم (“الفلقة”)، أحيانا أثناء تعليقهم أو تقييدهم.
سمّى الأشخاص الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش شخصيات على صلة بهذه الجرائم، منهم محمد الكاني، الذي قُتل في يوليو/تموز 2021 على يد مسلحين مجهولين في بنغازي، وشقيقه محسن، الذي قُتل خلال اشتباكات جنوب طرابلس في سبتمبر/أيلول 2019.
سمى المحتجزون السابقون أيضا عددا من شركائهم، منهم كبار مسؤولي السجون، قالوا إنهم ساعدوا هؤلاء الرجال في إدارة السجون، وشاركوا في الاعتقالات، والتعذيب، وسوء المعاملة.
أعلن النائب العام الليبي الصديق الصور في أغسطس/آب 2022 أن لجنة التحقيق القضائي المكلفة بالتحقيق في جرائم الكانيات فتحت 280 قضية جنائية، أحيل عشر منها إلى القضاء.
قال الصور إن من بين 76 شخصا مطلوبا للقضاء لارتكاب جرائم في ترهونة، 20 هم محبوسون احتياطيا بتهم القتل، والتعذيب، والاختطاف، والإخفاء القسري، والسطو المسلح، والسرقة، وغيرها من الجرائم.
وقال إن بعض المطلوبين كانوا في تونس، ومصر، والسعودية. لم يذكر مكتب النائب العام متى ستُعقد محاكمات في هذه القضايا.
تتميز الإجراءات القضائية في ليبيا بانتهاكات جسيمة للإجراءات القانونية الواجبة. يُحبس المعتقلون احتياطيا لفترات طويلة قبل توجيه الاتهام إليهم ومحاكمتهم، غالبا دون السماح لهم بالتواصل مع محامين أو تلقي زيارات عائلية.
أثناء الاستجواب، كان يتم إكراههم على الاعتراف، وأثناء احتجازهم يواجهون منهجيا ظروفا غير إنسانية ومعاملة سيئة. كان يُنظر إلى محمد خليفة الكاني على نطاق واسع على أنه قائد ميليشيا الكانيات. انضم إليه أربعة من إخوته.
قال المحتجزون السابقون الذين تمت مقابلتهم وأعضاء المجلس البلدي في ترهونة إن ميليشيا الكانيات كانت مسؤولة عن عمليات قتل واخفاء في ترهونة منذ 2012 أو 2013.
تحت قيادة محمد، نمت المجموعة لتصبح ميليشيا كبيرة سيطرت فعليا منذ العام 2015 على ترهونة.
في العام 2016، تحالفت الميليشيا مع حكومة الوفاق الوطني السابقة حتى بداية نزاع عام 2019، عندما اعتمدت اسم “اللواء التاسع”، وغيّرت ولاءها لتتحالف مع القوات المسلحة العربية الليبية بقيادة حفتر، التي كانت تقاتلها خلال نزاع طرابلس عام 2014.
بعد انتهاء القتال في 5 يونيو/حزيران 2020، فر الناجون من عناصر الكانيات والمقاتلين التابعين لها، بمعظمهم إلى الجزء الشرقي من البلاد، وحُلّت الكانيات كجماعة مسلحة. شقيقا الكاني، عبد الرحيم ومعمر، هاربان حاليا.
بحسب الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين، أبلِغ عن فقدان 400 شخص، بينهم نساء وأطفال، في ترهونة منذ العام 2012 من بينهم 260 من سكان ترهونة.
منذ يونيو/حزيران 2020، عثرت السلطات على 82 قبرا في خمسة مواقع في ترهونة تضم مكبا للقمامة وأراض زراعية، بحسب مكتب النائب العام.
يُعتقد أن معظم الجثث التي عُثر عليها في المقابر الجماعية هي من فترة 2019-2020، لكن إحدى المقابر التي لا تحمل علامات احتوت 16 جثة لأشخاص اختفوا عام 2017، وفقا للهيئة العامة للمفقودين.
يُزعم أن سالم الساكت، قائد سجن الدعم المركزي، ومحمد صالحين وفتحي الزنكاك، قادة سجن القضائية، هما من كبار مسؤولي السجون الذين أداروا مراكز الاحتجاز خلال نزاع 2019-2020.