لماذا إطلاق سراح علاء عبد الفتاح هو الخطوة الصحيحة
علاء عبد الفتاح، الكاتب البارز والناشط المؤيد للديمقراطية، من أبرز السجناء في مصر. يستمر احتجازه بشكل غير قانوني منذ أكثر من عقد ويجب إطلاق سراحه فورا.
أُدخلت ليلى سويف، والدة علاء، أستاذة الرياضيات والناشطة الحقوقية، إلى المستشفى في الساعات الأولى من صباح 25 فبراير/شباط، بعد إضراب عن الطعام دام نحو 150 يوما احتجاجا على سجن ابنها.
قالت ليلى إنها لن تنهي إضرابها عن الطعام إلا إذا أحرزت الحكومتان المصرية والبريطانية تقدما ملموسا نحو إطلاق سراح ابنها. لكن رغم قوة عزيمتها، هناك مخاوف بشأن مدة بقاء المرأة البالغة من العمر 68 عاما على قيد الحياة. قال أطباؤها بوضوح إن حياتها معرضة للخطر الوشيك.
عندما زرتُ ليلى في المستشفى اليوم، كانت أكثر ضعفا مما كانت عليه عندما التقيت بها آخر مرة مع زميلي عمرو مجدي أثناء احتجاجها اليومي أمام 10 شارع داونينغ، مقر رئيس الوزراء البريطاني. هذه المرة، بدت منهكة تماما وصحتها متدهورة بوضوح، لكن عزيمتها ظلت صلبة كما كانت دائما.
شعرتُ بالرهبة عندما استجمعتْ ليلى قوتها لتخبرني أنها بحاجة إلى رؤية بعض التقدم الملموس على الأقل: “ستكون مكالمة بين الرئيس السيسي ورئيس الوزراء ستارمر كافية” قبل أن تفكر في إنهاء إضرابها عن الطعام. وأنا أغادر مكاني بجانب سريرها، قلقةً من أن تكون المرة الأخيرة، نظرتْ إلي بعزيمة واضحة وقالت، “أعلم أن علي فعل ذلك، أريد رؤية تحرك ما. أنا أمه”.
في 14 فبراير/شباط، التقى رئيس الوزراء البريطاني ليلى، وتعهد ببذل ما في وسعه لتأمين إطلاق سراح ابنها، وهو مواطن مزدوج الجنسية بريطاني-مصري، ولم شمله مع عائلته. قال ستارمر إنه سيواصل إثارة قضية علاء على أعلى المستويات في الحكومة المصرية والضغط من أجل إطلاق سراحه. لكن وقت ليلى ينفد.
دافع علاء عن الديمقراطية في ظل استبداد الرئيس السابق حسني مبارك، وشارك في ثورة مصر العام 2011. وفي ظل حكومة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، سُجن بشكل مستمر تقريبا منذ 2014.
في 2015، حكمت محكمة مصرية على علاء بالسَّجن خمس سنوات لمشاركته في احتجاج عام 2013. في سبتمبر/أيلول 2019، بعد ستة أشهر فقط من إطلاق سراحه المشروط، أعيد اعتقاله خلال حملة قمع واسعة وحُبس احتياطيا لأكثر من عامين، متجاوزا الحد الأقصى المسموح به بموجب القانون المصري. في ديسمبر/كانون الأول 2021، حكمت عليه المحكمة بالسجن خمس سنوات أخرى بتهمة “نشر أخبار كاذبة”. وجد 12 خبيرا حقوقيا في الأمم المتحدة أن حقه في محاكمة عادلة والإجراءات القانونية الواجبة انتُهك. كان من المفترض إطلاق سراحه في سبتمبر/أيلول 2024، لكن السلطات تواصل احتجازه، وترفض احتساب السنوات التي قضاها في الحبس الاحتياطي ضمن المدة التي قضاها في السجن.
قال مصدر مطلع على قضية علاء لـ هيومن رايتس ووتش إن أحد أسباب استمرار احتجاز علاء هو أن مسؤولين كبار “أخذوا الأمر على محمل شخصي” ضده. لكن إطلاق سراحه هو الخطوة الصحيحة والمشروعة الوحيدة التي يمكن اتخاذها. عقاب الشديد وغير القانوني قد تمّ. بعد 10 سنوات في السجن، حُرم علاء من رؤية طفله في أولى سنواته.
بعد سقوط الرئيس السابق بشار الأسد في سوريا والمشاهد المؤلمة للسجناء وهم يُطلق سراحهم من زنزاناته، قارن كثيرون بحق بينه وبين نظام السجون اللاإنساني في مصر، حيث يُحتجز الآلاف تعسفا دون ارتكاب ذنب أو الحصول على محاكمة عادلة. كان إطلاق سراح المعتقلين السياسيين القضية الأولى على جدول أعمال الأحزاب السياسية والنقابات العمالية المصرية، أو ما تبقى منها. اتخذت الحكومة خطوات لإغلاق بعض القضايا البارزة وتخفيف القيود المفروضة على بعض المنتقدين. لكن الحملة الواسعة ضد المجتمع المدني والحقوقيين والصحفيين ما تزال تمزق العائلات.
قال ابن خلدون، عالم الاجتماع والفيلسوف المسلم في القرن الـ 14، إن “الظلم مؤذن بخراب العمران”. مع مواجهة مصر تحديات اقتصادية هائلة، خلق القمع الجماعي بيئة من الخوف والترهيب، إذ يفكر المستثمرون الأجانب مليّا قبل نقل أعمالهم إلى البلاد. بدلا من لوم العوامل الخارجية في الأزمات الاقتصادية المتكررة في مصر، على الرئيس السيسي النظر إلى الداخل بإصلاحات في سلطته. يمكن الانطلاق من الإفراج عن علاء.
أصبحت ليلى رمزا لعشرات آلاف الأمهات والأخوات والآباء والإخوة المصريين الذين تغيّرت حياتهم إلى الأبد عندما زُجَّ بأحبتهم ظلما خلف القضبان. ليلى ناشطة في حقوق الإنسان وحقوق المرأة منذ عشرات السنين، وتدافع عن حقوق الإنسان مهما كان الثمن.
مع أن قضية علاء تشكّل تحديا للعلاقة بين مصر وبريطانيا، إلا أنها توفر أيضا فرصة لإثبات أن حقوق الإنسان في صميم العلاقة. ليست ليلى وحدها من تحتاج إلى رؤية تقدم ملموس رغم المخاطر الكبيرة التي قد تترتب على ذلك، بل ملايين المصريين يريدون أيضا رؤية طريق إلى الأمام في بلدهم.