لبنان: ملف المعتقلين السوريين يجب أن يُعالج وفق مقتضيات العدالة دون مزيد من التأخير

بيروت – أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه إزاء الأوضاع المأساوية التي يعيشها المعتقلون السّوريون في لبنان، لا سيّما في ظل الاكتظاظ الشديد وظروف الاحتجاز غير الإنسانية التي يعانون منها، بالإضافة إلى استمرار تعرض العديد منهم للاعتقال والاحتجاز التعسفي.

وقال المرصد الأورومتوسطي في بيان صحافي اليوم الأربعاء إنّ نحو 120 معتقلًا سوريًا في سجن “رومية” بدأوا في 11 فبراير/شباط الجاري إضرابًا مفتوحًا عن الطعام، احتجاجًا على استمرار اعتقالهم في ظل غياب آليّات واضحة لمحاكمتهم أو إعادتهم إلى بلدهم وفق إجراءات قانونيّة عادلة، وقد نُقل خمسة منهم بالفعل إلى المستشفى نتيجة تدهور حالتهم الصحيّة.

وذكر الأورومتوسطي أنّ السلطات اللبنانية تحتجز في سجونها أكثر من 2,000 سوري، يعيش معظمهم في ظروف غير إنسانية، إذ يعانون من سوء المعاملة، والاكتظاظ الشديد في الزنازين، إلى جانب ضعف الرعاية الصحية والخدمات الأساسية، ما يجعل تلك السجون لا تلبي القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.  

ونبّه المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ عددًا من المعتقلين السوريين في لبنان محتجزون بسبب جرائم مزعومة ارتُكبت في سوريا وليس في لبنان، ما يثير تساؤلات خطيرة حول قانونيّة استمرار اعتقالهم في لبنان، حيث يتعرّض كثير منهم للتّوقيف دون محاكمات عادلة، وبعضهم معتقلون منذ سنوات دون أي إجراءات قانونية واضحة.

وأشار إلى أنّ بعض المعتقلين، خاصّة الذين اعتقلوا بتهم تتعلّق بالإرهاب، يتعرّضون للتّعذيب وسوء المعاملة، في انتهاك خطير للتشريعات المحلية والالتزامات الدولية التي تقع على عاتق لبنان، بما فيها تلك التي تضمن الحق في الحرية الشخصية وعدم الخضوع للاعتقال أو الاحتجاز التعسفي، فضلا عن الحق في المحاكمة العادلة، وعدم الخضوع للتعذيب وسوء المعاملة.

وبيّن أنّ المادّة (9) من العهد الدّولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة، الذّي صدّق عليه لبنان منذ عام 1972، تنص على أنه “لا يجوز حرمان أي شخص من حريته إلا بموجب قانون يضمن احتراماً لكرامته الإنسانية”، كما يلزم بإعلام المعتقل بأسباب اعتقاله وإحالته إلى محكمة خلال فترة زمنيّة معقولة، وبالتالي يكفل الحق في محاكمة عادلة أمام هيئة قضائيّة مستقلّة ونزيهة دون تأخير غير مبرّر، وهو ما يتعارض مع التّأخيرات الطويلة في محاكمات المعتقلين السوريين في لبنان.

كما تحظر اتفاقية مناهضة التّعذيب التي انضم إليها لبنان منذ عام 2000، أي ممارسة أي شكل من أشكال التعذيب أو المعاملة القاسية أو المهينة للمحتجزين سواء أثناء التحقيق أو خلال مرحلة الاحتجاز.

وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّ الوقائع المذكورة تبرهن على الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها المعتقلون السوريون في لبنان، والتي تشمل الاحتجاز التّعسفي والمحاكمات غير العادلة، وغياب التمثيل القانوني، وخضوعهم لظروف الاحتجاز غير الإنسانيّة، وسوء المعاملة والتّعذيب أثناء التحقيقات.

وشدّد على أنّ هذه الانتهاكات لا تمثل فقط إخلالًا بالالتزامات القانونيّة المحلية والدولية ذات العلاقة، بل تشكّل أيضًا انتهاكًا صارخًا للحقوق الأساسيّة للإنسان، ما يستدعي تدخلًا عاجلًا من السّلطات اللّبنانية والمجتمع الدّولي لضمان العدالة والكرامة الإنسانيّة لجميع المتضرّرين.

ودعا المرصد الأورومتوسطي السّلطات اللّبنانيّة إلى فتح قنوات مراجعة قانونيّة عاجلة لجميع ملفّات المعتقلين السّوريين، وإطلاق سراح المحتجزين تعسفيًا منهم فورا ودون شروط، مع ضمان محاكمات عادلة وشفافة وفقًا للمعايير الدوليّة لمن وجهت إليهم تهم بارتكاب جرائم، واتّخاذ إجراءات فوريّة لمعالجة أزمة الاكتظاظ في السّجون، وتوفير بيئة احتجاز إنسانيّة تشمل الغذاء الكافي والرعاية الصحيّة.

كما دعا إلى تمكين عمل آليات رصد ومراقبة مستقلة في السجون، بهدف ضمان امتثال لبنان للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك إجراء زيارات غير معلنة من قبل المنظمات المستقلة لضمان عدم تعرض أي من المعتقلين للانتهاكات.

وحثّ المرصد الأورومتوسطي السلطات اللبنانية على فتح تحقيقات مستقلّة على جميع التّقارير التي تفيد بتعرّض المعتقلين لسلوكيّات قاسية أو تعذيب خلال التّحقيقات، وتطبيق المسؤوليّة القانونيّة على الجّهة المسؤولة والأفراد المتورطين، بغض النظر عن مناصبهم أو مواقعهم، وصولًا إلى تحقيق العدالة والإنصاف للضحايا والمتضررين.

قد يعجبك ايضا