لبنان.. سؤال نيابي للحكومة اللبنانيَّة حول تطبيق خطَّة العمل الخاصَّة بإخراج لبنان من القائمة الرماديَّة وانعكاساته على حقوق الإنسان

بيروت – وجّه المرصد الأورومتوسطي للحقوق الإنسان ومنظمة “سكاي” للأبحاث والاستشارات بالتعاون مع برلمانيين لبنانيين سؤالًا نيابيًا للحكومة اللبنانية عبر مجلس النوّاب بشأن التقدّم الحاصل في تطبيق خطة العمل الخاصة بإخراج لبنان من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي (فاتف).

وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّ السؤال النيابي الذي تمَّ تقديمه بالتعاون مع النواب “بولا يعقوبيان”، “آلان عون”، “سيمون أبي رميا”، “فراس حمدان”، “ياسين ياسين” و”إبراهيم منيمنة” يأتي في إطار متابعة الأورومتوسطي لإدراج “فاتف” دولة لبنان على القائمة الرماديَّة، نظرًا للتداعيات الكبيرة لهذه الخطوة على وضعيَّة حقوق الإنسان في البلاد.

وذكر المرصد الأورومتوسطي أنّ السؤال النيابي تمحور حول طلب معلومات لتبيان التقدّم الحاصل – من عدمه – في تطبيق خطَّة العمل الخاصَّة بـ لبنان، بما يُساهم في تعزيز دور مجلس النوَّاب اللبناني الرقابي من خلال مساءلة الحكومة عن أعمالها ومدى صوابيَّتها، والتشريعي من خلال اقتراح وإقرار القوانين والتعديلات القانونيَّة اللازمة المندرجة ضمن خطَّة العمل لتعزيز فرص إخراج لبنان من القائمة الرماديَّة ضمن المُهل المحدَّدة على مدى عامين بدلاً من البقاء على القائمة الرماديَّة أو الانتقال إلى القائمة السوداء.

ولفت إلى أنّ السؤال جاء استكمالاً لآخر مراسلة صادرة عن رئاسة مجلس الوزراء في لبنان بهذا الخصوص بتاريخ ١٩ ديسمبر/ كانون أول 2024، والتي نشرها المرصد الأورومتوسطي ضمن ورقة الموقف التي أصدرها في كانون ثانٍ/ يناير 2025 بعنوان: “الإهمال؛ من أسباب إدراج لبنان على القائمة الرماديَّة من قبل “فاتف”، وطلب رئيس مجلس الوزراء حينئذ فيها من الجهات الرسميَّة المعنيَّة والنقابات ذات الصلة أن يتم “بالسرعة القصوى، وضع جدول زمني لتنفيذ الإجراءات التصحيحَّية المطلوبة ضمن المهل المحدَّدة من “فاتف”، وفقاً للجدول المُرفق ربطاً، وتزويدنا وهيئة التحقيق الخاصَّة في مصرف لبنان بنسخة عنه، فضلاً عن تكليف شخص أو أكثر لمتابعة تنفيذ المطلوب، توثيق التقدّم الحاصل وإبلاغه، بصورة دوريَّة، هيئة التحقيق الخاصَّة بصفتها المنسّق الوطني لعمليَّة التقييم“.

وتعالج توصيات “فاتف” الأربعون كافَّة جوانب مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وينتج عن عدم الامتثال لها من الدول التضييق على النظام المالي للدولة وصولاً لإمكانيَّة إخراج النظام المصرفي للدولة المعنيَّة من النظام المالي العالمي في أقصى وأسوأ الأحوال، وهو ما يؤدي إلى تبعات مباشرة وغير مباشرة تقوِّض حقوق الإنسان على أكثر من صعيد، ولذا فإنّه من الضروري الالتزام بالإجراءات التصحيحيَّة المطلوبة لضمان عدم تقويض حقوق الإنسان في لبنان.

فعلى صعيد حكم القانون والحوكمة الرشيدة، يُيسّر عدم الالتزام بتوصيات “فاتف” عمليَّات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، والتي عادةً ما تزدهر مع ضعف حكم القانون والحوكمة الرشيدة وغياب آليَّات المساءلة والمحاسبة وتدابير مكافحة الفساد، والذي يقود بدوره إلى إساءة استعمال الأموال العموميَّة وتآكل الثقة بالدولة وأجهزتها. وقد ينتج عن ذلك تحويل أو إساءة استخدام الموارد في القطاع الصحي والتعليمي وغيرهما من القطاعات والبنى التحتيَّة الحيوية، وهو ما يُقوِّض الحقوق الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة.

أمَّا على صعيد تآكل الحقوق الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، يؤدي الفشل في مكافحة تدفقات الأموال غير المشروعة إلى استنزاف الإيرادات الوطنيَّة، وهو ما يُقلِّل بدوره من قدرة الدولة وأجهزتها على تمويل الخدمات الأساسيَّة كخدمات الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي، في انتهاك للحقوق الأساسيَّة المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تُعد أحكامه جزءاً من الدستور اللبناني بحسب اجتهاد “المجلس الدستوري اللبناني” (القرار رقم ٥/٢٠٢١ – ص ١٥).

بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ عدم الالتزام بتوصيات “فاتف” قد يؤدي إلى انعدام الاستقرار الاقتصادي نتيجة العقوبات الدوليَّة التي قد تفرض على الدولة المعنيَّة، والذي قد يتسبب في هروب الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر ويُخفِّف و/أو يحد من النمو الاقتصادي؛ وهو ما من شأنه أن يؤثر على معدلات البطالة والفقر، وينعكس سلباً على قدرة الأفراد في الوصول إلى، وممارسة، الحقوق الأساسيَّة كالحق في التعليم والصحة وغيرها.

كما أنَّ عدم الالتزام بتوصيات “فاتف” يساهم في تسيير وتسهيل انتهاكات حقوق الإنسان، إذ يؤدي الالتزام الضعيف بهذه التوصيات إلى تسهيل تمويل الإرهاب والمنظَّمات الإرهابيَّة، وبالتالي زيادة قدرتها على تهديد الأمن وانتهاك حقوق الأفراد والكيانات، ولا سيما الحق في الحياة والأمان وحرية الحركة والتنقل. كما يرتبط تبييض الأموال بشكل وثيق أيضاً بالإتجار بالبشر، وهو ما ينتهك بشكل مباشر الحقوق الأساسيَّة لاسيَّما الحق في الحريَّة من العبوديَّة (الاسترقاق أو الاستعباد).

وفي سياق متصل، يساهم عدم الالتزام بتوصيات “فاتف” بتقييد الفضاء المدني أيضاً، إذ يؤدي عدم فهم بعض توصيات “فاتف” – تحديداً التوصية رقم ٨ الخاصَّة بالمنظَّمات غير الربحيَّة –إلى تطبيقها بشكل خاطئ، وقد يقود الدولة إلى فرض قيود غير مبررة على الحقوق والحريات المدنية مثل الحق في الاجتماع والتجمع السلمي وحرية الرأي والتعبير، وهو ما قد ينتهك التزاماتها الدوليَّة لا سيَّما تلك المندرجة تحت العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيَّة والسياسيَّة الذي صدّق عليه لبنان في العام ١٩٧٢.

قد يعجبك ايضا