لبنان: الهجمات الإسرائيلية على المُسعفين جرائم حرب مفترضة
(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن الجيش الإسرائيلي هاجم بشكل متكرر كوادر طبية ومرافق صحية في لبنان. وثّقت هيومن رايتس ووتش ثلاث هجمات، تنطوي على جرائم حرب مفترضة، قصف خلالها الجيش الإسرائيلي بشكل غير مشروع طواقم ووسائل نقل ومنشآت طبية، بما يشمل مسعفين في مركز للدفاع المدني بالقرب من وسط بيروت في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وسيارة إسعاف ومستشفى في جنوب لبنان في 4 أكتوبر/تشرين الأول، ما أسفر عن مقتل 14 مسعفا.
حتى 25 أكتوبر/تشرين الأول، بحسب وزارة الصحة اللبنانية، قتلت الهجمات الإسرائيلية 163 عاملا في القطاع الصحي والاستشفائي في لبنان خلال العام الأخير، وأصابت بأضرار 158 سيارة إسعاف و55 مستشفى. على الجيش الإسرائيلي وقف الهجمات غير القانونية على الطواقم والمنشآت الصحية فورا، وعلى حلفاء إسرائيل تعليق نقل الأسلحة إليها نظرا إلى الخطر الحقيقي المتمثل في استخدامها لارتكاب انتهاكات جسيمة.
قال رمزي قيس، باحث لبنان في هيومن رايتس ووتش: “الهجمات الإسرائيلية غير القانونية على الطواقم الطبية والمستشفيات تدمّر القطاع الصحي المتهالك أصلا في لبنان وتعرض الكوادر الطبية لخطر جسيم. قصف الكوادر والمنشآت الطبية يفاقم الخطر على المدنيين المصابين، ويعيق بشدة حصولهم على الرعاية الطبية الطارئة التي يحتاجون إليها”.
على “الأمم المتحدة” أن تفتح فورا، بدعم من الدول الأعضاء، تحقيقا دوليا في الأعمال العدائية الأخيرة في لبنان وشمال إسرائيل. عليها أيضا أن تضمن إرسال فريق التحقيق فورا لجمع المعلومات واستخلاص النتائج المتعلقة بانتهاكات القانون الدولي ورفع توصيات للمحاسبة.
قابلت هيومن رايتس ووتش ثمانية أشخاص، منهم مسعفون ومسؤولون في الدفاع المدني والمستشفيات، وزارت موقع قصف “مركز الدفاع المدني” التابع لـ”الهيئة الصحية الإسلامية”، حيث قابلت أيضا ثلاثة من السكان وشهودا على القصف. حللت أيضا هيومن رايتس ووتش صورا وفيديوهات وصورا من الأقمار الصناعية للهجمات. أرسلت هيومن رايتس ووتش كتابا إلى الجيش الإسرائيلي في 7 أكتوبر/تشرين الأول، تعرض فيه نتائج بحثها وتطرح أسئلة. لم تتلقّ أي رد. في 21 أكتوبر/تشرين الأول، أرسلت هيومن رايتس ووتش كتابا إلى الهيئة الصحية تعرض فيه نتائج بحثها وتطرح أسئلة، وجاء الرد في 23 أكتوبر/تشرين الأول.
في 3 أكتوبر/تشرين الأول، أصابت غارة إسرائيلية ليلية مركزا للدفاع المدني في الباشورة قرب وسط بيروت، وقتلت سبعة مسعفين. المركز تابع للهيئة الصحية الإسلامية، وهي منظمة دفاع مدني وإسعاف تابعة لـ “حزب الله”. في لبنان، الدفاع المدني هو قوى مدنية تشمل واجباتها تقديم الخدمات الطبية والإنقاذ الطارئة والمساعدة في إجلاء السكان المدنيين. في 4 أكتوبر/تشرين الأول، قصف الجيش الإسرائيلي سيارة إسعاف تابع للهيئة بالقرب من مدخل مستشفى مرجعيون في جنوب لبنان، فقتل سبعة مسعفين آخرين، وأجبر المستشفى على إجلاء موظفيه وإغلاق أبوابه. في اليوم نفسه، قصف الجيش الإسرائيلي “مستشفى صلاح غندور” في مدينة بنت جبيل الجنوبية، بعد نحو ساعتين ونصف من إصدار تحذير إخلاء عبر اتصال هاتفي مع المسؤولين.
اتهمت الحكومة الإسرائيلية حزب الله باستخدام سيارات الإسعاف لنقل المقاتلين، والمستشفيات لإخفاء الأسلحة والعتاد. لم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على استخدام هذه المنشآت الثلاث في وقت الهجمات لأغراض عسكرية بما يبرر حرمانها من الحماية بموجب القانون الإنساني الدولي.
في غياب المبررات العسكرية للهجمات على المنشآت، تصبح هذه الهجمات غير قانونية. إذا شُنَّت مثل هذا الهجمات ضد المنشآت الطبية بنيّة إجرامية – أي عمدا أو بتهوّر – تكون جرائم حرب.
العضوية في حزب الله – كذلك أي حركة سياسية لديها جناح عسكري – أو الارتباط به ليس مبررا كافيا لجعل الشخص هدفا عسكريا مشروعا. تنص توجيهات “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” على أن الأشخاص الذين يؤدون وظائف غير قتالية حصرا في المجموعات المسلحة، بما فيها الوظائف السياسية والإدارية، أو الذين هم مجرد أعضاء في جماعات سياسية لديها جناح عسكري، مثل حزب الله، أو مرتبطين بها لا يمكن استهدافهم في أي ظرف، إلا إذا شاركوا مباشرة في الأعمال القتالية وفقط أثناء هذه المشاركة، وينسحب هذا الأمر على جميع المدنيين. العاملون الطبيون المنتسبون إلى حزب الله، بمن فيهم العاملون في هيئات الدفاع المدني، يتمتعون بالحماية بموجب قوانين الحرب.
في 21 أكتوبر/تشرين الأول، أُفيد أن ضربة بالقرب من “مستشفى رفيق الحريري الجامعي” قتلت 18 شخصا، بينهم أربعة أطفال، وألحقت أضرارا بالمستشفى.
بموجب قوانين الحرب، يجب أن يُسمح للأطباء والممرضين والمسعفين وغيرهم من العمال الطبيين والصحيين بالقيام بعملهم، وأن يتمتعوا بالحماية في جميع الظروف. تسقط عنهم الحماية فقط في حال ارتكابهم، خارج عملهم الإنساني، “أعمالا ضارة بالعدو”.
بالمثل، ينبغي السماح لسيارات الإسعاف ووسائل النقل الطبية الأخرى أن تعمل وينبغي أن تتمتع بالحماية في جميع الظروف. قد تخسر حمايتها فقط في حال استخدامها لارتكاب “أعمال ضارة بالعدو”، مثل نقل الذخائر أو المقاتلين الأصحاء خلال خدمتهم. على القوة المهاجِمة أن تصدر تحذيرا للتوقف عن سوء الاستخدام، ويمكنها أن تهاجم فقط بعد تجاهل التحذير.
بموجب القانون الإنساني الدولي، من واجب جميع أطراف النزاع، في جميع الأوقات، أن تميّز بين المقاتلين والمدنيين وأن تستهدف المقاتلين فقط. الأفراد الذين يرتكبون انتهاكات جسيمة لقانون الحرب بنيّة إجرامية – عمدا أو بتهور – يمكن مقاضاتهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب. يمكن اعتبار الأفراد مسؤولين جنائيا إذا ساعدوا على ارتكاب جرائم حرب أو سهّلوها أو حرّضوا عليها. من واجب جميع الحكومات الأطراف في أي نزاع مسلح أن تحقق في جرائم الحرب المزعومة المرتكبة من قبل عناصر قواتها المسلحة.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، دعت هيومن رايتس ووتش إلى التحقيق في هجمات الجيش الإسرائيلي المتكررة، والتي يُفترض أنها عشوائية، على المنشآت الطبية في غزة. دعت هيومن رايتس ووتش حلفاء إسرائيل الرئيسيين إلى تعليق المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة لإسرائيل، نظرا إلى الخطر الحقيقي المتمثل في استخدامها لارتكاب انتهاكات جسيمة.
قال قيس: “بعد أن قتلت أكثر من 100 عامل صحي، تُعرِّض الضربات الإسرائيلية المدنيين، ومنهم الطواقم الطبية، لخطر الأذى الجسيم. ينبغي حماية الطواقم الطبية، وعلى الدول أن تتحرك لمنع مزيد من الفظائع، بما يشمل تعليق مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية لإسرائيل”.
حتى 28 أكتوبر/تشرين الأول 2024، بحسب وزارة الصحة اللبنانية، قتلت الغارات الإسرائيلية في لبنان 2,710 أشخاص على الأقل، وجرحت أكثر من 12,592 منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
حتى 25 أكتوبر/تشرين الأول، بحسب وزارة الصحة العامة، أصابت الغارات الإسرائيلية في لبنان بأضرار 51 مركزا للطوارئ ومنشأة طبية تابعة لجهات حكومية وغير حكومية، منها “الصليب الأحمر اللبناني”، و”المديرية العامة للدفاع المدني اللبناني”، و”مؤسسة عامل الدولية”، و”جمعية كشافة الرسالة الإسلامية”، و”الهيئة الصحية الإسلامية”، و”جمعية الإسعاف اللبنانية”.
أعلنت الوزارة أنه، حتى 25 أكتوبر/تشرين الأول، دمرت الغارات ما مجموعه 158 سيارة إسعاف تابعة لهذه المنظمات، بالإضافة إلى 55 مستشفى تضررت في الضربات التي قتلت 12 شخصا وجرحت 60. وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول، قالت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان إنه منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، “استھدف 27 ھجوماً سیارات الإسعاف التي یستخدمھا المستجیبون الأوائل”.
في 3 أكتوبر/تشرين الأول، قال المدير العام لـ “منظمة الصحة العالمية” إن 28 مسعفا قُتلوا خلال تأدية عملهم في لبنان خلال 24 ساعة. حذرت منظمة الصحة العالمية في 8 أكتوبر/تشرين الأول من انتشار الأوبئة في لبنان جراء الإغلاق التام أو الجزئي لتسعة مستشفيات على الأقل، بالإضافة إلى اكتظاظ مراكز إيواء النازحين. في 8 أكتوبر/تشرين الأول، قال مسؤول في الهيئة الصحية الإسلامية لـ هيومن رايتس ووتش إن القصف الإسرائيلي قتل 60 مسعفا من الهيئة منذ تصعيد الأعمال العدائية في منتصف سبتمبر/أيلول.
لم تتحقق هيومن رايتس ووتش بشكل مستقل من ظروف كلٍّ من هذه الحالات.
منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، أطلق حزب الله آلاف الصواريخ على بلدات شمال إسرائيل، ما أدى إلى مقتل 16 مدنيا. في يوليو/تموز، قُتل 12 طفلا في هجوم على قرية مجدل شمس، في مرتفعات الجولان المحتلة. قال مسؤولون إسرائيليون وأمريكيون إن حزب الله هو المسؤول عن الهجوم، الأمر الذي ينفيه الحزب.
يزعم الجيش الإسرائيلي بشكل متكرر أن حزب الله يستخدم البنى التحتية المدنية لأغراض عسكرية. في كلمة ألقاها في “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” في 27 سبتمبر/أيلول، اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حزب الله بأنه يخبئ الصواريخ في المستشفيات. في مارس/آذار، اتهم المتحدث باللغة العربية باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، حزب الله و”حركة أمل” باستخدام سيارات الإسعاف “لأغراض إرهابية” تشمل نقل المقاتلين والعتاد. في أكتوبر/تشرين الأول، كرر المتحدث باسم الجيش ادعاءاته في منشور على منصة “إكس” (“تويتر” سابقا)، ودعا الأطقم الطبية إلى الابتعاد عن عناصر حزب الله وعدم التعاون مع الحزب. لم يميّز بين مقاتلي حزب الله والأعضاء المدنيين الآخرين في مؤسسات الحزب أو مكتبه السياسي. إذ قال إنه “سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد أي مركبة تنقل مسلحين بغض النظر عن نوعها”.
مزاعم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي محل نزاع. ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيدها.
المنهجية
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع أعضاء في الهيئة الصحية الإسلامية؛ وجمعية كشافة الرسالة الإسلامية، وهي منظمة دفاع مدني وإسعاف تابعة لحركة أمل، الحليف السياسي لـ حزب الله؛ ومسؤولين في مستشفى ميس الجبل، ومستشفى مرجعيون، ومستشفى صلاح غندور في جنوب لبنان.
تحدثت هيومن رايتس ووتش أيضا مع ثلاثة مسؤولين في المديرية العامة للدفاع المدني اللبناني، وراجعت تصريحات من الهيئة الصحية الإسلامية وجمعية كشافة الرسالة بشأن الهجمات على مراكزهما وطواقمهما.
في 3 أكتوبر/تشرين الأول، زارت هيومن رايتس ووتش موقع الغارة التي استهدفت مركز الدفاع المدني التابع للهيئة الصحية الإسلامية، وقابلت سكانا من المنطقة وشهود عيان على الهجوم. في 7 أكتوبر/تشرين الأول، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلة مع امرأة لديها معرض فني في المبنى نفسه الذي يضم مركز الدفاع المدني للهيئة قرب وسط بيروت.
لاحقا قُتل مسعف من الدفاع المدني اللبناني، كانت هيومن رايتس ووتش قد أجرت معه مقابلة، في قصف إسرائيلي على مركز للدفاع المدني في بلدة دردغيا الجنوبية في 9 أكتوبر/تشرين الأول.
حللت هيومن رايتس ووتش 57 صورة وفيديو منشورة على منصات التواصل الاجتماعي أو أُرسلت إلى باحثيها مباشرة. التُقطت المواد المصورة في بيروت، وجنوب لبنان، والبقاع. حللت هيومن رايتس ووتش أيضا صورا من الأقمار الصناعية لمستشفى صلاح غندور في بنت جبيل ومستشفى مرجعيون، التقطت قبل الهجمات وبعدها. كما زارت هيومن رايتس ووتش موقع الغارة على مركز الدفاع المدني التابع للهيئة الصحية في بيروت، لكنها لم تزر مواقع القصف على المستشفيات في جنوب لبنان.
قصف مركز الدفاع المدني التابع للهيئة الصحية الإسلامية
بُعيد منتصف الليل، في 3 أكتوبر/تشرين الأول، أصابت غارة إسرائيلية مركز الدفاع المدني التابع للهيئة الصحية الإسلامية بالقرب من وسط بيروت، في الطابق الثاني في مبنى سكني. قالت الهيئة في بيان نشرته في اليوم نفسه إن الغارة قتلت سبعة مسعفين. وبحسب الهيئة، بين هؤلاء الضحايا مسعفان متطوعان، ومسؤول الدفاع المدني في منطقة بيروت، ومدير العمليات في منطقة بيروت، ورئيس التجهيز في منطقة بيروت، ومسؤول الآليات والصيانة، ومسؤول الإنقاذ.
قالت وزارة الصحة اللبنانية إن الغارة قتلت تسعة أشخاص، وإنها تجري فحوص الحمض النووي لتحديد هوية الأشلاء التي تم رفعها من مكان الغارة. قال شاهدان إن من بين الضحايا أشخاص من المارة كانوا قرب المبنى وقت الغارة.
في زيارة 3 أكتوبر/تشرين الأول لموقع الغارة، شاهدت هيومن رايتس ووتش أضرارا تشير إلى أن وحدتَي ذخيرة انفجرتا في غرف تضم مكاتب الهيئة وأضرارا ناجمة عن انفجار في الطوابق فوقها وتحتها. كما شاهد الباحثون آثار دمار ناجم عن تشظٍ أولي وثانوي على المباني السكنية والمتاجر المجاورة والملاصقة، بالإضافة إلى “مقبرة الباشورة” الإسلامية في الجهة المقابلة من الشارع.
قال المدير العام للدفاع المدني التابع للهيئة الصحية الإسلامية في تصريح أرسله إلى هيومن رايتس ووتش إن المركز يضم 13 موظفا و45 متطوعا، يقدمون خدمات الإنقاذ والإسعافات الأولية للسكان والنازحين من الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية.
قال أحد سكان الحي، الذي كان في متجره وقت الغارة، إنه أسرع فورا إلى المبنى بعد الغارة ليساعد المصابين. وقال إنه رأى ثلاث جثث، كانت إحداها مشوهة بشدة. وأضاف، “الجميع يعلم أنه مركز طبي. إنهم يساعدون الجميع هنا”.
قال المتحدث باسم الهيئة الصحية الإسلامية محمود كركي إن المسعفين الذين كانوا في المركز وقت الغارة كانوا قد قصدوا المركز للاستراحة بعد يوم إنقاذ في ضاحية بيروت الجنوبية، جراء سلسلة من الغارات الإسرائيلية في الليلة السابقة.
قال كركي إن بعض المتواجدين في المركز كانوا مديرين، لكنهم جميعا مسعفون. وأضاف أن المركز قائم في حي الباشورة منذ 2009.
عاينت هيومن رايتس ووتش صورتين انتشرتا على منصات التواصل الاجتماعي يظهر فيهما مسعف قُتل في الغارة، هو وسام محمود سلهب، بملابس عسكرية على ملصق “شهيد” يشبه إلى حد بعيد الملصقات التي ينشرها الجناح العسكري لـ حزب الله، بالإضافة إلى فيديو يظهر فيه سلهب وهو يطلق النار من بندقية حربية. ويظهر ساجد شري، مسعف آخر قُتل في الغارة، في صورة أخرى عاينتها هيومن رايتس ووتش، في ملابس عسكرية تحمل شارة حزب الله.
لاحظت هيومن رايتس ووتش فروقات في ملصقات “الشهداء”، منها استخدام صورتين مختلفتين، ورتبتين مختلفتين، واسمَيْن حركيَّيِن مختلفَيْن للشخص نفسه. ملابس التمويه والوشاح في ملصق سلهب كانت نفسها في ما بدا أنها ملصقات “شهداء” أخرى انتشرت على الإنترنت. في ردها على كتاب هيومن رايتس ووتش، نفت الهيئة الصحية أن يكون الجناح العسكري لـ حزب الله هو مَن أصدر الملصق الخاص بسلهب، وقالت إن الملصقات من هذا النوع غالبا ما يطبعها أفراد من عائلة القتلى أو أصدقاؤهم، الذين يعتقدون أن الصور بملابس عسكرية بعد “الاستشهاد” هي مدعاة فخر، بحسب الرسالة.
لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد مصدر الملصقات. قال البيان إن الجناح العسكري لـ حزب الله لم ينشر أي ملصقات على قناته على “تليغرام”، الأمر الذي تحققت منه هيومن رايتس ووتش، وأضاف البيان أن سلهب كان يعمل منذ 10 سنوات مسؤولا عن عمليات الطوارئ والخدمات اللوجستية في مركز الدفاع المدني التابع للهيئة الصحية الإسلامية في بيروت. قالت الهيئة أيضا إن شري لم يكن قط عنصرا في الجناح العسكري لـ حزب الله، ولم يكن لديه أي دور في هذا الصدد، وإن عمله كان محصورا بالخدمات الصحية والإنقاذ والطوارئ. وقالت إن الملابس العسكرية التي يرتديها شري في الصورة المنتشرة قد تعود إلى أحد أقربائه، أو قد يكون اشتراها من متجر ما، وإن هذه الملابس العسكرية ليست بالضرورة خاصة بـ حزب الله. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق من هذا الزعم.
أضافت الهيئة أنه لم يكن لأي من المسعفين الذين قُتلوا في غارة الباشورة والقصف على مجموعة مسعفين بالقرب من مستشفى مرجعيون وظيفة أو مهمة قتالية في الجناح العسكري لـ حزب الله منذ انضمامهم إلى الهيئة الصحية الإسلامية. كما نفت أن يكون للهيئة أي ارتباط بالعمليات العسكرية، وقالت إن هناك فصلا تاما بين الجناح العسكري وجناح الخدمات الاجتماعية في حزب الله.
ماريا هِبري، وهي فنانة لديها مشغل في الطابق الأرضي من المبنى نفسه، قالت إن المبنى مؤلف من ثلاثة أقسام، تسكن كل منها 27 عائلة، وإن الطابق المستهدف كان الوحيد العائد لمركز الدفاع المدني. قالت: “لم يُرسل أي تحذير إخلاء لأحد في المبنى. لماذا؟ لَكانوا غادروا. لا أحد يريد أن يموت”.
قصف سيارة إسعاف بالقرب من مستشفى مرجعيون
في بيان صدر في 4 أكتوبر/تشرين الأول، قالت الهيئة الصحية الإسلامية إن سبعة من مسعفيها قتلوا في هجوم “مباشر على الطواقم الإسعافيّة في بلدة مرجعيون [مستشفى مرجعيون الحكومي]”.
وقالت شوشان حسن مزرعاني، مسؤولة التمريض في طوارئ المستشفى، إنها شهدت الضربة بينما كانت تشرب القهوة أمام مدخل غرفة الطوارئ في المستشفى. وقالت إن الضربة كانت “مباشرة على سيارات الإسعاف”، وكانت ثلاث منها على الطريق المؤدي إلى مدخل المستشفى وقت الهجوم.
وقالت: “ركضت إلى سيارات الإسعاف وأخبرت الناس أنهم أصابوا المسعفين. بمجرد أن وصلت إلى الطريق لم أستطع الاستمرار. كان العاملون في المستشفى يطلبون مني عدم الاقتراب من سيارات الإسعاف، فقد يقصفون مجددا. وكان المسعفون المصابون ينادونني لمساعدتهم”.
وقالت مزرعاني، المسؤولة عادة عن تقديم حصيلة القتلى من المستشفى إلى وزارة الصحة، إن سبعة مسعفين قتلوا وجرح خمسة آخرون.
وقالت: “هؤلاء الرجال، كنا نعرفهم. لمدة عام كانوا ينقلون المصابين إلى المستشفى. أصبحنا نعرفهم. إنهم مسعفون، مثلهم مثل أي طاقم إسعاف آخر”.
في تصريحات لوسائل الإعلام في 4 أكتوبر/تشرين الأول، قال مدير مستشفى مرجعيون، الدكتور مؤنس كلاكش، إن المدخل الرئيسي للمستشفى “استُهدف بينما كان المسعفون يقتربون منه” وإنه لم يتم تحذير المستشفى قبل الهجوم. وقالت مزرعاني أيضا إنها لم تتلقَّ هي أو غيرها من العاملين في المستشفى تحذيرات بالإخلاء.
وقالت تقارير إخبارية ومزرعاني إنه تم إخلاء المستشفى وإغلاقه بعد القصف في ذلك اليوم. وتُظهر صورة التقطت في 4 أكتوبر/تشرين الأول وحددت هيومن رايتس ووتش موقعها الجغرافي على بعد 150 متر تقريبا من المستشفى سيارة إسعاف محترقة وشاحنة تحترق تحت شجرة نخيل محترقة. حلّلت هيومن رايتس ووتش صور أقمار صناعية من 11 أكتوبر/تشرين الأول للمنطقة المحيطة بمستشفى مرجعيون تظهر المركبات المحترقة.
كما حللت هيومن رايتس ووتش فيديو وصورتين فوتوغرافيتين تم تحميلها على موقع إكس في 11 أكتوبر/تشرين الأول، تظهر حفرة كبيرة تسد أحد الطرق الرئيسية المؤدية إلى مرجعيون.
قالت مزرعاني إن الغارات الإسرائيلية على الطرق المؤدية إلى المستشفى أعاقت عودة موظفي المستشفى إلى منازلهم. وبحسب مزرعاني، كان العاملون في المستشفى ينامون هناك لمدة 12 يوما قبل إغلاق المستشفى.
وقالت: “كان الخطر كبيرا، وكنا نعلم أننا إذا غادرنا لن نتمكن من العودة إلى المستشفى”.
لم يقدم الجيش الإسرائيلي علنا أي دليل على أن مستشفى مرجعيون أو سيارات الإسعاف المستهدفة بالقرب من المدخل كانت تستخدم لتنفيذ أعمال عدائية.
قصف مستشفى صلاح غندور
قال مدير مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل، الدكتور محمد سليمان، إن المستشفى تعرض للقصف في 4 أكتوبر/تشرين الأول، بعد ساعتين ونصف من تلقيهم إنذارا بالإخلاء. قال سليمان إن مسؤولا محليا في بنت جبيل تلقى اتصالا من مسؤول عسكري إسرائيلي حوالي الساعة 6 مساء يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول يبلغه بضرورة إجلاء المسعفين المحيطين بالمستشفى في غضون أربع ساعات لأن المستشفى قد يُقصف.
وقال سليمان: “اعتبرنا أن هذا التحذير لا يعني الطاقم الطبي داخل المستشفى، لذا، أجلينا المسعفين وأخلينا المنطقة المحيطة بالمستشفيات، لكن الطاقم الطبي بقي. لكننا فوجئنا أنه بعد ساعتين ونصف، […] وقع القصف في الساعة 8:30 مساء قبل انتهاء فترة التحذير [البالغة أربع ساعات]. قُصف المستشفى ثلاث مرات. أصابت قذيفة واحدة غرفة المناوبة وقذيفتان غرفة انتظار المسعفين، [كلاهما] داخل المستشفى”.
وقال سليمان إن تسعة عاملين في المستشفى أصيبوا بجروح، بينهم أطباء وموظفون طبيون، ثلاثة منهم في حالة حرجة.
وأفادت وسائل الإعلام اللبنانية أنه بعد الهجوم، لم يستجب الجيش الإسرائيلي لطلبات قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان “اليونيفيل” السماح لقافلة من الصليب الأحمر اللبناني والجيش اللبناني بالاقتراب من المستشفى والمساعدة في إجلاء المصابين. وقال سليمان إن موظفي المستشفى اضطروا إلى إجلاء الجرحى بسياراتهم الخاصة.
في 5 أكتوبر/تشرين الأول، قال الجيش الإسرائيلي إن طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي هاجمت “إرهابيين من حزب الله كانوا يعملون داخل مركز قيادة كان يقع داخل مسجد مجاور لمستشفى صلاح غندور”. وقال الجيش الإسرائيلي إن حزب الله استخدم مركز القيادة “للتخطيط لهجمات إرهابية ضد جيش الدفاع الإسرائيلي ودولة إسرائيل وتنفيذها”، وأنه “تم إرسال إنذارات إلى السكان وإجراء محادثات مع أطراف مهمة” في القرى التي تستخدم فيها المستشفيات “في انتهاك لقوانين النزاع المسلح”. وقال الجيش الإسرائيلي إنه طالب “بوقف أي نشاط عسكري يجري انطلاقا من المستشفيات على الفور”، لكنه لم يقدم مزيدا من التفاصيل عن “النشاط الإرهابي” الذي قال إنه كان يجري انطلاقا من مستشفى صلاح غندور.
وقال الدكتور سليمان إن الجيش قصف أولا المستشفى من الجهة الأبعد عن المسجد، قبل أن يقصف المسجد بعد ذلك. وقال الدكتور سليمان إنه لم يرد في التحذير الموجه إلى القرية أي ذكر للمسجد أو استخدامه من قبل حزب الله.
ولم يقدم الجيش الإسرائيلي أدلة علنية على استخدام المستشفى أو المسجد لارتكاب أعمال عدائية.
حددت هيومن رايتس ووتش الموقع الجغرافي لصورة فوتوغرافية وفيديو نُشرا على وسائل التواصل الاجتماعي في اليوم التالي للهجوم، تم الحصول عليهما من أحد المصادر، يظهران المسجد المدمر المجاور للمستشفى. لا تُظهر صور الأقمار الصناعية منخفضة الدقة الملتقطة صباح 4 أكتوبر/تشرين الأول أي آثار لأضرار في مستشفى صلاح غندور، لكن صورة التقطت بعد 24 ساعة، صباح 5 أكتوبر/تشرين الأول، تؤكد تعرض الموقع للقصف.
تُظهر صورة من أقمار صناعية ذات دقة عالية جدا التقطت في 11 أكتوبر/تشرين الأول، حللتها هيومن رايتس ووتش، المسجد مدمرا بالكامل، وأضرارا جسيمة في الجانب الشمالي الغربي للمستشفى المواجه للمسجد، وأضرارا أقل في سطح المستشفى في الجهة الشمالية الشرقية المقابلة.
المنشآت الصحية أعيانٌ مدنية تتمتع بأوجه بحماية خاصة بموجب قوانين الحرب ضد الهجمات وغيرها من أعمال العنف، بما في ذلك القصف أو النهب أو الدخول القسري أو إطلاق النار أو التطويق أو غير ذلك من التدخلات القسرية مثل حرمان المنشآت من الكهرباء والماء عمدا. ولا تفقد مرافق الرعاية الصحية حمايتها من الهجوم إلا إذا استخدمت لارتكاب “أعمال ضارة بالعدو”، وبعد تحذير ضروري.
ووفقا للجنة الدولية للصليب الأحمر، يجب “توجيه إنذار محدد بمدة معقولة، كلما كان ذلك ملائما، قبل الهجوم على وحدة طبية تستخدم لارتكاب أعمال ضارة بالعدو، ولا يحصل الهجوم إلّا إذا بقي الإنذار بلا استجابة”.
هجمات أخرى على مراكز صحية وكوادر طبية
حددت منظمة هيومن رايتس ووتش هجومين آخرين على الأقل في بلدتَيْ سحمر وكفرا في جنوب لبنان، ألحقت أضرارا كبيرة بمراكز الرعاية الصحية والمركبات وقتلت كوادر طبية.
في 29 سبتمبر/أيلول، قُتل ستة من أعضاء الهيئة الصحية الإسلامية في سحمر في محافظة البقاع، بحسب وزارة الصحة. تُظهر الفيديوهات التي التقطت من موقع القصف، والتي نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي في 30 سبتمبر/أيلول، وقامت هيومن رايتس ووتش بتحليلها، سيارة دفاع مدني متضررة وسيارتَيْ إسعاف متضررتين تحملان شعارات الهيئة الصحية الإسلامية، بالإضافة إلى سيارة محترقة. حددت هيومن رايتس ووتش الموقع الجغرافي لموقع الغارة على أنه مبنى في الجزء الشمالي الشرقي من سحمر، لكنها لم تتمكن من تحديد ما إذا كانت هناك أهداف عسكرية في الموقع.
قال مفوض الدفاع المدني في جمعية كشافة الرسالة الإسلامية، ربيع عيسى، إن غارة منفصلة في 30 سبتمبر/أيلول أصابت مجموعة من المسعفين عندما كانوا يبدلون مناوباتهم في إحدى نقاط تجمع الجمعية في كفرا، في محافظة النبطية، ما أدى إلى إلحاق الضرر بثلاث سيارات إسعاف تابعة للجمعية وإصابة العديد من المسعفين. حللت هيومن رايتس ووتش مقطعَيْ فيديو حصلت عليهما من أحد مصادرها ونُشرا على وسائل التواصل الاجتماعي في 30 سبتمبر/أيلول وحددت موقعهما الجغرافي على أنه في الطريق الرئيسي في كفرا. يظهر مقطعا الفيديو سيارة إسعاف مدمرة بالإضافة إلى سيارتين محترقتين على طريق متضرر.
تحذيرات بإخلاء المراكز الطبية ومراكز الدفاع المدني
في 30 سبتمبر/أيلول، قال عيسى لـ هيومن رايتس ووتش إن مركزين آخرين للدفاع المدني تابعين لجمعية كشافة الرسالة في جنوب لبنان كانا قد تلقيا مكالمة هاتفية من الجيش الإسرائيلي في الأسبوع السابق يأمرهما بإخلاء المركزين في غضون ساعتين. ومن غير الواضح ما إذا كان المركزان قد قصفا لاحقا.
كما قال رئيس مركز صور الإقليمي في الدفاع المدني اللبناني عبد الله الموسوي لـ هيومن رايتس ووتش في 30 سبتمبر/أيلول إن مركزين للدفاع المدني في جنوب لبنان تلقيا اتصالا هاتفيا من الجيش الإسرائيلي يأمر العاملين فيهما بإخلاء المركزين. وقال إن المركزين لم يتعرضا للهجوم رغم تحذيرات الإخلاء.
وقُتل الموسوي وأربعة مسعفين آخرين في “غارة إسرائيلية استهدفت” مركز الدفاع المدني في دردغيا، بالقرب من مدينة صور جنوب لبنان، في 9 أكتوبر/تشرين الأول، بحسب المديرية العامة للدفاع المدني اللبناني.
قال مدير الخدمات الطبية في مستشفى ميس الجبل، الدكتور حليم سعد، إن المستشفى تلقى أيضا في 4 أكتوبر/تشرين الأول إنذارا من الجيش الإسرائيلي بالإخلاء يأمر العاملين في المستشفى بالمغادرة فورا. وقال سعد إن الهجمات التي وقعت في المنطقة المحيطة بالمستشفى، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، ألحقت أضرارا بالمستشفى. وكان المستشفى قد أغلق أبوابه في 4 أكتوبر/تشرين الأول وأجلى موظفيه بعد أن أمر الجيش الإسرائيلي بإخلائه.
لم يتضح بعد ما إذا كان مستشفى ميس الجبل قد تعرض لهجوم مباشر بعد تحذير الجيش الإسرائيلي بإخلائه.
حللت هيومن رايتس ووتش وحددت الموقع الجغرافي لسبع صور فوتوغرافية وفيديو واحد قدمه سعد، أظهرت أضرارا تتوافق مع أضرار حركية لحقت بواجهة المستشفى وأبواب المدخل والنوافذ المواجهة للجنوب، بالإضافة إلى بقايا قذيفة دخانية مدفعية في ساحة المستشفى. وقال سعد إن المستشفى كان يعتمد على اليونيفيل لتوفير الإمدادات اللازمة، مثل المياه والوقود والإمدادات الطبية، لكنه لم يتمكن من ذلك في الأسبوع الذي سبق إغلاقه.
وقال: “القصف على المستشفى وبالقرب منه منذ العام الماضي، بالإضافة إلى تحذيرات الإخلاء التي تلقيناها وعدم القدرة على توفير الإمدادات الطبية والمياه والوقود للمستشفى، أجبرنا على إغلاق أبوابنا”.
يحظر القانون الدولي العرفي “أعمال العنف أو التهديد بأعمال العنف التي تستهدف بصورة رئيسة بث الذعر بين السكان المدنيين”. وتندرج تحت هذا الحظر التصريحات التي تدعو إلى إخلاء المناطق والتي تهدف في المقام الأول إلى إثارة الذعر بين السكان. أما المدنيون، بمن فيهم العاملون في المجال الطبي، الذين لا يقومون بالإخلاء بعد التحذيرات فيظلون محميين تماما بموجب القانون الإنساني الدولي.