لبنان: الأجندة الحقوقية للحكومة الجديدة
(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم في رسالة إلى رئيس الحكومة المُكلَّف الجديد نواف سلام إنه ينبغي للحكومة اللبنانية الجديدة أن تعطي الأولوية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان، والمحاسبة، والشفافية، وسيادة القانون. ينبغي للحكومة المقبلة تطبيق إصلاحات تضمن إحقاق حقوق الجميع في لبنان، والمحاسبة على الانتهاكات والتجاوزات السابقة، واستقلالية القضاء، وتحسين الخدمات العامة.
في 13 يناير/كانون الثاني 2025، قام الرئيس اللبناني جوزاف عون بتكليف نواف سلام، الرئيس السابق لـ”محكمة العدل الدولية” وسفير لبنان السابق إلى “الأمم المتحدة” بين 2007 و2017، برئاسة الحكومة الجديدة بعد الاستشارات النيابية. جاء التكليف بعد انتخاب “مجلس النواب” عون رئيسا في 9 يناير/كانون الثاني. سلام مُكلّف الآن بتعيين الوزراء وتشكيل الحكومة التي يمكنها أن تبدأ بممارسة صلاحياتها بعد حصولها على الثقة في مجلس النواب.
قال رمزي قيس، باحث لبنان في هيومن رايتس ووتش: “بعد حرب مدمرة وأزمة سياسية استمرت أكثر من عامين، وأكثر من خمس سنوات على انهيار الاقتصاد اللبناني، هناك بارقة أمل بأن يتمكن لبنان من التغلب على الكم الهائل من التحديات التي تواجه الحكومة، والقضاء، والمؤسسات، والناس. لكن أداء الحكومة الجديدة سيتحدد في النهاية بقدرتها على تطبيق الإصلاحات التي طال انتظارها لإنهاء عقود من الإفلات من العقاب، والفساد، وسوء الإدارة”.
قال سلام في كلمته الأولى كرئيس مكلف: “حان الوقت لبدء فصل جديد [في لبنان]. فصل نريده متجذرا في العدالة والأمن والتقدم والفرص ليكون لبنان بلد المواطنين الأحرار المتساوين بالحقوق والواجبات”.
شدد سلام على ضرورة إعادة إعمار القرى والمباني المتضررة في جميع أنحاء لبنان، بما يشمل الجنوب والبقاع وبيروت، والحاجة إلى بناء “اقتصاد حديث ومنتِج” يرتكز على “قيام دولة قادرة وعادلة ذات إدارة شفافة وفاعلة”. شدد على الحاجة إلى دولة تجسد “في جميع الحقول والمجالات، دون استثناء، المبادئ العالمية لحقوق الإنسان، كما نصت عليه أيضا مقدمة الدستور…”. شدد أيضا على الحاجة إلى قضاء مستقل.
تعهد سلام بالعمل على تحقيق العدالة لضحايا انفجار مرفأ بيروت في 2020 وعائلاتهم، وللمودعين الذين خسروا جنى حياتهم خلال انهيار الاقتصاد اللبناني.
أكّد الرئيس عون في خطابه أمام البرلمان أن “مرحلة جديدة بدأت في لبنان” وتعهد بـ “حماية قدسية الحريات الفردية والجماعية”. قال عون إنه لن يكون هناك أي تدخل في عمل القضاء خلال عهده “ولا حصانات لمجرم أو فاسد”، وتعهد بإصلاح نظام السجون في لبنان، وتعزيز نظام الضمان الاجتماعي، والبنية التحتية الصحية، والتعليم الرسمي، وباحترام حرية الإعلام، والحق بحرية التعبير “ضمن الأطر الدستورية والقانونية”.
تعهد عون أيضا بالعمل مع الحكومة الجديدة على إقرار قانون جديد لاستقلالية القضاء، وتطوير عمل النيابات العامة في لبنان، وإجراء التشكيلات القضائية على أساس النزاهة والكفاءة.
رفعت هيومن رايتس ووتش في رسالتها توصيات في 10 مجالات أساسية من شأنها أن تُرشد سياسات الحكومة المقبلة وممارساتها في مجال حقوق الإنسان، وإعادة الإعمار، والقضاء، والإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية.
تضمنت التوصيات التزامات ملموسة بالمحاسبة عن جرائم الحرب المرتكَبة على الأراضي اللبنانية، وانفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020، والانهيار الاقتصادي في البلاد. ينبغي للحكومة العمل مع مجلس النواب على إنشاء قضاء مستقل بحق لتطبيق إصلاحات اجتماعية واقتصادية متماشية مع الحقوق. ينبغي لها أن تزيد تدابير الحماية لحرية التعبير، وتعالج قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، وغيرها من أشكال التمييز ضد المرأة، وحماية حقوق الجميع، بما يشمل المهاجرين واللاجئين والسجناء والموقوفين.
قالت هيومن رايتس ووتش في رسالتها إن على الحكومة القادمة أن تصادق على “نظام روما الأساسي” المُنشئ لـ”المحكمة الجنائية الدولية”، وأن تودع إعلانا لدى قلم المحكمة يمنح هذه الأخيرة ولاية قضائية بأثر رجعي على الجرائم الخطيرة المرتكبة على الأراضي اللبنانية.
قالت هيومن رايتس ووتش أيضا إن على الحكومة القادمة أن تستمر في العمل مع الدول المانحة لدعم إعادة الإعمار بعد الحرب، وضمان أن تكون جميع أعمال إعادة الإعمار شفافة وخاضعة للمساءلة وخالية من الفساد. قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة أن تتخذ تدابير ضرورية لمنع سوء إدارة أموال المانحين، وضمان حصول الأشخاص المتضررين من الحرب على حقهم بإعادة الإعمار، والمسكن، والتعليم، والرعاية الصحية، وغيرها من الحقوق. دمر القصف الإسرائيلي في جميع أنحاء لبنان أكثر من 100 ألف وحدة سكنية في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، وبحسب “البنك الدولي” بلغت الخسائر الاقتصادية 8.5 مليار دولار أمريكي تقريبا. تضررت أيضا عشرات المنشآت الصحية والمستشفيات والمدارس والمرافق المائية.
قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة أن تعمل مع مجلس النواب لإقرار قانون استقلالية القضاء، تماشيا مع المعايير الدولية، وإزالة الحواجز السياسية التي تعيق التحقيق المحلي في انفجار مرفأ بيروت. على الحكومة ضمان أن تُدار جميع المؤسسات العامة، بما فيها تلك المعنية بالتعليم والصحة العامة والضمان الاجتماعي والكهرباء والبيئة، بسياسات تعزز عمل هذه المؤسسات وشفافيتها والمساءلة.
قال قيس: “التحديات كبيرة، لكن اللبنانيين ينتظرون بفارغ الصبر التغيير الذي طال انتظاره، والذي يضمن احترام حقوقهم وحمايتها. على الحكومة المقبلة أن تضع حقوق الإنسان في صلب أجندتها”.