لبنان: استدعاء صحفيّين وناشطة للتحقيق
(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن الصحفيين والمؤسسات الإعلامية ومنظمات مجتمع المدني في لبنان يواجهون الاستخدام المتكرر لتهم القدح والذم الجزائية، وغيرها من النصوص القانونية الغامضة ردا على عملهم الذي يزعم وجود فساد وتجاوزات مالية في البلاد. في 10 أبريل/نيسان، استدعت النيابة العامة اللبنانية صحفيّين من المؤسستين الإعلاميتين المحليّتَيْن “درج” و”ميغافون“، والمديرة التنفيذية لـ “كلنا إرادة“، وهي منظمة تعمل على قضايا الحوكمة، للاستجواب في 15 أبريل/نيسان. وكانت الأجهزة الأمنية قد استدعت صحفيي درج في مارس/آذار للاستجواب.
قال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “التحولات السياسية الأخيرة في لبنان لم تمنع السلطات من التضييق على المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني المستقلة التي تحقق في مزاعم سوء الإدارة المالية والفساد وتنشر التقارير عنها. ها نحن نشهد مجددا تسخير قوانين القدح والذم الجزائية ونصوص قانونية أخرى مشكوك فيها لخنق محاولات تسليط الضوء على سنوات من التجاوزات المالية”.
على الرئيس والحكومة الجديدَيْن في لبنان، بما يشمل وزير الإعلام، بالإضافة إلى المجلس النيابي الحالي أن يتعهدوا علنا بحماية الحق في حرية التعبير.
منذ 2025 مارس/آذار، قام “مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية” اللبناني (مكتب جرائم المعلوماتية)، وهو وحدة ضمن “قوى الأمن الداخلي” مهمتها محاربة الجرائم المعلوماتية وتعزيز الأمن السيبراني، مرَّتَيْن باستدعاء رئيس تحرير “درج” على خلفية دعاوى قضائية متعلقة بالتحقيقات التي يجريها الموقع الإعلامي. قال محامي درج لـ هيومن رايتس ووتش إن الوثائق التي اطّلع عليها والمتعلقة بالدعاوى قدّمها أنطون صحناوي، رئيس مجلس إدارة مصرف “سوسيتيه جنرال” في لبنان (إس جي بي إل). الدعاوى، التي تتهم درج بـ “القدح والذم” واتهامات غامضة أخرى، رُفعت في أعقاب نشر المؤسسة تقارير عن تجاوزات مالية مزعومة نُسِبت إلى سوسيتيه جنرال والقطاع المصرفي اللبناني بشكل عام.
تقول تقارير إعلامية ومحامي درج إن صحناوي قدم إخبار قدح وذم ضد رئيس التحرير حازم الأمين والصحفية جنى بركات في موقع درج في مارس/آذار 2024 ردا على تقرير استقصائي صدر عام 2023 حول تجاوزات مالية مزعومة من قبل سوسيتيه جنرال وصحناوي في السنوات التي سبقت الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان عام 2019 وما بعدها. قال المحامي إن صحناوي رفع دعوى ثانية ضد الأمين في 10 مارس/آذار 2025 على خلفية تقرير مصوّر يعلق على دعوى صحناوي الأولى واستدعاء الأمين من قبل مكتب جرائم المعلوماتية. وجّهت هيومن رايتس ووتش رسالة إلى صحناوي في 4 أبريل/نيسان تبيّن فيها النتائج التي توصلت إليها وتطرح أسئلة، لكن لم تتلقّ أي رد.
تتهم دعوى ثالثة رفعها ثلاثة محامين في مارس/آذار درج وميغافون “النيل من مكانة الدولة المالية”، و”زعزعة الثقة بمتانة النقد الوطني”، و”الحض على سحب الأموال من المصارف وبيع سندات الدولة”، و”إثارة الفتنة”، و”النيل من هيبة الدولة والاشتراك في المؤامرة عليها”، و”إضعاف الشعور القومي”، و”الحصول على أموال خارجية مشبوهة وتمويل حملات إعلامية بهدف ضرب الثقة بلبنان واقتصاده”. في 26 مارس/آذار، أحال النائب العام التمييزي اللبناني هذه الشكوى إلى النيابة العامة الاستئنافية.
في 11 مارس/آذار، رفعت مجموعة منفصلة من المحامين دعوى ضد كلنا إرادة، متهمةً المنظمة بنقل أنباء يُعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها “من شأنها أن توهن نفسية الأمة”، و”تنال من هيبة الدولة أو مكانتها المالية”، و”لإحداث التدني في أوراق النقد الوطنية وسنداتها وجميع الأسناد ذات العلاقة بالثقة المالية العامة”. في 25 مارس/آذار، أفادت محطة تلفزيونية لبنانية أن النائب العام اللبناني أحال الشكوى أيضا إلى النيابة العامة الاستئنافية.
وثّقت هيومن رايتس ووتش في السابق استخدام السلطات اللبنانية المتزايد لقوانين القدح والذم والتحقير لإسكات الصحفيين والنشطاء وغيرهم ممن ينتقدون سياسات الحكومة والفساد. قالت هيومن رايتس ووتش إنه مع أن القضاء يرفض هذه الدعاوى بسرعة، فهي تشكل أسلوب ترهيب قد يحبط العمل الإعلامي ويؤدي إلى الرقابة الذاتية.
بينما يناقش “مجلس النواب” قانونا جديدا للإعلام، ينبغي له تأكيد الالتزامات الحقوقية الواقعة على لبنان بإلغاء نصوص القدح والذم والتحقير من قانون العقوبات واستبدالها بعقوبات مدنية. قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي لمجلس النواب ضمان توافق قانون الإعلام الجديد مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ويشمل ذلك إلغاء جميع التهم والعقوبات المتعلقة بالتعبير السلمي.
في تقرير في 2019، وجدت هيومن رايتس ووتش أن مكتب جرائم المعلوماتية فتح 3,599 تحقيقا في دعاوى قدح وذم بين يناير/كانون الثاني 2015 ومايو/أيار 2019. وأشارت الأرقام التي قدمها المكتب لـ هيومن رايتس ووتش في ذلك الوقت إلى زيادة بنسبة 325% في قضايا القدح والذم المتعلقة بالتعبير عبر الإنترنت بين 2015 و2018، تزامنا مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والسخط الشعبي في لبنان.
في بيان مشترك في مارس/آذار، أدانت مؤسسات إعلامية ومنظمات من المجتمع المدني في لبنان وأعضاء في مجلس النوات الحملة المستمرة لإسكات وسائل الإعلام، ودعت النيابات العامة اللبنانية إلى رفض الاستدعاءات المسيّسة ضد الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني.
يكفل الدستور اللبناني حرية التعبير “ضمن دائرة القانون”، لكن قانون العقوبات يُجرّم الذم والقدح ضد الموظفين العموميين ويجيز الحبس حتى سنة واحدة في مثل هذه القضايا.
قال كوغل: “بدون إصلاحات جادة، تُستغل قوانين القدح والذم في لبنان بسهولة لخنق التعبير المشروع. في حين تتعهد الحكومة اللبنانية بإصلاحات مالية وقضائية واجتماعية جوهرية، ينبغي لها أيضا العمل على تعزيز حماية حرية التعبير التي يكفلها القانون اللبناني”.