غزة: الجيش الإسرائيلي يوسع استخدام طائرات كواد كابتر في قتل الفلسطينيين

قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنه وثق حالات قتل متزايدة يرتكبها الجيش الإسرائيلي عبر إطلاق نار مباشر وإلقاء قنابل متفجرة من طائرات مسيّرة صغيرة الحجم (كوادكابتر)، في إطار جريمة الإبادة الجماعية المستمرة منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي.

وأبرز المرصد الأورومتوسطي في بيان له أن الجيش الإسرائيلي يستخدم طائرات كوادكابتر المسيّرة إلكترونيًّا عن بُعد، لأغراض متعددة بدءًا من المراقبة والتجسس، إلى جانب توجيه أوامر التهجير، وترهيب المدنيين عبر إصدار أصوات مزعجة، والأخطر استخدامها كأداة قتل وإيقاع أذى في صفوف الفلسطينيين.

وصعد الجيش الإسرائيلي منذ بداية حربه واسعة النطاق على قطاع غزة من تنفيذ عمليات قتل عمد وإعدام خارج إطار القانون والقضاء بحق المدنيين الفلسطينيين، من خلال القنص وإطلاق النار من طائرات مسيرة في مختلف مناطق قطاع غزة، ويستخدمها في الدخول للأزقة الضيقة وداخل المنزل، إلى جانب استمراره في قتل الفلسطينيين على نحو واسع من خلال القصف الجوي والمدفعي على المناطق السكنية.

واطلع الأورومتوسطي على مقطع فيديو نشره الجيش الإسرائيلي يوثق فيها استخدام هذا النوع من الطائرات في إلقاء قنابل تجاه منازل وأشخاص خلال أعماله الحربية في قطاع غزة.

وذكر أنه وثق إعدام قوات الجيش الإسرائيلية السيدة “سلاح محمد أحمد عودة” (52 عامًا) بعد استهدافها بإطلاق نار مباشر من طائرات كواد كابتر بتاريخ 21 مايو/أيار الماضي، رغم أنها كانت ترفع الراية البيضاء وهي تحاول النزوح من مخيم جباليا، حيث جرى إعدامها أمام أفراد عائلتها.

وأفاد شقيقها “نضال” (40 عامًا) لطاقم الأورومتوسطي بما يلي: “كان الوقت متأخرًا بتاريخ 20 مايو، قالت شقيقتي” سلاح” إن الأفضل أن نبيت في منزل جيراننا في الشارع الخلفي لمنزلنا في مخيم جباليا الذي جرفته الآليات، ونخرج في اليوم التالي صباحًا. في صباح 21 مايو، اتفقنا على خط السير، آثرت شقيقتي “سلاح” أن تحمل الراية البيضاء وتخرج في مقدمتنا، ونحن جميعنا نتبعها، وكان معنا جارتنا من عائلة “أبو الطرابيش”، كنا قرابة 12 فردًا. خرجت شقيقتي، وما أن وصلنا للشارع الرئيس، حتى أطلقت طائرة كواد كابتر النار عليها بشكل مباشر، وأصابتها إصابة مباشرة في رأسها. وجدناها تسقط أمامنا والدماء تملأ رأسها، رجعنا مسرعين نحو المنزل الذي خرجنا منه، وبدأت القذائف المدفعية نحونا بشكل جنوني، لقد كنت آخر من عاد للمنزل من أخوتي، نظرت نحو شقيقتي وجدتها جثة هامدة، كان من الصعب أن أنتشلها لأنها باتت في منتصف الشارع الرئيس، فرجعت للمنزل. لم تمضَ سوى ساعتين أو ثلاث، أدخلت قوات الاحتلال طائرة صغيرة وصوّرتنا ونحن في المنزل، دون أن تحرّك ساكنًا، ومن ثم دخلت علينا قوات الجيش وأطلقت النار تجاهنا ولكن كان عبارة عن طلقات صوت فقط، لقد أصابوا الأطفال والنساء بالخوف الشديد.

أجبرونا على خلع ملابسنا بالكامل وقيدوا أيدينا ومن ثم حققوا معنا وصورونا وأعطونا راية بيضاء ومن ثم قالوا لنا اتجهوا نحو الغرب باتجاه البحر. أخي “مهدي” كان يتحدث العبرية، قال للجندي إننا نريد أخذ جثة شقيقتي “سلاح” الموجودة في الشارع معنا، ولكنه رفض. خرجنا تحت القصف المدفعي الكثيف في الطريق الذي حدده لنا جيش الاحتلال إلى أن وصلنا المناطق الغربية للمخيم حيث يوجد مواطنون. عدنا للمخيم بعد انسحاب الجيش، وتحديدا في 30 مايو، وانتشلنا جثمان شقيقتي “سلاح” ودفناها في مقبرة الفالوجا غرب المخيم”.

كما وثق المرصد الأورومتوسطي مقتل المسن “فتحي حسان ياسين” (70 عامًا) في 10 مايو/أيار الماضي، جراء إطلاق نار من طائرات كواد كابتر في حي الزيتون جنوبي مدينة غزة.

وأفاد نجله “إبراهيم” لطاقم الأورومتوسطي بما يلي: “بعد ليلة طويلة لم نستطع النوم فيها بسبب استمرار القصف من الطيران الحربي والقذائف المدفعية بشكل جنوني، اتخذنا قرار الخروج من البيت والنزوح إلى مدرسة نزح إليها عمي. خرجنا الساعة العاشرة صباح هذا اليوم، وقد كان جميع من بالمنطقة يُخليها، وطائرات الكوادكابتر تستهدف النازحين بالإضافة لقذائف المدفعية التي استهدفت نازحين كانوا يتواجدون في مدرسة “شهداء الزيتون” مما أدى لوقوع إصابات. اقتربت طائرة كوادكابتر منا، فهربت أنا وبقي والدي مكانه يحمل فراشه وغطاءه بحثًا عن المكان الآمن، فقامت الطائرة باستهدافه بشكل مباشر بطلق ناري فقتل فورًا، وأنا أُصبت في رأسي”.

ووثق المرصد الأورومتوسطي مقتل “إبراهيم عزيز عطالله” بتاريخ 7 مايو/أيار الماضي، جراء إلقاء طائرة كواد كابتر إسرائيلية قنبلة تجاهه في حي الزيتون جنوب مدينة غزة.

وأفاد “محمد مازن كرم”، ابن خال الضحية، لطاقم الأورومتوسطي: “نحن من سكان منطقة اليرموك، كنت برفقة ابن خالي “إبراهيم عطا الله”، في شارع ما قبل مفترق “دولة” بحي الزيتون عند مسجد صلاح الدين، نبحث عن النحاس والبلاستيك لنبيعه ونعيل أسرنا، حركة الناس كانت طبيعية في المنطقة، عندما مررنا بشارع فرعي اقتربت منا طائرة كوادكابتر، وحذرته بعد أن لاحظتها للهرب والاختباء، ولكن هو ربما لم يسمعني أنادي لكون سمعه ضعيفًا، اتجهت أنا لأختبئ بزاوية وأخبرته أن يختبئ أيضًا، وفجأة سمعت صوت انفجار وسمعت صوت “إبراهيم” ينادي فأخبرته أن يختبئ يمينًا حتى يأتي أحد ليسعفنا، وقد رأيته وهو يُستهدف من الكوادكابتر بقنبلة أطلقتها، كان ذلك في الساعة التاسعة صباحًا وقد قتل بعد أن رأيته يتنفس في البداية”.

وروى الشاب “كمال حامد الأسطل” (25 عامًا) لطاقم الأورومتوسطي كيف أُصيب بفعل طائرة كوادكابتر أطلقت عليه النار ثم قُصف عليه البيت في القرارة شرق خانيونس بتاريخ 9 مارس/آذار الماضي: “قتل أخي يوم 8 مارس 2024، جراء قصف إسرائيلي، ولم أستطع سحب جثمانه لدفنه إلا في اليوم التالي، فذهبت الساعة السابعة صباحًا أحضرت جثمانه ونقلته إلى مستشفى شهداء الأقصى وتم تكفينه ودفنه، ثم قررت العودة لتفقد البيت في منطقة القرارة، بعد أن تفقدت البيت وصعدت لسطح البيت الساعة 12:00 ظهرًا، اقتربت مني طائرة كوادكابتر، هربت منها بسرعة فاقتربت من الشباك وبدأت بإطلاق النار نحوي وعندما حاولت الهروب مجددًا، قام الطيران الحربي بقصف البيت وبقيت ما يقارب الخمس ساعات تحت الركام، وعندما حاولت الخروج وأخرجت ساقي، قصفتني الزنانة بصاروخ ولم يكن هناك أي شخص آخر بالمنطقة حتى جاء رجل وامرأته أخرجوني ونُقلت بعدها إلى مستشفى شهداء الأقصى، وقد كانت الساعة وقتها 5:00 عصرًا. أما طبيعة الإصابة فإن عظم ساقي تفتت ولم يعد موجودًا من الركبة، والعضلات تحتاج للتجميع بالإضافة لحروق في الوجه واليدين”

ووفقًا لتحقيقات أجراها المرصد الأورومتوسطي سابقًا، فإنه يشتبه باستخدام الجيش لنظام (Smash dragon) من إنتاج شركة (Smart Shooter) الإسرائيلية والذي يمكن تزويده لطائرات مختلفة،Matrice 600،   و طائرة (ُThor) من تصنيع شركة (Elbit systems)، وهي طائرات مسيرة متعددة الاستخدامات وعالية القدرة على التحرك، ومصممة للتشغيل على المدى القصير، ويمكن لها أن تحمل  حمولات قاتلة أو غير قاتلة، وهي قادرة على أداء مجموعة واسعة من المهمات للقوات الخاصة والعسكرية.

وسبق أن وثق الأورومتوسطي مقتل عشرات المواطنين جراء إطلاق نار من هذه النوع من المسيرات، إما عن طريق إطلاق النار المباشر تجاه الأفراد، أو من خلال إطلاق النار العشوائي تجاه التجمعات، حيث يجري تركيب بندقية رشاشة أسفل الطائرة والتحكم فيها آليًّا.

وأكد المرصد الأورومتوسطي توثيقه عشرات حالات القتل والإصابة الأخرى لمدنيين فلسطينيين في عمليات قنص من الجيش الإسرائيلي وإطلاق النار من طائرات كوادكابتر المسيرة، أو من خلال إطلاقها صواريخ موجهة للأفراد منذ بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، مع تزايدها خلال عمليات التوغل البري التي بدأت نهاية تشرين أول/أكتوبر الماضي، لا سيما في الأسابيع الأخيرة.

وتؤكد الشهادات التي جمعها الأورومتوسطي أن الجيش الإسرائيلي يستخدم بشكل منهجي طائرات كوادكابتر في تنفيذ عمليات قتل عمدي وإعدام غير قانونية ضد المدنيين الفلسطينيين، خاصة في المناطق التي تشهد توغلات ومداهمات إسرائيلية ثم تتراجع عنها الآليات الإسرائيلية، بحيث تستهدف عبر هذا النوع من الطائرات أو القناصة الذين يكونون متخفين في المباني المدنيين الذين يحاولون العودة لتفقد منازلهم.

وأشار الأورومتوسطي إلى أنه يجري استخدام هذا النوع من الطائرات أيضًا لترويع الفلسطينيين وبث الرعب لديهم والتأثير سلبًا على صحتهم النفسية، من خلال إصدارها أصوات مرعبة، وتوجيهها أوامر الجنود، فضلًا عن وجودها المستمر في الأجواء.

وحوّل الجيش الإسرائيلي بعض الطائرات المسيّرة التي أُنتجت للاستخدام بالأساس في أغراض التصوير والصناعات المختلفة إلى سلاح جوي استخباري ومن ثم وسيلة للقتل والإعدام خارج نطاق القانون والقضاء مثل طائرات شركة DJI.

وطائرات كواد كابتر هي طائرات مسيرة طورتها شركات صناعات عسكرية إسرائيلية بخصائص وميزات تكتيكية مختلفة، وهي رباعية المروحيات وصغيرة الحجم لا يتجاوز قطرها مترًا واحدًا، وهي سهلة البرمجة وتسيّر إلكترونيًا عن بُعد.

وهذا النوع من المسيّرات مزوّد بكاميرات ذات جودة عالية وأدوات تنصت دقيقة جدًا، ويمكنها القيام بمهام عسكرية إضافية، مثل إطلاق النار وحمل قنابل، كما أنه تم تصنيع العديد من الطائرات ال مسيّرة الإنتحارية .(Loitering weapon)  مثل طائرة (Spike Firefly) من تصنيع شركة (Rafael) الإسرائيليه

ويؤكد الأورومتوسطي أن الطائرات المسيّرة، على الرغم من أنها لا تعتبر في حد ذاتها من الأسلحة غير القانونية، مثل الأسلحة المحظورة دوليًّا، إلا أن استخدامها يجب أن يتم وفقًا لقواعد القانون الدولي الإنساني المعمول بها في سياق النزاعات المسلحة، تمامًا مثل أي سلاح آخر يسمح باستخدامه. ويأتي على رأس هذه القواعد ضمان احترام مبادئ التمييز، والتناسبية، واتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة قبل تنفيذ الهجوم العسكري.

ويشدد الأورومتوسطي على أن الغرض الأساس من استخدام هذه الطائرات المسيرة كأسلحة في النزاعات المسلحة الأخرى كان لمنع أو تقليل وقوع ضحايا مدنيين في الهجمات العسكرية، نظرًا لطبيعة التكنولوجيا المتقدمة المميزة لهذه الطائرات المسيرة، ومزاياها غير المتاحة في أغلب الأسلحة الأخرى، مثل القدرة على الرصد بواسطة الكاميرات والمراقبة في الوقت الحقيقي، والقدرة على التصويب بدقة في الغالب بسبب طبيعة السلاح الذي تحمله، والقدرة على التتبع والتحرك السريع مع الهدف. مع ذلك، فإن هذه الميزات ذاتها تظهر أيضًا أن إسرائيل تستخدمها بشكل متعمد لاستهداف المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث إن معظم الاستهدافات التي وقعت كانت في مناطق مفتوحة يسهل فيها تمييز المدنيين من المقاتلين. وكانت تلك الطائرات تحلق فوق مناطق الاستهداف لفترات تمكنها من مراقبة وتقييم الأوضاع الميدانية، كما أن معظم حالات القتل التي نفذتها هذه الطائرات كانت باستخدام أعيرة نارية ذات مدى الاستهداف القصير والمباشر.

وكان المرصد الأورومتوسطي وثق في نهاية كانون أول/ديسمبر الماضي في ملف أولي قدمه إلى مقررين خاصين للأمم المتحدة ومدعى عام المحكمة الجنائية الدولية، عشرات جرائم القتل والإعدام المباشر غير القانونية التي نفذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، داعيًا إلى التحقيق الفوري بها لمحاسبة مرتكبيها وإنصاف الضحايا.

وحث الأورومتوسطي الجهات المذكورة وغيرها من الأطراف الدولية، على إعلان موقف من مجمل عمليات القتل الواسعة التي تنفذها القوات الإسرائيلية الإسرائيلية والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، وبشكل خاص عمليات الإعدام والتصفية الجسدية في قطاع غزة.

كما طالب الأورومتوسطي بالإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة خاصة بالهجوم العسكري المتواصل على قطاع غزة، وتمكين لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة التي تم تشكيلها من عام2021 من القيام بعملها، بما في ذلك ضمان وصولها إلى قطاع غزة وفتح التحقيقات اللازمة في جميع الجرائم والانتهاكات المرتكبة ضد الفلسطينيين في القطاع، بما في ذلك عمليات قتل المدنيين الفلسطينيين عمدًا وتصفيتهم جسديًّا.

كما دعا الأورومتوسطي المقرر الخاص المعنيّ بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفًا لإجراء زيارة قُطرية إلى قطاع غزة في أقرب فرصة ممكنة من أجل التحقيق في جرائم القتل غير المشروعة التي تندرج ضمن ولايته الموضوعية.

وشدد المرصد الأورومتوسطي على أن عمليات الإعدامات خارج نطاق القانون والقضاء سواء بالتصفية المباشرة أو القنص وإطلاق النار التي ينفذها الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين تنتهك حقهم في الحياة وحظر حرمانهم من هذا الحق على نحو تعسفي، وذلك وفقًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، كما تعتبر من الانتهاكات الجسيمة وفقًا لاتفاقيات جنيف، وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفقًا لنظام رما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كجرائم قائمة بحد ذاتها، وتشكل ركنًا من أركان جريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل ضد سكان قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي.

قد يعجبك ايضا