البحرين: توثيق 12 انتهاكاً بحق كتاب وسياسيين ونشطاء انترنت منذ بداية عام 2024
وثقت رابطة الصحافة البحرينية 12 حالة انتهاك خلال النصف الأول من العام 2024 بحق كتاب وسياسيين ونشطاء على الإنترنت في البحرين.
وبلغ تعداد قضايا حرية الرأي والتعبير التي انتهت إلى اعتقال أو استجواب أصحابها 4 حالات. كما بلغ تعداد القضايا التي صدرت إجراءات قانونية بشأنها عدد 4 حالات أيضًا. وبهذا، يصل مجموع الحالات الموثقة منذ اندلاع الاحتجاجات منتصف فبراير 2011حتى نهاية يونيو 2023 نحو 1886انتهاكاً لحرية الرأي والتعبير والحريات الصحافية في البلاد.
وفيما مثل قرار العفو الملكي من عاهل البلاد، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، في 9 أبريل 2024 الذي شمل نحو 1500 من المحكومين في قضايا سياسية وأمنية بارقة أمل وتطورًا إيجابيًا لتجاوز تداعيات الأزمة السياسية والأمنية التي داهمت البلاد من فبراير 2011، إلا أن السلطات السياسية والأمنية استمرت في ملاحقة الصحافيين والسياسيين والحقوقيين والنشطاء وتفعيل الاستدعاءات الأمنية التي باتت تمثل أسلوب تهديد وتخويف ممنهج تجاه هذه الفئات من المهتمين والمتفاعلين مع الشأن العام.
وتمكنت رابطة الصحافة البحرينية من توثيق التهم التي وجهت للنشطاء، ومنها “إهانة وزارة معينة عبر وسائل التواصل الاجتماعي”، “نشر تغريدات ازدراءً بأشخاص موضع تمجيد لدى أهل ملة”، و”تحريض على بغض طائفة من الناس على نحو يثير الفتنة والطائفية”، “المساس بنسيج المجتمع البحريني”، “التحريض علناً على ازدراء طائفة من المجتمع”، “إساءة استعمال مواقع التواصل الاجتماعي”، “التعدي بالألفاظ والأفعال الماسة بشرف واعتبار المجني عليه”.
لا مكان للانتقاد: ماكلارين خط أحمر
خلال شهر مارس/ آذار، اعتقلت السلطات البحرينية الأمين العام السابق لجمعية العمل الوطني الديمقراطي وعد، إبراهيم شريف، على ذّمة التحقيق لمدة سبعة أيام، وذلك بعد استدعاءه من قبل إدارة مكافحة الجرائم الالكترونية ليتم تحويله إلى النيابة العامة من أجل التحقيق.
وكانت التحقيقات تتركز حول تغريدات على موقع تويتر “x” انتقد فيها الموازنات التي تضخ في شركة ماكلارين دون مساءلة، مقابل موازنة مشاريع الإسكان واحتياجات المواطنين، مشيرًا إلى أن المواطنين “يعيشون فقرا مذلا، وبطالة مزمنة، وتهميشا وفوارق طبقية، وقوائم اسكان تمتد الى أن يحين موعد مغادرة الدنيا” حسب تعبيره.
كما أورد شريف في تغريدة أخرى أرقامًا تدل على صحة ما أورده من أن ما مجموع ضخّته الحكومة في شركة ماكلارين من خلال شركة الاستثمارات البحرينية القابضة “ممتلكات” في العام 2023، يبلغ أضعاف ما أنفقته على مشاريع الإسكان في البحرين، وتم الإفراج عن شريف بعد أربعة أيام دون أن تتضح الصورة فيما إذا كانت سيتم توجيه له اتهامات رسمية وإحالته للمحكمة من عدمها.
وزارة التربية: سياسة قامعة للحريات
وشهد شهر مارس/ آذار 2024 ملاحقة إحدى الموظفات السابقات في وزارة التربية والتعليم واتهامها بإهانة وزارة حكومية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وذلك بعد نشر لولوة البنعلي (42 عاما) فيديوهات تحدثت فيها عن مافيا في الوزارة تبيع المخدرات على الطالبات وأن هناك عناصر تتستر عليها.
وهي ليست المرة الأولى التي يثار فيها هذا الموضوع، وقد تم ملاحقة الأشخاص الآخرين الذين تحدثوا في هذا الموضوع في سنوات سابقة قضائيا وتمت إدانتهم.
وتم استدعاء لولوة العوضي التي أشارت للظاهرة التي شهدتها في المدارس الحكومية للبنات، للتحقيق في مارس/ آذار من قبل الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والالكتروني بعد تلقي شكوى من وزارة التربية لإدارة مكافحة الجرائم الالكترونية متهمة إياها بـ”الإساءة لجهة حكومية من خلال بث معلومات كاذبة” وذلك بعد فصلها من العمل.
وتمت إحالة البنعلي للمحاكمة في أبريل/ نيسان من العام ذاته، والحكم بإدانتها في المحكمة الصغرى الجنائية وذلك بتغريمها مائة دينار عما نسب إليها من اتهام.
ورفضت المحكمة الكبرى الجنائية الثالثة بهيئتها الاستئنافية طعن البنعلي موضوعاً وتأييد حكم الإدانة المستأنف الصادر بحقها لإهانتها إحدى وزارات الدولة.
يُذكر أن وزارة التربية والتعليم البحرينية لا تتسامح مع أي انتقاد أو محاولة لكشف الفساد، ويتزايد عدد القضايا المحوّلة إلى التحقيق أو المحاكم عبر شكاوى من الوزارة التربية، فمنذ أن تولى محمد بن مبارك منصب الوكيل في الوزارة وحتى تعيينه وزيرا خلال العام الماضي، وهو يتبنى سياسات متطرّفة حيال منتقدي وزارته رغم كونه أحد الكتّاب في الصحافة المحلية قبل تعيينه في هذا المنصب.
التكتم الإعلامي
في أبريل/ نيسان الماضي، أثارت قضية الغازات التي انتشرت في منطقتي النويدرات والعكر الجدل باعتبار مجاورتهم لمصنع تكرير النفط الذي يقع على مقربة من المنطقتين.
وامتدت الغازات للمناطق القريبة منها حتى بلغت مناطق بعيدة في شمال البحرين وغربها، وبقيت شكاوى القاطنين في المنطقة مع حالات إغماء وعوارض صحية طالت الأطفال والكبار دون أن تحرك وسائل الإعلام ساكنًا أو تحقق في الأمر.
وهو ما يشير إلى منع السلطات الحكومية النشر في هذا الموضوع، واكتفت الصحف المحلية بنقل البيانات الرسمية الصادرة من شركة نفط البحرين التي أنكرت وجود تسرب واكتفت بتسميته “انبعاثات تشغيلية طبيعية” بعد عدة أيام من بدأ تسرب الغاز، والجهات الأخرى التي تنكر وجود أي تسرب للغاز.
وعند اعتراف الشركة بوجود تسرب للغاز، أثنت كتاب الأعمدة في الصحف على تعامل الدولة – التي أنكرت وجود تسرب الغاز لعدة أيام – مع الحدث، واصفة إياه بـ”التعامل والتفاعل الرفيع في فن إدارة الأزمة”.
كما نفى المجلس الأعلى للبيئة أن تكون الغازات ضارة بالبشر، رغم تحويل عشرات الحالات للمستشفيات من المناطق المحيطة بالمصنع أثر حالات الإغماء والارتجاع وغيرها من مضاعفات استنشاق الغاز.
تعاملت الصحافة مع الحدث كأداة في يد الدولة تأتمر بأمرها وتنشر ما يسمح به فقط، وغيبت السبب وراء ما حدث وخففت من تداعياته وأغلقت الباب في وجه المزيد من التحقيق في وجه الضحايا والأهالي المتضريين.
وسائل التواصل الاجتماعي
في أبريل الماضي، نشر العقيد السابق محمد الزياني فيديو ساخر من امتلاك أبناء منطقة – غالبيتها من الشيعة – سيارات فارهة وبيوتًا جميلة وشوارع مرصوفة، وسخر من نساء الطائفة ملمحًا إلى ما لم يتم استقباله أو فهمه بطريقة جيدة، فتم تقديم بلاغات ضده.
وأصدرت المحكمة الصغرى الجنائية بدائرتها الثالثة حكمها حضورياً بحق محمد الزياني في مايو/ أيار متهمة إياه بالعودة إلى الجريمة – أي إنه ارتكب الجريمة ذاتها مسبقًا – محرضا علانيةً على بغض طائفة من الناس والازدراء بها، وذلك بمعاقبته بالحبس لثلاثة أشهر مع النفاذ وتغريمه مئة دينار ومصادرة هاتفه النقال المستعمل في ارتكاب الجريمة.
وفتحت الحادثة الباب أمام المزيد من الاحتقان الطائفي، وهو ما أدى إلى استدعاء أحد المواطنين وتوقيفه من قبل إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية إثر قيامه بنشر مقطع مصور على وسائل التواصل الاجتماعي يشكل مساسا بالنسيج الاجتماعي وإضرارا بالسلم الأهلي.
إفراجات
في الثامن من أبريل/ نيسان من العام الحالي أصدر عاهل البلاد، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عفوًا عن نحو 1500 سجين بمناسبة اليوبيل الفضي لتوليه الحكم، وهو ما أسفر عن الإفراج عن الصحافي محمود الجزيري الذي اعتقل في ديسمبر/ كانون الأول 2015، ووجّهت له تهمة الانتماء لـ”تيار الوفاء الإسلامي”.
كما وجّهت السلطات أيضا له تُهما بتمويل الإرهاب، وبالتحريض على كراهية النظام، وبالاتّصال بدولة أجنبية وإعطائها معلومات، وبالمطالبة بالإطاحة بالنظام. وتم الحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاما.
وكان الجزيري بعمل صحافيًا في صحيفة الوسط وهو مختص في الشأن البرلماني، والوسط هي الصحيفة المستقلة الوحيدة في البحرين والتي أغلقت لاحقًا.
كما أفرج عن المصورين مصطفى ربيع وأحمد زين الدين ضمن العفو الملكي أيضًا، وذلك بعد اعتقالهما بالإضافة للمصور حسام سرور ليواجهوا اتهامات بمهاجمة رجال الشرطة والمشاركة في تجمع غير قانوني، وتلقوا على أثر ذلك أحكامًا طويلة المدى، تتجاوز العشر سنوات.
توصية
تحث رابطة الصحافة البحرينية في هذا الصدد السلطات في البحرين، لإلغاء القوانين التي تسمح بمحاكمة منتقدي الحكومة وأداء وزاراتها ومسئوليها، وأن تغير من مواقفها المتشددة تجاه الصحافة وسياسة التكميم والمراقبة والتضييق على الآراء بالإضافة للإفراج عن بقية المعتقلين المتهمين في قضايا التظاهر والتصوير وغيرها من قضايا حرية التعبير.
وتطالب الرابطة الأمم المتحدة والدول الصديقة للبحرين وكافة المنظمات والهيئات الدولية المعنية بالدفاع عن حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والإعلام ممارسة دورها في الضغط على الحكومة البحرينية من أجل:
الإفراج الفوري دون قيد أو شرط عن جميع الإعلاميين والمصورين والسياسيين والحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني المحتجزين بسبب مزاولتهم عملهم أو ممارسة حقهم في حرية الرأي والتعبير.
تبني سياسة حكومية أكثر جدية وانفتاحًا تجاه حقوق الصحافيين ونشطاء المجتمع المدني في ممارسة حقوقهم الدستورية والقانونية في التعبير عن الرأي وممارسة حق النقد دون خوف أو استهداف.
إلغاء القوانين المتعلقة بـ “الإساءة إلى جهة حكومية” و”إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي” وكل ما يتصل بالحد من حرية الرأي والتعبير في البلاد.
إعادة النظر في أولويات عمل الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني خاصّة ما يتعلق بصلاحيتها في الرقابة على مغردي الإنترنت.
إنهاء احتكار السلطة للإعلام التلفزيوني والإذاعي والمكتوب وفتح وسائل الإعلام للرأي الآخر المعارض، وبما يشمل إعادة التصريح لصحيفة “الوسط” بالصدور مجددا.