قمع للحريات ومحاكمات غير عادلة تتجسد في حبس اقتصادي سعودي
جنيف- أدان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بشدة الحكم القضائي التعسفي بحبس الاقتصادي السعودي “عصام الزامل” لمدة 15 عامًا.
وعدّ الأورومتوسطي الحكم حلقة في مسلسل الترهيب الذي تمارسه المملكة بحق الشخصيات والنخب البارزة بهدف قمع الحريات وتكميم الأفواه.
وقال المرصد الحقوقي الدولي ومقرّه جنيف في بيانٍ صحفيٍ اليوم، إنّ السلطات السعودية اعتقلت “الزامل” (41 عامًا)- وهو من الشخصيات الاقتصادية البارزة في السعودية.
وأضاف المرصد أن الاعتقال جاء ضمن حملة اعتقالات واسعة في أيلول/سبتمبر 2017، طالت نشطاء ومفكرين ورجال دين ورجال أعمال وحقوقيين بتهم عدة بينها الإرهاب والفساد والتآمر على الدولة.
وبيّن الأورومتوسطي أنّ اعتقال الزامل جاء بعد انتقاده للخطط التي قدمها ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” في أبريل 2016، والتي تمثلت في طرح 5% من أسهم شركة أرامكو للاكتتاب العام ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تبناه ولي العهد.
وكشف المرصد الأورومتوسطي أن إذ الزامل علّق على ذلك من خلال عدة تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي حذفها بعد وقتٍ قصير، قال فيها:
“قيمة الصفقة ستكون 2 تريليون دولار بعد تحويل ملكية أرامكو للصندوق”. “قيمة أرامكو السوقية لا يمكن أن تتجاوز 300 مليار دولار، إلا إذا كان المقصود أن قيمة أرامكو ستكون 2 مليار دولار بما يعني أن كل شيء سيباع، حتى ملكية النفط تحت الأرض”.
وأكمل: “بعيدًا عن المجاملات والكلام المبهم: النفط ملك الشعب وقرار مثل هذا (بيع النفط تحت الأرض) يفترض أن لا يتم إلا بموافقة الجميع”.
وكشفت تقارير حقوقية محلّية في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2018 عن جلسة سرّية عقدتها المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية لمحاكمة “الزامل” ونشطاء آخرين.
حيث وجهت النيابة العامة للزامل خلال هذه الجلسة عدة تهم وفق قانوني مكافحة الإرهاب ومكافحة الجرائم المعلوماتية، وطالبت بإنزال أشد العقوبات ضده.
بحسب وسائل إعلام محلية، وجهت النيابة العامة السعودية للزامل تهم التواصل مع قطر، وتحريض الشباب على المشاركة في التظاهرات والاحتجاجات ضد ولاة الأمر، والانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين المحظورة.
ومن التهم التي نسبت للزامل أيضا، التشكيك بنزاهة القضاء السعودي، ولقاء دبلوماسيين أجانب وإطلاعهم على معلومات وتحليلات لما تقوم به المملكة من إجراءات وقرارات دون إبلاغ الجهات الرسمية بذلك.
وأشار الأورومتوسطي إلى أنّ هذه التهم وضعت “الزامل” في الحبس مدة 3 سنوات، رافقها مخاوف بشأن حالته الصحية، خاصةً في ظل وجود العديد من التقارير التي تشير إلى أن السلطات تحتجزه في سجن انفرادي وتعرضه للمعاملة السيئة والمعاناة.
وفق متابعة الأورومتوسطي، أصدرت المحكمة الجزائية في مدينة الرياض في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2020 حكمًا بالسجن 15 عامًا بحق “الزامل” على خلفية التهم السابقة، في حين لم يصدر أي إعلان رسمي سعودي بشأن الحكم، ولم تدلِ السلطات القضائية بأي تعليقاتٍ حول الحكم.
من جانبه، قال المدير الإقليمي للمرصد الأورومتوسطي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “أنس جرجاوي” إنّ الحكم القاسي بحق الاقتصادي السعودي “عصام الزامل” يؤكد مرة أخرى أنّ سلطات المملكة ماضية في سياستها القمعية دون اكتراث لجميع الدعوات المطالبة بوقف سياسة الاعتقال التعسفي والأحكام الجائرة.
وأعرب “جرجاوي” عن أسفه الشديد لانتفاء صفة الاستقلالية والحياد عن القضاء السعودي، وتحوّله إلى أداة قمع وتصفية حسابات مع المعارضين وأصحاب الرأي.
ونبّه “جرجاوي” إلى حالة التواطؤ المشين الذي تبديه الدول الكبرى في التعامل مع ملف حقوق الإنسان في السعودية، إذ لم يسبق لأي منها اتخاذ موقف حازم -على صعيد التعاون الاقتصادي أو العسكري على سبيل المثال- في سبيل الضغط على السعودية للتوقف عن قمع الحريات،
واكتفت بإطلاق دعوات خجولة لا ترقى لمستوى المناصرة الفعلية لضحايا الانتهاكات في المملكة.
وأكد الأورومتوسطي أنّ الاعتقالات تخالف القوانين المحلية السعودية بالدرجة الأولى، فالمادة الثامنة من قانون المطبوعات السعودي ينص على أن “حرية التعبير عن الرأي مكفولة بمختلف وسائل النشر في نطاق الأحكام الشرعية والنظامية”،
كما أكد الأورومتوسطي أن المادة الثانية من اللائحة التنفيذية لنشاط النشر الإلكتروني نصت على “دعم ثقافة الحوار والتنوع، وتكريس ثقافة حقوق الإنسان؛ المتمثلة في حرية التعبير المكفولة للجميع وفق أحكام النظام”.
ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطات السعودية إلى إلغاء الحكم الصادر بحق “الزامل” وغيره من النشطاء، والشخصيات الدينية، ورجال الأعمال، والإفراج الفوري عن جميع معتقلي الرأي في سجونها، وتعويضهم لقاء الاحتجاز التعسفي والاضطهاد وسوء المعاملة.
وحث الأورومتوسطي المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير في الأمم المتحدة بالتدخل من أجل وقف الأحكام الجائرة بحق معتقلي الرأي داخل سجون المملكة، والعمل على رفع القيود التي تعيق ممارسة هذا الحق الأساسي.
اقرأ أيضاً: السعودية: “تلميع الصورة” يخفي الانتهاكات