قضية المعتقلين والمخفيين قسريا في اليمن بين التسييس والتنصّل عن الالتزامات
وجه حقوقيون يمنيون ونشطاء سياسيون اتهامات واضحة ومباشرة نحو المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث.
بالإضافة إلى جماعة الحوثي والحكومة الشرعية بتسييس قضية المعتقلين والمختطفين والمخفيين قسريا والأسرى، الذين بدأ الجانبان المباحثات بشأنها في جنيف الجمعة.
وتصاعدت قضية المعتقلين والمخفيين قسريا في اليمن بشكل منقطع النظير مع استئناف مباحثات أمس الأول في جنيف برعاية الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وقد جاء هذا التصاعد بعد تعثر تنفيذ نتائج ثلاث جولات من المباحثات السابقة بين الجانبين حول تبادل الأسرى والمعتقلين، في العاصمة الأردنية عمان وجنيف أيضا خلال السنتين الماضيين.
وقال مصدر حكومي مشارك في مباحثات جنيف، إن الجانبين يسعيان إلى تحريك الجمود في اتفاق تبادل 1420 معتقلا وأسيرا من الجانبين كان تم التوصل إليه بينهما في الجولة السابقة من المباحثات بهذا الشأن. مؤكدا أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد جهزت كافة الترتيبات اللوجستية لانجاح عملية تبادل الأسرى والمعتقلين.
إلى ذلك وجه الناشط الحقوقي حسين الصوفي اتهامات صريحة ومباشرة لمبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث وللأطراف المشاركة في المباحثات، بتسييس قضية المعتقلين والأسرى، كقضية إنسانية، والتنصل من التزاماتهم حول تنفيذ التفاهمات السابقة بشأن هذه القضية.
وتم التوصل إلى هذه القضية خلال جولات المباحثات السابقة بشأن تبادل الأسرى والمعتقلين من الجانبين الحكومي والحوثي.
وقال: للأسف الشديد “هناك تسييس واضح وشرعنة مكشوفة تخالف القوانين ومواثيق الأمم المتحدة حول هذه القضية”.
وأوضح أن أسر المخفيين قسريا والمختطفين والذين قتلوا تحت التعذيب “أصبحت تتوجس من أي مساعي أو إعلان عن مشاورات، حيث لديهم قناعة أن ملف المختطفين يتم تسييسها، وتوظيفها واستثمارها لتحقيق نجاحات شكلية لمبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن”.
وأوضح أنه “حدث ان تم الاتفاق في جنيف 2016 على إطلاق سراح الكل مقابل الكل، ولم يتم ذلك، وقبلها في الكويت تسلم مبعوث الأمم المتحدة السابق كشفا بأسماء كافة المعتقلين ولم يتم إطلاق سراح أحد منهم، بل الأخطر أن من شملهم كشف الكويت تعرضوا لتعذيب شديد بعد فشل مباحثات الكويت”.
وأوضح أن “أهالي المعتقلين أصبحوا يشعرون أن هناك شرعنة لجرائم التعذيب والقتل تحت التعذيب وغض الطرف عن الجرائم ضد الإنسانية وتسييسها وبدلا من منعها وايقافها يتم استثمار أوجاع الضحايا وتوظيفها سياسيا”.
وأكد أن أسر المعتقلين والمخفيين قسريا يتهمون مبعوث الأمم المتحدة صراحة بأنه يتاجر بقضية المختطفين، حيث تم التوقيع في السويد على اتفاقية بين الجانبين الحوثي والحكومي تتضمن إطلاق سراح المعتقلين والأسرى في 20 كانون الثاني (يناير) 2019 وانتهى الموعد ولم يطلق سراح أي منهم.
بل وقُتل نحو 13 منهم تحت التعذيب من بعد ذلك التاريخ واختُطف أكثر من 400 آخرين، في حين تنصلت الأطراف المختلفة عن التزاماتها حيال هذه القضية الإنسانية ونسي مبعوث الأمم المتحدة هذه القضية تماما وتجاهلها في كل احاطاته أمام مجلس الأمن.
وكشف الصوفي انه قبل عدة شهور أعاد مبعوث الأمم المتحدة طرح ملف الأسرى والمعتقلين على مختلف الأطراف وعقد لقاء بهذا الشأن في الأردن.
واتضح من خلال ذلك أن “ملف المختطفين والمعتقلين لم يكن سوى جزرة يتم توظيفها من قبل مبعوث الأمم المتحدة لبحث قضايا سياسية وغيرها”. مشيرا إلى أن نفس هذا السلوك يتكرر الآن في مباحثات جنيف الراهنة، كما حدث من قبل في مباحثات جنيف والكويت.
من جانبها قالت رئيس رابطة أمهات المختطفين في اليمن الدكتورة أمة السلام الحاج، ان الدور الذي تقوم به رابطة أمهات المختطفين هو توصيل القضية إلى جميع المعنيين بالداخل والخارج عبر فعاليات تقوم بها الرابطة بشكل مستمر في المحافظات.
هذه الفعاليات تتضمن وقفات وبيانات وجلسات الاستماع والندوات والرسائل الموجهة وغيرها، غير أن هذه الأنشطة لم تجد لها تفاعلا من قبل الجهات المعنية في الحكومة اليمنية أو من قبل المنظمات الدولية ، كما لم تجد لها صدى لدى المرتكبين لعمليات الاختطاف.
وقالت الدكتورة الحاج: “إن التفاعل بسيط وليس بالشكل المطلوب ونحن نطالب الأمم المتحدة بالضغط على الأطراف المعنية لإطلاق سراح المختطفين لان قضيتهم إنسانية”.
وأضافت الحاج: “لقد تم التوصل إلى اتفاق ستوكهولم قبل سنتين وكنا نعول عليه كثيرا في إطلاق سراح المختطفين، اما الآن فقد خفت ذلك الحماس لما عشناه خلال السنتين الماضيين من تطورات الأحداث”.
وأوضحت الحاج أن المطالب الراهنة التي تسعى رابطة أمهات المختطفين ايصالها إلى المجتمعين في مباحثات جنيف الحالية هي إطلاق سراح المختطفين والمخفيين قسرا دون قيد أو شرط وتعويضهم تعويضا عادلا عن كل تعرضوا له من أذى وما لحق بهم من أضرار، بالإضافة إلى تأهيلهم نفسيا وجسديا بعد إطلاق سراحهم، ومعاقبة المتسببين في هذه الانتهاكات الجسيمة.
وكانت رابطة أمهات المختطفين ذكرت في رسالة وجهتها للمشاركين في مباحثات جنيف انها رصدت خلال العام 2019 تعرض 1326 مدنيا للاختطاف وللإخفاء القسري من قبل جماعة الحوثي، و14 مدنيا من قبل أجهزة الحكومة الشرعية كما رصدت تعرض 704 مختطف للتعذيب وسوء المعاملة في معتقلات جماعة الحوثي، و26 في سجون تابعة للحكومة الشرعية،
كما أحالت جماعة الحوثي 57 مختطفاً للمحاكمة وأصدرت المحكمة الجزائية بصنعاء أحكاماً بالاعدام على 47 مدنياً مختطفاً، من بينهم أربعة صحافيين.
وذكرت أن الجهات المرتكبة لانتهاكات الاختطاف والاعتقال حرمت العديد من الضحايا من حقهم في الحياة، حيث توفي خلال العام 2019 لوحده 20 مختطفا في سجون تتبع جماعة الحوثي وقتل 137 مختطفاً تحت قصف طيران التحالف على مركز اعتقال تابع للحوثيين في مبنى كلية المجتمع بذمار.
وقالت إن “هذه الانتهاكات هي بعض مما عشناه ونعيشه على أرض الواقع، وقد شكّل اتفاق السويد عبئاً إضافياً على الضحايا المحتجزين وقد يطيل من فترة احتجازهم”.
إلى ذلك أوضح رئيس منظمة “سام” للحقوق والحريات في جنيف، توفيق الحميدي ان دور المنظمات الحقوقية في تحريك الملف المختطفين والمعتقلين والمخفيين قسريا مهم للغاية ويتمثل في رصد وتوثيق الانتهاكات، وتشكيل رأي إعلامي وسياسي محلي ودولي ضاغط.
وقال الحميدي: “إن التقارير الحقوقية كشفت بشاعة ما يتعرض له المعتقلون من انتهاكات كالتعذيب والذي قد يفضي إلى الموت، وانعكاساته على الأسر (النساء والأطفال) بشكل خاص.
كل هذا وضع الأطراف المعنية والمجتمع الدولي في حرج أخلاقي كبير، ما دفع المبعوث الأممي إلى عقد لقاءات مع المنظمات الحقوقية للتشاور حول كيفية الدفع بالأطراف المعنية إلى تحريك ملف المعتقلين.
وذكر الحميدي ان المنظمات الحقوقية كان لها دور محوري في الرصد والتوثيق وتحريك الملف دوليا وجعله في صدارة الأولويات من خلال التقارير والمراسلات واللقاءات.
الا ان استبعاد المنظمات في التمثيل في الحوارات كمراقب يعد خطأ يجب تلافية، حيث ستسهم في معرفة الأطراف المعرقلة للتوصل للحلول.
وأرجع الحميدي أسباب عدم تحقيق جهود مبعوث الأمم المتحدة أي نجاح في ملف الأسرى والمعتقلين إلى الدور السلبي الذي رضي ان يقوم به، “حيث يؤكد مكتب المبعوث الأممي انه وسيط محايد وميسر ليس إلا والحل بيد الأطراف اليمنية.
وأكد مكتب المبعوث الأممي أيضاً أن في جزء من ملف الأسرى والمعتقلين صحيح لكن دور الحياد أغرى الأطراف من التهرب وعدم التعامل الجاد مع الملف”. وشدد على أنه “كما تحرك مبعوث الأمم المتحدة مع بند وقف الاقتتال في الحديدة يجب ان يتحرك مع قضية المعتقليين”.
وعن أهمية انعقاد مباحثات جنيف الحالية بشأن المعتقلين والأسرى قال الحميدي انها “مهمة لإعادة ملف المعتقلين للواجهة، ومحاولة فتح نوافذ وطرق جديدة لإحداث اختراق لاستكمال ما توصلوا له في مباحثات عمان” لكنه أكد أن توقيت هذه المباحثات والمعارك على أطراف محافظة مأرب غير مناسب “ولن تسهم كثيرا في حلحلة الأزمة في هذا الملف.
هذا لأن هناك اتهامات كبيرة لمبعوث الأمم المتحدة بشأن إثارة هذا الملف بينما الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر رفضا هذا التوجه ورفضا حتى لقاءه في الرياض مؤخرا”.
وأضاف “ان الأمل ضعيف في خروج مباحثات جنيف بأي جديد، بدون أفكار إبداعية جديدة مرضية ومناسبة للأطراف أو ممارسة ضغوط جديدة وقوية”.
مشيرا إلى أن غريفيث يبدوا متسلحا بضمانات سعودية بشأن موافقة الحكومة اليمنية، لكن لا أدري ماذا في جعبته بشأن الزام جماعة الحوثي بالقبول بما يتم التوصل إليه في مباحثات جنيف.
وطالب الحميدي لنجاح المباحثات بضرورة البدء في تحديد أعداد المعتقلين المطلوب إطلاق سراحهم المتفق عليه سلفا بين الطرفين بغض النظر عن حجم الأعداد وعن الغالب والمغلوب، “فالجانب الإنساني يجب ان يكون هو المدخل، لأن الكل مقابل الكل سريعة وناجزة ولكنها معقدة في ظل التلاعب بالمعلومات”.
مشددا على ضرورة السماح بحضور المنظمات الحقوقية كمراقب على الأطراف وشاهد على ما يدور، كجزء من الحل وحضور المجتمع الدولي كجهة فاعلة وضاغطة، “لان ترك الأمر على سابق عهده لن يجني سوى الفشل”.
من جانبها قالت رئيس مؤسسة دفاع للحقوق والحريات في عدن، هدى الصراري، ان المنظمات الحقوقية تلعب دورا هاما في ملف المعتقلين والأسرى بداية من الرصد والتوثيق وتسليط الضوء على حجم الانتهاكات من قبل أطراف الصراع، مرورا بإعداد قواعد البيانات ومتابعة الإجراءات القانونية لدى الأطراف المنتهكة وضمان وصول المعتقلين للعدالة خاصة ممن تم اعتقالهم بتهم كيدية ولم تحال ملفاتهم للنيابة والقضاء.
وهناك بعض المنظمات الحقوقية التي كشفت انتهاكات ترتكب بحق ضحايا الاعتقال والإخفاء القسري من تعذيب وقتل خارج إطار القانون من قبل بعض الأطراف المنتهكة في سجون سرية تابعة لجماعات مسلحة مدعومة بالمال والسلاح .
وذكرت انه لا يخفى الدور الكبير الذي تقوم به المنظمات الحقوقية والمدافعين عن حقوق الإنسان في التوسط لإتمام صفقات تبادل للأسرى بين طرفي النزاع وإخلاء سبيل العشرات من الأسرى ليس فقط من أفراد الجيش والمقاومة وانما حتى لمعارضين سياسيين وإعلاميين اعتقلوا في مناطق سيطرة جماعة الحوثي.
وقالت إن “هذه المبادرات والوساطات تأتي ثمارها أفضل من ما تقوم به المؤسسات الرسمية الدبلوماسية أو التحركات الدولية والأممية ومنها اتفاقية ستكهولم التي فشل فيها الطرفان في إثبات حسن النية في خطوة أولى منهم لتحقيق السلام وهنا نستطيع القول إن المنظمات الحقوقية قادرة على تحقيق الوساطات وإطلاق سراح العشرات من الأسرى والمعتقلين”.
وأوضحت ان الوساطات المجتمعية بمساعدة أطراف قبلية ووجاهات وشخصيات اجتماعية التي تقودها المنظمات الحقوقية قادرة على فهم ديناميكا الصراع والسياق السياسي من وجهة نظر كل طرف والتجميع بين رؤى الطرفين كونها تعمل في الميدان وتتابع بشكل حثيث مؤشرات الانتهاكات ومتابعة ملفات الضحايا والتواصل مع المنظمات الدولية واحراج الأطراف المنتهكة أمام الرأي العام الدولي وقيادة حملات المناصرة والمناشدات والوقفات المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين والأسرى.
مشيرة إلى أن الحملات الحقوقية أثمرت عن استجابة القضاء اليمني لدى الحكومة الشرعية في إطلاق سراح العشرات من السجناء خلال فترة جائحة كورونا في كل من محافظات عدن وتعز وشبوة ومأرب وإطلاق سراح عدد من الأسرى والمعتقلين لدى جانب جماعة الحوثي في سجن الصالح في تعز وسجون صنعاء.
وذكرت أنه لم تستطع الوساطات الدولية بقيادة المبعوث الأممي لعب دور محوري في تقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع واثبات حسن النية من خلال الزام الطرف المنتهك والمنقلب على شرعية الدولة بالالتزام بالقرارات الدولية ومنها الإفراج عن المعتقلين الذين تم ذكرهم بداية بالقرار 2216 كخطوة أولى للمضي في مسار السلام في طور المباحثات الدولية الذي جرت في الأردن.
ثم اتفاقية ستوكهولم التي ضمنت بنودها الأساسية آلية تنفيذية حول تفعيل اتفاقية الأسرى وكان واضحا للعيان العراقيل التي طرحها الطرف المتسبب في الحرب في اليمن.
واتهمت الصراري مبعوث الأمم المتحدة بـ”التماهي وعدم جديته المطلقة في فرض حتى قرارات مجلس الأمن فيما يخص اليمن بينما التزم طرف الحكومة الشرعية بكل البنود وتم تسليم قوائم الأسرى لكن الحوثيين يرفضون الإفصاح عن قوائم تتضمن آلاف الأسرى والمعتقلين.
يضاف إلى ذلك اخلال الحوثيين ببنود اتفاقية ستكهولم وعدم انسحابهم الفعلي من مدينة الحديدة وعدم جدية الطرف الدولي بفرض بنود الاتفاقية على جماعة الحوثي”.
وأضافت ان “الذي يبعث القلق هو ارتفاع ضحايا التعذيب والقتل خارج نطاق القانون لدى الحوثيين ووصول الحال إلى منعطف خطير جدا بتحقيق السلام في اليمن مع اشتداد النزاع المسلح وإصرار الحوثي على اجتياح محافظة مأرب وبالتالي ان الدعوة التي وجهها المبعوث الأممي لدى إحاطته أمام مجلس الأمن مؤخرا أبدى فيها انحيازه لطرف الحوثي وبالمقابل تماهي المجتمع الدولي أمام الأزمة اليمنية”.
اقرأ أيضاً: قضية المخفيين قسريا في اليمن بين التسييس والتنصّل عن الالتزامات