قتل أو إعاقة.. أطفال فلسطين هدف مرصود لجنود الاحتلال

الطفل محمد شتيوي (15 عاما) أصبح منزله المستشفيات والمراكز الطبية بدلا من المدرسة وملعب كرة القدم الذي يراوده الحلم منذ صغره أن يصير نجما فيه.

حيث باغته أحد جنود الاحتلال الإسرائيلي من بُعد أمتار قليلة برصاصة أصابته في رأسه وشلت حركته أثناء محاولته الفرار هو وأصدقاؤه من المكان الذي جاؤوا للتنزه فيه.

محمد واحد من أطفال فلسطينيين رصد تقرير حقوقي أعدته الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فرع فلسطين قبل أيام، معاناتهم بفعل الاحتلال، وأكد تعمّد جنود الاحتلال إطلاق النار عليهم “لقتلهم أو إعاقتهم”.

محمد الذي يسكن في منزل في قرية كفر قدوم شمال الضفة الغربية واقعه أمرُّ من الوصف، فالطفل بات يستند على شخص أو اثنين ليتنقل من مكان لآخر، وهزل جسمه وثقل لسانه عن الكلام إلا من بعض كلمات تسعفه ليروي حقيقة ما حدث معه حين استهدفه جنود الاحتلال.

ويقول إنه وأصدقاءه كانوا يلهون في متنزه قريتهم عندما باغتهم جنود الاحتلال، فاحتموا بصخرة على بعد أمتار قليلة، “وحينما رفعت رأسي لأتحقق من وجودهم وإذا برصاصة تخترق رأسي ويغمي علي”.

وإلى الصدغ الأيمن من رأسه، رفع محمد يده ليشير إلى تجويف كبير أحدثته الرصاصة وداراه بشعره الكثيف وقبعة يعتمرها ويقول “إن شق جسدي الأيمن شُلَّ بالكامل وبالكاد أقوى على تحريك بقية أعضائي”.

ويضيف وقد بدا متعبا من الكلام “قضيت نحو 50 يوما متنقلا بين المشافي الفلسطينية والإسرائيلية، وأجريت عدة عمليات جراحية وأنتظر زراعة جمجمة”، وهو الأمل الذي ينتظره وعائلته.

كان بإمكان الجنود اعتقاله أو إطلاق النار على قدمه وليس رأسه، “فلو مد أحدهم يديه لأمسك بالأطفال”، يقول مؤيد عارف (67 عاما) ممرض القرية الذي رافقنا إلى بيت الطفل محمد وشهد لحظة إصابته.

ويضيف عارف أن الغريب في الأمر أنه في ذلك اليوم (30 يناير/كانون الثاني 2020) لم تسجل مواجهات أو مسيرات كالتي تجري أسبوعيا، والأطفال لم يقدموا على أي عمل يثير غضب الجنود الذين يراقبون المنطقة.

ويؤكد أن جنود الاحتلال قصدوا “قتل أو إعاقة الأطفال”، ويقول إنه أثناء نقل الفتى شتيوي للمشفى لحق بهم رجل أمن إسرائيلي بمركبته الخاصة واقتادهم لمدخل مستوطنة “كرني شمرون” القريبة واحتجزهم لنحو نصف ساعة والمصاب ينزف ولم يسعفه.

وينفي الممرض عارف وكذا ذوو الفتى خالد ادعاء الجنود أن محمدا أصيب بحجر، ويؤكدون أنها “رصاصة معدنية مغلفة بالمطاط”، وأن الطبيب الإسرائيلي الذي عالجه “أخرجها من رأسه وعرضها عليهم”.

ومثل محمد، يوجد الطفل عبد الرحمن شتيوي (11 عاما) يجلس فوق كرسيه المتحرك الذي يتحول إلى سرير أيضا، فالقيام والقعود أصبح صعبا عليه بعد أن شُلَّ بالكامل نتيجة إصابته برصاصة “دمدم متفجر” اخترقت رأسه وتفتت بداخله لنحو 150 شظية.

حاول تامر شتيوي شقيق عبد الرحمن الأكبر رفعه ليرينا عن قرب معاناة شقيقه الذي أجرى حتى الآن 6 عمليات جراحية في رأسه وأمعائه التي يتغذى منها بعد أن فقد القدرة على تناول الطعام عبر فمه، ويقول “تحول شقيقي لجسد وأنفاس فقط”.

وترفض عائلة الطفل عبد الرحمن أي ادعاءات يسوقها الاحتلال لإطلاق النار عليه بهذا الشكل، وتقول إنه كان بإمكان الجنود اعتقاله أو حتى إطلاق النار على قدميه وليس رأسه لو لم يكن هدفهم القتل خاصة وأنه لم يشكل خطرا عليهم.

سجَّلت كفر قدوم استشهاد مواطن وأكثر من 150 إصابة بالذخيرة الحية منذ بدء المسيرات السلمية، عدد كبير منهم من الأطفال، فضلا عن عشرات الإصابات أسبوعيا بالغاز المدمع والرصاص المعدني المغلف بالمطاط الذي تسبب في إعاقة حوالي 10 مواطنين.

وفوق إصابتهم، يعتقل الاحتلال الإسرائيلي عشرات الأطفال الفلسطينيين شهريا، ووفق نادي الأسير الفلسطيني اعتقلت إسرائيل 64 طفلا، ويقبع الآن 170 طفلا في زنازين الاعتقال.

كان أصعبها اعتقال الفتى أمل عرابي نخلة (16 عاما) قبل أيام على يد وحدة خاصة إسرائيلية داهمت قرية بيرزيت قرب رام الله وسط الضفة الغربية، حيث رفضت النيابة العسكرية الإسرائيلية قرار القاضي الإفراج عنه لسوء وضعه الصحي، وطالبت بتحويله للاعتقال الإداري.

يعاني الفتى نخلة، وفق حديث والده معمر عرابي للجزيرة نت، من مرض نادر يدعى “مايسثنيا غرافس” (Myasthenia Gravis) نتج عن استئصال ورم من رئتيه قبل 4 شهور، وهو ما يتطلب العلاج كل 4 ساعات لمنع مضاعفات التشنج وصعوبة التنفس وبلع الطعام.

يقول مدير الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فرع فلسطين المحامي خالد قزمار، إن نحو 60% من الأطفال الذين يعتقلهم الاحتلال يتعرضون لأنواع مختلفة من التعذيب: جسدي ونفسي وعزل انفرادي.

و”قتل الأطفال أو إعاقتهم” هدف الاحتلال، حسب قزمار، وهو ما حدث مع الطفل بشار حمد من مخيم قلنديا قبل أيام عندما فقئت عينه، وهو واحد من 3 حالات مشابهة أصيبوا خلال الفترة القريبة الماضية.

ولا يُفهم من استهداف الاحتلال للأطفال بهذا الشكل إلا “أنه يريد التأثير على نمو الجيل وتحديد مستقبله”، حسب قزمار، فلا مبرر في معظم الحالات لاستخدام السلاح سواء من حيث المسافة والضحية ودوافع إطلاق النار حتى وإن كان الرصاص معدنا مغلفا بالمطاط.

وأوضح أن استخدام هذا النوع من الرصاص (المطاط) يتنافى مع معايير الجيش الإسرائيلي نفسه وليس القانون الدولي فقط، فإطلاقه يكون من مسافات طويلة كي لا يتسبب بأذى.

فوق ذلك، يخفي جيش الاحتلال أي أدلة تدين الجنود، ويوفر لهم الحماية على المستوى السياسي حتى لا تتم مساءلتهم قانونيا.

ويقول قزمار إنهم وكثير من المؤسسات الحقوقية والقانونية يملكون ما يدينون به مجرمي الحرب الإسرائيليين على مستوى الرأي العام والإعلام والأمم المتحدة، وبما يكفي لمحاكمتهم، ولكن غياب “الإرادة السياسية الدولية” يشجع الاحتلال على ارتكاب الجرائم.

اقرأ أيضاً: في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني تأكيد على حقوقه وحل الدولتين ووقف الاستيطان

قد يعجبك ايضا