مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق: تهديد خطير لحقوق النساء والفتيات
أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه العميق بشأن مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 في العراق، الذي أقره مجلس النواب بالقراءة الأولى يوم الأربعاء؛ لما ينطوي عليه من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وخصوصًا حقوق المرأة والطفل.
وقال المرصد الأورومتوسطي إن مشروع تعديل القانون يمثل تهديدًا حقيقيًّا لدور القضاء في المسائل الشرعية وللحماية الاجتماعية للفئات الأكثر عرضة للتهميش، بالإضافة إلى إثارته لقضايا قانونية وطائفية تؤثر سلبًا على الوحدة الوطنية وتتناقض مع الالتزامات الدستورية والدولية للعراق.
وأضاف الأورومتوسطي أن مشروع القانون المُعدل يمثل تحولًا كبيرًا وخطيرًا باتجاه منح السلطات الدينية مزيدًا من التحكم في مسائل الأحوال الشخصية على حساب مبادئ سيادة القانون والمساواة وعدم التمييز، وقواعد الحماية القانونية والقضائية للحقوق الأساسية.
وشدد على أن نقل السلطة في قضايا مثل الزواج والطلاق والميراث والعدة والحضانة من المحاكم الوطنية إلى المرجعيات الدينية سيفتح الباب لتفسيرات فقهية في الشريعة الإسلامية تختلف باختلاف المذاهب الدينية للأفراد، ما سيؤدي إلى استبدال القانون الموحد الساري حاليًّا بتطبيقات فقهية متعددة، وغالبًا ما ستكون متناقضة وغير متساوية، مما سيخلق تمييزًا دينيًا بين المواطنين، وهو ما يتعارض مع المادة (14) من الدستور العراقي التي تنص على المساواة أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي .
وقال إن النساء والفتيات العراقيات، بمختلف مذاهبهنّ، هنّ الأكثر تضررًا من هذه التعديلات التمييزية التي تُفرض على حساب حقوقهنّ ومساواتهنّ بالرجال في مجالات الزواج والعلاقات الأسرية. إذ أن هناك مذاهب دينية، وعلى خلاف قانون الأحوال الشخصية الساري، تسمح بتزويج الفتيات في سن التاسعة، وتجيز أيضًا تعدد الزوجات دون قيود، بالإضافة إلى السماح بالزواج المؤقت.
أما فيما يخص حضانة الأطفال بعد الطلاق، فينص القانون الحالي على أن للأم الحق في حضانة الطفل بعد الطلاق حتى بلوغه سن الخامسة عشرة، حيث يُمنح الطفل حينها حرية اختيار الإقامة مع أي من الوالدين. ولا يسقط زواج الأم المطلقة حقها في الحضانة.
أما التعديل المقترح، فيسلب الأم هذا الحق في حال زواجها بعد الطلاق، وتنتقل الحضانة للأب عند بلوغ الطفل سن السابعة، بينما تحدد بعض المذاهب الأخرى، منها الجعفرية، مدة حضانة الأم بعامين فقط.
وأشار الأورومتوسطي أن تعديل القانون المقترح يؤثر سلبًا على حقوق النساء والفتيات، خاصة وأنه يمنح الأولوية لتطبيق المذهب الديني للرجل في حالات الزواج بين طوائف دينية مختلفة. كما سيؤثر هذا التعديل على حقوقهن في الميراث والنفقة الزوجية ونفقة العدة. فعلى سبيل المثال، ووفقًا للفقه الجعفري، تحرم النساء والفتيات من الإرث في العقارات، ويُشترط عليهن المساكنة وإمتاع الزوج كشرط للحصول على النفقة الزوجية، بينما تُحرم المرأة المطلقة من الحصول على منزل الزوجية أو النفقة أو حتى مهرها. ويشكل ذلك تراجعًا كبيرًا في الحماية القانونية التي يوفرها قانون الأحوال الشخصية الحالي للنساء المطلقات.
ويحذر الأورومتوسطي من المخاطر المرتبطة بتعديل القانون المقترح الذي يسمح بإبرام عقود الزواج خارج المحاكم المختصة، ويمنح الشرعية لعقود الزواج غير المسجلة في محاكم الأحوال الشخصية. كما يلغي التعديل العقوبات الجنائية المقررة على من يتزوج خارج المحكمة المختصة حسب قانون الأحوال الشخصية الحالي.
ويؤكد الأورومتوسطي أن إلغاء شرط تسجيل عقود الزواج في المحاكم الرسمية سيؤدي إلى إهدار حقوق الطرفين، وخصوصًا الطرف الأضعف، الذي غالبًا ما يكون المرأة. فقد يفرض ذلك عليها اللجوء إلى دعاوى إثبات الزوجية والنسب للحصول على حقوقها في المهر والنفقة والميراث، فضلًا عن حقوق أطفالها، وفي حال فشلها في إثبات الزوجية، ستفقد حقوقها ويُرفض نسب أطفالها لوالدهم.
وأضاف الأورومتوسطي أن السماح بالزواج غير الرسمي سيشجع على إبرام عقود الزواج التي تتضمن مخالفات قانونية وشرعية، وبخاصة زواج الأطفال، الذي يُعد السبب الرئيس وراء إبرام هذه الزيجات خارج المحاكم الرسمية.
يذكر أن العراق يعاني أصلاً من انتشار ممارسات ضارة تتضمن تمييزًا ضد المرأة، مثل زواج الأطفال، الذي غالبًا ما يستتبعه انتهاك حقوق أخرى للفتيات، مثل الحق في الزواج بالتراضي، والحق في اختيار الزوج، والحق في التعليم والعمل، والحصول على الرعاية الصحية الإنجابية والجنسية، والحقوق الوالديّة، وحرية التنقل والإقامة، والحق في الملكية، والحق في عدم التعرض للعنف وسوء المعاملة.
ويرى المرصد الأورومتوسطي أن تعديل القانون المقترح يمثل انتهاكًا خطيرًا للالتزامات الدولية المترتبة على عاتق العراق بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، باعتبار العراق دولة طرف في هذه الاتفاقيات.
ويحذر الأورومتوسطي من أن التعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية، الذي يمنح المرجعيات الدينية صلاحيات واسعة في مجال الأحوال الشخصية ويطبق أحكامًا تختلف بناءً على الانتماء الطائفي، سيؤدى إلى تغليب الهوية الطائفية على حساب الهوية الوطنية، وسيقسم فئات المجتمع إلى نظم قانونية متعددة غير متساوية وغير عادلة، بالإضافة إلى دوره الخطير في تعطيل مبادئ سيادة القانون والمساواة وعدم التمييز، وفي نشوء سلطات تشريعية مذهبية موازية تتجاوز صلاحيات السلطة التشريعية المنتخبة وتؤثر على اختصاصات السلطة القضائية.
وعليه، يدعو المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان جمهورية العراق إلى سحب مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية المقترح على الفور، وإلغاء المادة (41) من الدستور العراقي (2005)، التي يعتمد عليها هذا التعديل، كونها تتيح اعتماد قوانين مختلفة للأحوال الشخصية بناءً على المذاهب الدينية، مما يؤثر سلبًا على حقوق المرأة في الزواج والعلاقات الأسرية.
كما يطالب الأورومتوسطي باتخاذ كافة التدابير للحدّ من انتشار الزواج خارج المحاكم وزواج الأطفال، بما في ذلك زيادة فرص حصول جميع الفتيات على التعليم، وزيادة أنشطة التوعية حول مخاطر هذه الزيجات، وتوفير المساعدة القانونية للنساء والفتيات اللاتي بحاجة إلى تسجيل زواجهنّ، أو إثباته، أو إثبات نسب أطفالهن، أو أية دعاوى أخرى تتعلق بحقوقهن الزوجية أو بالطلاق أو ما بعده.
ويدعو الأورومتوسطي كذلك البرلمان العراقي إلى إلغاء كافة التشريعات التي تميّز ضد النساء والفتيات، بما في ذلك إلغاء الاستثناءات التمييزية المتعلقة بسن الزواج للفتيات كما هو منصوص عليه في قانون الأحوال الشخصية رقم ( (188 لسنة 1959، وضمان عدم منح أي استثناءات من الحد الأدنى لسن الزواج، المحدد بـ 18 سنة لكل من المرأة والرجل، تحت طائلة المسؤولية والعقوبة.
كما يطالب باتخاذ جميع التدابير التشريعية اللازمة لضمان تسجيل كافة عقود الزواج في المحاكم المختصة، وفرض العقوبات على من يجري أو يتوسط لإجراء عقود زواج مخالفة لقانون الأحوال الشخصية، والإسراع في إقرار قانون حماية الأسرة من العنف وفقاً للمعايير الدولية.