فيروس “كورونا” يتسبب بعام أزمات حقوقية في جميع أنحاء العالم
قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير أصدرته اليوم إن العام الأول للوباء العالمي الناتج عن فيروس “كورونا” تسبب بأزمات حقوقية في جميع أنحاء العالم.
مع اقتراب عام على إعلان “منظمة الصحة العالمية” عن تصنيف فيروس كورونا كجائحة، على العديد من البلدان تغيير مسارها على وجه السرعة لضمان الخروج من هذه الأزمة الصحية بطريقة تحترم فيها الحقوق.
على الحكومات أن تعمل معا لتوسيع نطاق تصنيع اللقاح وتوزيعه لتحقيق الوصول الشامل والعادل للقاح.
يوثق التقرير الصادر في 54 صفحة، “الخيارات المستقبلية: الإعداد لخروج عادل من الوباء الناتج عن فيروس كورونا”، كيف كشف فيروس كورونا عن أوجه ضعف منهجية في حماية الحقوق الأساسية، وأثار سلسلة من الانتهاكات الحقوقية.
أوصت هيومن رايتس ووتش بإجراء تغييرات في المقاربات لمعالجة ومنع تكرار انتهاكات حقوق الإنسان بناء على أبحاثها طوال 2020 وأوائل 2021.
يرافق التقرير سلسلة من المقالات حول الصين ودبلوماسية اللقاحات، وتأثير الوباء على حقوق المرأة، والفقر وعدم المساواة، وحقوق العاملين في مجال الرعاية الصحية، وحقوق كبار السن، والحصول العادل على اللقاح، والمشاكل الحقوقية الناتجة عن استخدام التكنولوجيا لمكافحة الوباء.
قالت تيرانا حسن، نائبة المدير التنفيذي ومديرة البرامج في هيومن رايتس ووتش: “تمتلك الحكومات والشركات الأدوات، بما فيها اللقاحات، لإدارة الوباء العالمي وإنهائه، لذا المسألة هي ما إذا كانت لديها الشجاعة الأخلاقية والإرادة السياسية لتحقيق ذلك.
لإعداد خروج عادل من الوباء، على الحكومات ضمان إتاحة اللقاح بشكل عادل، وإلا فإنها تخاطر بزيادة ترسيخ انعدام المساواة وتقويض حقوق الإنسان لسنوات قادمة”.
قتل الوباء أكثر من 2.5 مليون شخص وأصاب 110 ملايين آخرين على الأقل، ما تسبب بإصابة الكثيرين بأمراض خطيرة. كما وثقت هيومن رايتس ووتش والعديد من منظمات المجتمع المدني ومراقبي حقوق الإنسان والصحفيين وغيرهم من المراقبين، فإن العواقب الاجتماعية والاقتصادية للوباء كانت واسعة ومدمرة.
وجدت هيومن رايتس ووتش أن حجم وشدة تهديد الصحة العامة الناتج عن الوباء يبرر بعض القيود على الحقوق، إلا أن العديد من الحكومات تجاهلت إرشادات الصحة العامة، بل واستخدمت الوباء ذريعةً للاستيلاء على السلطة وتقليص الحقوق.
فرضت بعض الحكومات قيودا على التنقل كانت غير متناسبة مع حجم الخطر الصحي أو غير ملائمة له. وضعت الحكومات سياسات تمييزية، وفرضت السلطات تدابير بطريقة تمييزية واستخدمت العنف المفرط والقاتل أحيانا.
سلط الوباء الضوء على نقاط الضعف الهيكلية في أنظمة الرعاية الصحية العامة، ما ساهم في انعدام هائل للمساواة في الحصول على الرعاية المنقذة للحياة. قلصت الحكومات بشكل خاص خدمات الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية.
واجه عمال الرعاية الصحية مخاطر جسيمة على صحتهم وسلامتهم. وكان لفيروس كورونا تأثير مدمر وغير متناسب على كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، لا سيما في دور رعاية المسنين أو الأماكن المجتمعية الأخرى حيث يمكن للفيروس أن ينتشر بسرعة.
كثيرا ما يُحتجز الأشخاص في أماكن مزدحمة بغياب مرافق الصرف الصحي وتدابير النظافة أو الحصول على رعاية طبية مناسبة، ما يزيد خطر إصابة ملايين السجناء بالفيروس.
في حين أن العديد من الحكومات قد أفرجت عن بعض الأشخاص لوقف انتشار الفيروس، كانت تلك الإجراءات قليلة جدا وغالبا ما استبعدت النشطاء والمنتقدين، بمن فيهم أولئك الذين اعتُقلوا لانتقادهم استجابة الحكومات للوباء.
ازداد العنف القائم على النوع الاجتماعي المبلغ عنه، ولا سيما العنف الأسري ضد النساء والفتيات، في جميع أنحاء العالم خلال الوباء.
في محاولة لإبطاء انتشار فيروس كورونا، أغلقت الحكومات في جميع أنحاء العالم المدارس في أبريل/نيسان، ما حرم نحو 1.4 مليار طالب في المدارس قبل الابتدائية والابتدائية والثانوية في 192 دولة من التعليم.
هناك مخاوف كبيرة من أن الأطفال الذين فقدوا إمكانية التعليم أثناء الوباء معرضون لخطر التخلف عن أقرانهم، أو التعرض للضغط للزواج في سن الطفولة أو دخول سوق العمل، ما يقلص احتمال عودتهم إلى المدرسة.
فرضت العديد من الحكومات التباعد الاجتماعي، والحجر الصحي، وإغلاق الأعمال، ما كان له تأثير اقتصادي هائل. تأثر العمال ذوو الدخل المنخفض بشكل غير متناسب، وكثير منهم يعملون في مجالات مثل البيع بالتجزئة، والمطاعم، والقطاع غير الرسمي وهم غير قادرين على العمل عن بعد.
كما أكد الوباء على أهمية حماية حقوق العمال، لا سيما الحاجة إلى ضمان إجازة مرضية وإجازة عائلية مدفوعتَي الأجر. قطع الدعم الاقتصادي خلال الوباء شوطا طويلا نحو وقف تصاعد الفقر، لكنه أهمل الكثيرين ممن هم في حاجة ماسة إلى الدعم.
كما أدى اعتماد الحكومة على خوارزميات وتقنيات سيئة التصميم لتوزيع المستحقات إلى تأخير الحصول على الدعم المهم والحرمان منه والتسبب في مشاكل تتعلق بالخصوصية.
في الأشهر المقبلة، من المقرر أن تنتهي إجراءات الإغاثة في العديد من البلدان، ما يزيد الخطر على الفئات ذات الدخل المنخفض.
وبدون تدابير أكبر لحماية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، والمزيد من الدعم الاقتصادي والوسائل العادلة للتوزيع، من المتوقع أن يزداد الفقر وعدم المساواة.
بدأت العديد من الحكومات أيضا بالمراقبة الرقمية ووسّعتها لاحتواء الفيروس، من تطبيقات تتبع جهات الاتصال إلى كاميرات التعرف على الوجه التي تفرض تدابير الحجر الصحي، وصولا إلى تقييم المخاطر بشكل آلي باستخدام الخوارزميات. تشكل جميع هذه التقنيات تقريبا مخاطر جسيمة على الخصوصية وحقوق الإنسان.
كما استخدمت الحكومات الوباء لقمع حرية التعبير والتجمع السلمي. اعتدت قوات الجيش أو الشرطة جسديا على الصحفيين والمدونين والمتظاهرين، بمن فيهم بعض الذين انتقدوا تعامل الحكومة مع الفيروس. في بعض البلدان، ما تزال القيود على حرية التعبير والتجمع سارية.
بحلول أوائل 2021، أثبتت العديد من اللقاحات أنها آمنة وفعالة وبدأت الحكومات في جميع أنحاء العالم بتلقيح مجموعات معينة.
ومع ذلك، فقد عكس تطوير اللقاحات إلى حد كبير أوجه عدم المساواة التي ميزت ما تبقى من الوباء: أبرمت الحكومات الغنية صفقات مبهمة وحجزت الغالبية العظمى من إمدادات اللقاح مسبقا، بدلا من التعاون لضمان حصول البلدان الفقيرة على اللقاحات بأسعار معقولة.
يضمن هذا التقصير استمرار الوباء في العديد من البلدان لسنوات قادمة، إضافة إلى عدم المساواة وانتهاكات الحقوق التي ازدهرت في هذا الوقت.
يضمن القانون الدولي لحقوق الإنسان للجميع الحق في الحياة والصحة ومستوى معيشي لائق، ويلزم الحكومات باتخاذ خطوات لمنع التهديدات التي تتعرض لها الصحة العامة وجعل الرعاية الطبية معقولة التكلفة ومتاحة.
في سياق التهديدات الخطيرة للصحة العامة وحالات الطوارئ العامة، يمكن تبرير القيود المفروضة على بعض الحقوق، ولكن يجب أن يكون لها أساس قانوني، وأن تكون ضرورية للغاية ومتناسبة مع الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه، وألا تكون تعسفية أو تمييزية.
قالت “حسن”: “خلال الوباء، استخدمت الحكومات حالة الطوارئ المتعلقة بالصحة العامة لإحكام قبضتها على السلطة، وانتهاك الحقوق، وإهمال بعض الأقليات بشكل منهجي.
وقالت “حسن” أيضاً: “على الحكومات وقف سياساتها التعسفية وتوفير اللقاحات بعدل لإنهاء الوباء وتحسين قدرة الجميع على التمتع بحقوقهم الإنسانية”.
اقرأ أيضاً: خبراء منظمة الصحة العالمية يستبعدون تسرب الفيروس المسبب لكوفيد-19 من مختبر