منسق السلام في الشرق الأوسط يحذر من تصعيد التحريض والعنف
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – مع بداية العام الجديد، تستمر دائرة العنف الخطيرة على الأرض في فلسطين وإسرائيل، وسط توتر سياسي متزايد وعملية سلام متوقفة.
هذا ما جاء في إحاطة تور وينسلاند، المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، أمام مجلس الأمن الدولي، والتي شدد فيها على أن الإسرائيليين والفلسطينيين لا يزالون على مسار تصادمي وسط “تصعيد الخطاب السياسي والتحريضي بالإضافة إلى تصاعد العنف في الضفة الغربية – ولكلاهما عواقب وخيمة محتملة”.
أخبر وينسلاند المجلس بأن الاتجاهات العنيفة التي سادت الأشهر الأخيرة من عام 2022 لا تزال تسبب خسائر بشرية مدمرة، داعياً إلى إنهاء العنف.
وأشار إلى أنه خلال الفترة ما بين 8 كانون الأول / ديسمبر و 13 كانون الثاني / يناير، قتل 14 فلسطينياً، من بينهم خمسة أطفال، وأصيب 117 آخرون، على أيدي قوات الأمن الإسرائيلية، كما ارتكب مستوطنون إسرائيليون 63 اعتداء على فلسطينيين نتج عنها 28 إصابة وأضرار بالممتلكات.
وقال إن الكثير من الضحايا الفلسطينيين وقعوا خلال عمليات البحث والاعتقال الإسرائيلية، وإن الإصابات تتركز في شمال الضفة الغربية، لا سيما في محافظة جنين.
من جهة أخرى، أصيب خمسة مدنيين إسرائيليين في الفترة نفسها، بينهم ثلاث سيدات، وأربعة من عناصر الأمن بأيدي فلسطينيين خلال اعتداءات واشتباكات وإلقاء حجارة وقذائف مولوتوف وحوادث أخرى، بحسب مصادر إسرائيلية.
وكان الفلسطينيون قد ارتكبوا حوالي 89 هجوماً ضد مدنيين إسرائيليين أسفر عن إصابات وإلحاق أضرار بالممتلكات الإسرائيلية.
وأكد المنسق الخاص من جديد ضرورة محاسبة مرتكبي جميع أعمال العنف وتقديمهم إلى العدالة على وجه السرعة، مضيفاً أنه يجب على قوات الأمن ممارسة أقصى درجات ضبط النفس واستخدام القوة المميتة فقط عندما لا يمكن تجنبها تماماً من أجل حماية الأرواح.
وقال: “أشعر بالفزع بشكل خاص لأن الأطفال مازالوا يقعون ضحايا للعنف. يجب ألا يكون الأطفال أبداً هدفا للعنف أو أن يعرضوا للأذى”.
كما أشار وينسلاند إلى جهود الحكومة الإسرائيلية لإضفاء الشرعية على مستوطنة حومش، التي أقيمت على أرض فلسطينية خاصة. وكرر أن جميع المستوطنات غير شرعية بموجب القانون الدولي “وتظل عقبة كبيرة في مسار السلام”.
وأعرب المنسق الخاص عن قلقه الشديد إزاء استمرار عمليات هدم ومصادرة ممتلكات الفلسطينيين. وقال إن السلطات الإسرائيلية هدمت أو استولت أو أجبرت أصحابها على هدم 126 مبنى فلسطينياً في المنطقة (ج) بالضفة الغربية، وسبعة منشآت أخرى في القدس الشرقية المحتلة، مما أدى إلى نزوح 127 فلسطينياً، من بينهم 60 طفلا.
كما أشار وينسلاند إلى استيلاء مستوطنين بالقوة برفقة قوات الأمن الإسرائيلية على أرض زراعية كانت تستأجرها عائلة فلسطينية من كنيسة الروم الأرثوذكس منذ عام 1931.
وقال: “يؤكد المستوطنون أنهم اشتروا الأرض من كنيسة الروم الأرثوذكس، في صفقة رفضتها الكنيسة باعتبارها احتيالية”.
وأشار المنسق الخاص إلى الزيارة التي قام بها وزير الأمن القومي الإسرائيلي الجديد للأماكن المقدسة في القدس وكرر دعوة الأمين العام لجميع الأطراف “بالامتناع عن الخطوات التي من شأنها تصعيد التوترات في الأماكن المقدسة وحولها، وأن يحافظ الجميع على الوضع الراهن تماشياً مع الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية”.
وانتقل السيد وينسلاند بعد ذلك إلى الحديث عن الإجراءات التي اتخذها مجلس الوزراء الأمني لإسرائيل ضد السلطة الفلسطينية رداً على اعتماد الجمعية العامة قراراً تضمن طلباً إلى محكمة العدل الدولية بإصدار فتوى حول الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، معرباً عن قلقه الشديد من تأثير هذه الإجراءات على الوضع المالي للسلطة.
وقال المنسق الخاص إنه يواصل جهوده الدبلوماسية لتخفيف القيود المفروضة على حركة الأشخاص والبضائع من وإلى غزة، مؤكداً أن الأمم المتحدة تستمر في تقديم المساعدات الإنسانية والإنمائية الحيوية إلى القطاع.
وأضاف: “على الرغم من هذه الجهود، لا يزال الوضع الاجتماعي والاقتصادي مصدر قلق بالغ، مع استمرار تأثير القيود المفروضة على إيصال المساعدات”.
وأشار إلى إحراز بعض التقدم لا سيما زيادة تصاريح الاحتياجات الاقتصادية بمقدار 500 تصريح واستئناف خروج الأسماك من غزة إلى الضفة الغربية.
وقال إنه في حين أن التقدم المستمر في هذه المجالات أمر حيوي، فإن الدعم الإنساني أو الاقتصادي وحده لن يحل الوضع في غزة ولا الصراع الأوسع.
وأضاف: “المطلوب حلول سياسية – لا توجد حلول سريعة. ولا يزال الهدف النهائي يتمثل في الرفع الكامل لعمليات الإغلاق تماشيا مع قرار مجلس الأمن 1860، وإعادة توحيد غزة والضفة الغربية المحتلة تحت سلطة وطنية فلسطينية شرعية واحدة، كجزء لا يتجزأ من حل الدولتين”.
قال وينسلاند إن “القيادة السياسية الشجاعة” مطلوبة بشكل عاجل لتوليد الزخم اللازم لتغيير الديناميكية الحالية.
وشدد على ضرورة امتناع الجانبين عن الاستفزازات والخطوات أحادية الجانب التي تقوض الاستقرار والقدرة على تحقيق سلام يتم التفاوض عليه.
وأضاف: “في غياب جهد منسق وجماعي من قبل الجميع، وبدعم قوي من المجتمع الدولي، سيستمر المفسدون والمتطرفون في صب المزيد من الوقود على النار وسنبتعد أكثر عن حل سلمي للصراع”.
وأكد المنسق الخاص من جديد التزام الأمم المتحدة بدعم إنهاء الاحتلال وبحل إقامة الدولتين مع وجود دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على أساس حدود 1967.
وقال: “وتكون القدس عاصمة كلتا الدولتين بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي والاتفاقيات الثنائية”.
من جانبه، شدد السفير الفلسطيني رياض منصور على أن السلام ممكن، لكن فقط إذا كان مجلس الأمن والمجتمع الدولي مستعدين للقيام “بعمل فوري ومستدام وجماعي، على أساس القانون الدولي، لتحقيقه”.
وقال منصور إن إسرائيل تظن أنه لا يمكن للعالم أن يحاسبها على “أفعالها الأحادية غير القانونية ومع ذلك فهي تسمح لنفسها بمعاقبتنا على اللجوء إلى آليات شرعية متعددة الأطراف”.
وقال إن اللجوء إلى الجمعية العامة حق قانوني وديمقراطي للفلسطينيين، إلا أن النتيجة كانت فرض إسرائيل عقوبات على الشعب والمجتمع المدني والقيادة الفلسطينية، وانتقاد الدول الداعمة للقرار.
وقال: “هذه أغرب محاكمة على وجه الأرض، حيث تُعاقب الضحية ويتم اتهام الشاهد من قبل الجاني، الذي يدعي أنه الضحية”.
وأضاف السفير الفلسطيني أن إسرائيل لا تبدي أي احترام ولا تقدير ولا توقير لأحد، ومع ذلك تطالب الجميع بذلك حتى عندما تنتهك القواعد الأساسية للقانون الدولي.
وأضاف: “يقولون إنهم لن يتسامحوا مع أي ضغوط، لكن ليست لديهم مشكلة في التنمر على الدول”.
وقال إن على إسرائيل أن تعي أن أفعالها تملي ردود فعل المجتمع الدولي، مضيفاً أنه لا ينبغي لها أن تتوقع من العالم “التخلي عن قواعده ومبادئه لاستيعاب احتلالها الاستعماري”.
وأشار منصور إلى أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة لا تخفي برنامجها لتعزيز المستوطنات وضم الأراضي والاستمرار في التمييز والقمع الممنهج.
وقال: “لا تزال إسرائيل تعتقد أن هناك طريقاً للسلام من خلال سحق الفلسطينيين. لو وجد ذلك لكانت وجدته الآن. لن يأتي السلام من خلال نفي وجودنا. سيأتي من خلال الاعتراف بمحنتنا وحقوقنا”.
اتهم السفير الإسرائيلي جلعاد إردان السفير الفلسطيني “بلعب دور كاذب للضحية يستحق جائزة أوسكار”.
وقال إن الرواية التي مفادها أن “قرارا أمميا بريئا وغير مؤذي أدى إلى عواقب سريعة ووخيمة من جانب إسرائيل” هي “تزوير كامل للحقائق وتشويه للواقع”.
وقال السفير الإسرائيلي إن صياغة قرار الجمعية العامة “السام والمدمّر” لطلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية هو “الإجراء الوحيد الذي تم اتخاذه بشكل أحادي”.
وقال: “إن القرار السام بشأن محكمة العدل الدولية هو مجرد واحد من أكثر من عشرة قرارات مناهضة لإسرائيل يتم تمريرها هنا [في الأمم المتحدة] كل عام. ولا يخفى على أحد أن الفلسطينيين هم من يقفون وراء هذه القرارات المنحازة”.
وتابع: “إنهم يلفقون الأفكار في مسودة القرارات ويتآمرون لتمريرها بمساعدة الأغلبية التلقائية المسيّسة بالأمم المتحدة ضد إسرائيل. هذا هو أساس التحيز المؤسسي ضد إسرائيل في الأمم المتحدة”.
وشدد على أن القرار كان “خطوة أحادية واضحة بادر بها الفلسطينيون بهدف وحيد هو تدمير إسرائيل كدولة يهودية”، مؤكدا أن هذا هو الهدف الوحيد للفلسطينيين.
وقال السفير الإسرائيلي إن الفلسطينيين يستخدمون المؤسسات الدولية كأسلحة في محاولة لإجبار إسرائيل على الرضوخ لجميع مطالبهم ووصف ذلك بأنه “إرهاب متعدد الأطراف”.
وأضاف: “هكذا نجح الفلسطينيون في التلاعب واستخدام محكمة العدل الدولية كسلاح في حربهم الجهادية للإرهاب متعدد الأطراف ضد إسرائيل”.
وقال إردان إن بلاده اتخذت تدابير “مبررة وقانونية” رداً على هذا “الإرهاب الأحادي متعدد الأطراف” والمتمثل في قرار الجمعية العامة.
وشدد على أن الفلسطينيين “غرسوا سكيناً في قلب أي فرص للحوار أو المصالحة” وأثبتوا أنهم غير مهتمين بالحوار من خلال هذا القرار.
وشدد السفير الإسرائيلي على أن بلاده “ليست أصل هذا الصراع على الإطلاق”، مضيفاً أن سياسة الرفض المستمرة لدي الفلسطينيين هي الشيء الوحيد الذي يعيق الحل.
وقال: “إن دعم الأكاذيب الفلسطينية لا يؤدي إلا إلى زيادة التصعيد وتأجيج الوضع على الأرض”.
وذكر إردان أن أعداد الضحايا التي ترد في تقارير الأمم المتحدة تستند إلى “منهجية تمييزية معيبة ومتحيزة بشكل أساسي”، مضيفاً أن إسرائيل ليس لديها “ذرة من الثقة بهذه التقارير”.
وقال السفير الإسرائيلي إن الأمم المتحدة تسجل جميع الادعاءات الفلسطينية حول الوفيات والإصابات دون تحقق منها، كما تفتقر إلى السياقات التي وقع فيها الضحايا وهذا ما “يحدث الفارق”. وأضاف: “النتيجة هي تجميع أكاذيب وأنصاف حقائق لتروي حكاية ملفقة”.
وقال السفير الإسرائيلي إن الغالبية العظمى من القتلى والجرحى الفلسطينيين ليسوا مدنيين أبرياء، بل هم “إرهابيون تمت تصفيتهم وسط أعمال العنف”.
وأضاف أنه في حين أن عدد الضحايا الفلسطينيين يُضخـّم، فإن القتلى والجرحى الإسرائيليين “لا يتم الإبلاغ عنهم بشكل صارخ ويتم تجاهلهم”.
وقال: “ربما كان هذا العام الأكثر دموية، ولكن فقط للإرهابيين الفلسطينيين. ومن الواضح أنه كان العام الذي شهد أكبر عدد من الهجمات الإرهابية ضد الإسرائيليين والضحايا الإسرائيليين خلال عقد من الزمان”.
وقال إردان إن عام 2022 شهد 5434 “هجوماً إرهابياً” فلسطينياً ضد إسرائيليين، مضيفاً أنه تم بالفعل ارتكاب 22 هجوماً منذ بداية العام وحده.