غزة: الهجوم الإسرائيلي على شمال القطاع يعرّض مئات آلاف المدنيين للخطر
(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن الهجوم الإسرائيلي المتجدد على شمال غزة يهجّر مئات آلاف الفلسطينيين ويعرضهم للخطر. تُظهر الفيديوهات، والصور الفوتوغرافية، وصور الأقمار الصناعية، والتقارير الإعلامية وتقارير وكالات “الأمم المتحدة” التي حللتها هيومن رايتس ووتش أن المدنيين معرضون لخطر النزوح القسري الجماعي وغيره من الفظائع مع إطلاق النار على آخر أماكن اللجوء المتبقية في شمال غزة، بما فيها ذلك الملاجئ والمستشفيات.
منذ أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2024، جددت إسرائيل أوامر الإخلاء الجماعي لشمال غزة، وأمرت المدنيين إلى حد كبير بالانتقال جنوبا، بما يشمل المنطقة “الإنسانية” في المواصي. وتفتقر المنطقة المكتظة إلى ما يكفي من الغذاء، والمأوى، والمياه، والصرف الصحي، والرعاية الطبية. كما هاجمت القوات الإسرائيلية المنطقة بشكل متكرر وقتلت مدنيين.
قالت لما فقيه، مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “تصدر القوات الإسرائيلية في شمال غزة أوامر إخلاء بعد أن فعلت كل شيء لضمان عدم وجود مكان آمن في غزة. عمليات الإخلاء غير الآمنة وحشية وغير قانونية وتمهّد لمزيد من الجرائم ضد المدنيين”.
يقع على عاتق إسرائيل، بصفتها سلطة الاحتلال في غزة، واجب ضمان إجلاء المدنيين في ظروف مُرضية من حيث الصحة والسلامة وتوفير السكن الملائم للنازحين، وامتناعها عن القيام بذلك يجعل التهجير غير قانوني.
فالقوات الإسرائيلية تأمر الفلسطينيين في شمال غزة بمغادرة أماكن تشمل المدارس التي تحولت إلى ملاجئ، وتحتجز الرجال ثم تحرق تلك الملاجئ أو تهاجمها أو تحتلها عسكريا. كما تزعم التقارير، وهو ما تظهره الفيديوهات التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، أن القوات الإسرائيلية قتلت مدنيين بينهم أطفال في هذه الملاجئ في الأيام الأخيرة.
وتظهر صور فوتوغرافية وفيديوهات نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي بين 19 و23 أكتوبر/تشرين الأول، وتحققت منها هيومن رايتس ووتش، القوات الإسرائيلية وهي تقتاد آلاف الفلسطينيين في شمال غزة لإجلائهم أو احتجازهم. ويقدر “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” (أوتشا) أن أكثر من 60 ألف شخص قد نزحوا في شمال غزة في شهر أكتوبر/تشرين الأول وحده، وخاصة من جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون.
تظهر الفوضى وخطورة الوضع في سلسلة فيديوهات صُورت بجوار بركة صغيرة للصرف الصحي، من داخل مجمع مدارس في جباليا كان يُستخدم مأوًى وحول هذا المجمع.
في أحد الفيديوهات التي تم التقاطها بجوار المدرسة والتي تمت مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي في 21 أكتوبر/تشرين الأول، يمكن سماع صوت أزيز ما يبدو أنه طائرة بدون طيار بينما يُسمع إعلان باللغة العربية يُذاع ويتضمن تعليمات للناس بـ “التوجه جنوبا إلى شارع العودة”، الذي تتمركز حوله القوات الإسرائيلية وحيث يبدو أنها تقوم بالتدقيق الأمني والاعتقال.
تتطابق الحادثة مع التوصيفات الواردة في الأخبار وتقارير وسائل التواصل الاجتماعي وأوامر الإخلاء الصادرة في ذلك اليوم. لم يتمكن الباحثون من العثور على الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي قبل 21 أكتوبر/تشرين الأول.
وأفادت “هيئة الإذاعة البريطانية” (بي بي سي) أنه في 21 أكتوبر/تشرين الأول استُخدمت طائرات رباعية إسرائيلية لإصدار أوامر بإخلاء مجمع المدارس بالقرب من منطقة بركة مياه الصرف الصحي. قالت مسعفة لـ بي بي سي إن القوات الإسرائيلية قصفت المجمع بعد دقائق.
وقالت المسعفة، نيفين الضواوي، التي صورت آثار الهجوم بهاتفها، إن الطائرة الرباعية “هبطت على المدرسة في التاسعة صباحا، وأعطتنا إنذارا بالخروج بحلول العاشرة”. وأضافت أنه بعد 10 دقائق، شنّت القوات الإسرائيلية هجوما.
وردا على سؤال حول ما إذا كانت “حماس” تستخدم دروعا بشرية، أجابت الضواوي بالنفي، مضيفة، “كانوا يحمونا ويقفون معنا”.
تظهر ثلاثة فيديوهات منشورة على موقع “إكس” في 21 أكتوبر/تشرين الأول وحللتها هيومن رايتس ووتش امرأة تحمل حقيبة معدات طبية وتصور آثار ما يبدو أنه هجوم على مجمع المدارس نفسه أو بالقرب منه. تُظهر الفيديوهات رجالا ونساء وأطفالا مصابين بجروح خطيرة ودامية، وقتلى رجالا ونساءً وأطفالا. يمكن رؤية مجموعة من الأشخاص وهم يبتعدون عن الملجأ حاملين أمتعتهم. في بيت حانون، شمال شرق جباليا، كان الجيش الإسرائيلي يقتاد الفلسطينيين لإجلائهم أو اعتقالهم طوال أيام بجوار شارع العودة بالقرب من “المستشفى الإندونيسي” وسلسلة من المدارس التي تستخدم ملاجئ. في 19 أكتوبر/تشرين الأول، نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بالعربية أفيخاي أدرعي على إكس لقطات من طائرة مسيّرة تظهر القوات الإسرائيلية وهي تعتقل الفلسطينيين خارج إحدى تلك المدارس، وهي “مدرسة الكويت”.
وبحلول 20 أكتوبر/تشرين الأول، أظهرت صور فوتوغرافية نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي وتحققت منها هيومن رايتس ووتش تلك المدرسة وهي تحترق. في إحدى الصور، يظهر ثلاثة أشخاص يرتدون زيا رسميا ومعدات تتوافق مع الزي العسكري الإسرائيلي وهم يراقبون المدرسة وهي تحترق. تُظهر مقاطع مصوّرة من طائرة مسيّرة نشرها أدرعي في 23 أكتوبر/تشرين الأول على إكس المدرسة المدمرة التي اتشحت بالسواد بسبب النيران، في حين تم تجميع الناس أمامها بينما يسير آخرون أمام مبانٍ مدمرة وأرض مجرّفة حديثا ومركبات عسكرية إسرائيلية.
تُظهر صورة نُشرت على إكس في 21 أكتوبر/تشرين الأول وحددت هيومن رايتس ووتش موقعها الجغرافي “مدرسة حلب” على الجانب الآخر من الشارع، وهي تحترق أيضا.
قال مسعفون من المستشفى إن القوات الإسرائيلية اقتحمت مدرسة مجاورة للمستشفى واحتجزت رجالا، ثم أضرمت النار في المدرسة، بحسب “رويترز”.
وتظهر صور الأقمار الصناعية التي التقطت في 23 أكتوبر/تشرين الأول وحللها الباحثون العديد من المجمعات المدرسية الإضافية وغيرها من الملاجئ غير الرسمية في أنحاء جباليا وتبدو عليها آثار هدم وأضرار وحرائق. كان العديد منها مليئا بالخيام في صور الأقمار الصناعية التي التقطت في 14 أكتوبر/تشرين الأول وراجعتها هيومن رايتس ووتش. إلا أنه بحلول 23 أكتوبر/تشرين الأول، أظهرت صور الأقمار الصناعية أن معظم الخيام قد اختفت أو تضررت، وأن المركبات العسكرية موجودة في الساحات أو حولها.
وتظهر صور فوتوغرافية على وسائل التواصل الاجتماعي ونشرتها الصحافة الإسرائيلية في 22 أكتوبر/تشرين الأول منشورات عسكرية إسرائيلية، قيل إنها أسقطت فوق شمال غزة، تحذر الناس في المستشفيات والملاجئ من أنهم “في منطقة قتال خطيرة” وتأمرهم: “تحركوا فورا باتجاه المستشفى الإندونيسي” عبر شارع العودة. وهي نفس المنطقة التي يبدو أن الملاجئ فيها قد دمرتها النيران في اليوم السابق.
يُظهر فيديو نُشر على قناة “كتائب القسام” على تطبيق “تيليغرام” في 22 أكتوبر/تشرين الأول دبابة إسرائيلية تسير فوق ما يدعي التعليق أنه عبوة ناسفة على بعد 100 متر تقريبا من المستشفى الإندونيسي.
تُظهر صور الأقمار الصناعية التي تم جمعها في الصباح الباكر من يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول حشودا من الناس في ساحة مدرسة الكويت وهم يسيرون باتجاه جنوبي غزة على طول الطريق الرئيسي المدمر في بيت لاهيا وشارع صلاح الدين، تحيط بهم المدرعات الإسرائيلية.
وتظهر صورة وفيديو نشرهما صحفيون إسرائيليون على وسائل التواصل الاجتماعي يومي 22 و23 أكتوبر/تشرين الأول جنودا إسرائيليين يعصبون أعين رجال فلسطينيين حفاة يرتدون “أفرولات” بيضاء وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم أمام مدرسة الكويت ويعتقلونهم.
وحتى 23 أكتوبر/تشرين الأول، تُظهر صور الأقمار الصناعية أيضا أن مخيما كبيرا للنازحين الفلسطينيين أقيم في يوليو/تموز بجوار شارع صلاح الدين قد تم تجريفه واستبداله بآليات عسكرية إسرائيلية. كما تم تجريف الحقول الزراعية على جانبي الطريق مقارنة بصورة التقطتها الأقمار الصناعية قبل 10 أيام.
واجه الفلسطينيون في جميع أنحاء غزة عشرات أوامر الإخلاء على مدار العام الماضي. وتظهر التقارير الأخيرة لـ هيومن رايتس ووتش أن أوامر الإخلاء السابقة لم تأخذ بعين الاعتبار احتياجات الأطفال والبالغين من ذوي الإعاقة.
إلا أن السلطات الإسرائيلية تعمدت قطع وصول المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة لأسبوعين في أكتوبر/تشرين الأول، ولم يدخل سوى القليل من المساعدات منذ ذلك الحين. وقد ألغت “منظمة الصحة العالمية” في 23 أكتوبر/تشرين الأول حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في شمال غزة بسبب “القصف المكثف والنزوح الجماعي وعدم القدرة على الوصول إلى تلك المناطق”.
وقد وثقت هيومن رايتس ووتش استخدام إسرائيل العقاب الجماعي واستخدامها التجويع سلاحَ حرب، وهما جريمتا حرب.
وتتطلب قوانين الحرب من أطراف النزاع “اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة” لتجنب أو تقليل الخسائر العرضية في أرواح المدنيين والأضرار بالأعيان المدنية. وتشمل هذه الاحتياطات بذل كل ما يمكن للتحقق من أن الأهداف المستهدفة بالهجوم هي أهداف عسكرية وليست مدنيين أو أعيانا مدنية، وإعطاء “إنذار مسبق فعال” بالهجمات عندما تسمح الظروف بذلك، وتجنّب وضع الأهداف العسكرية في المناطق المكتظة بالسكان أو بالقرب منها.
وحتى في حال صدور أمر أو تحذير بالإخلاء أو وجود هدف عسكري، فإن الطرف المهاجم لا يُعفى من التزامه بمراعاة الخطر الذي يتعرض له المدنيون، بما في ذلك واجب تجنب التسبب في ضرر غير متناسب. المدنيون الذين لا ينفذّون الإخلاء لا يفقدون وضعهم كمدنيين ولا يفقدون الحماية التي يتمتعون بها بموجب القانون الإنساني الدولي.
قد تكون عمليات الإجلاء المؤقت مشروعة إذا ما اقتضت ذلك الضرورة العسكرية القاهرة أو سلامة المدنيين. غير أن عمليات الإجلاء التي لا تبررها تلك الأسباب أو لا تضمن السلامة والضرورات الأساسية والقدرة على العودة في أقرب وقت ممكن محظورة باعتبارها تهجيرا قسريا. التهجير القسري بقصد إجرامي – سواء بقصد أو باستهتار – جريمة حرب. وقد دعا العديد من المسؤولين الإسرائيليين إلى إقامة مستوطنات يهودية جديدة في غزة و”الاستيلاء على الأراضي” من الفلسطينيين.
قالت فقيه: “إجبارُ الناس على الإجلاء مرة أخرى دون ضمان سلامتهم غيرُ قانوني، والتهجير القسري المتعمد جريمة حرب. عندما يدلي طرف ارتكب جرائم حرب بتصريحات ويتخذ إجراءات تشير إلى استعداده لارتكاب المزيد من الجرائم، فعلينا أن نرى ردا أكثر جدية من المجتمع الدولي”.