عُمان: قانون الضمان الاجتماعي الجديد خطوة في الاتجاه الصحيح

(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن عُمان اعتمدت قانونا جديدا للحماية الاجتماعية يُمهد الطريق لنظام ضمان اجتماعي شامل. إذا طُبِّق بفعالية وإنصاف، قد يُعمِل هذا القانون الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين والمقيمين في عمان، بما يشمل العامل الوافدين الذين يواجهون أحداثا تؤثر بشكل كبير على دخلهم.

 

بدلا من منفعة قائمة على قياس القدرات المالية، يتضمن النظام الجديد منفعة شهرية شاملة لكل طفل في الأسرة، ومنفعة للأشخاص في سن 60 عاما وما فوق، ومنفعة إعاقة لدعم دخل الأسرة، ودعما للأرامل والأيتام. برامج الضمان الاجتماعي الشامل لا تحدّ الأهلية بناء على دخل الناس أو ثروتهم. أوضحت هيومن رايتس ووتش بعض المخاوف حول أوجه القصور في رسالة إلى “صندوق الحماية الاجتماعية” في عمان.

 

قالت لينا سيمت، باحثة أولى في مجال العدالة والحقوق الاقتصادية في هيومن رايتس ووتش: “إذا طُبِّق نظام الضمان الاجتماعيالعُماني الجديد بالكامل، فمن شأنه أن يكون معيارا رائدا في المنطقة لحماية المواطنين والمقيمين من انعدام الأمن الاقتصادي. مع أن العديد من الدول تعتمد على برامج قياس القدرات المالية التي تؤدي إلى فجوات واسعة في التغطية، تُظهر عُمان أن من الممكن إنشاء أنظمة شاملة تضمن حق الجميع في الضمان الاجتماعي”.

 

سيعزز القانون المنافع الحالية ويطرح منافع جديدة قائمة على الاشتراكات وغير قائمة على الاشتراكات مثل الإجازات المرضية وإجازة الأبوة المدفوعة، وإجازات غير مدفوعة للوالدين، وهي إجازة إضافية للوالدين حتى يتمكنوا من رعاية الطفل الجديد بعد انتهاء إجازة الأمومة، وتأمين إصابات العمل، وتأمين البطالة، وبرنامج ادخار إلزامي للعمال غير العمانيين.

 

أنشِئ النظام الجديد، الذي طُوِّر بدعم فني من “منظمة العمل الدولية”، بموجب قانون الحماية الاجتماعية واللوائح التنفيذية ذات الصلة الصادرة بموجب المرسوم السلطاني رقم 52 لعام 2023 الصادر في 19 يوليو/تموز 2023. بعض أجزاء هذا القانون سارية بالفعل وسيُطبَّق النظام بالكامل في يوليو/تموز 2026.

 

قالت هيومن رايتس ووتش إن القانون يتضمن بعض الثغرات. بعض مستويات المنافع منخفضة للغاية، ولن يحظى العمال الوافدون الذين ليس لديهم إقامة سارية بتغطية، وإجازة الأمومة المدفوعة الأجر قصيرة جدا، ولا توجد إجازة مدفوعة الأجر للوالدين أو استحقاقات للأرامل الذكور.

 

تُشير الأرقام الحكومية إلى أن عُمان تستضيف أكثر من1.8  مليون عامل وافد. أسوة بدول “مجلس التعاون الخليجي” الأخرى، تُطبق عُمان نظام الكفالة الذي يربط الوضع القانوني للعمال الوافدين بصاحب العمل. هذا النظام يُعرّضهم لمجموعة من الانتهاكات مثل سرقة الأجور، والظروف المعيشية السيئة، والاعتداءات الجسدية والجنسية. وهو يقيّد أيضا قدرة العمال الوافدين على تغيير وظائفهم دون موافقة صاحب العمل، ما يوقعهم في أوضاع تنطوي على انتهاكات.

 

يوسّع القانون نطاق الحماية مثل التأمين ضد إصابات العمل والأمومة والمرض للعمال الوافدين الذين لديهم وثائق بموجب نفس الشروط التي يتمتع بها العمال العُمانيون. ينصّ القانون على نظام ادخار إلزامي يحل محل مكافأة نهاية الخدمة.

 

مع أن حجم الاقتصاد غير الرسمي في عُمان يقدر بنحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وفقا لتقرير صادر عن “البنك الدولي” في 2022، إلا أن العمال الوافدين في اقتصاد العمل غير الرسمي الذين لا يحملون إقامات سارية المفعول مستبعدون من برنامج الادخار. يُستثنى من لا يملكون إقامات سارية من التأمين على الإصابات أثناء العمل وكذلك التأمين على الأمراض المرتبطة بالعمل.

 

عُمان من أولى دول مجلس التعاون التي أنشأت برنامج إجازة الأمومة والأبوة مدفوعة الأجر. لكن في حين أنها زادت إجازة الأمومة مدفوعة الأجر من سبعة أسابيع إلى 14 أسبوعا، توصي منظمة العمل الدولية بـ18 أسبوعا على الأقل. مع أن القانون يتضمن إجازة أبوة مدفوعة الأجر لمدة أسبوع واحد وإجازة والدية غير مدفوعة الأجر لمدة 14 أسبوعا يمكن تقسيمها بين الوالدين، لا يضمن القانون دفع أجر إجازة الوالدين. تُظهر أبحاث ارتفاع معدل وفيات الرضع عندما تكون الإجازة الوالدية غير مدفوعة الأجر.

 

يُخاطر القانون أيضا بترسيخ التمييز وإدامة القوالب النمطية الجندرية. مثلا، لن يحصل الأرامل الذكور على منافع على نفس الأساس الذي تحصل عليه الأرامل الإناث.

 

زادت عُمان مخصصات الضمان الاجتماعي في الميزانية العامة من 384 مليون ريال عماني (حوالي 997.4  مليون دولار أمريكي) في 2023 إلى 650 مليون ريال (حوالي 1.4  مليار دولار) في 2024، بزيادة تقارب 45%. يعوّض هذا التوسع أثر جهود الحكومة المستمرة للتخلص التدريجي من دعم استهلاك الوقود الأحفوري من خلال خفض بعض الدعم بنسبة تتراوح بين 5 و10%.

 

رفع الدعم عن الوقود الأحفوري، الذي يستفيد منه الأثرياء بشكل غير متناسب ويديم اقتصادات غير مستدامة، أمر أساسي للانتقال إلى الطاقة المتجددة وإعادة تخصيص الإيرادات. إلا أنه، إذا أدى رفع الدعم إلى زيادات في أسعار الوقود والكهرباء، سيؤثر ذلك على ذوي الدخل المنخفض أكثر من غيرهم. لمعالجة هذه المخاوف، أنشأت الحكومة أيضا برامج دعم الوقود والكهرباء التي تستهدف الفقر.

 

على الحكومة العُمانية استخدام الوفورات الناتجة عن الرفع التدريجي لهذا الدعم في تطوير أنظمة الضمان الاجتماعي والخدمات العامة الأخرى والاستثمار في الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة.

 

قالت هيومن رايتس ووتش إن عُمان دولة ذات دخل مرتفع ويمكنها الوفاء بالتزامها بتوفير أقصى قدر من الموارد المتاحة لإعمال حقوق الإنسان، بما في ذلك الضمان الاجتماعي، بما يتجاوز الوفورات الناتجة عن الإلغاء التدريجي لدعم الوقود الأحفوري. يُمكنها فرض معدلات ضريبية أعلى على الأثرياء والشركات، ومكافحة التهرب من الضرائب وتجنبها، ومنع التدفقات المالية غير المشروعة.

 

أصدرت هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بيانا مشتركا حول “بناء نظم حماية اجتماعية شاملة في المنطقة العربية” في 2023.

 

تُظهر أبحاث هيومن رايتس ووتش حول بلدان المنطقة، بما يشمل لبنان والأردن ومصر، أن برامج الضمان الاجتماعي الشامل أكثر فعالية في الحد من الفقر وعدم المساواة وهي تُعمِل حق الناس في الضمان الاجتماعي والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ذات الصلة. البرامج التي تستهدف فقط من هم دون عتبات دخل معينة تكون عُرضة للأخطاء وسوء الإدارة والفساد، وتوصم المستفيدين منها، ولا توفّر الحماية الكافية. النهج الذي تتبعه عُمان خير مثال على أن إنشاء أنظمة شاملة ليس فعالا فحسب، بل يمكن تحقيقه أيضا.

 

بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، لكل شخص الحق في الضمان الاجتماعي، الذي يشمل الحماية من انعدام أمن الدخل، بما يشمل كبر السن أو البطالة أو المرض أو الولادة ورعاية المعالين. تنصّ المادة 22 من “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” على أن “لكل فرد، بوصفه عضوا في المجتمع، الحق في الضمان الاجتماعي”. وهذه الحقوق واجب ملزم قانونا وينبغي للدول احترامها وحمايتها والوفاء بها، على النحو المنصوص عليه في معاهدات حقوق الإنسان مثل المادة 9 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.

 

حّددت “اللجنة المعنيّة بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة” المُكلفة بتفسير العهد تسعة مجالات دعم ينبغي كحد أدنى إدماجها في أنظمة الضمان الاجتماعي الشامل: الرعاية الصحية، المرض، الشيخوخة، البطالة، إصابات العمل، دعم الأسرة والطفل، الأمومة، الإعاقة، والأرامل والأيتام. الضمان الاجتماعي الشامل يمكنه المساعدة في حماية الناس من الصدمات الاقتصادية والتهديدات الأخرى الناشئة، بما يشمل المخاطر المتصلة بالمناخ، مع بناء مجتمعات عادلة تتحقق فيها كافة الحقوق، ما يتيح عقدا اجتماعيا أقوى.

 

قالت سيمت: “قانون الضمان الاجتماعي الجديد في عُمان نموذج للسلطنة والمنطقة. لكن ينبغي فعل المزيد لضمان أن يكون متاحا للجميع ويحظى بتمويل كاف لضمان أن تكون المنافع مناسبة للجميع حتى يتمتعوا بحياة كريمة في أي مرحلة من حياتهم”.

قد يعجبك ايضا