غزة: إسرائيل تتعمد عسكرة الأعيان المدنية وتحويل مدارس إلى قواعد عسكرية
ندد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بأشد العبارات بإصرار الجيش الإسرائيلي على عسكرة الأعيان المدنية بما في ذلك تحويل مدارس ومرافق تعليمية إلى قواعد عسكرية في إطار هجومه العسكري المستمر للشهر السابع على قطاع غزة في انتهاك صارخ للقانون الدولي وقواعد الحرب، وامتدادا للإرث الاستعماري القائم على الهيمنة وتفكيك المكونات الأصيلة والأساسية للشعوب، لا سيما الثقافية والتعليمية، وكما لا يزال حاصلا الآن من قبل حكومات الدول الغربية ضد الحركة الاحتجاجية الطلابية المتصاعدة في كبرى الجامعات العالمية للمطالبة بوقف جريمة الإبادة الجماعية بحق المدنيين الفلسطينيين.
وقال الأورومتوسطي إن الجيش الإسرائيلي لم يكتف باستهدافه المنهجي والواسع النطاق للمدارس بالقصف والتدمير الهائل، وارتكاب الجرائم الخطيرة ضد الأشخاص المحميين بداخلها، واستهدافهم على نحو مباشر ومتعمد بالعمليات العسكرية الجوية والبرية، وجرائم القتل والإعدامات غير القانونية المباشرة لمدنيين نزحوا إلى تلك المدارس، بل إنه حول عددا منها إلى قواعد عسكرية وتمركز لقواته وآلياته ومراكز احتجاز واستجواب وانتهاكات تعذيب، بما يتنافى مع قواعد القانون الدولي الإنساني المقررة لحماية الأعيان المدنية من خطر العمليات العسكرية، كما وينتهك الالتزامات المفروضة على إسرائيل، باعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال، بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان تعليم الأطفال والأيتام والأطفال المفصولين عن آبائهم بسبب الحرب.
ووثق المرصد العديد من المدارس في مناطق متفرقة من قطاع غزة حولها الجيش الإسرائيلي إلى قواعد عسكرية ومراكز احتجاز خلال اجتياحه الميداني لأغلب مناطق القطاع، منها مدرسة “صلاح الدين الإعدادية” في مدينة غزة التي تم تحويلها إلى مركز اعتقال واستجواب لمئات السكان في شباط/فبراير الماضي.
وأشار المرصد إلى ما نشره يوم 30 نيسان/أبريل الصحفي الإسرائيلي “أمير بوهبوت” من مقطع فيديو يظهر فيه وهو يوثق قاعدة عسكرية أقامها الجيش الإسرائيلي داخل مدرسة في قطاع غزة، أرفقه بتعليق صوتي “نحن في قاعدة عمليات متقدمة تابعة للفرقة 162 في قلب قطاع غزة”، ثم يستعرض حاويات تم وضعها في وسط ساحة المدرسة قال إنه تم تحويلها إلى مكاتب وغرف نوم، مضيفا أنه “من هنا ستنطلق الغارات والكمائن والعمليات الأخرى”.
وسبق ذلك نشر جنود من كتببة “جفعاتي” في الجيش الإسرائيلي صورة جماعية لهم بأسلحتهم وكامل عتادهم العسكري داخل مدرسة، وقد تم وضع علم الفرقة وإسرائيل بشكل بارز خلفهم، إلى جانب نشر صور لجنود قناصة يطلقون النار من داخل مدارس بعضها تابعة للأمم المتحدة.
كما اطلع الأورومتوسطي على عدة مقاطع فيديو نشرها جنود إسرائيليون يتفاخرون فيها وهم يسيطرون على مدارس بعد استباحتها وإجبار النازحين إليها على إخلائها عنوة بعد قتل وإصابة واعتقال الآلاف منهم. ومنها فيديو لجندي في الجيش الإسرائيلي يوثق ما كتبه باللغتين العبرية والأوكرانية من رسالة لأمه بأنه في غزة على سبورة أحد الفصول الدراسية داخل مدرسة. كما سبق أن نشر جنود على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع لهم وهم يتمركزون داخل فصول دراسية وتخريب بعضها بما في ذلك تفاخر مجموعة جنود بتفجير مدرسة تابعة للأمم المتحدة.
وأبرز المرصد الأرومتوسطي أن إسرائيل دمرت 80% من مدارس قطاع غزة بين كلي وجزئي في هجومها العسكري منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وهو ما وصفه خبراء الأمم المتحدة في بيان مشترك صدر في 18 نيسان/أبريل الماضي، بأنه يمثل إبادة تعليمية ويحرم جيلاً آخر من الفلسطينيين من مستقبلهم.
ولفت إلى أنه حتى المدارس التي تتولى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) والتي تحولت إلى مراكز إيواء لمئات آلاف المدنيين النازحين قسراً تعرضت ولا تزال لهجمات إسرائيلية مكثفة – بعضها بشكل متكرر وفي فترات متفرقة- بما في ذلك في المناطق التي أعلن الجيش الإسرائيلي أنها مصنفة “آمنة”.
ومنذ إطلاق هجومه العسكري، وضع الجيش الإسرائيلي نحو 246 كيلومترًا مربعًا، أي ما يعادل نحو 67%من مساحة قطاع غزة، تحت أوامر الإخلاء غير القانونية من الجيش الإسرائيلي؛ ويشمل ذلك جميع المناطق الواقعة شمال وادي غزة، والتي صدرت أوامر لسكانها بالإخلاء في أواخر تشرين أول/أكتوبر، بالإضافة إلى مناطق محددة جنوب وادي غزة أمر الجيش الإسرائيلي بإخلائها تباعا منذ 1 كانون أول/ديسمبر الماضي.
ويقدر بأن أكثر من 6500 طالب و756 معلما قتلوا وأصيب آلاف أخرين في الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة حتى منتصف نيسان/أبريل الماضي، فيما تزداد الأعداد كل يوم، ويستمر حرمان ما لا يقل عن 625 ألف طالب من حقهم في التعليم على مدار عام دراسي كامل. كما تعرضت ست جامعات للتدمير إحداها جرى تفجيرها بعد أسابيع من استخدامها قاعدة عسكرية للجيش (جامعة الإسراء).
ونبه المرصد إلى تصريحات رئيس مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة “أجيث سونغاي” التي قال فيها إن النظام التعليمي في غزة “لم يعد له وجود في هذه المرحلة”، في ظل استخدام المدارس كملاجئ أو تدميرها في عمليات القصف الإسرائيلية بحيث لم تعد هناك مساحة لتعلم الأطفال.
وكان الأورومتوسطي وثق في تقرير له في 13 كانون أول/ديسمبر أن الجيش الإسرائيلي حول مدارس اتخذها عشرات آلاف النازحين ملاجئ إيواء، إلى مراكز عسكرية وإعدامات ميدانية. وفي حينه نشر المرصد شهادات عن تنفيذ قوات الجيش الإسرائيلي عمليات إعدام ميداني وقتل دون أي مبرر ضد مدنيين فلسطينيين بعد احتجازهم لأيام داخل مدارس لجئوا للنزوح إليها.
وأظهرت الشهادات فظائع إنسانية مروعة وعمليات قتل لم يكن لها أي مبرر طالت مدنيين بعد الإفراج عنهم، ما يدلل على أنه لا يوجد أي سبب لإطلاق النار عليهم وقتلهم، منها العثور على نحو 15 جثة متحللة لقتلى فلسطينيين، يتضح من الفحص الأولي لهم تعرضهم لإعدامات ميدانية خلال استجوابهم من الجيش الإسرائيلي في مدرسة (شادية أبو غزالة) الحكومية في منطقة الفالوجة غرب مخيم جباليا شمال قطاع غزة وذلك بعد انسحاب الآليات العسكرية للجيش من المدرسة.
وفي آذار/مارس الماضي، أدان نحو مائة أكاديمي أوروبي مرموق في عريضة أطلقها المرصد الأورومتوسطي، جريمة الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد المدنيين في غزة وتعمد تصفيتهم جسديًا وثقافيًا، بما في ذلك الاستهداف والتدمير المنهجي للنظام التعليمي في القطاع.
وشدد الأورومتوسطي على أهمية حماية المدارس خلال الهجمات العسكرية التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة، وضرورة قيام المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف عملياتها العسكرية ضد وداخل مدارس القطاع، لما في ذلك من ضرورة لا غنى عنها لضمان حق الأطفال الفلسطينيين في التعليم، ولضمان عودتهم إلى مدارسهم بأسرع وقت ممكن، رغم الحاجة الهائلة لعمليات الإصلاح وإعادة الإعمار اللازمة لهذه المدارس، والتحقق من عدم وجود أسلحة ومعدات عسكرية قبل أن يمكن استخدام هذه المدرسة مرة أخرى بأمان.
ويذكر الأورومتوسطي المجتمع الدولي بالأوضاع الكارثية التي يعيش فيها الأطفال في قطاع غزة، الذين يعتبروا بالأساس من أكثر الفئات ضعفا في أوقات النزاعات المسلحة، وأصبحوا اليوم يعانون بشكل أكبر من تبعات الهجوم العسكري الإسرائيلي المستمر على القطاع، وباتوا لا يتمتعون بأي نوع من أنواع الحماية المقررة لهم بموجب القانون الدولي، بل أصبحوا هدفًا مباشرًا ومتعمدًا لجرائم القتل والإعدام والاستهدافات العمدية والعشوائية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى كونهم ضحايا جرائم التجويع والحصار والحرمان من الرعاية الصحية ومقومات النجاة الأساسية، والحرمان من التعليم لفترات طويلة، مما سيؤثر على قدرتهم على تمتعهم بحقوقهم الأخرى ويجعلهم أكثر عرضة للفقر والبطالة للاستغلال، بالإضافة إلى خطورة حرمان أجيال من التعليم على إعادة بناء المجتمع الفلسطيني في القطاع بعد انتهاء الهجوم العسكري الإسرائيلي.
وجدد المرصد الأورومتوسطي مطالبته بضرورة تمكين لجان تحقيق ولجان فنية متخصصة من الدخول إلى قطاع غزة والتحقيق في الجرائم المروعة التي ترتكبها إسرائيل، ومسائلتها عن انتهاكاتها بلا هوادة الاتفاقية الدولية لمنع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية عبر الاستهداف الجماعي لسكان القطاع لكونهم فلسطينيين بما في ذلك نهج القتل والإيذاء الجسدي والعقلي وتقويض أساسيات الظروف المعيشية للبقاء على قيد الحياة وفرض التهجير القسري عبر سحق وعسكرة الأعيان المدنية.