“صندوق النقد الدولي”: طالِبوا بشفافية الشركات العسكرية المصرية
قالت “هيومن رايتس ووتش” و”مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان” و”مبادرة الحرية” اليوم في رسالة إلى المجلس التنفيذي لـ “صندوق النقد الدولي” إن على الصندوق أن يطلب من الحكومة المصرية الكشف عن المعلومات المالية حول الشركات المملوكة للجيش.
وأتى هذا الطلب كجزء من التقارير المطلوبة عن الشركات التي تملكها الدولة، قبل صرف الشطر التالي من التمويل بموجب برنامج الإقراض الحالي.
التعاملات المالية للشركات المملوكة للهيئات العسكرية، والتي تنتج في الأساس سلعا مدنية، محجوبة تماما عن الرأي العام، ما يجعلها بيئة خصبة للفساد وتقوّض الرقابة المدنية على تمويل الجيش المصري المسؤول عن انتهاكات خطيرة.
قالت سارة سعدون، باحثة أولى في الأعمال وحقوق الإنسان في هيومن رايتس ووتش: “منذ 2016، وافق صندوق النقد الدولي على إقراض مصر 20 مليار دولار، بهدف ظاهري يتمثل في إجراء الإصلاحات الضرورية على التعاملات المالية الحكومية الغامضة”.
وأضافت سعدون: “خلال تلك الفترة، واصلت الشركات العسكرية المتنامية باطراد العمل بسرية، بينما تَسامح الصندوق فعليا مع الشركات المملوكة للجيش لناحية متطلبات الشفافية التي يستوجبها.”
في سبتمبر/أيلول 2020، وافق صندوق النقد الدولي على اتفاق استعداد ائتماني بقيمة 5.2 مليار دولار لمصر، على أن يتم سداده على ثلاث دفعات خلال 12 شهرا.
يأتي هذا القرض بعد قرض طارئ بقيمة 2.77 مليار دولار تمت الموافقة عليه في مايو/أيار، وبعد انتهاء برنامج مدته ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار تمت الموافقة عليه في 2016.
يتمثل أحد الأهداف الثلاثة للبرنامج الحالي في “تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الرئيسية لتعزيز الشفافية، والحوكمة، والمنافسة”، وذلك للبناء على برنامج القرض لعام 2016.
في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، استكمل خبراء صندوق النقد الدولي مراجعتهم لامتثال الحكومة لشروط القرض قبل صرف الدفعة التالية، بما فيها مطلب نشر تقرير عن الشركات المملوكة للدولة “مع الإفصاح الكامل عن المعلومات المالية المفصلة للسنة المالية 2018/2019 لجميع هذه الشركات”.
لم تلاحظ المراجعة أي مشاكل في التقرير الذي نشرته الحكومة المصرية، على الرغم من أنّه فيما يبدو لم يتضمن أي شركة من عشرات الشركات العملاقة المملوكة لوزارتي الدفاع والإنتاج الحربي، وهما الجهتان الرئيسيتان اللتان تديران مصالح الجيش الاقتصادية التي تنافس القطاع الخاص.
قالت المنظمات الحقوقية في الرسالة إنّ على المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي الإصرار على أن تُدرج السلطات المصرية الشركات المملوكة للجيش في جميع متطلبات الشفافية التي تنطبق على الشركات المملوكة للدولة.
برز الجيش المصري منذ ثمانينيات القرن الماضي كجهة اقتصادية فاعلة مهمة ومتنامية في قطاعات مدنية عديدة ومتنوّعة تشمل البنية التحتية، والواردات، وتصنيع الكيماويات، وإنتاج المواد الغذائية، والأدوات المنزلية.
لكن منذ استيلاء الجيش على مقاليد السلطة في 2013، توسعت الشركات العسكرية بشكل غير مسبوق. رغم أنّ الاقتصاد العسكري “يستحوذ على حصة غير متناسبة من الإيرادات العامة”، إلا أنه يعمل في سرية شبه تامة، ويخفي على الأرجح “عدم كفاءة وخسائر خفية”، وفق تقرير شامل نشره “مركز كارنيغي للشرق الأوسط” في 2019.
يستخدم الجيش على الأرجح آلاف الشبان كعمالة غير مدفوعة الأجر من خلال نظام التجنيد الإلزامي في البلاد، وفق لما يزيد عن 12 مقابلة أجرتها هيومن رايتس ووتش مع مجندين سابقين وخبراء.
أشار تقرير مركز كارنيغي إلى أنّ “الجزء الأكبر من القطاع الاقتصادي العسكري الرسمي لا يقع ضمن اختصاص هيئات التدقيق ومكافحة الفساد في مصر، أكان ذلك بحكم القانون أم بحكم الواقع. مع ذلك، “الأدلة السردية، والروايات الداخلية، وانكشاف الفضائح.
تشير إلى فساد نمطي وواسع النطاق، على الأقل داخل تلك الأجزاء من قطاع الدفاع المعنية بالمشتريات والتموين، وترخيص الأعمال من جميع الأنواع والمقاولات والخدمات العامة.”
في 2018، اعتمد صندوق النقد الدولي مبادئ توجيهية لتحسين نهجه في اجتثاث الفساد، وسط سعيه إلى تصحيح اعتماده السابق على خطاب أقل تأثيرا، أو اجتناب الموضوع بالكامل.
يتوقّع النهج الجديد من موظفي الصندوق أن يتصدوا “بصراحة” للفساد في البلدان الأعضاء، وأن يشرطوا الإقراض بإصلاح الحوكمة عند الاقتضاء.
مع ذلك، لا يشير اتفاق الاستعداد الائتماني الذي تمت الموافقة عليه في أغسطس/آب صراحة إلى الدور المتنامي للجيش في الاقتصاد، أو خطر الفساد وسوء الإدارة بسبب الافتقار إلى الرقابة – في تكرار لإغفال صارخ في برنامج 2016.
لا يشمل الاتفاق أيضا الإصلاحات الضرورية للقضاء على الفساد، مثل استعادة استقلالية “الجهاز المركزي للمحاسبات” في مصر.
في الوقت نفسه، من الواضح أن مواجهة النمو – منزوع الشفافية – للأنشطة الاقتصادية للجيش أمر محوري لبرنامجَي صندوق النقد الدولي.
على غرار البرنامج الحالي، هدف البرنامج الذي تمّت الموافقة عليه في 2016 إلى “تعزيز المنافسة، وتحسين الحوكمة، والحد من نطاق الفساد، وتخفيف دور الدولة”، وشمل متطلبات محددة لتقليص الميزة التنافسية للجيش، مثل استخدام الأراضي. يشكّل نشر المعلومات المالية حول الشركات المملوكة للدولة، المدرجة في البرنامجين، مطلبا رئيسيا أيضا لتحقيق هذا الهدف.
مع ذلك، سمح صندوق النقد الدولي للحكومة المصرية باستثناء الشركات المملوكة للجيش من تقرير الشركات المملوكة للدولة الذي أعدّته بموجب البرنامج السابق، ويبدو أنه مستعد لتكرار ذلك. قالت المنظمات إن على المجلس التنفيذي للصندوق أن يحرص على عدم تكرار هذا الإغفال.
الشفافية والمساءلة في الشركات المملوكة للجيش أمران أساسيان لمعالجة الفساد وسوء الإدارة اللذين يهدران الموارد العامة الثمينة، والتي يمكن استثمارها بدلا من ذلك في تأمين حقوق مثل الرعاية الصحية، والإسكان، والغذاء، والحماية الاجتماعية.
تزيد الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تفشي فيروس “كورونا” الحاجة إلى الحد من الفساد والهدر في الإنفاق لزيادة دعم الدولة إلى أقصى حد للمحتاجين إليه.
ينطبق هذا بشكل خاص على صندوق النقد الدولي في مصر، حيث أن 32 مليون نسمة – ثلث عدد السكان – يعيشون دون خط الفقر الرسمي، وكانوا يرزحون أصلا تحت وطأة الإصلاحات التي يقودها الصندوق.
سرّعت شروط برنامج 2016 ارتفاع تكاليف المعيشة، ما أدّى إلى زيادة الفقر وصعّبت من قدرة الناس على تحمّل تكاليف الغذاء والضروريات الأخرى.
منذ بدء تفشي فيروس كورونا، وضعت كريستالينا غورغيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، رؤية لإعادة بناء الاقتصادات لتكون أكثر عدلا ومحاربة عدم المساواة بطريقة تشمل “عدم التسامح مطلقا مع الفساد”.
قالت المنظمات إنّ صندوق النقد الدولي يتحمّل مسؤولية متزايدة لتضمين إجراءات مكافحة فساد النخبة في برنامجه وتطبيقها بصرامة في البلدان التي شكّلت فيها الإصلاحات التي يقودها الصندوق عبئا على حقوق الفقراء.
الإشراف العام على الأنشطة الاقتصادية للجيش أساسي أيضا للحفاظ على السيطرة المدنية ومحاسبة المسؤولين العسكريين عن الانتهاكات.
في تقرير عن أندونيسيا، توصلت أبحاث هيومن رايتس ووتش إلى أنه “كلما كانت عائدات الجيش وإنفاقه خارج سيطرة الحكومة المدنية، وزادت الأموال التي يجمعها، كلما صعُب على السلطات المدنية الانخراط في رقابة مجدية على الجيش”.
هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية أخرى وثّقت على نطاق واسع الانتهاكات التي ارتكبها الجيش المصري، وعدم استعداد الحكومة لمحاسبة المتورطين.
قالت سعدون: “طلب صندوق النقد الدولي من عشرات الملايين من المصريين الذين يعيشون في ضائقة مالية قبول وتحمّل إصلاحات مؤلمة من أجل تحقيق توازن في ميزانية الحكومة”.
وختمت سعدون: “إذا كان الصندوق يحرص حقا على أن تكون هذه الإصلاحات مجدية ومستدامة، فأقل ما يمكنه فعله هو أن يأخذ على محمل الجد التزامه بمكافحة الفساد بين النخبة في البلاد، بما فيها الجيش”.