الأورومتوسطي يكشف عن شهادات مروّعة لمحتجين عراقيين تعرضوا للتعذيب
جنيف- كشف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في تقرير مفصّل نشره اليوم في الذكرى السنوية الأولى لانطلاق الاحتجاجات في العراق شهادات مفزعة لمحتجين وقعوا ضحايا لانتهاكات الأمن العراقي والميليشيات المسلّحة، معربًا عن قلقه الشديد من مناخ الخوف والاستهداف الذي يسيطر على الساحة السياسية والإعلامية في العراق.
وتناول التقرير، والذي جاء في نحو 45 صفحة، بشكل مفصّل أسباب اندلاع الاحتجاجات الشعبية في مختلف المحافظات العراقية، والتعامل الأمني العنيف مع تلك الاحتجاجات وما نتج عنه من خسائر في الأرواح، كما وثّق أساليب وأشكال الانتهاكات التي مارستها القوات الأمنية والميليشيات المسلحة ضد المعارضين والنشطاء السياسيين والصحفيين، وقدّم تأطيرًا قانونيًا لتلك الممارسات.
وذكر التقرير الذي جاء بعنوان (العراق.. انتهاكات بلا رادع) أنّ العراق يعاني منذ سنوات أوضاعًا حقوقية واقتصادية مأساوية، دفعت الآلاف إلى النزول للشوارع في بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2019، للاحتجاج على الأزمات التي تعيشها البلاد من غلاءٍ للأسعار وارتفاع نسب البطالة والفقر، وضعف الخدمات الأساسية كالمياه النظيفة والكهرباء، فضلاً عن تفشي الفساد في مؤسسات الدولة، وتصاعد الانتهاكات بحق المدنيين من اعتقالٍ وخطفٍ واختفاءٍ قسري، ومضايقاتٍ متزايدة على صعيد حرية الرأي والتعبير.
وبيّن أنّ قوات الأمن والميليشيات الحزبية المسلحة سارعت إلى مواجهة المتظاهرين بالعنف المفرط، وشمل ذلك القتل والاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري، ما أدّى إلى مقتل أكثر من 730 متظاهرًا وجرح نحو 25 ألفًا آخرين في مختلف المحافظات العراقية، لافتًا إلى أنّ أخطر أشكال القمع التي تعرّض لها النشطاء العراقيون هي عمليات الاغتيال المنظمة، والتي أودت بحياة نحو 70 منهم، في حين لا تبذل الأجهزة المختصة جهودًا كافية لكشف الفاعلين والحد من تلك العمليات.
وأبرز التقرير المضايقات الكبيرة التي تمارسها السلطات ضد حرية الرأي والتعبير بحجة تطبيق القانون والحفاظ على النظام العام، إذ اعتقلت قوى الأمن العديد من الناشطين والمدونين على وسائل التواصل الاجتماعي، بحجة أن ما ينشرونه على تلك المنصات يهدد السلم المجتمعي، ويبث الكراهية ويشعل الفتنة.
وعلى صعيد عمليات الاعتقال والإخفاء والتعذيب، وثّق التقرير اعتقال قوات الأمن والميليشيات المسلحة لآلاف المتظاهرين، وإخفاء (75) آخرين، أُفرج عن (22) منهم، في حين بقي (53) آخرين في عداد المفقودين، ولا يُعرف عن مصيرهم شيئًا حتى الآن.
وحصل فريق البحث الميداني للمرصد الأورومتوسطي في العراق على شهاداتٍ عدة لمحتجين تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة أثناء الاعتقال، ويبدو أنّ الهدف من ذلك كان إما انتزاع الاعترافات أو إجبار الضحايا على التوقيع على اتهامات وأوراق ذات محتوى غير معروف، أو كان يُمارس كشكل من أشكال العقوبة.
وأفاد الضحايا أنّ التعذيب اتخذ أشكالاً عدة؛ كالصعق الكهربائي، والخنق، والصفع والتعليق في السقف بواسطة الأطراف، والاعتداء بالضرب، ومنها ما كان يأخذ شكل الإساءات اللفظية والتهديدات شديدة اللهجة.
وقال المختطف السابق، “حسين علي خلف”(20 عامًا)، وهو ناشط مدني من محافظة واسط جنوبي العراق: “بتاريخ 6 آذار/مارس 2020 أثناء ذهابي إلى التظاهرات، اعترضت طريقي مركبات على متنها ملثمين، حيث ترجل 6 منهم وانهالوا عليّ بالضرب، وعصبوا عينيّ واقتادوني إلى منطقة مجهولة. احُتجزت هناك نحو 12 ساعة بقيت خلالها معصوب العيني ومكبّل اليدين، وتعرضت للضرب المبرح في أنحاء جسدي كافة، وتم ركلي بشكل متكرر ومستمر على المناطق الحساسة وشتمي بأبشع الألقاب والصفات، وحلقوا شعري بطريقة مهينة، وهددوني بالقتل في حال الاستمرار بالمشاركة في التظاهرات. وفي نهاية النهار تم زجي بسيارة تابعة لهم مع مجموعة من الأشخاص، وتم رمي على قارعة الطريق ولاذوا بالفرار. كنت معصوب العينين، وفي الفترة البسيطة التي حاولت فيها فك العصبة عن عيناي كان أثرهم قد اختفي من المكان ولم أستطع التعرف عليهم”.
ووثّق التقرير اعتداءات ممنهجة على الصحفيين ووسائل الإعلام التي تشارك في تغطية الاحتجاجات، إذ سُجّلت منذ بداية الاحتجاجات الشعبية أكثر من 414 حالة انتهاك ضد الصحفيين ووسائل الإعلام، كان أخطرها التصفية الجسدية، إذ فقد 28 صحفيًا أرواحهم بعمليات اغتيال نفّذها مسلحون مجهولون، إلى جانب أشكال أخرى من الانتهاكات كالاعتداء الجسدي، والترهيب والتوقيف التعسفي خارج إطار القانون، وإجبار الصحفيين على حذف بعض المواد المصورة أو المكتوبة، بالإضافة إلى احتجاز عددٍ كبيرٍ منهم بسبب إجراء لقاءات مع المتظاهرين.
من جانبه، قال المستشار القانوني لدى الأورومتوسطي “طارق اللواء” إن القوانين المحلية العراقية والقوانين الدولية تحظر جميع الانتهاكات التي ترتكبها القوات الحكومية العراقية والمليشيات المسلحة سواء فيما يتعلّق بعمليات القتل خارج إطار القانون، أو التضييق على حرية الرأي والتعبير، أو تلك المتعلّقة بالإخفاء القسري والتعذيب.
ولفت “اللواء” إلى غياب واضح لنظام مساءلة ومحاسبة فعّال في العراق، إذ تتكرر بشكل مستمر حوادث الاغتيال والاختطاف وغيرها من الانتهاكات دون وجود تحقيقات جدّية لمعرفة الفاعلين ومحاسبتهم وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
وأوصى تقرير الأورومتوسطي الحكومة العراقية باتخاذ الإجراءات المناسبة لتحديد مكان المختطفين من المتظاهرين والعمل على إطلاق سراحهم بشكلٍ فوري، ودعاها إلى احترام الحقوق الأساسية للمواطنين العراقيين والمكفولة في القانون الوطني والقوانين الدولية على حدٍ سواء؛ مثل الحق في الحياة، الحق في الحرية والأمن الشخصي، الحق في حرية الرأي والتعبير والحق في حرية التجمع السلمي، وغيرها من الحقوق الأصيلة التي يُحظر المساس بها.
وحثّ السلطات العراقية على مراجعة القانون الوطني وتعديله بما يتناسب والقانون الدولي لحقوق الإنسان فيما يتعلق باستخدام القوة ومواجهة المحتجين، وبما يتيح لهؤلاء المحتجين ممارسة حقوقهم وعلى رأسها حقهم في حرية الرأي والتعبير.
كما طالب السلطات بفرض الأمن والنظام في حدود القانون، وتفكيك الميليشيات المسلحة التي تعمل خارج إطار القانون، وإنهاء حالة الفوضى والفلتان الذي يهدّد مختلف أنواع الحريات في البلاد.