شمال شرق سوريا: مستقبل غامض لمحتجزي المخيمات
(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن عشرات الآلاف ما يزالون عالقين في مخيمَي الهول وروج في شمال شرق سوريا في ظروف تهدد حياتهم وسط تجدد الاشتباكات بعد شهرين من سقوط حكومة بشار الأسد. يتسبب تعليق الحكومة الأمريكية المساعدات الأجنبية للمنظمات غير الحكومية العاملة في هذه المخيمات في تفاقم الظروف المهددة للحياة، ويخاطر بالإمعان بزعزعة الحالة الأمنية الهشة.
ينبغي لجميع الحكومات على وجه السرعة استعادة مواطنيها المحتجزين تعسفا في شمال شرق سوريا. في انتظار الاستعادة، على جميع أطراف النزاع وحكومة تصريف الأعمال السورية التعاون لضمان أمن المخيمات والسجون التي تؤوي المشتبه بانتمائهم إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وعائلاتهم واتخاذ خطوات عاجلة لتحسين الظروف المزرية. أي تسوية سياسية في المنطقة يجب أن تتضمن إنهاء الاحتجاز التعسفي لأولئك الذين يُزعم صلتهم بـ داعش وعائلاتهم وضمان الإجراءات القانونية الواجبة للمتهمين بالانتهاكات والجرائم.
قالت هبة زيادين، باحثة أولى في شؤون الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “ينبغي ألا يُترك المحتجزون بشكل غير قانوني في مخيمي الهول وروج عالقين إلى الأبد. يجب إدراج وضعهم المزري في المناقشات حول مستقبل سوريا، وأن تدفع هشاشة الوضع في سوريا الدول إلى العمل بسرعة على استعادة مواطنيها”.
يضم مخيما الهول وروج، اللذان تديرهما “الإدارة الذاتية الديمقراﻁية لشمال وشرق سوريا” (الإدارة الذاتية) بقيادة الأكراد، الجناح المدني لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، حوالي 42,500 شخص، معظمهم زوجات الذكور المشتبه بانتمائهم إلى داعش، وقريباتهم البالغات الأخريات، وأطفالهم. حوالي 18 ألف منهم أجانب، بينهم نساء وأطفال من أكثر من 60 دولة.
يحتُجز المعتقلون تعسفا منذ ست سنوات في ظروف غير إنسانية ومهينة تهدد حياتهم منذ أن اعتُقلوا أثناء سقوط “خلافة” الدولة الإسلامية. لم يُعرض المعتقلون الأجانب قط على المحاكم، ما يجعل احتجازهم تعسفيا، وغير قانوني، وغير محدد الأجل. ما يزال أكثر من 9 آلاف معتقل من أكثر من 50 دولة، يُزعم انتمائهم إلى داعش، محتجزين في مرافق تحرسها قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا أيضا.
قال عاملو إغاثة دوليون لـ هيومن رايتس ووتش إن تجميد التمويل الأمريكي من شأنه أن يحد من توفير الخدمات الأساسية لسكان المخيم.
قال مسؤول رفيع في إحدى المنظمات الإنسانية المستجيبة في شمال شرق سوريا لـ هيومن رايتس ووتش: “التأثيرات الفورية والكبيرة [لتعليق التمويل] محسوسة في جميع جوانب الاستجابة. جعلت أوامر وقف العمل المنظمات غير أكيدة بشأن كيفية المضي قدما في تسليم السلع الأساسية، مثل الكاز والمياه، ما أدى إلى تفاقم النقص القائم أصلا”. قال عامل إغاثة: “ستواجه استجابة شمال شرق سوريا صعوبة في الاستمرار ما لم يُستَثنَ ʹمكتب المساعدات الإنسانيةʹ [من تجميد التمويل] أو لم تمنحه واشنطن إعفاءً عاجلا”.
قال عامل إغاثة إن “بلومونت”، المنظمة المسؤولة عن إدارة المخيمات في مخيمي الهول وروج، تلقت من “مكتب السكان واللاجئين والهجرة” التابع لوزارة الخارجية الأمريكية أمرا بوقف العمل مساء 24 يناير/كانون الثاني. علقت بلومونت أنشطتها وسحبت جميع موظفي إدارة المخيم، بمن فيهم الحراس المسؤولون عن تأمين المواقع، والخدمات، والمرافق، ومخزونات المستودعات للمنظمات غير الحكومية. ونتيجة لذلك، أوقفت العديد من المنظمات الأخرى جميع الأنشطة في المخيمات.
في 28 يناير/كانون الثاني، أصدر وزير الخارجية ماركو روبيو إعفاءً لـ “المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة”. وفي اليوم نفسه، تلقت بلومونت إعفاءً لأسبوعين من تجميد التمويل، ما سمح لها باستئناف أنشطتها. قال عامل الإغاثة: “لكن هذا الإعفاء هو مجرد عد تنازلي للعودة إلى الموقف نفسه لاحقا، لتبقى القضايا الإجمالية كما كانت خلال الفترة التي سبقت إنفاذ الإعفاء”.
ينبغي لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو مواصلة تقديم المساعدة الأمريكية إلى المنظمات التي تقدم المعونات الأساسية لإنقاذ الأرواح في شمال شرق سوريا.
تصاعدت الاشتباكات في شمال شرق سوريا بين “الجيش الوطني السوري”، المدعوم من تركيا، وقوات سوريا الديمقراطية منذ الإطاحة بحكومة الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024. أثّر هذا النزاع بشدة على الأمن الإقليمي وأدى إلى تفاقم الظروف الإنسانية، مع نزوح أكثر من 100 ألف مدني إلى المناطق التي تحكمها الإدارة الذاتية.
أعربت قوات سوريا الديمقراطية مرارا عن قلقها بشأن المخاطر الأمنية التي تشكلها المخيمات، وحذّرت من عودة داعش بعد سقوط حكومة الأسد. وفي مقابلة مع “سكاي نيوز“، صرّح القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية اللواء عبدي مظلوم أن المواجهات العسكرية المستمرة مع تركيا والجيش الوطني السوري تسببت في تحويل موارد قوات سوريا الديمقراطية، ما ترك عددا أقل من القوات لضمان الأمن داخل المخيمات.
حوالي ثلثي الموجودين في المخيمات أطفال، ومعظمهم كانوا أصغر سنا من أن يؤدوا دورا نشطا في داعش. وقد وُلِد العديد منهم في المخيمات.
تظل جهود إعادة المحتجزين إلى أوطانهم متقطعة وغير كافية. منذ العام 2019، قبلت حوالي 36 دولة عودة مواطنيها. أعاد العراق أكثر من 10 آلاف شخص، بينما أعادت بقية الدول مجتمعة حوالي 3,365، منهم 2,200 طفل.
إلا أنّ دولا أخرى، لا سيما في أوروبا، مترددة أو ترفض تماما إعادة مواطنيها. جرّدت دول أخرى أعضاء داعش المزعومين من جنسياتهم، ما جعلهم عديمي الجنسية.
أعادت الحكومة الأسترالية 24 مواطنا، لكنها ماطلت في إعادة البقية. في العام 2023، رفض قاض في “المحكمة الفيدرالية” طلبا من منظمة “إنقاذ الطفولة” الإنسانية يتوخى إجبار الحكومة الأسترالية على إعادة 20 طفلا و11 امرأة أسترالييين من المخيمات.
وجد بحث أجرته هيومن رايتس ووتش أن العديد من الأطفال المحتجزين في المخيمات الذين أعيدوا أو عادوا لاحقًا إلى بلدانهم نجحوا في إعادة الاندماج.
غالبا ما تستشهد الحكومات بالمخاوف الأمنية والضغوط السياسية المحلية كأسباب للتقاعس، رغم تصريح خبراء الأمن أن الإعادة المنظمة أفضل من منظور حقوق الإنسان والأمن. سهّلت الولايات المتحدة بعض عمليات الإعادة، لكن دعواتها إلى اتخاذ إجراءات دولية أوسع لم تلقَ أي استجابة تُذكر.
في 13 يناير/كانون الثاني، قال أكبر مسؤول في الاستخبارات الخارجية الفرنسية نيكولا ليرنر، الذي يرأس “المديرية العامة للأمن الخارجي”، لصحيفة “لوموند” إن فرنسا ما تزال ملتزمة باستهداف عملاء داعش ضمن جهود التحالف الدولي. لم يذكر ليرنر أي إعادة محتملة للمواطنين الفرنسيين، رغم أن “لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل“، و”المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان“، و”لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب” وجدت أن فرنسا تنتهك قوانين حقوق الإنسان لتقاعسها عن إعادة النساء والأطفال المحتجزين في شمال شرق سوريا.
ينبغي أن يكون مصير أولئك الذين يُزعم انتماؤهم إلى داعش، سواء في المخيمات أو في السجون التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية، قضية محورية في النقاشات بشأن مستقبل سوريا. قالت هيومن رايتس ووتش إن إطالة أمد احتجازهم بدون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة ليس غير قانوني فحسب، بل أيضا غير مقبول.
احتجاز الأجانب إلى أجل غير مسمى من قبل الإدارة الذاتية بدون منحهم الفرصة للطعن في شرعية احتجازهم وضرورته هو إجراء تعسفي وغير قانوني. الاحتجاز الشامل لأفراد عائلات المشتبه في انتمائهم إلى داعش يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي، وهو جريمة حرب.
احتجاز الأشخاص بدون أي إجراءات قانونية وفي ظروف غير إنسانية أو مهينة مثل تلك السائدة في المخيمات والسجون في شمال شرق سوريا محظور تماما بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان وقوانين الحرب. على الدول الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي عبر إعادة مواطنيها إلى أوطانهم، ومقاضاة المسؤولين عن الجرائم، ودعم إعادة الدمج.
تؤكد قرارات مجلس الأمن، بما فيها القرار 2396 لسنة 2017، على أهمية مساعدة النساء والأطفال المرتبطين بجماعات مثل داعش الذين قد يكونون هم أنفسهم ضحايا للإرهاب، بسبل تشمل إعادة التأهيل والدمج.
قالت زيادين: “ستتفاقم الظروف المزرية في مخيمَيْ الهول وروج بدون إجراءات عاجلة، ما يؤدي إلى تأجيج عدم الاستقرار في المنطقة وخارجها. أرواح الآلاف، والكثير منهم أطفال، معلقة. يجب ألا يستمر الوضع الراهن غير المقبول الذي كان سائدا طيلة السنوات الست الماضية”.