شمال شرق سوريا: استمرار تجنيد الأطفال
(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن مجموعة شبيبة كردية في شمال شرق سوريا، تربطها صِلات بسلطات الأمر الواقع، تُجنّد الأطفال ليلتحقوا بعد ذلك حسب الافتراض بمجموعات مسلحة. تجنيد الأطفال يحرمهم من طفولتهم ويُعرضهم للعنف الشديد وقد يؤدي إلى صدمات جسدية ونفسية طويلة الأمد.
جنّدت “حركة الشبيبة الثورية في سوريا” فتيات وفتيانا في سن الـ 12، مقتلعة إياهم من مدارسهم وعائلاتهم، ومنعت ذويهم من الاتصال بهم، وصدّت جميع محاولات عائلاتهم الحثيثة لإيجادهم. رغم التزام السلطات بإنهاء هذه الممارسة، يُفترض أن المجموعة تنخرط في عملية التلقين الأيديولوجي للأطفال، نيابة عن المجموعات المسلحة، علنا ودون أي عقاب.
قال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هيومن رايتس ووتش: “مع أن ’قوات سوريا الديمقراطية‘ (قسد) التزمت بإنهاء جميع أشكال تجنيد الأطفال، فإن الانخراط الصارخ لمجموعات مثل حركة الشبيبة الثورية والعدد المستمر لحالات تجنيد الأطفال كل سنة يُبيّنان تقاعسا خطيرا. يتعين على قسد إلى أن تتخذ إجراءات فورية وحازمة لضمان التزام جميع المجموعات العاملة في مناطق سيطرتها بسياسات صارمة لعدم تجنيد الأطفال، وحماية جميع الأطفال من الاستغلال”.
رغم أن حركة الشبيبة الثورية ليست مجموعة مسلحة، إلا أنها حسب الافتراض منخرطة بشدة في الهياكل السياسية والعسكرية لـ”الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” بقيادة الأكراد، وجناحها العسكري أي قسد التي يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة. يُفترض أن دورها الأساسي هو التلقين الأيديولوجي للأطفال، وقد وثّقت منظمات حقوقية سورية مستقلة حالات قامت فيها الحركة بنقل الأطفال، لا سيما الفتيات، إلى مجموعات مسلحة تابعة لـ قسد، رغم تعهد هذه الأخيرة بإنهاء تجنيد الأطفال.
تجنيد الأطفال في المجموعات أو القوات المسلحة ينتهك القانون الدولي الإنساني، الذي يحظر تجنيد الأطفال دون سن الـ 15 واستخدامهم في النزاعات. تجنيد أو استخدام الأطفال على هذا النحو، يُعتبر جريمة حرب بموجب “نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية”. علاوة على ذلك، فإن “البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة” يمنع المجموعات المسلحة غير التابعة للدولة من تجنيد الأطفال دون الـ 18، مهما كانت الظروف.
في تقريره السنوي الأخير بشأن الأطفال والنزاعات المسلحة، اتهم الأمين العام لـ”الأمم المتحدة” جميع أطراف النزاع في سوريا بتجنيد الأطفال، مع 231 حالة تحققت منها الأمم المتحدة في 2023 نُسِبت إلى قسد والمجموعات التابعة لها. في تقرير نشرته في يوليو/تموز 2023، وثقت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” 43 حالة تجنيد على يد حركة الشبيبة الثورية في النصف الأول من 2023 فقط.
بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب 2024، قابلت هيومن رايتس ووتش سبع عائلات في مناطق خاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية قالت إن حركة الشبيبة الثورية أخذت أطفالها، ست فتيات وفتيان تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاما، بين مارس/آذار 2023 ويوليو/تموز 2024. بين هؤلاء الأطفال أربعة دون سن الـ 15، وسبعة، بينهم شقيقان، يأتون من عائلات نزحت جراء التوغل التركي العسكري في المنطقة.
لم تتمكن أي من العائلات من الاتصال بأطفالها منذ اختفائهم. في حالتين، رأت العائلات صورا للأطفال في الزي العسكري، ما يشير إلى احتمال نقلهم إلى مجموعات مسلحة. أما في حالات أخرى، لا يزال مكان الأطفال وظروفهم مجهولة.
تحدثت هيومن رايتس ووتش أيضا مع موظف في الأمم المتحدة، كان قد عمل مع قسد على خطة العمل المشتركة مع الأمم المتحدة لإنهاء تجنيد الأطفال؛ ومع باحث حقوقي سوري-كردي وثّق مئات حالات تجنيد الأطفال في أنحاء شمال شرق سوريا وشرح الأساليب التي تعتمدها المجموعات المسلحة في تجنيد الأطفال. في إحدى الحالات، نشرت حركة الشبيبة الثورية بيانا على موقعها الإلكتروني يشيد بفتاة التحقت بالمجموعة في سن الـ 14، وقاتلت لاحقا مع الجناح النسائي للمجموعة المسلحة، وتوفيت خلال تأدية واجبها في سن الـ 17.
أرسلت هيومن رايتس ووتش كتابا إلى قسد وإلى الإدارة الذاتية في 26 أغسطس/آب، تطلب معلومات حول دور حركة الشبيبة الثورية في تجنيد الأطفال، بالإضافة إلى الخطط والخطوات التي اتخذتها السلطات لمعالجة الأمر، لكنهما لم يردّا. كتبت هيومن رايتس ووتش أيضا إلى وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين في 9 سبتمبر/أيلول.
تقدم الولايات المتحدة دعما كبيرا لـ قسد على شكل مساعدات عسكرية وتدريب ودعم لوجستي لهدف أساسي هو قتال “تنظيم الدولة الإسلامية” (المعروف أيضا لـ’داعش‘) في شمال شرق سوريا. يتضمن هذا الدعم نشر قوات أمريكية، وضربات جوية، والإمداد بالأسلحة والعتاد، ومساعدة قسد في الحفاظ على سيطرتها على مناطق كان داعش يسيطر عليها في السابق.
إذا أرادت قسد والمجموعات التابعة لها أن تُعالج فعليا تجنيد الأطفال المستمر، يتعين عليها أن تُوقف فورا أنشطة تجنيد الأطفال التي تنفذها المجموعات المسلحة المنضوية في تحالفها، وأن تضمن ألا تقوم جهات تابعة لها أو جهات خارجية بعمليات تجنيد في المناطق الخاضعة لسيطرتها. عليها أن تجري تحقيقات حقيقية في أنشطة تجنيد الأطفال غير القانونية في مناطق سيطرتها، وتُحاسب المسؤولين عنها. عليها تعزيز المراقبة والمحاسبة لجميع المجموعات العاملة في مناطق سيطرتها، بما في ذلك عبر إنشاء أنظمة مراقبة أكثر فعالية، وعليها في الوقت نفسه ضمان قنوات اتصال واضحة بين الأطفال المجنَّدين وذويهم.
يتعين على قسد أن تعيد جميع الأطفال دون سن الـ 18، بسلامة إلى عائلاتهم، وأن تؤمن الدعم الطبي والنفسي لهم. ينبغي لها أن توسّع مكاتب حماية الأطفال التي أنشأتها للمساعدة في إنهاء تجنيد الأطفال، وضمان تمتعها بالموارد والموظفين والسلطة لإجراء تحقيقات، وأن تتعامل بجدية مع جميع التقارير حول الأطفال المفقودين.
بصفتها حليف أساسي لـ قسد، ينبغي للولايات المتحدة أن تستخدم نفوذها لضمان تنفيذ هذه التدابير، وأن تنظر في فرض عقوبات على حركة الشبيبة الثورية لدورها في تجنيد الأطفال. يحظر “قانون منع الجنود الأطفال” الأمريكي على الولايات المتحدة تقديم المساعدة العسكرية إلى الحكومات التي تجند الأطفال وتستخدمهم. قالت هيومن رايتس ووتش إن على الولايات المتحدة أن تطبق المبادئ نفسها على المجموعات المسلحة غير التابعة للدولة التي تدعمها.
قال كوغل: “اتخذت قسد والإدارة الذاتية خطوات مهمة لإنهاء ممارس تجنيد الأطفال المؤذية، إلا أن عدم معالجتها مشكلة التجنيد القسري والسري الذي تقوم به حركة الشبيبة الثورية يُهدد بإهدار التقدم المُحرَز”.
الالتزام بإنهاء تجنيد الأطفال
في 2019، وقّعت قسد خطة عمل مشتركة مع الأمم المتحدة، تلتزم فيها بتدابير ملموسة ومحددة زمنيا لإنهاء تجنيد الأطفال ومنع استخدامهم لأغراض عسكرية.
في إطار خطة العمل التي وضعتها، أصدرت قسد، وهي تحالف مجموعات مسلحة متعدد الإثنيات، أوامر عسكرية تحظر تجنيد أو استخدام الأطفال، ودرّبت القادة، وأنشأت مكاتب حماية الأطفال التي تستقبل دعاوى تجنيد الأطفال وتحقق فيها في جميع المناطق تحت سيطرتها، وسرّحت عشرات الأطفال المجندين.
إلا أن تقارير الأمم المتحدة المتعاقبة تُظهر تقدما متأرجحا، إذ سُجِّل ما بين 130 و285 حالة تجنيد قسد لأطفال سنويا بين 2019 و2023 تم التحقق منها. في 2020، سرّحت قسد 150 طفلا من صفوفها، مُظهرة جهدا كبيرا في تطبيق خطة عمل 2019. ارتفع عدد المسرَّحين قليلا إلى 182 في 2021، ما يشير إلى تقدُّم مستمر.
في 2022، ارتفع عدد الأطفال الذين جندتهم قسد إلى حده الأقصى، فبلغ 637 حالة تم التحقق منها. بحسب الأمم المتحدة، في العام نفسه وصل تسريح الأطفال إلى حده الأدنى، إذ بلغ 33 طفلا فقط، ما يعكس تراجعا مقلقا في عمل الإجراءات التصحيحية، بينما ارتفعت أعداد الأطفال المجندين. في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أغلقت قسد بحسب تقارير أحد مكاتبها الثمانية لحماية الأطفال. نسبت تقارير الأمم المتحدة المتتالية 60 حالة تجنيد أطفال تم التحقق منها إلى حركة الشبيبة الثورية بين 2019 و2023.
حركة الشبيبة الثورية والتجنيد
يُظهر بحث أجرته منظمات حقوقية سورية مستقلة، أن حركة الشبيبة الثورية نقلت الأطفال إلى مكوِّنَيْن أساسيين في قسد، “وحدات حماية الشعب” وجناحها النسائي “وحدات حماية المرأة”، وهما مجموعتان مسلحتان انخرطتا مباشرة بتجنيد الأطفال.
قال الباحث الحقوقي السوري الكردي الذي وثّق مئات حالات تجنيد الأطفال في شمال شرق سوريا لـ هيومن رايتس ووتش إن حركة الشبيبة الثورية وبعد تجنيد الأطفال وعزلهم عن عائلاتهم، تُخضعهم لشهرين على الأقل من التدريب الأيديولوجي المكثف، ثم تحوّلهم للالتحاق بإحدى المجموعات المسلحة، لا سيما وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة؛ وبعضهم يخضع لتمرين عسكري إضافي على يد “حزب العمال الكردستاني”، المجموعة المسلحة التي تنشط في تركيا والعراق، في جبل قنديل في العراق. أرسلت هيومن رايتس ووتش كتابا إلى حزب العمال الكردستاني في 24 سبتمبر/أيلول. ردّ الحزب في 28 سبتمبر/أيلول برسالة رفض فيها مزاعم تجنيد الأطفال وشدد على التزامه بـ”العمل وفقا لمتطلبات هذه الاتفاقية [جنيف] وأنكر وجود أي “علاقات تنظيمية” مع حركات الشبيبة في سوريا.
قال موظف الأمم المتحدة الذي عمل مع قسد على خطة عمل أممية لإنهاء تجنيد الأطفال أيضا إن حركة الشبيبة الثورية أرسلت أطفالا إلى جبل قنديل للتدريب العسكري. هذا الزعم يتوافق مع تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الإتجار بالبشر، الذي يضيء على تجنيد حركة الشبيبة الثورية للأطفال، كما يلحظ أن المراقبين نقلوا أخبارا عن أطفال يخضعون للتدريب العسكري في جبل قنديل. على نحو مماثل، أشار تقرير في 2024 لـ”مركز التوثيق ومكافحة التطرف”، وهي وكالة حكومية دنماركية، إلى شهادات عن أطفال يخضعون للتلقين على يد المجموعة، ثم ينتهون في معسكرات التدريب في جبال قنديل وسنجار.
شهادات العائلات
في جميع الحالات، باستثناء واحدة، أفادت العائلات التي قابلتها هيومن رايتس ووتش أن أطفالها غادروا المنزل ذات يوم ولم يعودوا. بعد استفسارات كثيرة مع أطراف مختلفة، بما فيها قسد ومسؤولي الإدارة الذاتية، علموا لاحقا، إما من خلال مكالمات من أشخاص يدعون أنهم أعضاء في حركة الشبيبة الثورية أو من خلال معارف لهم صلات بالمجموعة أو السلطات، أن حركة الشبيبة الثورية أخذت أطفالهم. في إحدى الحالات، قالت والدة فتاة مفقودة عمرها 12 عاما في القامشلي إنها عندما سألت “الأسايش”، قوات الأمن الداخلي في شمال شرق سوريا، أخبروها أن حركة الشبيبة الثورية أخذت طفلتها في ديسمبر/كانون الأول 2023.
بعد نحو 24 ساعة من البحث عن أخته المفقودة (14 عاما) في يونيو/حزيران 2024، علم نازح يعيش مع عائلته في منطقة الشهباء في شمال حلب من أحد الجيران أنها شوهدت وهي تستقل حافلة صغيرة سوداء على بعد 200 متر فقط من منزلهم. قال شقيقها إنه بعد التواصل مع مسؤولين مختلفين، تلقت العائلة مكالمة مجهولة المصدر بعد أيام قليلة تؤكد انضمامها إلى حركة الشبيبة الثورية.
سلّم موظف في بلدية الشهباء وامرأة قال إنها عضوة في حركة الشبيبة الثورية هاتف أخته وبطاقة ذاكرة للعائلة. قال إنهم عثروا على فيديو على البطاقة يُظهر أخته وهي تعلن أنها انضمت إلى المجموعة طوعا.
قالت عائلتان أخريان إنه بعد اختفاء أطفالهما وبحثهما عنهم، تلقتّا مكالمات هاتفية من أشخاص عرّفوا عن أنفسهم بأنهم أعضاء في حركة الشبيبة الثورية، وأكدوا انضمام الأطفال إليهم وطلبوا منهم الحضور لاستلام هواتفهم. قال والد فتاة أخرى (14 عاما) مفقودة منذ مارس/آذار 2023، إن أعضاء حركة الشبيبة الثورية اتصلوا به وأخبروه أنهم سيعيدون هاتفها ويسمحون له برؤيتها بشرط أن يُسجل فيديو يفيد بأنها انضمت إليهم طوعا.
قال والد الفتاة إنه رفض الطلب، موضحا أنه اكتشف لاحقا أن أحد أعضاء حركة الشبيبة الثورية كان يتواصل مع ابنته عبر فيسبوك ماسنجر، وأقنعها بالانضمام إلى المجموعة. لم يسمع عن ابنته منذ أكثر من 16 شهرا، لكنه قال إنه شاهد منذ ذلك الحين صورة لها بالزي العسكري في مركز تدريب عسكري في مدينة شداد بمحافظة الحسكة. لم تتمكن أي من العائلات الأخرى من التواصل مع أطفالها منذ اختطافهم.
قالت نازحة من عفرين تعيش في القامشلي إن حركة الشبيبة الثورية جندت ابنتها (14 عاما)، وهي طفلتها الوحيدة، في 2023، لكن عادت ابنتها إلى المنزل بعد شهرين بعد أن علمت أن والدتها مرضت. لكن بعد ذلك في يونيو/حزيران، قالت الأم إن الفتاة، وهي طالبة في الصف الثامن، تلقت مكالمة هاتفية أثناء مراجعة الواجبات المدرسية والاستماع إلى الموسيقى. خافَت ابنتها وأخبرت والدتها أنها يجب أن تغادر مجددا.
قالت الأم: “منذ ذلك الحين، لا أعلم شيئا عن مكان ابنتي أو إذا كانت بخير”. أشارت المرأة إلى أن ابنتها رفضت بعد التجنيد الأول الحديث عن تجربتها مع حركة الشبيبة الثورية، وأنها أصبحت عدوانية وبدت مضطربة عاطفيا.
قالت الأم: “أطالب المجتمع الدولي بحماية ابنتي، التي يجب أن تدرس، لا أن تحمل السلاح”.
لا مساعدة لعائلات الأطفال المفقودين
في ست من الحالات التي وثّقتها هيومن رايتس ووتش، أفادت العائلات أنها تواصلت مع المسؤولين المعنيين في الإدارة الذاتية وقسد، بما يشمل مكاتب حماية الطفل، لكن السلطات لم تتدخل فعليا، ولم تقدم أي مساعدة تُذكر في تحديد مكان أطفالهم أو استعادتهم.
قالت المرأة التي فُقدت ابنتها (12 عاما) منذ ديسمبر/كانون الأول 2023، والتي أكدت قوات الأمن الداخلي لاحقا أن حركة الشبيبة الثورية أخذتها، إن موظفا في مكتب حماية الطفل الذي زارته في القامشلي أخبرها أنهم “عاجزون عن المساعدة”.
قال والدان إن أعضاء في حركة الشبيبة الثورية سخروا منهما عندما استمرا في محاولة استعادة أطفالهما. قال والد طفلة عمرها 14 عاما وهي الفتاة الوحيدة في عائلته الممتدة، إن أحد أعضاء الشبيبة الثورية أخبره أنه “حتى لو أشعلت النار في نفسك هنا، فلن تعود ابنتك”. قال أب آخر، فُقدت ابنته (16 عاما) منذ ديسمبر/كانون الأول 2023، إنه زار “عشرات المكاتب”، بما فيها مكتب حماية الطفل لطلب المساعدة، لكن الرد الوحيد الذي تلقاه كان من أعضاء حركة الشبيبة الثورية الذين أخبروه أن ابنته “لن تعود أبدا” إليه.
في حين أفاد تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية في العام 2022 أن قسد اتخذت إجراءات تأديبية ضد أفرادها الذين ينتهكون الالتزامات التي تعهدت بها لمنع تجنيد الأطفال، بموجب خطة عمل الأمم المتحدة لعام 2019، لا يوجد ما يشير إلى أن قسد أو الإدارة الذاتية اتخذت أي خطوات للتحقيق ومحاسبة حركة الشبيبة الثورية على تجنيد الأطفال.
حركة الشبيبة الثورية في سوريا
راجعت هيومن رايتس ووتش معلومات مفتوحة المصدر ذات صلة، منها المواقع الإلكترونية الخاصة بحركة الشبيبة الثورية والإدارة الذاتية و”حزب الاتحاد الديمقراطي”، الذي يعمل كقوة سياسية مهيمنة في الإدارة الذاتية. كشفت هذه المراجعة أن حركة الشبيبة الثورية، التي تعرف نفسها كحركة اشتراكية مستوحاة من أفكار عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون، متوافقة أيديولوجيا مع حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي. الموقع الإلكتروني لحركة الشبيبة الثورية متوفر بشكل متقطع وقنواته على يوتيوب وتلغرام ما تزال مفتوحة. حيثما أمكن، قدمت هيومن رايتس ووتش روابط إلى صيغ مؤرشفة من الصفحات الإلكترونية ذات الصلة المتاحة على أرشيف “ويباك ماشين” الذي أسسته منظمة “إنترنت أركايف” (أرشيف الإنترنت).
لحركة الشبيبة الثورية حضور قوي في جميع أنحاء شمال شرق سوريا من خلال المكاتب والمراكز، ومجموعة متنوعة من الأنشطة الثقافية والسياسية والعسكرية التي تستهدف الشباب، والتي يحضر بعضها ويؤيدها مسؤولون رفيعو المستوى من قسد والإدارة الذاتية. بحسب تقارير، شارك أعضاء حركة الشبيبة الثورية في أعمال عدائية ضد المتظاهرين والصحفيين وأحزاب المعارضة السياسية في السنوات الأخيرة.
على صفحة مؤرشفة من موقعها الإلكتروني، تصف المجموعة نفسها بأنها جزء من “مجلس شباب حزب الاتحاد الديمقراطي”. يعرض حزب الاتحاد الديمقراطي بشكل بارز أنشطة المجموعة الشبابية على موقعه في الإنترنت، ويؤكد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2024 عن الاتجار بالبشر أنهم تابعون له.
يعرض الموقع الإلكتروني لحركة الشبيبة الثورية، وقنواتها على وسائل التواصل الاجتماعي، علنا جهود الحركة لتجنيد الشباب للمشاركة المستقبلية في النزاع المسلح، والعديد من المقالات في منتصف عام 2024 التي تُعلن أن عددا من الشباب انضموا إلى “صفوف حرب العصابات” أو “الشهداء المنتقمون” أو “استجابوا إلى دعوات التعبئة“. غالبا ما تكون المقالات مصحوبة بصور للشباب – يبدو أن بعضهم أطفال – في زي عسكري.
في قسم “شهداء حركة الشبيبة” على الموقع الإلكتروني، تُكرم الحركة روناهي إبراهيم، وهي فتاة صغيرة نازحة داخليا من رأس العين (سري كانيه)، التي غزتها تركيا واحتلتها في 2019. وفقا للصفحة الإلكترونية المخصصة لإبراهيم والتي لا توجد نسخة مؤرشفة منها على الإنترنت لكن هيومن رايتس ووتش لديها نسخة منها، انضمت روناهي إلى حركة الشبيبة الثورية في 2021 في سن 14 عاما وقُتلت في يناير/كانون الثاني 2024 في سن 17 عاما. أشار تقرير إعلامي محلي غطى جنازتها إلى أنها قاتلت مع “وحدات حماية المرأة” وأنها توفيت في حادث غير محدد أثناء تأدية واجبها.
قال شقيق الفتاة البالغة من العمر 14 عاما، والذي يعيش في الشهباء إن حركة الشبيبة الثورية تستهدف الأطفال في المدارس غالبا. قال: “يمارسون أنشطتهم في المدارس تحت ستار الفعاليات الثقافية، لكنهم في الواقع يغسلون أدمغة الأطفال للانضمام إليهم. لم تكن أختي الوحيدة من مدرستها التي انضمت إلى المجموعة، حيث انضم عديد من زملائها في الصف قبلها أيضا”.
وفقا لتقرير صدر عن المركز السوري للعدالة والمساءلة في أبريل/نيسان 2024، والذي وثق 23 حالة تجنيد للأطفال في شمال شرق سوريا بين 2020 و2023، إحدى أكثر طرق التجنيد شيوعا لدى حركة الشبيبة الثورية هي تحديد أطفال المدارس من خلال الأنشطة الثقافية في مراكزهم الخاصة. قال المركز: “غالبا ما يخدعون الأطفال، ويقنعونهم بالتسجيل في دورات تعليمية أو مهنية أو حتى فرص عمل واعدة، في حين أن الغرض الحقيقي هو التجنيد”. وجد تقرير صدر عن منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في يوليو/تموز 2023 أن من بين 52 حالة تجنيد للأطفال وثقتها في مناطق قسد في 2023 فقط، كانت حركة الشبيبة الثورية مسؤولة عن 43 حالة.
في يونيو/حزيران 2022، اعترف مسؤول من حركة الشبيبة الثورية لـ “أسوشيتد برس” بأن المجموعة تجند الأطفال لكنه نفى أي تجنيد إجباري، مشيرا إلى أن الأطفال ينضمون طواعية ولا يتم إرسالهم إلى الخدمة المسلحة إلا إذا اختاروا ذلك بعد المشاركة في التدريب التعليمي.
اعترف متحدث باسم مكتب حماية الأطفال التابع لـ قسد لـ أسوشيتد برس بأن تجنيد الأطفال في المناطق التي تسيطر عليها قسد كان مستمرا لكنه أكد أن آلية الشكوى فعالة، مشيرا إلى أن قسد أعادت أربعة أطفال إلى عائلاتهم في أوائل 2023، وأن آخرين جنّدتهم جماعات مسلحة ليست جزء من قسد. بموجب القانون الدولي، يتعين على قسد اتخاذ إجراءات ضد تجنيد الأطفال من قبل أي جماعة مسلحة تحت سيطرتها.