سوريا: لتركيز المرحلة الانتقالية بعد الأسد على حقوق الإنسان

(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن الإطاحة بحكومة بشار الأسد من قِبل جماعات المعارضة المسلحة خلقت فرصة كبرى لسوريا للقطع مع عقود من القمع وفتح صفحة حقوق الإنسان. المستقبل الأفضل لسوريا يتطلب معالجة عقود من الانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة السابقة، وغيرها من الأطراف المتحاربة خلال النزاع الذي استمر 13 عاما، وضمان المساءلة وحماية السوريين بغض النظر عن خلفياتهم الإثنية أو الطائفية أو انتماءاتهم السياسية.

 

قالت لما فقيه، مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “تحمَّل الشعب السوري أكثر من عقد من القمع والنزاع الوحشي. هذه لحظة حاسمة لنبذ الرعب الماضي، وإعادة بناء الثقة، وإرساء الأساس لمجتمع يُعامَل فيه الجميع بكرامة”.

 

لأكثر من 50 عاما، راكم حكم “حزب البعث” في سوريا سجلا مروعا من الانتهاكات الحقوقية. ارتكبت الحكومة السورية بقيادة بشار الأسد ما لا يحصى من الفظائع، والجرائم ضد الإنسانية، وغيرها من الانتهاكات خلال رئاسته التي استمرت 24 عاما. شمل ذلك الاعتقالات التعسفية الواسعة والمنهجية، والتعذيب، والإخفاء القسري، والوفيات في الاحتجاز، واستخدام الأسلحة الكيميائية، والتجويع كسلاح حرب، والهجمات العشوائية والهجمات التي تستهدف المدنيين والأعيان المدنية.

 

الجماعات المسلحة غير الحكومية في سوريا، بما فيها “هيئة تحرير الشام” وفصائل “الجيش الوطني السوري” التي بدأت الهجوم في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، مسؤولة أيضا عن انتهاكات حقوقية وجرائم حرب.

 

لدى القيادة السورية الجديدة فرصة غير مسبوقة لتكون قدوة في حقوق الإنسان، بسبلٍ تشمل حماية الحقوق الأساسية في دستور جديد. قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للسلطات الجديدة أن تصادق على مجموعة من الآليات والمعاهدات الخاصة بالقانون الدولي وحقوق الإنسان لم تصادق عليها حكومة الأسد وتضعها موضع التنفيذ.

 

توصي هيومن رايتس ووتش باتخاذ خطوات عاجلة لجميع السلطات التي تسيطر على مناطق في سوريا:

 

العدالة والمساءلة عن الانتهاكات الماضية

 

  • تأمين الأدلة على الفظائع وحفظها. ثمة حاجة ملحة لجمع الأدلة وحمايتها، بما فيها تلك الآتية من مواقع المقابر الجماعية والسجلات والأرشيفات الحكومية، والتي يمكن أن تكون أدلة حاسمة في عمليات المساءلة المحلية والدولية المستقبلية.

 

  • دعوة المراقبين المستقلين فورا إلى سوريا، والتعاون الكامل معهم وضمان وصولهم دون عوائق، بمن فيهم “الآلية الدولية المحايدة والمستقلة – سوريا” و”لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن الجمهورية العربية السورية”.

 

  • المصادقة على “نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية”، ومنحها ولاية قضائية بأثر رجعي يعود إلى العام 2002 من خلال تقديم إعلان إلى المحكمة. ينبغي للسلطات الجديدة أيضا العمل على مواءمة التشريعات الوطنية السورية بشكل كامل مع نظام روما الأساسي والقانون الدولي.

 

حماية المدنيين والأقليات والتراث الثقافي

 

  • حماية المدنيين من العنف وضمان حقهم في العيش في أمان. نشر وحدات أمنية عند الضرورة لحماية الأقليات الدينية والإثنية التي يُنظر إليها على أنها مؤيدة للحكومة السابقة أو يُشتبه في أنها كذلك.

 

  • اتخاذ خطوات فورية لتأمين مرافق تخزين الأسلحة في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطات المؤقتة وحراستها.

 

  • إعطاء الأولوية لإزالة الألغام الأرضية ومخلفات الحرب المتفجرة وتدميرها، بما يشمل تسهيل عمل الوكالات الإنسانية، وتدريب المتخصصين وتجهيزهم، وضمان التمويل الكافي للتوعية بالمخاطر ومساعدة الضحايا.

 

  • حماية المواقع الثقافية والتراثية وضمان عدم نهبها أو تدميرها.

 

  • معالجة الاحتياجات الإنسانية والحماية للسكان النازحين بسبلٍ تشمل عمليات وخيارات للعودة الآمنة تلبي المعايير الدولية وتحمي حقوق جميع السوريين وكرامتهم.

 

  • معالجة احتياجات الحماية والسلامة للنساء، والأطفال، والأشخاص ذوي الإعاقة، والمسنين، وغيرهم من الفئات الأكثر عرضة لانتهاكات حقوق الإنسان.

 

معالجة قضية الاعتقال والمخفيين

 

  • مع إطلاق سراح آلاف السجناء، الذين عانوا في ظروف احتجاز مروعة لعقود من الزمن، في السجون ومراكز الاعتقال في جميع أنحاء البلاد، ينبغي للسلطات اتخاذ خطوات عاجلة لتزويدهم بالرعاية الصحية والدعم النفسي-الاجتماعي وإعادة التأهيل؛ وحماية كرامتهم؛ وتسهيل لم شملهم السريع مع عائلاتهم.

 

  • إنشاء نظام لتتبع وإدارة عمليات إطلاق سراح السجناء، وضمان تحقيق العدالة المنصفة والنزيهة للمشتبه في ارتكابهم جرائم.

 

  • ضمان أن أي شخص محتجز هو محتجز فقط وفقا للقانون، وعرضه على قاض مستقل أو هيئة قضائية مستقلة على فترات منتظمة للنظر في شرعية احتجازه وضرورته مع توفر سلطة الأمر بالإفراج عنه. الإفراج عن جميع المعتقلين الذين لم يُحتجزوا بشكل قانوني.

 

  • معاملة جميع المعتقلين، بمن فيهم المقاتلون الأسرى والأعضاء السابقون في حكومة الأسد وقوات الأمن، بإنسانية ووفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

 

  • التعاون مع “المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في الجمهورية العربية السورية” التابعة للأمم المتحدة لتوضيح ما حدث للمختفين، ومنحها إمكانية الوصول الكامل وغير المقيد إلى مراكز الاعقتال في سوريا.

 

إصلاح الحوكمة

 

  • إنشاء آليات لمنع نهب الممتلكات المدنية، وحماية البنية التحتية الرئيسية، وضمان تقديم الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والرعاية الصحية. ضمان إمكانية حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على الخدمات الأساسية. وجود عملية شفافة لتوثيق وحماية الممتلكات المهجورة أمر بالغ الأهمية لمنع مزيد من النزاعات وضمان التعويض في نهاية المطاف.

 

  • بناء هيكلية للحوكمة تمثل جميع السوريين وضمان أن عمليات صنع القرار ميسّرة وشاملة وتشاركية. هذا يعني إشراك جميع قطاعات المجتمع السوري بشكل فاعل في تشكيل مستقبل البلاد، بما يشمل النساء والأشخاص ذوي الإعاقة والأقليات ومنظمات المجتمع المدني والمجتمعات النازحة والأطراف السياسية من خلفيات متنوعة.

 

  • إنشاء أنظمة للمشاورات الشفافة والتمثيل المتساوي لضمان عدم استبعاد أي مجموعة من المساهمة في تعافي سوريا وإعادة بنائها.

 

  • السماح بالوصول السريع وغير المقيد للمنظمات الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة لتقديم المساعدة المحايدة إلى المدنيين المحتاجين، وخاصة في المناطق الريفية والنائية.

 

  • تحسين التعاون مع المنظمات الإنسانية والأمم المتحدة لضمان أن تكون المساعدة شاملة ومتاحة بالكامل للأشخاص ذوي الإعاقة.

 

منع المزيد من الانتهاكات من قبل الجماعات المسلحة

 

  • الالتزام علنا بدعم الحقوق والحريات الأساسية للجميع، دون تمييز، بما يشمل ضمان حرية التنقل، والتجمع، والتعبير.

 

  • الامتناع عن الاعتقالات التعسفية أو أي شكل آخر من أشكال القمع، بما فيها المضايقة والترهيب.

 

  • تمكين “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” من الوصول فورا إلى جميع المعتقلين في عهدة هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري والسماح لجميع المعتقلين بالتمثيل القانوني.
  • التعاون مع منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية لتوثيق الانتهاكات وضمان العدالة.

 

  • مراجعة قانونَيْ العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية وتعديلهما على وجه السرعة، وكذلك القوانين التي تقيّد تكوين الجمعيات والتعبير والأحزاب السياسية، ومواءمتها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

 

  • إصلاح النظام القضائي وأجهزة الأمن على وجه السرعة، وضمان تدريب جميع الموظفين على معايير حقوق الإنسان.

 

ينبغي للقيادة السورية الجديدة النظر في مطالبة آليات ومؤسسات الأمم المتحدة بالاضطلاع بدور في سوريا ما بعد الأسد. يمكن للأمم المتحدة إرسال عناصر شرطة مدنيين من بلدان مختلفة في سوريا للمساعدة في مراقبة وتدريب الشرطة المحلية، ومراقبين لحقوق الإنسان إلى أجزاء من البلاد كانت تعتبر موالية للأسد أو حيث قد تظهر توترات خطيرة.

 

ينبغي للمجتمع الدولي، بما فيه الأمم المتحدة، و”الاتحاد الأوروبي” ودوله الأعضاء، والولايات المتحدة، وروسيا، والصين و”جامعة الدول العربية”، ضمان أن المساعدات المقدمة إلى الحكومة الحالية أو المستقبلية، بما فيها المساعدة الانتخابية، تساهم في احترام حقوق الإنسان وتهيئة الظروف لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.

 

ينبغي للدول الأخرى ومؤسسات الأمم المتحدة والحكومة المؤقتة الناشئة في سوريا أن تعمل مع السلطات المحلية في الشمال الشرقي لتأمين دخول المساعدات الإنسانية التي تمس الحاجة إليها للنازحين في شمال شرق سوريا، وتأمين المرافق التي تؤوي المشتبه بهم السابقين في تنظيم “داعش” وأفراد أسرهم.

 

ينبغي للولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول أن تفكر بشكل عاجل في رفع العقوبات العامة أو القطاعية – مثل تلك المفروضة على شراء أو بيع أو تصدير السلع والمواد المتعلقة بصناعات محددة أو المساهمة فيها – وكذلك العقوبات المفروضة على المؤسسات المالية السورية. وثّقت هيومن رايتس ووتش التأثير السلبي لهذه العقوبات على العمليات الإنسانية. تخضع هيئة تحرير الشام وغيرها من الجماعات التي تُعتبر إرهابية لعقوبات تحظر مدّها بالأموال والأصول والموارد الاقتصادية بشكل مباشر أو غير مباشر.

 

ينبغي للدول المجاورة وغيرها من الدول التي تستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين السوريين ألا تتسرع في ترحيل السوريين أو طردهم من أراضيها، وينبغي لها أن تُبقي وضع الحماية المؤقتة أو وضع اللاجئ. مع استمرار الأزمة الاقتصادية في سوريا، وتدهور البنية التحتية، وعدم استقرار الظروف الأمنية، يؤدي طرد اللاجئين قسرا أو الضغط عليهم للعودة في هذه المرحلة إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وانتهاك الحظر الدولي للإعادة القسرية – أي إعادة الناس إلى أماكن قد يتعرضون فيها للتعذيب أو غيره من الانتهاكات الخطيرة. ينبغي أن تكون الأولوية لتهيئة الظروف داخل سوريا لضمان العودة الطوعية والآمنة والكريمة بما يتماشى مع المعايير الدولية.

 

قالت فقيه: “السنوات من العمليات الفاشلة أو الدموية لانتقال السلطة في الشرق الأوسط تولّد الخوف والشك لدى المجتمعات إزاء الواقع الجديد في سوريا، وهو أمر يمكن تفهّمه. مع ذلك، تقدم هذه اللحظة فرصة لإثبات أنه يمكن إيجاد مسار مختلف، وهو المسار الذي يعطي الأولوية للعدالة والمساءلة وحقوق الإنسان. القيادة السورية الجديدة قادرة أن تظهر للمنطقة والعالم أن الانتقال الذي يحترم حقوق الإنسان ويضمن حقوق الجميع أمر ممكن”.

قد يعجبك ايضا