سوريا: فظائع مارس/آذار تتطلب محاسبة على أعلى المستويات
أصدرت منظمات حقوقية بارزة، بينها هيومن رايتس ووتش وسوريون من أجل الحقيقة والعدالة والأرشيف السوري، تقريرًا موسعًا يسلّط الضوء على الانتهاكات واسعة النطاق التي ارتكبتها القوات الحكومية السورية في مارس/آذار الماضي، محذّرة من أن غياب المحاسبة على أعلى المستويات يفتح الباب لمزيد من الفظائع والانتقام.
في 6 مارس/آذار 2025، اندلعت أعمال عنف واسعة عقب هجمات شنها مسلحون وصفتهم الحكومة بأنهم موالون للنظام السابق بقيادة بشار الأسد. أسفرت الهجمات عن مقتل أكثر من 200 عنصر حكومي انتقالي، لترد القوات بعمليات تمشيط واسعة في اللاذقية وحمص وحماة.
وبحسب التقرير، تحوّلت هذه العمليات إلى حملة عقاب جماعي استهدفت مجتمعات علوية، حيث سُجّلت إعدامات ميدانية، وعمليات نهب، وتدمير للمنازل، واستهداف مباشر على أساس الهوية.
ورغم اعتراف الحكومة الانتقالية بوقوع فظائع، فإن التحقيق الرسمي الذي أجرته “اللجنة الوطنية السورية للتحقيق” لم يقدّم وضوحًا حول دور كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين، واكتفى بالإعلان عن إحالة 298 مشتبهًا بهم للقضاء، مع تأكيد مقتل 1,426 شخصًا.
وصوّرت اللجنة الانتهاكات على أنها “أعمال ثأرية شخصية”، بينما تُظهر الأدلة التي جمعتها المنظمات الحقوقية أنها كانت جزءًا من عملية عسكرية منسقة بإشراف وزارة الدفاع، التي واصلت نشر القوات حتى بعد انتشار أخبار المجازر.
التقرير، الواقع في 51 صفحة، استند إلى أكثر من 100 مقابلة مع ناجين وشهود وصحفيين ومقاتلين، إلى جانب صور أقمار صناعية ومواد سمعية–بصرية. وثّق الانتهاكات في أكثر من 24 بلدة وقرية بين 6 و10 مارس/آذار.
وأكدت شهادات عديدة أن الضحايا كانوا يُسألون عن انتمائهم الطائفي قبل قتلهم. وقالت إحدى النساء من جنوب اللاذقية: “سألوا زوجي إن كان علويًا، وعندما أكد ذلك أطلقوا النار عليه على عتبة الباب دون سؤال آخر.”
واعترف مقاتلون سابقون بأن عمليات القتل ارتُكبت فقط بناءً على الهوية. أحدهم، من فصيل سابق في “الجيش الوطني السوري”، قال: “خلال المداهمات، كان الناس يُقتلون فقط لأنهم علويون.”
وبحسب المنظمات الحقوقية، لا يلزم وجود أوامر مكتوبة لإثبات مسؤولية القادة. فوزارة الدفاع كانت قادرة على حشد عشرات آلاف المقاتلين، وتحديد مناطق الانتشار، والإبقاء على العمليات لأيام. استمرار القتل والنهب رغم علم المسؤولين به يمثل، وفق التقرير، إخفاقًا في القيادة وتقاعسًا عن منع الجرائم.
وقالت هبة زيادين، باحثة أولى في شؤون سوريا في هيومن رايتس ووتش إن: “الاعتراف بالفظائع خطوة للأمام، لكن من دون محاسبة كبار المسؤولين تبقى العدالة منقوصة.”
وأشارت المنظمات إلى أن الانتهاكات لم تقتصر على مارس/آذار، بل استمرت لاحقًا في مناطق مثل السويداء، حيث أبلغ السكان الدروز عن إعدامات ونهب خلال عمليات أمنية في يوليو/تموز.
كما سبقها استهداف للمجتمعات العلوية في حمص وريف حماة.
هذا النمط المتكرر يثبت أن ما جرى ليس استثناءً، بل جزء من سلوك أمني ممنهج يتطلب إصلاحات هيكلية شاملة.
وقد رحبت المنظمات باعتراف اللجنة الوطنية بالفظائع وببعض مقترحاتها حول الإصلاح المؤسسي والتعويضات، لكنها شددت على أن المصداقية مرهونة بالخطوات المقبلة، وعلى رأسها:
نشر التقرير الكامل للّجنة مع تفاصيل التحقيق.
ضمان محاكمات عادلة وحماية الشهود.
محاسبة المسؤولين رفيعي المستوى، لا الاقتصار على منفذي الجرائم الميدانية.
السماح بوصول آليات المساءلة الدولية، بما فيها التابعة للأمم المتحدة.
تنفيذ إصلاحات أمنية تشمل التحقق من خلفيات المقاتلين، وإبعاد المتورطين في الانتهاكات، واعتماد مدونات سلوك واضحة.