سوريا: تزايد الممارسات الانتقامية وسط حلقة جديدة من الانتهاكات بحق المدنيين بما يهدد الاستقرار والسّلم الأهلي

جنيف- أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه إزاء تزايد وتيرة الممارسات الانتقامية في سوريا بعد سقوط النظام السّابق، لا سيّما تلك المرتكبة بحق المدنيين ومكوّنات المجتمع في المناطق التي كانت موالية له، لما تشكله من خطر جسيم على الاستقرار والسّلم الأهلي في البلاد.

وأدان الأورومتوسطي في بيان صحافي له، جريمة قتل عشرة أشخاص من الطّائفة العلويّة في قرية الأرزة في محافظة حماة وسط سوريا، من بينهم طفل وامرأة مسنّة، يوم الجمعة 31 كانون ثاني/يناير الماضي، برصاص مسلحين استخدموا أسلحة فردية مزوّدة بكاتم صوت، ما يشير إلى كونها جريمة منظّمة.

وأشار المرصد إلى تسجيل ما يزيد عن 200 حالة قتل منذ مطلع العام الجاري بجرائم انتقامية وتصفية، بينهم 6 نساء وطفل، يعتقد أنه ارتكبها أفراد بقصد الانتقام من أشخاص بعينهم، أو من كان متعاونا مع النظام السابق، وتجاوزات ترتكبها بعض الجماعات المسلحة وسط تجاهل حماية المدنيين ومعاملة الذين ألقوا أسلحتهم معاملة إنسانية.

ونبه الأورومتوسطي إلى أنّ وتيرة هذه السّلوكيات الانتقاميّة تتزايد منذ مطلع العام 2025، بحيث تم رصد عدّة حالات قتل وتعذيب على يد إدارة الأمن العام في الحكومة الانتقاليّة، بعد أن تعرّض الضحايا للاعتقال في حملات استهدفت أفراداً متّهمين بالانتماء السّابق لقوات النّظام، وتوفوا في مراكز الاحتجاز مع ظهور آثار تعذيب واضحة على جثثهم.

وأكّد المرصد الأورومتوسطي أنّ التعذيب جريمة محظورة في القانون الدولي الذي يجرم بشكل قاطع جميع أشكال التعذيب بموجب اتفاقيّة مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللّاإنسانية أو المهينة التي انضمـّت إليها سوريا منذ العام 2004، مشيرا إلى أنّ هذا الحظر يشكّل قاعدة عرفية مُطلقة لا يجوز انتهاكها تحت أي ظرف، حتى في حالات الطوارئ.

وشدّد المرصد الأورومتوسطي على ضرورة حماية السّلم الأهلي في سوريا خلال هذه الفترة الانتقاليّة الحسّاسة، عبر تعزيز سيادة القانون عبر محاسبة جميع مرتكبي الجرائم دون انتقائيّة، ووقف أعمال الانتقام والثأر من خلال فرض إجراءات صارمة ضد أي سلوكيّات انتقامية، وتعزيز المصالحة الوطنية عبر حوار شامل يضم جميع الأطراف.

كما شدّد المرصد على ضرورة إصلاح المؤسّسات وتفعيل آليّات قضائيّة مستقلّة لضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وتعزيز الشفافية في معالجة جرائم الماضي من خلال محاكمات عادلة وآليّات عدالة تصالحيّة تمنع أي سلوكيات انتقامية قد تؤدي إلى مزيد من الانقسام والانتهاكات.

وأبرز الأورومتوسطي أن سوريا تمر بمرحلة مفصلية تتطلب تكاتف الجهود لضمان سيادة القانون، وتعزيز الأمن، وإنصاف الضحايا الذين تحملوا لعقود قمعًا منهجيًا وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، مشددًا على أن هذه الخطوات تمثل حجر الأساس لبناء مستقبل مستدام للبلاد قائم على العدالة والمساءلة واحترام الحقوق والحريات الأساسية.

ودعا المرصد الأورومتوسطي الحكومة الانتقاليّة إلى اتّخاذ تدابير صارمة لمنع عمليّات الانتقام على أسس سياسيّة أو طائفيّة، وإلى تعزيز جهود المصالحة الوطنيّة لضمان السّلم الأهلي، إضافة إلى التّعاون مع المنظّمات الدوليّة لتوثيق الجرائم ودعم النّاجين وأسر الضحايا.
كما حث المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان هيئات الأمم المتّحدة والمنظّمات الحقوقيّة المعنيّة على متابعة تنفيذ آليات العدالة الانتقاليّة التي تشكّل أساس بناء دولة القانون ومنع تكرار الجرائم في سوريا، وضرورة ملحّة لضمان تحوّل ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان.

قد يعجبك ايضا