سوريا: الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب تؤذي المدنيين

(دمشق) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن النزاع المستمر منذ أكثر من عقد تسبب بتلوث واسع النطاق بالألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب في سوريا، مما يُشكل عائقا رئيسيا أمام العودة الآمنة وجهود إعادة الإعمار. تسبب التلوث الناجم عن الأسلحة المستخدمة خلال النزاع المستمر منذ 14 عاما في مقتل 249 شخصا على الأقل، بينهم 60 طفلا، وإصابة 379 آخرين منذ 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، وذلك بحسب “المنظمة الدولية لسلامة المنظمات غير الحكومية” المعنية بتعزيز سلامة عمال الإغاثة.

ارتفع عدد الضحايا الشهري الذي سجلته المنظمة الدولية نتيجة لهذه الحوادث بشكل ملحوظ بعد 8 ديسمبر/كانون الأول، وأبلغت منظمات دولية ومتطوعون في إزالة الألغام هيومن رايتس ووتش أن هذه الزيادة يُفترض أنها تُعزى إلى تزايد حركة عودة النازحين إلى ديارهم. ينبغي للحكومة الانتقالية السورية العمل بسرعة لضمان مسح وإزالة الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب، وتأمين مخزونات الأسلحة المتروكة. ينبغي تأمين مخزونات الأسلحة التي كانت بحوزة الحكومة السابقة وحراستها لتلافي المزيد من الإصابات أو الوفيات.

قال ريتشارد وير، باحث أول في قسم الأزمات والنزاعات والأسلحة في هيومن رايتس ووتش: “لأول مرة منذ أكثر من عقد، ثمة فرصة لمعالجة التلوث الهائل في سوريا بشكل منهجي من خلال إزالة الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب. إذا لم تكن ثمة جهود عاجلة على مستوى البلاد لإزالة الألغام، سيُصاب أو يُقتل مزيد من المدنيين العائدين إلى ديارهم لاستعادة حقوقهم الأساسية وحياتهم وسبل عيشهم وأراضيهم”.

خلال زيارة إلى سوريا في فبراير/شباط 2025، تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى 18 شخصا، بينهم ضحايا وأهالي أصيب أطفالهم وأشخاص من مجتمعات متضررة من الألغام الأرضية غير المزالة والمتفجرات من مخلفات الحرب في مناطق في شمال ووسط وجنوب البلاد. تحدث الباحثون أيضا إلى مسؤولين في “الأمم المتحدة”، وثلاثة أشخاص يعملون في مجال إزالة الألغام، وموظفين من تسع منظمات دولية ومحلية تعمل على مسح وإزالة الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب في جميع أنحاء سوريا.

في ليلة 27 يناير/كانون الثاني، استيقظت رنيم عبد الحكيم مسالمة على دوي انفجار قوي داخل منزلها أودى بحياة والدتها وابنة أخيها (7 سنوات)، وإصابتها و11 فردا آخرين من أسرتها، بمن فيهم ابنها بشار (16 عاما). في وقت سابق من ذلك اليوم، أحضر بشار إلى منزله سلاحا وجده في قاعدة عسكرية غير محمية على بُعد 100 متر من منزلهم في درعا. كان بشار يعاين السلاح في غرفته قرابة منتصف الليل عندما انفجر، مُتسببا في الإصابات والوفيات، بما في ذلك إصابات بشظايا معدنية في ساقَيْه، وحريقا دمر جزءا كبيرا من منزلهم. قالت مسالمة: “لم يكن لديه أدنى فكرة عن المخاطر”.

لم يكن أيٌّ من الضحايا والشهود الذين قابلناهم، والذين أصيب وقُتل العديد من أحبائهم منذ 8 ديسمبر/كانون الأول بسبب ذخائر غير منفجرة، على دراية بأي وسيلة لإبلاغ السلطات عن احتمال وجود متفجرات من مخلفات الحرب. قال جميع من قابلناهم إنهم لم يتلقوا أي معلومات عن مخاطر الذخائر غير المنفجرة في منطقتهم، وأن نقص المعرفة كان عاملا رئيسيا في مقتل أو إصابة أقاربهم.

بين 2011 وديسمبر/كانون الأول 2024، استخدمت القوات الحكومية السورية وحلفاؤها وجماعات المعارضة المسلحة الألغام الأرضية المضادة للأفراد والذخائر العنقودية وغيرها من الأسلحة المتفجرة على نطاق واسع، مما أدى إلى تلوث مساحات شاسعة من البلاد بها، وبعضها لم يكن من الممكن الوصول إليه إلا بعد انهيار حكومة الأسد. قبل 8 ديسمبر/كانون الأول، تسببت الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب بشكل متكرر في إصابات ووفيات في صفوف المدنيين العائدين إلى ديارهم والمتجهين إلى الأراضي الزراعية.

أفاد أعضاء في مجتمع الأعمال المتعلقة بالألغام ومسؤولون في الأمم المتحدة بأن ثمة عوامل عديدة تُعيق القدرة على معالجة النطاق المُذهل للتلوث بالألغام، من قبيل نقص المعلومات المنظمة والتنسيق والمؤسسات والهيئات الوطنية، بالإضافة إلى العقبات التنظيمية.

فهد وليد الغجر (35 عاما)، وهو مهندس ومعلم من إدلب شمال غرب سوريا، انضم إلى فريق تطوعي لإزالة الألغام لمساعدة جيرانه على العودة إلى ديارهم. قال شقيقه إنه في 21 فبراير/شباط، وبينما كان وليد يساعد على إزالة الألغام من الأراضي الزراعية جنوب غرب مدينة إدلب، انفجرت ذخيرة كان يحاول نقلها وتسببت بمقتله. أضاف شقيقه أن زوجة وليد وأطفاله الأربعة لم يتلقوا أي دعم منذ ذلك الحين.

الألغام الأرضية والمتفجرات من متخلفات الحرب تؤدي إلى خسائر بشرية مباشرة أو إصابات بالغة قد تسبب إعاقات دائمة أو ندوبا مدى الحياة، بل وتُسبب أيضا صدمة نفسية، وكذلك ما يُسمى بالضرر الارتدادي الذي يقوّض حقوق الإنسان الأساسية. ويشمل ذلك خسارة الممتلكات، والتهجير، وانخفاض مستوى المعيشة، وصعوبة الحصول على المأوى والرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأساسية كالكهرباء. غالبا ما يحتاج الناجون إلى مساعدة طبية وعلاج متخصص طويلَيْ الأمد، بالإضافة إلى دعم نفسي واجتماعي ودعم للصحة العقلية.

قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للحكومة الانتقالية السورية والجهات المانحة الدولية إعطاء الأولوية للمسح والإزالة والتوعية بالمخاطر. يتعين على الحكومة الانتقالية إنشاء هيئة ومركز وطنيَيْن للأعمال المتعلقة بالألغام بقيادة مدنية، والعمل بشكل وثيق مع “دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام” (أنماس) لتنسيق جهود الأعمال المتعلقة بالألغام الجارية في جميع أنحاء البلاد، ووضع المعايير، ومراجعة اتفاقيات التسجيل الحالية للمنظمات الإنسانية العاملة في مجال الألغام لتسهيل عملها المنقذ للحياة. ينبغي للحكومة الانتقالية والجهات المانحة أيضا ضمان تمويل أنشطة إزالة الألغام بالقدر الكافي وتقديم تعويضات كافية للضحايا.

قال وير: “ينبغي إزالة المتفجرات التي خلفتها الحرب حتى يتمكن الناس من العودة إلى مجتمعاتهم والعيش بأمان فيها، والانخراط في أنشطة حيوية لسبل عيشهم، مثل الزراعة. ينبغي للحكومة الانتقالية العمل مع الجهات المانحة والمنظمات الإنسانية لتيسير هذا العمل العاجل والمنقذ للحياة”.

هيومن رايتس ووتش هي أحد مؤسسي “الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية”، الحائزة على “جائزة نوبل للسلام” عام 1997، و”تحالف الذخائر العنقودية”. تساهم هيومن رايتس ووتش في إعداد تقارير “مرصد الألغام الأرضية والذخائر العنقودية” الذي تُصدره الحملة سنويا.

للمزيد من التفاصيل حول التلوث بالألغام الأرضية في جميع أنحاء سوريا، يرجى مواصلة القراءة أدناه.

إصابات المدنيين جرّاء التلوث

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى أربعة أهالي أصيب أطفالهم بذخائر غير منفجرة أو متروكة صادفوها في قواعد عسكرية مهجورة في درعا بجنوب سوريا. لدى ثلاثة أطفال الآن إعاقة مكتسبة نتيجة إصاباتهم. أخبر أحد وجهاء المجتمع المحلي هيومن رايتس ووتش أن قاعدة عسكرية واحدة فقط من بين القواعد العسكرية الخمس الرئيسية في المدينة ومحيطها بها بوابة مغلقة يحرسها جنود من الحكومة الانتقالية، في حين لا تزال القواعد الأخرى غير مغلقة أو مؤمنة رغم طلب المجتمع المحلي المساعدة من الحكومة الانتقالية. أضاف أيضا أنه منذ 8 ديسمبر/كانون الأول، لم يُقدم أحد معلومات للمجتمع المحلي حول مخاطر الذخائر غير المنفجرة والمتروكة في منطقتهم، وأن هذا كان سببا رئيسيا في الإصابات.

في 14 فبراير/شباط، فقد ريان أشرف سويدان (14 عاما) إصبعه أثناء لعبه مع أصدقائه داخل قاعدة عسكرية على الأطراف الشمالية لدرعا، وفقا لوالده، أشرف عيسى سويدان. قام فريق تطوعي لإزالة الألغام بأعمال محدودة، لكنه لم يُؤمّن الموقع أو يُحذّر السكان. قال سويدان إن ابنه التقط ذخيرة وجدها على الأرض ورماها على الجدار فانفجرت وتسببت ببتر سبابة يده اليسرى. قال سويدان: “هرعنا به إلى المستشفى في درعا لنرى إن كانوا قادرين على إعادة إصبعه، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك. إنه بخير الآن، لكنه أصبح أكثر عزلة ويتفادى الآخرين”.

قالت سحر محمود البداوي إن ابنها معتصم كيوان (12 عاما)، كان يلعب مع أصدقائه في قاعدة عسكرية أخرى شمال درعا في 15 يناير/كانون الثاني، عندما قرر الفتية إشعال نار وإلقاء بقايا ما عثروا فيها. ألقى كيوان بعض الرصاصات في النار فانفجرت وخلفت شظايا معدنية في رأسه وكتفه. أصيب كيوان بالصمم في أذنه اليمنى، ولديه تلف في أعصاب وجهه، ولا يستطيع فتح عينه اليمنى بسبب الحادثة، ويحتاج إلى جراحة أخرى في جمجمته خلال الأشهر المقبلة.

قالت البداوي: “أصبح خائفا من كل شيء، وتنتابه الآن نوبات هلع”. قالت هي وأحد وجهاء المجتمع المحلي إنه رغم قيام فريق متطوع ببعض أنشطة إزالة الألغام في القاعدة عشية إصابة كيوان، لم يُتخذ أي إجراء لتقييد وصول الناس إلى القاعدة.

تلوث القواعد العسكرية جزء بسيط من المشكلة. بعض المناطق الريفية ملوثة بشدة أيضا. كان أغيد محمد خير (10 سنوات)، يجمع الفطر على مشارف مدينة درعا في 19 فبراير/شباط، عندما عثر هو وأصدقاؤه على ذخائر غير منفجرة. قال والده: “لعبوا بتلك الذخائر ثم انفجرت بهم متسببة ببتر سبابة ابني وكسر إصبعه الأوسط. أصيب أيضا تسعة أطفال آخرين بجروح طفيفة. لا توجد أي علامات تحذيرية في المنطقة، رغم أننا نعلم الآن أنها لم تُطهر من الألغام الأرضية أو مخلفات الحرب”.

قال أحمد نايف الزغيب (38 عاما)، إنه كان يجمع الحطب بحذر لتدفئة منزله في قرية الجنينة بدير الزور، في 7 فبراير/شباط:

قطعتُ شجرة كبيرة نسبيا وبدأتُ بسحبها على طول طريق بجانب النهر – وهو طريق أعرفه وأعتبره آمنا نسبيا. مع ذلك، بينما كنت أسحب الشجرة، تعثّرت، وفي تلك اللحظة، لا بد أنني وطأت لغما أرضيا مضادا للأفراد والذي انفجر وقذفني لمترين أو ثلاثة في الهواء. في لحظة الانفجار، فقدت قدمي اليمنى، تقريبا عند مستوى الكاحل. عندما نُقلت إلى المستشفى، كانت عظمتي محترقة بوضوح، وكان اللحم ممزقا بشدة. أثناء الجراحة، اضطر الأطباء إلى بتر ساقي على بُعد حوالي 10 سنتيمترات أسفل الركبة.

لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد نوع السلاح المتفجر الذي تسبب في الإصابة التي أدت إلى إعاقة مكتسبة.

يقود رجل، طلب عدم الكشف عن هويته، فريقا تطوعيا لإزالة الألغام في تدمر بوسط سوريا. في 12 فبراير/شباط، كان في سيارة مع متطوعين آخرين يرافقون ميكانيكيا هو فوزي العلي، الذي كان في السيارة خلفهم لإصلاح مركبة في قاعدة يديرها مقاتلون من الحكومة الانتقالية. كان العلي قد أحضر معه ابنه (8 سنوات) وأحد السكان المحليين الذي يعرف المنطقة جيدا. قال قائد الفريق إنهم بينما كانوا يقودون على طريق ظنوه آمنا، اصطدمت السيارة التي خلفهم فجأة بشيء ما وانفجرت. أضاف أن العلي توفي فورا متأثرا بإصابات خطيرة في جميع أنحاء جسده. فقد ابنه ساقه اليسرى خلال الانفجار، وفقد المرشد المقيم ساقيه.

قال في أواخر فبراير/شباط: “للأسف، ما حدث لفوزي ليس حادثة منفردة على الإطلاق. في الأسبوع الماضي، توفي 21 شخصا في المنطقة بسبب انفجارات كهذه”. لم تتحقق هيومن رايتس ووتش من صحة التقرير بشكل مستقل. قال إن أحد أعضاء فريقه (18 عاما)، قُتل مؤخرا أثناء عمليات إزالة الألغام. قال: “نحتاج إلى فريق دولي ليأتي بمعدات ويجري تقييما ليدعمنا ويدعم عملنا”.

الأراضي الزراعية الملوثة

قال مزارعون إن التلوث يؤثر على سبل عيشهم. قال محمد النزال، مزارع من ريف الرقة، إن أرض عائلته وأرض جاره ملوثة بالكامل:

علمنا بوجود الألغام الأرضية من سكان القرى المجاورة، الذين أخبرونا أن الانفجارات تسببت في إصابة أشخاص على أرضنا. رأينا أيضا أسلاكا في الأرض، بالتالي نتجنب تلك المناطق، لكن لا توجد أي لافتات تحذيرية. نحن من يتعين عليه الآن إبلاغ الآخرين بوجود ألغام أرضية إذا لم يكونوا من سكان المنطقة. لقد أثر هذا علينا. لم نعُد قادرين على فعل ما اعتدنا عليه مثل زراعة الأرض والاستفادة منها ورعي ماشيتنا فيها.

قال حسن زكريا حسن (43 عاما) من الطبقة، 40 كيلومترا غرب الرقة، إنه وجيرانه عادوا إلى ديارهم عام 2018 بعد عدة سنوات من النزوح ليكتشفوا أن أرضهم الزراعية ملوثة بشدة. أضاف أنه رغم مرور قرابة سبع سنوات، ما زالوا غير قادرين على الاستفادة من الأرض:

هناك ماء وعمال، لكن لا تزال الأرض ملوثة. تواصلنا مع المنظمات غير الحكومية للمساعدة في إزالة الألغام، لكنهم لم يأتوا أبدا رغم وعودهم بالمساعدة. لا توجد أي لافتات تحذيرية على الأرض، ولم نعلم التلوث من القرويين إلا بعد حادثَتيْن عام 2018 أسفرتا عن إصابة راعييْن. نريد زراعة أرضنا، فهذا سيوفر فرص عمل لـ 40 عائلة.

إزالة الألغام من قِبل أفراد من المجتمع المحلي

لجأت المجتمعات المحلية التي تحاول العودة إلى ديارها أو استعادة سبل عيشها إلى المتطوعين للمساعدة في إزالة الألغام من أراضيها نظرا لغياب استجابة وطنية فعالة ومنسقة تتمتع بالموارد الكافية. في كثير من الحالات، يستجيب متطوعون محليون وبعض المنظمات لنداء المجتمعات مع معدات متخصصة محدودة أو غير موجودة بالمرة، وفقط بتدريب غير رسمي.

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى ثلاثة من سكان كفرنبل، وهي قرية تقع على بُعد 35 كيلومترا جنوب إدلب، شمال سوريا. قال المختار إنه بين عامي 2018 و2019، أجبر الجيش السوري جميع عائلات القرية، البالغ عددهم حوالي 450 أسرة، على مغادرة المنطقة، ثم حوّلها إلى قاعدة عسكرية بحكم الأمر الواقع.

قال إن الجيش شرع في زرع الألغام في المنطقة، التي تقع على حدود أراضٍ كانت آنذاك تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام”، وهي جماعة مسلحة يهيمن أعضاؤها الآن على الحكومة الانتقالية السورية. قال السكان إنه بعد يومين أو ثلاثة أيام من سقوط حكومة الأسد، بدأوا بالعودة إلى المنطقة لرؤية ما آلت عليه منازلهم وأراضيهم الزراعية. وجدوا حقولا وأشجارا محترقة، والعديد من المنازل متضررة بشدة.

سرعان ما عثر بعض السكان على ألغام أرضية مزروعة في الحقول القريبة من القاعدة العسكرية. قال ريزو محمد (65 عاما)، وهو أحد وجهاء القرية، إن فريقا من المتطوعين اتصل بوجهاء القرية في أوائل يناير/كانون الثاني وعرض عليهم الحضور لإزالة الألغام من منطقتهم. قال محمد إن الفريق أمضى حوالي أسبوع في القرية ونجح في إزالة قرابة 70 لغما، بما في ذلك 27 لغما في أرضه الزراعية.

غادر ذلك الفريق، وفي 15 يناير/كانون الثاني، وصل فريق آخر لإزالة الألغام مؤلف من ستة أو سبعة أشخاص ذوي خبرة عسكرية إلى قرية كفرنبل، قالوا إنهم تلقوا تدريبا من هيئة تحرير الشام على تقنيات إزالة الألغام، حسبما أفاد السكان. خلال عمليات الإزالة، عثر الفريق على مجموعة من الألغام الأرضية الإضافية، بما في ذلك ألغام مضادة للأفراد من طراز “أو زد إم-72″ (OZM-72)، و”بي إم إن-1″ (PMN-1)، و”واي إم-1″ (YM-1)، و”بي أو إم-2 إس” (POM-2S)، وألغام أرضية مضادة للأفراد من طراز “بي إم إن” (PMN) وألغام مضادة للمركبات من طراز ” واي إم-2″ (YM-2) و”واي إم-3″ (YM-3)، وفقا لما قاله أحد أعضاء الفريق، عبدو فيصل حمدي، لـ هيومن رايتس ووتش. وبينما كان حمدي (25 عاما)، يحاول إزالة الألغام في قرية الفطاطرة، على بُعد 14 كيلومتر غرب كفر نبل، داس على أحدها، ففقد ساقيه وإحدى عينيه، وأصيب بأضرار بالغة في الأخرى.

في منتصف يناير/كانون الثاني أيضا، تواصل محمد سامي سويد (38 عاما)، وهو من سكان كفر نبل، مع جيرانه السابقين وعرض عليهم مساعدتهم في إزالة الألغام من أراضيهم ليتمكنوا من استئناف الزراعة قائلا بأنه اكتسب خبرة في إزالة الألغام أثناء خدمته العسكرية. قبِل زيدان الحسني (42 عاما)، العرض، بعد أن وجد 10 ألغام على الأقل في أرضه.

قال الحسني إنهما عادا إلى المنطقة معا، دون أن يرتدي أي منهما أي معدات وقائية. شارك الحسني صورا لألغام متشظية من طراز “أو زد إم-72” المضادة للأفراد، وألغام من طراز “بي إم إن” المضادة للأفراد، وألغام من طراز “تي إم-57″ (TM-57) و”تي إم-62” (TM-62) المضادة للمركبات مع هيومن رايتس ووتش، والتي قال إن سويد جمعها من أرضه ذلك اليوم.

قال الحسني إنه وسويد عثرا على ستة أشياء على الأقل أراد سويد تفجيرها بشحنة متفجرة. وضع الشحنة المتفجرة، لكنه قرر بعد ذلك إلقاء نظرة فاحصة على الأشياء. وبينما كان سويد راكعا على ركبتيه فوقها، انفجر أحدها وأصابت إحدى شظياها المعدنية رأسه وتوفي فورا. الحسني، الذي كان يقف خلفه وقت الانفجار، أصيب في صدره الأيمن وظهره وفخذه الأيسر، لكنه نجا بعد أن سمع الجيران دوي الانفجار وهرعوا لنقله إلى المستشفى.

قال الحسني إن ثمانية من سكان كفرنبل قُتلوا منذ 8 ديسمبر/كانون الأول بسبب المتفجرات من مخلفات الحرب، كما قُتل ثلاثة آخرون على الأقل في مناطق مجاورة.

الحاجة إلى التحرك

ثمة حاجة ملحة إلى اتخاذ خطوات عاجلة لتحسين العمل الإنساني في مجال إزالة الألغام، والذي يشمل إزالة الألغام الأرضية ومخلفات الحرب من المتفجرات، وأنشطة أخرى، مثل مسح المناطق ومساعدة الضحايا. أفاد عاملون في قطاع الأعمال المتعلقة بالألغام ومسؤولون في الأمم المتحدة بأن ثمة عدة عوامل تعيق فعالية العمل الإنساني المتعلق بالألغام، منها غياب التنسيق الشامل ومركزية المعلومات. أدى تشتت هياكل الإدارة على مدى سنوات، واتساع نطاق التلوث، وعدم وجود هيئة ومركز وطنيين للأعمال المتعلقة بالألغام إلى تفاقم المشكلة. هناك أيضا متطلبات معقدة للتسجيل والتشغيل، بعضها لا يتوافق مع قدرة المنظمات على أداء عملها بتجرد.

عانت الأعمال المتعلقة بالألغام في سوريا لسنوات من نقص التمويل من الجهات المانحة مقارنة بالاحتياجات، مما أحبط الجهود المبذولة لبدء برامج جديدة أو مواصلة العمل الأساسي، مثل التوعية بمخاطر الألغام. بسبب هذه القيود، غالبا ما تُنفذ عمليات إزالة الألغام من قِبل مجموعات محلية وخاصة أو أفراد، دون تدريب رسمي يُذكر أو تنسيق مع الجهات الوطنية أو الدولية لإزالة الألغام.

في ضوء هذه الحقائق، تُقدّم هيومن رايتس ووتش التوصيات التالية إلى الحكومة الانتقالية والمجتمع الدولي:

توصيات إلى الحكومة الانتقالية

  • إنشاء وتمكين مؤسسات وطنية مدنية مستقلة معنية بالأعمال المتعلقة بالألغام، بما في ذلك هيئة وطنية للأعمال المتعلقة بالألغام تُقدّم التوجيه الاستراتيجي العام لهذه الأعمال وتُربط بالوزارات ذات الصلة، ومركز وطني للأعمال المتعلقة بالألغام يُساعد في تنسيق الجوانب التشغيلية لإزالة الألغام، بما في ذلك توحيد التنفيذ وفقا لـ “المعايير الدولية للأعمال المتعلقة بالألغام”، وإعطاء الأولوية للاستجابة ، والحصول على الاعتمادات، وضمان الجودة، وتوزيع المهام وإدارة المعلومات. يتعين على دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام دعم السلطات في إنشاء هذه المؤسسات.
  • مركزة وتوحيد معايير جمع البيانات وتبادلها بين الوكالات والمؤسسات الحكومية الحالية والسابقة عبر “نظام إدارة الأعمال المتعلقة بالألغام”.
  • إعطاء الأولوية لجهود إزالة الألغام وضمان التمويل الكافي لجميع جوانب العمل الإنساني المتعلق بالألغام، والمسوحات الفنية وغير الفنية، والتوعية بالمخاطر، وتدريب متخصصين إضافيين، ومساعدة الضحايا.
  • ضمان اتباع المعايير المعتمدة لإزالة الألغام ومساعدة الضحايا واتباع نهج متكامل مع أدوار ومسؤوليات محددة بوضوح استنادا إلى أحدث المعايير الدولية.
  • إزالة العوائق الإدارية التي تعرقل تسجيل الجهات الفاعلة في مجال الأعمال المتعلقة بالألغام في سوريا.
  • تسهيل دخول المتخصصين المشاركين في الأعمال المتعلقة بالألغام إلى سوريا وتنقلهم داخلها، بالإضافة إلى استخدام المعدات والمواد اللازمة للإزالة والاحتفاظ بها.
  • إنشاء وتعميم نظام وطني للإبلاغ عن التلوث بالمتفجرات وحيازة الأسلحة من دون الكشف عن هوية المبلغين.
  • زيادة أنشطة التوعية بالمخاطر وجعلها جزءا من العودة الآمنة للمدنيين إلى المناطق السكنية والأراضي الزراعية المشتبه بتلوثها.
  • تمكين إنشاء قاعدة بيانات وطنية للناجين من الألغام الأرضية ومخلفات الحرب من المتفجرات والأشخاص ذوي الإعاقة، وإزالة العوائق أمام خدمات المسح في جميع أنحاء البلاد لتحسين الحصول على الرعاية المتخصصة، وإعادة التأهيل البدني، والدعم النفسي والاجتماعي، وخدمات الحماية الشاملة.
  • إجراء تحقيقات شفافة في انتهاكات الجماعات المسلحة المسؤولة عن استخدام الألغام الأرضية المضادة للأفراد المحتملة لقوانين الحرب، بما في ذلك العبوّات الناسفة التي تنفجر بملامسة الضحية لها.
  • الانضمام إلى “معاهدة حظر الألغام لعام 1997” والالتزام بالحظر الشامل للألغام الأرضية المضادة للأفراد، وتدمير المخزونات المتبقية منها.
  • الانضمام إلى “اتفاقية الذخائر العنقودية لعام 2008” والالتزام بالحظر الشامل للذخائر العنقودية، وتدمير المخزونات المتبقية منها.

توصيات إلى الجهات المانحة الدولية والحكومات الأخرى

  • إعطاء الأولوية لأنشطة إزالة الألغام والتوعية بالمخاطر لحماية الناس من الوفيات والإصابات التي يمكن تلافيها وبرامج مساعدة الناجين، وزيادة الدعم المقدم لها.
  • تعزيز الدعم المقدم إلى “مجال مسؤولية الأعمال المتعلقة بالألغام” في نظام قطاع الحماية التابع للأمم المتحدة لتعزيز التنسيق بين الوكالات الحكومية والجهات الفاعلة الإنسانية.
  • دعم إدارة المعلومات لجمع البيانات ومشاركتها مركزيا.
  • حث سوريا على الانضمام إلى معاهدة حظر الألغام واتفاقية الذخائر العنقودية.
  • تمكين المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية من الحصول على تمويل مرن متعدد السنوات لمعالجة الطبيعة طويلة الأجل للأعمال المتعلقة بالألغام.
  • ضمان الاستثمار المستدام في برامج مساعدة الضحايا – بما في ذلك الوصول إلى إعادة التأهيل الجسدي، ودعم الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي، وخدمات الأطراف الاصطناعية وتقويم الأعضاء، فضلا عن التعليم والإدماج الاجتماعي وفرص كسب العيش.
قد يعجبك ايضا