“هيومن رايتس ووتش” تحذر السعودية من انتهاكات حقوق العمال الوافدين
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن الشكوى التي قدمها “الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب” ضد الحكومة السعودية حول العمل الجبري تعد تحذيراً مهماً للسلطات السعودية والشركات والمستثمرين بشأن الانتهاكات المتوقعة بحق العمال الوافدين والتي يمكن منعها ضمن “رؤية 2030” الحكومية، التي تعتمد على ملايين العمال الوافدين.
في 5 يونيو/حزيران، قدم الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب، الذي يضم 12 مليون عضو، شكوى بموجب المادة 24 من دستور “منظمة العمل الدولية” بشأن ظروف العمل والمعيشة الاستغلالية التي تمس القوى العاملة الوافدة الهائلة، التي يبلغ قوامها أكثر من 13.4 مليون عامل. تركز الشكوى على سرقة الأجور المتفشية، وجاءت قبل قرار “الفيفا” المتوقع في يوليو/تموز المقبل بشأن منح السعودية حق استضافة “كأس العالم 2034″، رغم عدم امتثالها لمعايير حقوق الإنسان والعمل.
قالت مينكي ووردن، مديرة المبادرات العالمية في هيومن رايتس ووتش: “يجب أن تستمع السلطات السعودية إلى النداء الذي أطلقته شكوى منظمة العمل الدولية بشأن العمل الجبري. على السلطات السعودية تصحيح مسارها ومعالجة انتهاكات الماضي، بما فيها الأجور غير المدفوعة لعشرات آلاف العمال الوافدين. يجب أن يُنظر إلى الشكوى المقدمة من نقابة عالمية على أنها ناقوس خطر للشركات والمنظمات، مثل الفيفا، التي تخطط لفعاليات وأحداث ضخمة في السعودية، نظرا إلى تقاعس الحكومة الواضح عن حماية الوافدين من براثن أرباب العمل المستغلين”.
تستند شكوى الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب إلى مجموعة من الأدلة، منها عدم تلقي عشرات آلاف العمال أجورهم من شركتي إنشاءات في السعودية أفلستا في عام 2016، وشهادات 193 عاملاً وافداً واجهوا انتهاكات عديدة مثل تقييد الحركة، والتخويف والتهديد، والاحتفاظ بوثائق الهوية، وعبودية الديون، وظروف العمل والمعيشة السيئة، والعمل الإضافي المفرط. وتتفاقم الأضرار الناجمة عن هذه الانتهاكات نتيجة حرمان العمال من الحق في حرية تكوين الجمعيات والتفاوض الجماعي.
تُدرج الشكوى أيضاً حالات عديدة أسيئت فيها معاملة العمال الوافدين، مشيرة إلى تقاعس المملكة عن تطبيق معاهدات دولية صادقت عليها، مثل “اتفاقية العمل الجبري” (رقم 29) وبروتوكول الاتفاقية لعام 2014.
إحدى القضايا البارزة في الشكوى تتعلق بموظف سابق عمل من 1990 إلى 2015 في شركة “سعودي أوجيه”، التي تمت تصفيتها منذ ذلك الحين، واجه صعوبات مالية شديدة نتيجة حجب راتبه والقيود على انتقاله إلى صاحب عمل آخر، ما جعله يعيش على فضلات الأطعمة ليتوفى في نهاية المطاف بنوبة قلبية. بعد عقد من الزمن، ما تزال عائلته عالقة في دائرة من الديون والمصاعب ولم تُعوَّض بعد. قدّرت “المحكمة التنفيذية” في الرياض في عام 2019 أن شركة سعودي أوجيه مدينة بما يقدر بنحو 2.6 مليار ريال سعودي (حوالي 693 مليون دولار أمريكي) كأجور غير مدفوعة ومزايا أخرى للعمال. رغم بدء بعض عمليات السداد بعد عقد من الزمن تقريباً، تُظهر أبحاث هيومن رايتس ووتش أن العملية كانت مليئة بالمشاكل.
تسود الشهادات حول الأجور غير المدفوعة في جميع أنحاء السعودية، رغم مبادرات إصلاح العمل التي لم توفر حتى الآن الحماية الكافية للعمال الوافدين. وثقت هيومن رايتس ووتش حالات مستمرة وواسعة لسرقة الأجور من قبل أصحاب العمل، وكذلك عودة عمال وافدين عديدين إلى بلدانهم من دون تلقي مستحقاتهم.
يمنح نظام الكفالة السعودي المنتهك أصحاب العمل سلطة مفرطة على قدرة العمال الأجانب على التنقل بين الوظائف وعلى وضعهم القانوني في البلاد، بما يشمل قدرتهم على الاستقالة. يكشف استطلاع أجراه الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب شمل 193 عاملاً مهاجراً مشمولين في الشكوى عدم قدرة 63% منهم على الاستقالة بحرية مع إشعار معقول أو المغادرة بعد انتهاء عقودهم. بالإضافة إلى ذلك، 85% من العمال المدينين لا يمكنهم ترك وظائفهم بحرية، ويعجز 65% منهم عن حيازة وثائقهم (مثل جوازات السفر)، ويفيد 46% أن أصحاب العمل يؤخرون أجورهم أو يحجبونها لإجبارهم على البقاء.
قالت ووردن: “ترسم هذه الحالات والإحصائيات صورة واقعية للوضع الحالي للعمال الوافدين الذين يفدون إلى السعودية لإعالة أسرهم في أوطانهم بشكل أفضل. من الواضح أن نظام العمل السعودي يمنح أصحاب العمل سيطرة مفرطة على العمال لارتكاب انتهاكات فظيعة دون عقاب”.
تواصل الفيفا غض الطرف عن الوضع. فعندما اختارت قطر لاستضافة كأس العالم عام 2010، لم تبذل العناية الواجبة في مجال حقوق الإنسان بشأن الظروف الخطيرة التي يعيشها ملايين العمال الوافدين الذين كانت ثمة حاجة إليهم لبناء الملاعب والفنادق، وكانوا يعملون بموجب نظام الكفالة القطري. كان تقاعس الفيفا عن بذل العناية الحقوقية الواجبة واضحاً عندما قدمت النقابات العمالية، بما فيها الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب، شكوى بشأن العمل الجبري ضد قطر في العام 2014 أبرزت فيها الاستغلال الواسع للعمال.