الأورومتوسطي: تحقيق دوتشيه فيله المستقل في مزاعم معاداة السامية منحاز ومعيب وخطير
الشبكة العربية لمعلومات وأحداث حقوق الإنسان – أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن قلقه البالغ إزاء قرار “دوتشيه فيله” طرد خمسة صحافيين من أصول عربية بعد تحقيق منحاز استمر شهرين في مزاعم معاداة السامية.
وحذر الأورومتوسطي من أن مثل هذه الإجراءات لن تؤدي إلا إلى فتح الباب على مصراعيه لتصعيد حملة التطهير ضد العرب في وسائل الإعلام الألمانية.
وكانت “دوتشيه فيله” فتحت تحقيقًا خارجيًا مستقلًا في ديسمبر/كانون الأول الماضي حول مزاعم بمعاداة السامية. وكان التحقيق ضد بعض موظفي القسم العربي بالإضافة لمتعاونين خارجيين مستقلين.
أجرت الشبكة هذا التحقيق على إثر حملة تشهير عنصرية ضد الصحافيين العرب في وسائل الإعلام الألمانية العام الماضي. كانت قد قادت هذه الحملة وسائل إعلام يمينية وأفراد على صلة باليمين المتطرف.
وشارك في لجنة التحقيق وزيرة العدل السابقة، “زابينه لويتهويزر – شنارينبيرغر”، وهي سياسية ألمانية من الحزب الديمقراطي الحر. وشارك أيضاً “أحمد منصور”، وهو عالم نفس إسرائيلي المولد، مؤيد بشدة لإسرائيل ومعروف بكونه أحد أبرز منتقدي الإسلام في ألمانيا.
وقدمت اللجنة تقريرها يوم الإثنين الماضي، غير أنه لم يتضمن أي دليل على معاداة الموظفين المطرودين للسامية. ولكن اتهم التقرير بعض موظفي دوتشيه فيله وشركائهم وضيوفهم بالإدلاء بتعليقات على حساباتهم الخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وزعم التقرير أن هذه التعليقات ترقى إلى معاداة السامية أو إنكار الهولوكوست.
وطالبت اللجنة بتوجيه إرشادات أوضح للموظفين وشركاء البث، بالإضافة إلى اتخاذ تدابير أكثر صرامة في التدريب والتوظيف.
وقام فريق الأورومتوسطي القانوني بمراجعة وفحص تقرير اللجنة، ووجد عدة مشاكل تقوض نتائجه. وخلص إلى أن إطار عمل التقرير وتحليله وتوصياته تحتوي على أدلة عديدة على التحيز لصالح إسرائيل ضد الفلسطينيين.
يعتمد التقرير على إطار عمل معيب. فهو يشير إلى اتخاذ تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) المختلف عليه كنقطة انطلاق له في عملية التقييم.
وتعرض التعريف في السنوات الأخيرة لانتقادات حادة كونه يستخدم كسلاح لسحق الخطاب المؤيد للفلسطينيين. هذا بالإضافة لطمث المساواة بين النقد المشروع للأعمال والسياسات الإسرائيلية ومعاداة السامية.
ويمكن رؤية هذه المشكلة بوضوح في تقرير دوتشيه فيله. فعلى سيل المثال، يستشهد معدو التقرير بمقال نُشر باللغة الألمانية على موقع دوتشيه فيله الإلكتروني عن “النكبة الفلسطينية” عام 1948. وهذا مثال على معاداة السامية لأنه يقول أن النكبة بدأت عشية تأسيس دولة إسرائيل.
وبحسب تعريف التحالف، فإن مجرد الإشارة إلى أن تأسيس إسرائيل قد تسبب في النكبة الفلسطينية هو أمر معاد للسامية. فهو يدعو إلى التشكيك في حق إسرائيل في الوجود.
كذلك، انتقد التقرير مقالًا يتهم المستوطنات الإسرائيلية بإفشال حل الدولتين ويصف نشاط الفصائل الفلسطينية بـ “الكفاح السياسي”. مضيفًا بأنه ينبغي على دوتشيه فيله أن تلقي باللوم على الدول العربية فيما يتعلق بتهجير الفلسطينيين. وطالبها بأن تُرجع فشل عملية السلام “لإرهاب فتح وحماس” من أجل “الارتقاء إلى مستوى التقارير النوعية”.
ويوصي التقرير دوتشيه فيله باستخدام تعريف التحالف الموسع في إرشاداتها للموظفين وفي “صياغة المهام المتعلقة بالمنطقة الناطقة بالعربية” وأن يوقع جميع موظفي وشركاء دوتشيه فيله على اعتماد تعريف التحالف ويتم اعتباره “مُلزمًا قانونًا”.
وبذلك، يتجاهل التقرير بشكل حاسم المخاوف الخطيرة التي أثارها خبراء وأكاديميون بارزون من استخدام تعريف التحالف كسلاح لقمع حرية التعبير، وتكميم أصوات الفلسطينيين والمؤيدين لهم، والمساواة الباطلة بين النقد المشروع لإسرائيل ومعاداة السامية.
يتضمن التحقيق العديد من وجهات النظر الإسرائيلية. ويسعى لخلق تحيز أقوى لإسرائيل في وسائل الإعلام الألمانية والحد من مساحة أصوات الفلسطينيين والمؤيدين لهم.
على سبيل المثال، ينتقد التقرير القناة لنشرها مقالات متعددة حول “مسيرات العودة الكبرى”. بالإضافة إلى الإشارة إليها على أنها “احتجاجات على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل”.
وقدم معدو التقرير وجهات نظر إسرائيلية منحازة على أنها حقائق. زاعمين أن الاحتجاجات كانت “أعمال شغب” “قادتها منظمة إرهابية لها حكم استبدادي على قطاع غزة”.
وينتقد التقرير كذلك القسم العربي في دوتشيه فليه وبعض شركائه لمجرد استخدام وسم “أنقذوا الشيخ جراح”. فقد اعتبره التقرير دعاية فلسطينية “غير مناسبة” و “متحيزة”، لكنه يعتبرها “خطأ فادحًا” وليس مناهضة للسامية.
وينظر التقرير إلى تسليط الضوء على الانتهاكات الجسيمة ضد الفلسطينيين في حي الشيخ جراح -من بين أمثلة أخرى- على أنه تقديم رواية “متحيزة للغاية” “بطريقة مغرضة”، على الرغم من أن الحكومة الألمانية نفسها كانت أعربت عن قلقها البالغ إزاء التطورات في حي الشيخ جراح وحذرت من عمليات الإخلاء والهدم الإسرائيلية.
وقال رئيس الأورومتوسطي “رامي عبده” إنه “في الوقت الذي ينتقد التقرير دوتشيه فيله وبعض موظفيها وشركائها بسبب انحيازية مزعومة، فإن توصياته وتحليلاته الأساسية تهدف بشكل أساسي لدفع دوتشيه فيله نحو تبني رواية أحادية الجانب مؤيدة لإسرائيل.”
وأضاف أن “معدو التقرير يريدون من دوتشيه فيله تبنى رواية ترى مطالب الفلسطينيين بالحرية أعمال شغب تقودها مجموعات إرهابية وأن أزمة الشيخ جراح دعاية فلسطينية، ومجرد ذكر النكبة الفلسطينية تشكيك معادٍ للسامية في حق إسرائيل في الوجود”.
خلص التقرير إلى استنتاجات مفادها أن بعض المتعاونين المستقلين مع دوتشيه فيله وضيوفهم لديهم آراء معادية للسامية تستلزم فصلهم. وبالفعل، فصلت دوتشيه فيله خمسة موظفين حتى قبل إصدار التقرير. وحتى قبل أن تتاح لهؤلاء الموظفين أي فرصة لقراءة نتائج التقرير أو الاعتراض عليها.
وكان من بين الموظفين الذي فصلتهم القناة “فرح مرقة”، وهي أردنية من أصول فلسطينية تعرضت لحملة تشهير قبل بدء التحقيق. وتضمنت اتهامات معاداة السامية ضد “مرقة”، والتي نُشرت في صحيفة شبيغل الألمانية، ادعاءات بأنها وصفت إسرائيل بـ “السرطان” وقالت إنها مستعدة للانضمام إلى “داعش” في مقال نشر عام 2014.
وكان الأورومتوسطي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كشف عدم صحة تلك الاتهامات ضد “مرقة”، موضحًا كيف تمت إساءة تفسيرها وإخراجها من سياقها عن عمد.
بناءً على ذلك، استبعد التقرير الذي صدر يوم الإثنين الماضي هذه الاتهامات، رغم أنها كانت جزءًا قويًا من سبب بدء هذا التحقيق المستقل في المقام الأول.
وأكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أنه كان من الممكن أيضًا الطعن في معظم الاتهامات الواردة في التقرير ضد بقية موظفي وشركاء دوتشيه فيله لو أنهم مُنحوا فرصة عادلة لتقديم رد شامل ومفصل، أو في حال كان من بين معدي التقرير خبراء في الشأن الفلسطيني.
وحذر المرصد الأورومتوسطي المؤسسات الإعلامية الألمانية مثل دوتشيه فيله من الفصل غير العادل للصحافيين العرب دون منحهم فرصة عادلة للطعن في نتائج التقارير.
هذا وحذر شبكة دوتشيه فيله من تقييد الخطاب المؤيد للفلسطينيين ومعاقبة الموظفين أو الشركاء بسبب تبنيهم آراء مشروعة مؤيدة للفلسطينيين.