نداء مشترك: التأثير السلبي لزيارة الرئيس بايدن على حركة حقوق الإنسان في المنطقة
تكبدت حركة حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ثمناً باهظاً نتيجة للدعم غير المحدود وغير المشروط الذي تقدمه بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية للحكومات القمعية في مختلف بقاع المنطقة.
عززت الزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكي “جو بايدن“ ممارسة العلاقات الدولية القائمة على منح الأولوية للمصالح السياسية والاقتصادية عند التعامل مع الحكومات القمعية و غض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان وذلك على حساب المدافعين عن حقوق الإنسان وسجناء الرأي.
هناك معتقد سائد لدى العديد من الحكام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذين يرون المدافعين عن حقوق الإنسان على أنهم أعداء يجب التخلص منهم.
وبناءً عليه تم استهدافهم في السنوات الأخيرة من خلال الهجمات الشرسة التي استخدمت فيها الحكومات العديد من الموارد لمنع المدافعين من القيام بعملهم.
لقد تعرض المدافعون عن حقوق الإنسان للقتل مع إفلات الجناة من العقاب، وتعرضوا للاعتقال التعسفي والاحتجاز والتعذيب.
لقد تم الزج بهم في السجون بأحكام قاسية أمام المحاكم بتهم ملفقة على خلفية عملهم السلمي والمشروع في مجال حقوق الإنسان.
بالإضافة إلى ذلك، فقد تم استهدافهم بسبب نشاطهم السلمي على الإنترنت. وتعرضوا لهجمات الاختراق والمراقبة.
بالإضافة لتعرضهم للتجسس من قبل برنامج التجسس سيئ السمعة بيغاسوس كما كشف مشروع بيغاسوس.
في 9 يونيو/حزيران 2022، دعت أكثر من اثنتي عشرة منظمة حقوقية الرئيس “بايدن” إلى وضع شروط مسبقة صارمة قبل لقائه مع ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان“.
من هذه الشروط الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين، ورفع حظر السفر التعسفي عن المدافعين عن حقوق الإنسان، وإنهاء ممارسة المراقبة غير القانونية وعمليات خطف الرهائن على يد أجهزة الدولة.
كما اقترح عدد من منظمات حقوق الإنسان أن يلتقي “بايدن” بمجموعة من المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان المستقلين في المنفى.
وذلك من أجل الوقوف على حالة الانتهاكات الجسيمة التي تتم في دول المنطقة والمساعدة في الحد منها.
وكانت الآمال معلقة على أن يعقب الاجتماع بيان واضح وقوي من الرئيس “بايدن” يؤكد من خلاله دعمه لحقوق الإنسان ومطالبته بالإفراج عن جميع معتقلي الرأي في المنطقة.
لكن سرعان ما تلاشت كل تلك الآمال، حيث لم يتم التطرق لمسألة حقوق الإنسان بشكل ملائم خلال رحلته، لا بشكل علني ولا حتى خلف الأبواب المغلقة،
حيث أفاد مصدر محلي موثوق به بأن الرئيس بايدن عاد من زيارته إلى المنطقة بخفي حنين فيما يتعلق بضمان حرية المدافعين عن حقوق الإنسان وباقي سجناء الرأي الآخرين.
وسرعان ما جاءت ردود أفعال الحكومات القمعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عقب زيارة الرئيس بايدن إلى المملكة العربية السعودية، والتي انتهت في 16 يوليو/تموز 2022.
تظهر سلسلة من الانتهاكات المتتالية بوضوح تدهور خطير في التزامات تلك الدول في مجال حقوق الإنسان، وانتهازها لتلك الزيارة من أجل التستر على الانتهاكات الجسيمة للحقوق المدنية وحقوق الإنسان للمواطنين.
في نظر كبار المسؤولين السعوديين وفي مقدمتهم ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان“، تعتبر الزيارة بمثابة ضوء أخضر لمواصلة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
في 9 أغسطس/آب صدر حكماً بالسجن لمدة 34 عاماً على المدافعة السعودية عن حقوق الإنسان “سلمى الشهاب“.
تلا ذلك بعدها بثلاثة أسابيع حكماً بالسجن لمدة 45 عام على “نورة بنت سعيد القحطاني“.
لقد تمت إدانتهما على خلفية نشاطهما على الإنترنت من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة بموجب نظام مكافحة الإرهاب وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية.
تلك الأحكام هي أطول أحكام تصدر بحق أي ناشط سلمي على الإطلاق في السعودية، وهي احدى النتائج المباشرة للزيارة ونشطاء حقوق الإنسان في المنطقة لا يراودهم شك أن الحكم المطول وثيق الصلة بالزيارة.
هذه الأحكام التي لا تمت للعدالة بصلة، هي في حقيقة الأمر رسالة تهديد وترهيب، موجهة من ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” إلى جميع نشطاء الإنترنت مفادها أن العواقب ستكون وخيمة.
حيث يهدف إلى منعهم من القامن بطريقة متحضرة وسلمية بالتعبير عن آراء داعمة لحقوق الإنسان في البلاد. فهم يقومون بالدفاع عن سجناء الرأي الذين تعج بهم السجون.
كما يثير القلق مصير معتقلات أخريات، مثل الدكتورة “لينا الشريف“، بعد هذا الحكم، الذي يفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير الدولية للمحاكمة العادلة والإجراءات القانونية.
هناك أسباب قوية ترجح أن نشطاء الإنترنت الآخرين قد يواجهوا عقوبات مطولة مماثلة تمتد لعشرات السنوات أيضاً.
في قطر، جاء الرد على الزيارة في لمح البصر. ففي 21 يوليو/تموز 2022، انقطعت الاتصالات تماماً مع مجموعة من المواطنين الذين أعلنوا عن إطلاق “الحملة الوطنية للمواطنين الممنوعين من السفر”.
من بين هؤلاء المواطنين “عبد الله بن أحمد بو مطر المهندي” المنسق العام للحملة. بالإضافة إلى “سعود بن خليفة بن أحمد آل ثاني” منسق العلاقات الدولية، و”عيسى بن مرضي جهيم الشمري” منسقها الإعلامي.
هؤلاء ما زالوا محتجزين من قبل أمن الدولة في الحبس الانفرادي، ولم يُسمح لهم بعد بالاتصال بأسرهم أو بتوكيل محام.
وكان المواطنون الثلاثة من بين الأعضاء الذين حضروا الاجتماع التأسيسي، حيث مُنعوا من السفر لسنوات طويلة رغم أنهم لم يرتكبوا أي مخالفات.
أما في الإمارات العربية المتحدة، تقاعست السلطات عن إطلاق سراح اربعين سجيناً من سجناء الرأي على الرغم من انتهاء مدة عقوبتهم.
ينتمي العديد منهم لمجموعة من السجناء تُعرف باسم مجموعة الإمارات 94، الذين تم اعتقالهم في عام 2012
حُكم عليهم بالسجن بمدد تتراوح ما بين سبعة أعوام وخمسة عشر عاماً خلال محاكمة جائرة في عام 2013 على خلفية أنشطتهم المؤيدة للديمقراطية.
أكدت تقارير أخرى لاحقة تلقاها مركز الخليج لحقوق الإنسان في بداية شهر أغسطس/آب استمرار سياسة السلطات في احتجاز سجناء الرأي بعد انتهاء مدة عقوبتهم.
وذلك بزعم أنهم يشكلون تهديداً لأمن الدولة و أنهم بحاجة إلى إعادة التأهيل.
عادة يتم نقل السجناء المقرر إطلاق سراحهم من سجن الرزين إلى مركز المناصحة، والذي على الرغم من اسمه الذي ينم عن التسامح، إلا أنه مجرد مبنى آخر في نفس السجن بمعزل عن باقي الأجنحة.
وبحسب مصادر موثوقة، فقد تم إبلاغ سجناء الرأي المقرر إطلاق سراحهم خلال الأشهر المقبلة بأنه لن يتم الإفراج عنهم، لكنهم سيخضعون لما يسمى ببرنامج المناصحة، حيث يتم احتجازهم لأجل غير مسمى.
بينما في مصر، على الرغم من حملة التضامن الدولي واسعة النطاق التي تطالب بالإفراج عن “علاء عبد الفتاح“.
إلا أنه لا يزال خلف القضبان مضرباً عن الطعام لأكثر من 150 يوماً احتجاجاً على سوء الأوضاع واستمرار سجنه في انتهاك لحقه في حرية التعبير.
من المؤكد أن لقاء الرئيس “بايدن” منح الرئيس “عبد الفتاح السيسي” دفعة لتفكيك حركة حقوق الإنسان و للإبقاء على “علاء عبد الفتاح” وآخرين في السجن.
تقع مسؤولية التدخل لتوفير الحماية والمساعدة في إطلاق سراح “عبد الفتاح” على عاتق المملكة المتحدة، كونه مواطن بريطاني-مصري مزدوج الجنسية.
لم يتم تمكين “علاء” حتى الآن من زيارة قنصلية من المملكة المتحدة، ولا يزال محروماً من إمكانية التواصل مع محاميه في المملكة المتحدة.
ولا يزال يطلب أن يقوم قاضٍ بالتحقيق في الشكاوى التي قدمها هو وعائلته بشأن احتجازه غير العادل. إلى ذلك الحين، الوقت يمر بينما تستمر صحة “عبد الفتاح” في التدهور بشكل كبير.