أسرى فلسطينيون لدى إسرائيل يواجهون معاملة غير إنسانية ترقى لجرائم حرب
قالت “هيومن رايتس ووتش” إن القوات الإسرائيلية تنشر صورا وفيديوهات مهينة للفلسطينيين المحتجزين، بينهم أطفال، ما يشكّل معاملةً لاإنسانية واعتداءً على كرامتهم الشخصية بما يرقى إلى جريمة حرب.
وبحسب المنظمة فإنه في كثير من الحالات، جُرَّد المحتجزون من ملابسهم، أحيانا بالكامل، ثم التُقطت لهم صور أو فيديوهات، ونشرها جنود إسرائيليون أو وسائل إعلام أو نشطاء. التعرية القسرية التي يتبعها التقاط صور ذات طابع جنسي ونشرها في وسائل التواصل الاجتماعي هي من أشكال العنف الجنسي وجريمة حرب أيضا.
قالت بلقيس جراح، مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش بالإنابة: “تجاهلت السلطات الإسرائيلية لأشهر نشر عناصر من جيشها صور وفيديوهات مهينة يظهر فيها فلسطينيون محتجزون لديها وهم عراة أو شبه عراة. يمكن تحميل كبار المسؤولين والقادة العسكريين المسؤولية الجنائية عن الأمر بارتكاب هذه الجرائم، أو عدم منعها أو معاقبتها، من خلال سبل تشمل المحكمة الجنائية الدولية”.
أدان مسؤولون عسكريون إسرائيليون علنا قيام بعض عناصر قواتهم بنشر صور للمحتجزين، لكن على حد علم هيومن رايتس ووتش، لم تُدِن الحكومة علنا معاملة المحتجزين الفلسطينيين الذين ظهروا في الصور. لم تعلن السلطات القضائية عن أي ملاحقات قضائية لهذه الجرائم.
وفي 15 يوليو/تموز، كتبت هيومن رايتس ووتش إلى “مكتب الدبلوماسية العامة” في الجيش الإسرائيلي، لكنها لم تتلق أي رد.
منذ أكتوبر/تشرين الأول، أفادت تقارير أن القوات الإسرائيلية احتجزت آلاف الفلسطينيين من غزة في قاعدة “سْدي تيمان” العسكرية جنوب إسرائيل، حيث تعرضوا بحسب تقارير لسوء المعاملة والتعذيب وتوفي 36 على الأقل أثناء الاحتجاز، وفقا لتقارير إعلامية.
حتى يوليو/تموز، ما يزال 124 فلسطينيا في سدي تيمان، وفقا لـ “تايمز أوف إسرائيل”، رغم دعوة المدعي العام الإسرائيلي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى نقل المحتجزين خارج المنشأة بسبب تقارير عن الانتهاكات والوفيات في الحجز.
حللت هيومن رايتس ووتش 37 منشورا صوَّرت الفلسطينيين الأسرى، وأغلبهم من الرجال والفتية في غزة والضفة الغربية، غالبا مجردين من ملابسهم باستثناء ملابسهم الداخلية، وفي بعض الحالات عراة تماما، ومقيدي الأيدي، ومعصوبي الأعين، ومصابين.
تضمنت بعض المنشورات تعليقات مهينة ومذلّة كتبها جنود أو صحفيون إسرائيليون. أزالت منصات مثل “تيكتوك” و”يوتيوب” بعض هذه المنشورات.
بين 25 أكتوبر/تشرين الأول و28 ديسمبر/كانون الأول، نشر جندي إسرائيلي، يحمل الجنسية الأمريكية وفقا لحساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، سبع صور وفيديوهات على الأقل لرجال فلسطينيين محتجزين لدى وحدته في الضفة الغربية.
يظهر في الصور المحتجزون بملابسهم مكبلي الأيدي، والعديد منهم معصوبو الأعين، ووضِعت على بعضهم أعلام إسرائيلية.
في مقطعَيْ فيديو نُشرا في 28 و29 أكتوبر/تشرين الأول، يضع جندي أوراقا نقدية من فئة الدولار الأمريكي على ركبتيْ رجلَيْن مكبلي الأيدي ومعصوبَي الأعين وجالسين القرفصاء، كـ “مباركة” بينما يسخر منهما ويطلب منهما تكرار عبارات بالعبرية. نشر الجندي أيضا تعليقات مهينة مثل “نضايق حماس” (“trolling Hamas”) رافقت بعض الصور المنشورة.
في حالة أخرى، نشر جندي إسرائيلي في غزة صورة على “فيسبوك” في 8 ديسمبر/كانون الأول، تظهر 22 رجلا محتجزا على الأقل في صف واحد، جميعهم مجردون من ملابسهم باستثناء ملابسهم الداخلية، وبعضهم معصوبو الأعين. يبدو أن هناك طفلين على الأقل بين المحتجزين. يقول التعليق: “كجزء من مهمتنا، أبقينا إرهابيي حماس قيد الاعتقال. سنكتفي بهذه الصورة، هناك صور ليست للنشر…”.
تُظهر صورة أخرى نشرها جندي إسرائيلي على “إنستغرام”، وهو يحمل الجنسية الأمريكية بحسب تقارير إعلامية، ما يُفترض أنها صورة له وهو يقف أمام ستة رجال على الأقل وظهورهم للكاميرا، لا يرتدون سوى ملابسهم الداخلية، راكعين على الأرض ومكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين، وأذرعهم فوق رؤوسهم. يقول التعليق على الصورة، وهي الآن محذوفة: “أمي، أعتقد أنني حررت فلسطين”.
خلص تحقيقان منفصلان أجرتهما “هيئة الإذاعة البريطانية” (بي بي سي) حول سلوك الجنود الإسرائيليين، في فبراير/شباط في غزة، وفي مايو/أيار في الضفة الغربية، إلى أن الجنود الإسرائيليين نشروا على منصات التواصل الاجتماعي عشرات الصور والفيديوهات التي تهدف إلى إذلال الفلسطينيين، منها صور محتجزين جُرِّدوا من ملابسهم باستثناء ملابسهم الداخلية، وآخرون لُفُّوا بالأعلام الإسرائيلية.
قال الجيش الإسرائيلي لـ بي بي سي إنه أنهى خدمة أحد جنود الاحتياط وأن هذا السلوك لا يُمثّل قيمه.
في رد على تحقيق آخر لـ بي بي سي، قال الجيش الإسرائيلي إنه أصدر تعليماته للجنود “بتجنب نشر لقطات لأنشطة العمليات في شبكات التواصل الاجتماعي”، ورغم أنه لم يُدِن أي أعمال محددة، إلا أنه قال إن الجنود “تم تأديبهم وحتى إيقافهم عن العمل من الخدمة الاحتياطية” في حالات “سلوك غير مقبول”.
قال المتحدث باسم الجيش دانييل هاغاري ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي بشكل منفصل في ديسمبر/كانون الأول، إنه يجب تجريد الأشخاص الذين استسلموا أو اعتُقلوا من ملابسهم وتفتيشهم لأنهم قد يحملون متفجرات أو أسلحة، لكن يجب إعادة الملابس إليهم والامتناع عن نشر أي صور التُقطت لهم. قال هاغاري إن الصور كانت “غير اعتيادية” وإنه ستُتخذ تدابير تأديبية لدى وقوع أي حدث يتعارض مع قيم الجيش الإسرائيلي.
لم يقدم الجيش الإسرائيلي مزيدا من التفاصيل بشأن محاسبة المسؤولين عن مثل هذه الأفعال.
في تقريرها الصادر في مايو/أيار 2024، خلصت “لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقية، وإسرائيل” التابعة للأمم المتحدة إلى أن التجريد القسري والتعري وما يتصل بذلك من “أعمال اضطهاد محددة” ضد الرجال والفتيان الفلسطينيين المحتجزين لدى إسرائيل، كان بأمر من السلطات الإسرائيلية أو بتغاضيها عنها، نظرا لتكرار هذه الانتهاكات، والطريقة التي صُوّرت فيها هذه الأعمال، وحدوثها في عدة مواقع.
العنف الجنسي وارتكاب “الاعتداء على الكرامة الشخصية” بحق المحتجزين انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، التي تنطبق على جميع الأطراف في الأعمال العدائية في إسرائيل وفلسطين.
هاجمت القوات الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر بشكل غير قانوني المباني السكنية والمرافق الطبية وعمال الإغاثة، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية المدنية في غزة إلى حد كبير، بما فيها محطات المياه والكهرباء.
وتستخدم إسرائيل التجويع كسلاح حرب في غزة، حيث نزح حوالي 90% من السكان، وعديد منهم هُجِّروا بشكل متكرر.
أبلغت وزارة الصحة في غزة عن أكثر من 38 ألف وفاة و88 ألف إصابة. تحدث هذه الانتهاكات وسط استمرار الجريمتين الإسرائيليَّتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد ضد الفلسطينيين.
تنص “المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف” على أن كل محتجز لدى أحد الأطراف المتحاربة “يجب أن يعامل في جميع الأحوال معاملة إنسانية”. تشمل الأفعال المحظورة “الاعتداء على الكرامة الشخصية، ولا سيما المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة”. تشكل انتهاكات المادة 3 جرائم حرب.
تُعرّف المحكمة الجنائية الدولية، في شرحها لـ “أركان الجرائم” المتعلقة بالجرائم المنصوص عليها في “نظام روما الأساسي”، “الاعتداء على الكرامة الشخصية” بأنه الأفعال التي “يقوم [فيها] مرتكب الجريمة بإذلال شخص أو أكثر أو الحد من قدره أو انتهاك كرامته وأن تبلغ شدة الإذلال والحط من القدر أو غيرهما من الانتهاكات حدا يُسلم الجميع بأنها تمثل اعتداء على الكرامة الشخصية”.
في 20 مايو/أيار، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أنه يسعى للحصول على أوامر اعتقال ضد مسؤولين رفيعين إسرائيليين وثلاثة من قادة حماس. أكد خان أن مكتبه يجري تحقيقا منذ مارس/آذار 2021 في الجرائم الخطيرة المرتكبة في غزة والضفة الغربية، بما فيه في القدس الشرقية، منذ 2014، وأن مكتبه يتمتع بالولاية القضائية على الجرائم المرتكبة في الأعمال العدائية الحالية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة التي تشمل السلوك غير القانوني من قبل جميع الأطراف.
قالت جراح: “يعترف القانون الدولي بالكرامة المتأصلة للبشر العالقين في نزاع، بغضّ النظر عن الجانب الذي ينتمون إليه. للضحايا الحق في العدالة والمساءلة، ويجب التحقيق في أي دليل على العنف الجنسي بشكل سريع، وبطريقة شاملة وذات مصداقية، وتعطي الأولوية لاحتياجات الناجين ورفاههم ورغباتهم”.