جنوب السودان: تقاعس عن محاسبة “الأمن الوطني” عن انتهاكات مروعة
قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير نشرته اليوم إن سلطات جنوب السودان تقاعست عن وضع حد للانتهاكات المروّعة التي ارتكبها “جهاز الأمن الوطني” (الجهاز) أو التحقيق فيها.
منذ اندلاع الحرب الأهلية في ديسمبر/كانون الأول 2013، نفذ الجهاز اعتقالات تعسفية تنطوي على انتهاكات، وعمليات قتل خارج القضاء، وإخفاء قسري، ومراقبة غير قانونية، دون مساءلة أو إنصاف للضحايا.
التقرير الصادر في 78 صفحة، بعنوان “ما الجريمة التي دفعتُ ثمنها؟́ انتهاكات جهاز الأمن الوطني في جنوب السودان”، يبحث بعمق في أنماط الانتهاكات التي ارتكبها الجهاز بين 2014 و2020، وفي جو الخوف الذي يخلقه.
حددت أبحاث هيومن رايتس ووتش العقبات التي تحول دون تحقيق العدالة عن هذه الانتهاكات، بما فيها حرمان المحتجزين من الإجراءات القانونية الواجبة، وغياب أي رقابة قضائية أو تشريعية مجدية على الجهاز، والحصانة القانونية التي يتمتع بها أفراده، وأخيرا انعدام الإرادة السياسية لمعالجة هذه الممارسات الواسعة الانتشار. خلّفت هذه الانتهاكات مشاكل صحية جسدية ونفسية طويلة الأمد لدى الضحايا.
قالت كارين كانيزا نانتوليا، مديرة المناصرة لأفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “كل ما نحتاج إليه هو الإرادة السياسية لكبح هذا الجهاز السيئ السمعة في جنوب السودان وضمان الانتصاف عن سنوات من الانتهاكات.
بدل ذلك، لا يزال الجهاز أداة القمع المفضلة لدى الحكومة، ما يُعزّز ثقافة الإفلات من العقاب، ويترك الضحايا وعائلاتهم مع فرص ضئيلة للعدالة”.
قابلت هيومن رايتس ووتش 85 شخصا، منهم محتجزون سابقون لدى الجهاز، وأفراد عائلات المحتجزين، ونشطاء، ومحللون سياسيون، وموظفون مدنيون، وعسكريون سابقون، وعناصر أمن ومخابرات، وأفراد عائلات ضحايا انتهاكات الجهاز، وممثلون عن منظمات غير حكومية محلية ودولية، ودبلوماسيون، ومسؤولون في “الأمم المتحدة”.
يستند التقرير أيضا إلى بحوث نشرتها هيومن رايتس ووتش، و”منظمة العفو الدولية”، و”لجنة حقوق الإنسان” في جنوب السودان، و”بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان”، و”لجنة حقوق الإنسان التابعة لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان” في جنوب السودان، و” فريق الخبراء المعني بجنوب السودان” التابع للأمم المتحدة، ومنظمات غير حكومية دولية ومحلية أخرى.
منذ اندلاع النزاع، استهدف الجهاز بانتظام الصحفيين، والنشطاء، وشخصيات المعارضة، والمنتقدين بالاعتقالات والانتهاكات الأخرى.
تَوسّع أيضا دورها من جمع المعلومات الاستخبارية ليشمل وظائف إنفاذ القانون والعمليات القتالية.
احتُجز المعتقلون في ثلاثة مواقع احتجاز تابعة للجهاز في جوبا – البيت الأزرق، وريفرسايد، وحي جلابة – أو في أماكن سرية، بما فيها المنازل، لساعات وحتى لأربع سنوات.
كل هذه الأماكن ليست مرخّصة قانونيا كمواقع احتجاز. قال مسؤول في المخابرات لـ هيومن رايتس ووتش إن الغموض المحيط بالاعتقالات يُصعّب من معرفة عدد المحتجزين حاليا لدى الجهاز، لكن حتى أواخر أكتوبر/تشرين الأول، كان الجهاز يحتجز 200 شخص على الأقل في البيت الأزرق.
عذّب مسؤولو الجهاز المحتجزين وأساؤوا معاملتهم، بما فيه عبر الضرب، وثقبهم بالإبر، وتقطير البلاستيك الساخن الذائب عليهم، وتعليقهم رأسا على عقب بحبل، والصدمات الكهربائية، والاغتصاب. كان من بين المحتجزين لدى الجهاز نساء حوامل، وذوي إعاقة، وأطفال.
يُحرم المحتجزين من الاتصال بمحامين وبعائلاتهم. لم تُوجه تهم إلى معظمهم ولم يمثلوا أمام محكمة. قال من قابلناهم إنهم قد أُطلِق سراحهم بشكل تعسفي تماما كما احتُجزوا، بما فيه من خلال العفو الرئاسي، أو عبر العلاقات، أو بدفع الرشاوى.
هذه الاعتقالات المطوّلة والظروف القاسية، بما فيها الضرب، والحبس الانفرادي، وقلة الطعام والماء، لها آثار جسدية ونفسية على المحتجزين. قال محتجز سابق عمره 27 عاما تعرض للتعذيب عبر غرز إبر في خصيتيه في مركز احتجاز ريفرسايد: “ما زلت أشعر بالإبر تخترق جلدي”. قابلناه بعد ستة أشهر من إطلاق سراحه.
أجرى الجهاز أيضا مراقبة جسدية وهاتفية غير قانونية لبعض الأشخاص الذين قابلناهم قبل وبعد إطلاق سراحهم، ما دفع العديد منهم إلى الفرار من البلاد. ضايق الجهاز أيضا واختطف مواطنين من جنوب السودان في دول مجاورة مثل كينيا وأوغندا.
قالت هيومن رايتس ووتش إن هذه الممارسات ازدادت نتيجة انعدام الضوابط التشريعية المناسبة وضعف الرقابة القضائية والمدنية على الجهاز. يمنح “قانون جهاز الأمن الوطني” الجهاز سلطات واسعة للاعتقال، والاحتجاز، والتفتيش، والمصادرة، والمراقبة.
لا يتضمن القانون ضمانات لمنع الاحتجاز التعسفي والتعذيب أو غيرها من ضروب سوء المعاملة ويوفر حصانة لعناصر الجهاز. وجدت هيومن رايتس ووتش أنه بينما يتطلب القانون من الجهاز مثول المحتجزين أمام قاض خلال 24 ساعة من احتجازهم، نادرا ما يفعل الجهاز ذلك، إن فعل أصلا.
في سبتمبر/أيلول 2019، أصدر الرئيس سلفا كير أمرا بتشكيل محكمة لمحاكمة عناصر الجهاز على جرائم ضد الدولة. لكن لا يوجد دليل على أن المحكمة أو جهود المساءلة الأخرى أسفرت عن تحقيقات ومحاكمات ذات مصداقية بشأن الانتهاكات الجسيمة للحقوق.
كجزء من اتفاق السلام الذي أعيد تفعيله في البلاد في 2018، لإنهاء الحرب الأهلية، وافقت الحكومة على إصلاح الجهاز. مع ذلك، كانت التعديلات المقترحة المقدمة إلى وزارة العدل في يونيو/حزيران 2019 قليلة جدا ولا تتناول صلب الانتهاكات. مع أن هذه التعديلات تُجرّم التعذيب، إلا أنها تَحدُّ من سلطات الجهاز في الاعتقال والاحتجاز لكن لا تلغيها.
ستحتفظ القوات بسلطات المراقبة، دون إشراف كاف، وستحتفظ بسلطة واسعة للغاية لاعتقال الأشخاص المشتبه بارتكابهم “جرائم ضد الدولة”. هذه التعديلات معلقة في انتظار تشكيل البرلمان الجديد.
ينبغي لـ “المجلس التشريعي الانتقالي لجنوب السودان” الذي أُنشئ بموجب اتفاقية السلام – بمجرد إنشائه – مراجعة القانون فورا لفرض قيود حقيقية على دور الجهاز وسلطاته.
ينبغي للحكومة أن تأمر بإغلاق جميع مواقع الاحتجاز غير القانونية، والإفراج عن المحتجزين، وإدخال ضمانات قانونية مناسبة لمنع إساءة استخدام سلطات المراقبة التي يتمتع بها الجهاز.
قال محتجزون سابقون إنهم بحاجة إلى العدالة، والتعويض، وسبل العيش، ودعم الصحة النفسية، لكنهم يخشون الانتقام، قال محتجز سابق: “عذبوني واحتجزوني لأكثر من عام. أطلقوا سراحي بدون تهم وهددوني كيلا أخبر أحدا بما فعلوه بي… هل يمكنك التفكير فيما سيفعلونه بي إذا رفعت قضية ضدهم؟”.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي لسلطات جنوب السودان إجراء تحقيقات موثوقة وشاملة في انتهاكات الجهاز، بما في ذلك دور وزير الأمن القومي والقيادة العليا للجهاز في استمرار الانتهاكات التي يرتكبها الجهاز.
ينبغي للشركاء الإقليميين والدوليين لجنوب السودان الضغط على الحكومة لإنهاء الانتهاكات، وإصلاح الجهاز، وضمان العدالة على انتهاكاته.
قالت كانيزا: “على سلطات جنوب السودان إصلاح الجهاز وضمان العدالة وتعويض الضحايا. هذه خطوة حاسمة نحو بناء بلد حيوي يتجذر مستقبله في سيادة القانون واحترام الحقوق الأساسية”.
اقرأ أيضاً: لجنة حقوق الإنسان: استخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب في جنوب السودان