مطالبة حقوقية لإسرائيل بالإفراج عن جثة فلسطيني مقتول
القدس – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن السلطات الإسرائيلية تحتفظ منذ أكثر من عشرة أسابيع بجثة الفلسطيني أحمد عريقات بعد أن قتله عناصر أمن، على ما يبدو بدون أي تبرير، عند نقطة تفتيش، في خرق للقانون الإنساني الدولي.
يُظهر فيديو سيارة عريقات تصطدم بنقطة تفتيش في الضفة الغربية في 23 يونيو/حزيران 2020، ما أدى إلى سقوط عنصر أمن إسرائيلي أرضا، ومن ثم فتح العناصر الإسرائيليون النار عليه بعد أن خرج من سيارته وبدا أنه لم يعد يشكل خطرا وشيكا على الحياة.
تحتجز السلطات الإسرائيلية جثة عريقات منذ ذلك الحين، وقالت في مذكرة المحكمة في 7 سبتمبر/أيلول إنها لن تعيد الجثة إلى عائلته، عملا بقرار نُشر في 2 سبتمبر/أيلول بعدم إعادة جثث عشرات الفلسطينيين الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي، بشكل أساسي من أجل تبادلها مع جثتَي جنديين إسرائيليين تحتجزهما سلطات “حماس” في غزة بشكل غير قانوني.
قال عمر شاكر، مدير قسم إسرائيل وفلسطين في هيومن رايتس ووتش: “بعد قتل أحمد عريقات بدون أي تبرير على يبدو، تحتجز السلطات الإسرائيلية جثته منذ أكثر من شهرين. منع أسرة عريقات من دفنه بطريقة لائقة هو عمل قاسٍ ويفتقر للتبرير القانوني”.
على إسرائيل وحماس إعادة جميع الجثث التي يحتفظان بها إلى أُسرها من أجل دفنها. الفعل غير الشرعي من أحد الطرفين لا يبرر فعلا غير شرعي من الطرف الآخر.
قتل عناصر أمن إسرائيليون عريقات (26 عاما) قبيل الساعة 4 بعد ظهر 23 يونيو/حزيران عند نقطة تفتيش “الكونتينر”، على الطريق الرئيسية الفاصلة بين وسط الضفة الغربية وجنوبها. كان عريقات من سكان بلدة أبو ديس القريبة، على تخوم القدس الشرقية. قالت أسرته إنه أمضى بعد الظهر في التبضع لعرس شقيقته ذلك المساء.
يُظهر الفيديو الذي نشرته السلطات الإسرائيلية سيارة عريقات وهي تنحرف بقوة بينما كانت تقترب من الحاجز، حيث اصطدمت بالكشك الذي كان يتجمع فيه عناصر الأمن وأوقعت أحدهم أرضا. قال الناطق باسم الشرطة الإسرائيلية ميكي روزنفيلد إن إصابة العنصر، الذي وقف بسرعة، خفيفة.
وصفت السلطات الإسرائيلية الحادث على أنها هجوم بالدهس. ترفض أسرة عريقات هذا الوصف، وقالت لـ هيومن رايتس ووتش إنهم يعتقدون أنه فقد السيطرة على السيارة، على الأرجح بسبب عطل.
يُظهر الفيديو أن العناصر الإسرائيليين لم يطلقوا النار على عريقات عندما انحرفت السيارة، إنما لاحقا بعد أن خرج من السيارة بعد بضعة ثوان. قال روزنفيلد لوسائل الإعلام إن عريقات “نزل من السيارة واقترب من العناصر الذين ردوا بإطلاق النار”.
لكن يظهر في الفيديو أن العناصر أطلقوا النار على عريقات بمجرد خروجه من السيارة وكان يبدو أنه يبتعد عن العناصر. قالت هيومن رايتس ووتش إنه حتى لو اعتقد العناصر أن عريقات اصطدم بالحاجز عن قصد، لا يسمح القانون الدولي لحقوق الإنسان باستخدام القوة القاتلة ضده، بعد أن خرج من سيارته، إلا كملاذ أخير لمنع تهديد وشيك على الحياة.
لم تقل السلطات الإسرائيلية إن عريقات كان مسلحا أو إنها تحقق في الحادث. كتبت هيومن رايتس ووتش إلى شرطة حرس الحدود الإسرائيلية طلبا لمزيد من المعلومات وروايتها حول مقتل عريقات وقرار احتجاز جثته، لكنها لم تتلقَّ أي جواب.
تستخدم السلطات الإسرائيلية القوة المفرطة ضد الفلسطينيين منذ عقود في حالات لفرض الأمن كان يمكن خلالها استخدام أساليب أقل شدة. قبل أقل من شهر على قتل عريقات، في 30 مايو/أيار، قتلت شرطة حرس الحدود الإسرائيلية رجلا فلسطينيا لديه توحد، وهو إياد الحلاق (32 عاما)، بينما كان يسير صباحا نحو مركز للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في البلدة القديمة في القدس.
نقلت تقارير إعلامية قول عناصر أمن إنهم رأوا الحلاق يحمل شيئا مثيرا للشبهات، وأمروه بالتوقف لكنه هرب. قالت المرشدة المسؤولة عنه لوسائل إعلام محلية إنهم لحقوا به حيث التجأ إلى مكان محاط ومسيّج في الهواء الطلق يحتوي على حاويات قمامة، فأطلقوا النار عليه وقتلوه عن “مسافة الصفر”.
قال الضابط المسؤول لاحقا إن العنصر خالف أمره بعدم إطلاق الرصاص وإن الحلاق والمرشدة كانا “في مكان مغلق لا يمكن الهروب منه. لم يهجم عليهم أو أي أمر من هذا القبيل. ويبدو أنه لم يقاوم [الاعتقال]. لم يعرضني للخطر في هذا الوضع”.
السلطات الإسرائيلية تحقق في الحادث لكنها لم تنشر أي فيديو رغم المقال المنشور في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية الذي يؤكد وجود أكثر من عشر كاميرات تعمل في المكان.
طوّق الجيش الإسرائيلي نقطة التفتيش بُعيد قتل عريقات. يظهر عريقات في فيديو صُوّر بعد قتله بوقت قصير وهو ينزف، لكنه يتحرك. قالت شرطة حرس الحدود الإسرائيلية إن المسعفين وصلوا إلى مكان الحادث في غضون دقائق وقدموا إلى عريقات الإسعافات اللازمة وأعلنوا وفاته بعدها بقليل.
قال مسعفون فلسطينيون، طلبوا عدم الإفصاح عن هويتهم، لـ هيومن رايتس ووتش إنهم وصلوا إلى الحاجز في سيارة إسعاف بعد 15 دقيقة من إطلاق الرصاص استجابةً لاتصال طارئ، لكن السلطات الإسرائيلية منعتهم من الوصول إلى مكان الحادث. وقالوا إنهم الجنود أمروهم بالمغادرة بعد أن انتظروا نحو عشر دقائق. لم يروا أي مسعفين آخر يقدمون العلاج لعريقات.
قال مصطفى، والد عريقات، لـ هيومن رايتس ووتش إنه أسرع إلى المكان بعد سماعه بالحادث، لكنه عندما عرّف بنفسه قال له أحد العناصر، “إرحل من هنا”. وبعد أن انتظر نحو ساعة ونصف، رفض عنصر السماح له برؤية ابنه، وقال له، “لو قُتل أي من العناصر أو أصيب، لكنتُ الآن أهدم منزلك”.
تستمر السلطات الإسرائيلية باحتجاز جثة عريقات بعد أكثر من 80 يوما على قتله. ورد في عريضة تدعو إلى الإفراج عن جثة عريقات وقدمتها منظمة “عدالة” الحقوقية إلى المحكمة العليا الإسرائيلية أنه، في البداية، قالت السلطات الإسرائيلية لأسرة عريقات إنها ستسلمهم الجثة في اليوم التالي، لكنها اتصلت بهم لاحقا لتخبرهم أنها ستحتفظ بها “لاعتبارات سياسية”.
في 7 سبتمبر/أيلول، قالت الحكومة الإسرائيلية في مذكرة إلى المحكمة العليا إنها تنوي الاستمرار باحتجاز الجثة. قال مصطفى عريقات إن “أيام وليالي أسرته انقلبت رأسا على عقب” في انتظار عودة جثة ابنهم.
بحسب “مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان”، تحتجز إسرائيل حاليا جثث 67 فلسطينيا قتلتهم القوات الإسرائيلية منذ 2015. في 2017، قررت “المحكمة العليا” أن الدولة لا تملك أي أساس قانوني لاحتجاز الجثث. لكنها عادت عنه في 2019 ودعمت قرار سياسة الحكومة باحتجاز جثث الأفراد المنتمين إلى حماس وأولئك الذين كانوا قد قتلوا أو جرحوا إسرائيليين.
في 2 سبتمبر/أيلول، وبحسب عدالة، قرر مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي عدم إعادة جثة أي فلسطيني تقتله القوات الإسرائيلية خلال ما يشتبه أنه هجمات، بغض النظر عن انتمائه السياسي. بررت السلطات احتجاز الجثث على أنه رادع ونقطة قوة لضمان الإفراج عن إسرائيليين تحتجزهم حماس بطريقة غير قانونية في غزة.
يبدو أن سلطة حماس تحتجز جثتي جنديين إسرائيليين، هما أورون شاؤول وهادار غولدن، اللذين يفترض أنهما قُتلا خلال حرب 2014. كما يبدو أنها تحتجز مدنيَّين إسرائيليَّين لديهما إعاقات نفسية-اجتماعية، وهما أفيرا مانغستو وهشام السيد، اللذين دخلا إلى غزة في 2014 و2015 على التوالي، ومن الواضح أنهما محتجزان بمعزل عن العالم الخارجي منذئذ.
احتجاز الجثث يتعارض مع قاعدة القانون الإنساني الدولي التي تنص على أن “تسعى أطراف النزاع إلى تسهيل إعادة رفات الموتى بناء على طلب الطرف الذي ينتمون إليه”. العقاب المقصود وغير المشروع لعائلات الموتى، غير المتهمة بأي جرم، هو أحد أشكال العقاب الجماعي الذي يشكل انتهاكا خطيرا للقانون الإنساني الدولي. كما قد يرقى إلى مستوى المعاملة غير الإنسانية والمهينة بحق أسرة المتوفى، في مخالفة للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
قال شاكر: “ينبغي لإسرائيل وحماس إنهاء سياساتهما غير الإنسانية المتمثلة باحتجاز الجثث والتفاوض عليها. بالحد الأدنى، يجب أن تتمكن كل أسرة من دفن فقيدها بطريقة لائقة”.