تونس: مطالب بإلغاء الأحكام الجائرة في “قضية التآمر” وسط انتقادات واسعة للنظام القضائي
أعربت منظمات حقوق الإنسان عن استنكارها الشديد بعد قرار محكمة الاستئناف بتونس بتأييد أحكام الإدانة بحق 34 متهمًا في ما يُعرف بـ “قضية التآمر”، والتي تراوحت مدد السجن فيها بين خمسة أعوام و45 عامًا، معتبرة هذه الأحكام “جائرة وصارخة” ومُعبرة عن استخدام الجهاز القضائي لتصفية الحسابات السياسية.
وقالت سارة حشاش، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، إن القرار “يشكل إدانةً صارخةً للنظام القضائي التونسي، إذ صادق على محاكمة صورية استندت إلى تهم ملفقة، مستهدفةً سياسيين بارزين ومحامين ومدافعين عن حقوق الإنسان”.
وأشارت إلى أن محكمة الاستئناف تغاضت عمدًا عن الانتهاكات المتكررة لمعايير المحاكمة العادلة، بما في ذلك حرمان المتهمين المحتجزين من التواجد الشخصي داخل قاعة المحكمة وإجراء المحاكمات عن بعد.
وجاء في البيان أن الأحكام تعكس استمرار اعتبار المشاركة في المعارضة السلمية “جريمة يعاقب عليها بالسجن لفترات طويلة”، مشيرًا إلى تشديد حكم جوهر بن مبارك من 18 إلى 20 عامًا، رغم إضرابه عن الطعام احتجاجًا على احتجازه التعسفي ومحاكمته الجائرة.
وأعربت منظمة العفو عن قلقها الشديد تجاه مصير الناشطين السياسيين شيماء عيسى وأحمد نجيب الشابي، والمدافع عن حقوق الإنسان العياشي الهمامي، بعد صدور أحكام عليهم بالسجن لمدة 20 عامًا و12 عامًا وخمسة أعوام على التوالي.
وتعود خلفية القضية إلى محاكمة 37 شخصية من المعارضة والمحامين والناشطين بتهم “التآمر ضد أمن الدولة”، حيث أصدرت المحكمة الابتدائية أحكامًا بالسجن بين أربعة أعوام و66 عامًا في أبريل/نيسان 2025، وسط انتقادات واسعة بسبب الانتهاكات الجسيمة لمعايير المحاكمة العادلة، وتدخل السلطة التنفيذية، وغياب الشفافية.
وأجبرت محكمة الاستئناف المتهمين المحتجزين على المشاركة في الجلسات عن بُعد رغم اعتراضهم، ما حرَمهم من حقهم في الدفاع الشخصي، فيما أُبلغ بعضهم فقط في يوم الجلسة، بينما لم يتلق الآخرون أي استدعاء على الإطلاق.
وشملت الأحكام شخصيات بارزة مثل خيام التركي، جوهر بن مبارك، عصام الشابي، غازي الشواشي، ورضا بلحاج، فضلًا عن ناشطين يقيمون في الخارج، بينهم المدافعة عن حقوق الإنسان بشرى بالحاج حميدة، التي حُكم عليها بالسجن 33 عامًا.
وأكدت منظمة العفو أن السلطات التونسية يجب أن تلغي فورًا هذه الأحكام الجائرة، وتفرج دون قيد أو شرط عن جميع المحتجزين لمجرد ممارسة حقوقهم الإنسانية، كما يجب أن تُوقف الاضطهاد المستمر ذي الدوافع السياسية بحق المعارضين والمحامين.
وأشارت إلى أن استمرار النظام القضائي في تغطية مثل هذه الانتهاكات يُشجع على الاستبداد ويؤجج أزمة حقوقية شاملة في البلاد.
وتأتي هذه التطورات في سياق بيئة سياسية متوترة في تونس، حيث تُستخدم الأجهزة القضائية كأداة لضمان السيطرة على المعارضة، فيما تزداد المخاوف الدولية من تراجع الدولة عن الالتزامات الدستورية والحقوقية الأساسية، بما يشمل حرية التعبير والتجمع والمشاركة السياسية.
ويؤكد خبراء حقوقيون أن مثل هذه المحاكمات الصورية تُضعف الثقة العامة في القضاء، وتستنزف فرص تونس في تحقيق إصلاحات سياسية حقيقية ومستقرة.
وتظل قضية “التآمر” رمزًا للانتهاكات الحقوقية والسياسية في تونس، وتبرز الحاجة الملحة لإصلاح القضاء وضمان حماية المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان من أي انتقام قضائي، بما يعزز مبادئ العدالة وسيادة القانون في البلاد.